البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الانقسام مفسدةٌ للأخلاق

كاتب المقال د. مصطفى يوسف اللداوي - غزة    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4372 moustafa.leddawi@gmail.com


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


كثيرةٌ هي المفاسد التي خلقها الانقسام الفلسطيني، فهي أكثر من أن يحصيها عادٌ، أو يشملها كاتبٌ في مقالة، أو يستعرضها باحثٌ خلال دراسة، إذ ليس في الانقسام حسنةٌ واحدة، ولا ميزة فيه تجعل منه أهون الضررين أو أقل الشرين، ولا يصح أن نقول فيه أن شره أكثر من خيره، فهو شرٌ خالص ومصيبةٌ محض، ولا خير منه يرتجى مهما خلصت النوايا وصدقت المقاصد، ولا قدرة لمستفيدٍ منه أن يزينه، ولا لمنتفعٍ منه أن ينفي عيوبه ويطمس أضراره، إنه طريقٌ لا يؤدي إلى نجاة، ولا يقود إلا إلى مهلكة، إنه سبيل بقاء الاحتلال ودوام الحال، فهو وصفة المستعمرين القدماء ومنهج المحتلين الأوائل، "فرق تسد".

مفاسد الانقسام عديدة الوجوه ومختلفة الأشكال، ومتعددة الألوان، طالت كل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسلوكية والنفسية، وعمت أرجاء الوطن كله، في الداخل والشتات، ولم تقتصر مفاسده ومضاره على قطاع غزة دون الضفة الغربية، بل شملت كل المناطق بلا استثناء، وتركت آثارها على جميع المواطنين بلا تمييز، وإن كانت بعض آثاره تبدو في غزة أكثر، إذ أنها الأكثر تضرراً من الانقسام، والأكثر تأثراً بتداعيات الحصار، والأكثر تعرضاً للقصف والغارات الإسرائيلية، وهي محل الاختلاف، وقاعدة حماس الحركة الأقوى تمثيلاً وحضوراً، والأقوى سلطة ونفوذاً.

لعل المفاسد الاجتماعية للانقسام تفوق بكثير كل المفاسد السياسية التي تطفو على السطح، وتظهر للعيان عبر وسائل الإعلام، فالبيوت الفلسطينية مقسمة، والأسر مشتتة بين مؤيدٍ ومعارض، وعاملٍ ومستنكف، وموظفٍ وعاطل، ومنَعَّمٍ ومحروم، وحرٍ وسجين، ومريضٍ يعالج ومحرومٍ يعاني، وطالبٍ يدرس وآخر عاجز، ومواطنٍ يسافر وآخر ممنوع، وهاربٍ من الحسم أو الانقلاب ورافضٍ للعودة في ظل حكومة حماس، ومصرٍ على البقاء في الخارج، رغم مظاهر الذل وعلامات الصغار والانكسار، واحتمالات الارتباط والارتهان، ومساعي الإسقاط والانزلاق، وغيرها كثير من مظاهر التناقض والمرض التي خلقها الانقسام وكرسها الاختلاف، مما تعافه النفوس الكريمة، وتأباه الشعوب الحرة.

أما الاستنكاف الذي كان نتيجةً غير طبيعية للانقسام، وظاهرة مرضية مقيتة، وردةَ فعلٍ غير حكيمة، فقد انقلبت آثاره على المواطن والمجتمع، وانعكست نتائجه على المفاهيم العامة، والسلوك الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين، فهو لا يتناسب مع قيم المجتمع الفلسطيني العامل الجاد، ويتناقض مع طبيعتهم المثابرة، إذ لا يعرف عن الفلسطينيين كرههم للعمل، وإيثارهم للخمول والكسل، ونفورهم من الإنتاج، وتفضيلهم وميلهم للنوم والراحة والاسترخاء، فتاريخ الفلسطينيين القريب والبعيد يشهد على كدهم واجتهادهم، ويقطع بعزمهم وإرادتهم، وتشهد كثيرٌ من الدول التي استضافت الفلسطينيين وسمحت لهم بالعمل على أرضها، أنهم يعملون بجدٍ وإخلاص، وأنهم لا يمتنعون عن العمل ولا يتأخرون عن الإنتاج، بل إن بعض الدول تعترف بفضل الفلسطينيين في رفعتهم وبناء دولتهم، وتحفظ فضلهم في تنشئة أبنائهم وتعليم أجيالهم وإعلاء راية أوطانهم.

الاستنكاف الذي هو الامتناع عن العمل، ورفض الالتحاق بمراكز العمل وقع بقرارٍ سياسي، وليس وفق رغبةٍ شخصية، أو نتيجة لسياساتٍ وظيفية حزبية فرضتها الحكومة في غزة، بل كان نتاجاً لقرارٍ مدروس، وخطةٍ معدة، بغية الإفشال وتعقيد فرص النجاح، والحيلولة دون الانطلاق وإثبات الذات، فقد أدى العمى الحزبي والحقد السياسي والرغبة المريضة في الانتقام إلى تدمير مفاهيم الشعب الفلسطيني وقيمه، وتغييرٍ حادٍ في سلوكه وممارساته، وقاد إلى تغيير نسق الحياة الفلسطينية في قطاع غزة، وأثر كثيراً على العادات والتقاليد الموروثة، فضلاً عن أنه أضر بالمواطن، وألحق ضرراً كبيراً بمؤسساته المختلفة، إذ أن المستنكفين عن العمل هم من كل الفئات والطبقات، ومن مختلف الوظائف والأعمال، إذ استنكف عن العمل أطباءٌ ومهندسون، وقضاةٌ ومحامون، وأساتذة ومدرسون، وسعاةٌ وعاملون، وفنيون ومهنيون، وعديدٌ آخرون من كل الوظائف والمهن، ما حرم المواطنين من جهدهم، وحال دون خدماتهم.

أما نتائج الاستنكاف الكبرى وتداعياته المهلكة، فقد بدت كثيراً في ظاهرة جيش السهارى في الليل، الباحثين عن متعةٍ وتسلية، مما يضر ولا ينفع، أو مما لا يرتجى منه خيراً أو يتوقع منه منفعة، ممن لا يجدون عملاً يقومون به، أو وظيفةً تجبرهم على النوم مبكراً للاستيقاظ من أجلها، إذ أنهم استجابوا للأوامر ونفذوا التعليمات، وطبقوا التوجيهات، فاستنكفوا عن العمل وآثروا البقاء في البيت، شأنهم شأن نسائهم وأطفالهم، يسهرون ليلهم الطويل أمام شاشات التلفاز، أو على موائد التسلية، ويقضون أوقاتهم فيما لا ينفع، وينتظرون نهاية شهرهم راتب الاستنكاف، الذي يغنيهم عن شرف العمل وعرق الكد، وجهد السعي، ونبل الوظيفة والغاية، ما جعل جلَّهمُ لنسائهم يخضع، وأمام أطفالهم يضعف، إذ أن القيمة في العمل، والأفضلية في السعي، أما عندما يتساوى الرجال بالنساء سكناً في البيوت، ورقاداً في الفراش، فإن أدواءً خطيرة تبرز، وحالاتِ طلاقٍ كثيرة تظهر، وخصوماتٍ عديدة تبرز، وخلافاتٍ وصراعاتٍ وتناقضاتٍ تنشأ، سببها القعودُ والاستنكاف، وتشبه الرجال بالنساء في رقادهم، فهل ترون مفسدةً للانقسام أخطر على مجتمعنا ونسيجنا من ظاهرة الاستنكاف.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

فلسطين، غزة، حركة حماس، العمل السياسي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 6-09-2012  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  يومٌ في الناقورة على تخوم الوطن
  فرنسا تضيق الخناق على الكيان الصهيوني
  ليبرمان يعرج في مشيته ويتعثر في سياسته
  يهودا غيليك في الأقصى والكنيست من جديد
  عيد ميلاد هدار جولدن وأعياد الميلاد الفلسطينية
  ليبرمان يقيد المقيد ويكبل المكبل
  سبعون عاماً مدعاةٌ لليأس أم أملٌ بالنصر
  ويلٌ لأمةٍ تقتلُ أطفالها وتفرط في مستقبل أجيالها
  سلاح الأنفاق سيفٌ بتارٌ بحدين قاتلين
  دلائل إدانة الأطفال ومبررات محاكمتهم
  طبول حربٍ إسرائيلية جديدة أم رسائلٌ خاصة وتلميحاتٌ ذكية
  سياسة الأجهزة الأمنية الفلسطينية حكيمةٌ أم عميلةٌ
  العلم الإسرئيلي يرتفع ونجمة داوود تحلق
  نصرةً للجبهة الشعبية في وجه سلطانٍ جائر
  طوبى لآل مهند الحلبي في الدنيا والآخرة
  تفانين إسرائيلية مجنونة لوأد الانتفاضة
  عبد الفتاح الشريف الشهيد الشاهد
  عرب يهاجرون ويهودٌ يفدون
  إيلي كوهين قبرٌ خالي وقلبٌ باكي ورفاتٌ مفقودٌ
  إرهاب بروكسل والمقاومة الفلسطينية
  المساخر اليهودية معاناة فلسطينية
  الدوابشة من جديد
  المهام السرية لوحدة الكوماندوز الإسرائيلية
  المنطقة "أ" إعادة انتشار أم فرض انسحاب
  إعلان الحرب على "فلسطين اليوم" و"الأقصى"
  عظم الله أجر الأمريكيين وغمق لفقيدهم
  الثلاثاء الأبيض وثلاثية القدس ويافا وتل أبيب
  الهِبةُ الإيرانية والحاجةُ الفلسطينية
  هل انتهت الانتفاضة الفلسطينية ؟
  سبعة أيامٍ فلسطينيةٍ في تونس

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حسن عثمان، وائل بنجدو، تونسي، بيلسان قيصر، سفيان عبد الكافي، سلوى المغربي، إسراء أبو رمان، د - محمد بن موسى الشريف ، صباح الموسوي ، محرر "بوابتي"، د. خالد الطراولي ، رافع القارصي، د. عبد الآله المالكي، سيد السباعي، يحيي البوليني، د- جابر قميحة، محمد شمام ، محمد عمر غرس الله، حميدة الطيلوش، سليمان أحمد أبو ستة، خالد الجاف ، عراق المطيري، د - عادل رضا، منجي باكير، العادل السمعلي، د.محمد فتحي عبد العال، رحاب اسعد بيوض التميمي، مجدى داود، أحمد الحباسي، أحمد ملحم، إيمى الأشقر، د - محمد بنيعيش، صفاء العربي، مصطفي زهران، د - الضاوي خوالدية، علي الكاش، د - شاكر الحوكي ، فوزي مسعود ، محمود سلطان، طلال قسومي، خبَّاب بن مروان الحمد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حاتم الصولي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد علي العقربي، ياسين أحمد، عبد الله زيدان، د - صالح المازقي، عبد الرزاق قيراط ، د. أحمد بشير، إياد محمود حسين ، حسن الطرابلسي، أحمد النعيمي، أبو سمية، صلاح المختار، يزيد بن الحسين، د. صلاح عودة الله ، حسني إبراهيم عبد العظيم، الناصر الرقيق، رشيد السيد أحمد، سلام الشماع، د- محمود علي عريقات، صالح النعامي ، فتحـي قاره بيبـان، مراد قميزة، سامر أبو رمان ، أ.د. مصطفى رجب، الهيثم زعفان، محمود طرشوبي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد أحمد عزوز، د - مصطفى فهمي، محمد الطرابلسي، طارق خفاجي، عزيز العرباوي، علي عبد العال، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عواطف منصور، عبد الله الفقير، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد العيادي، سامح لطف الله، رافد العزاوي، أحمد بوادي، د - المنجي الكعبي، جاسم الرصيف، رمضان حينوني، محمود فاروق سيد شعبان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، ماهر عدنان قنديل، عمار غيلوفي، مصطفى منيغ، ضحى عبد الرحمن، سعود السبعاني، صفاء العراقي، المولدي اليوسفي، فتحي العابد، كريم فارق، فهمي شراب، د. أحمد محمد سليمان، د- هاني ابوالفتوح، صلاح الحريري، الهادي المثلوثي، كريم السليتي، رضا الدبّابي، نادية سعد، محمد الياسين، محمد يحي، أشرف إبراهيم حجاج، د- محمد رحال، أنس الشابي، د. طارق عبد الحليم، المولدي الفرجاني، د. عادل محمد عايش الأسطل، فتحي الزغل، عمر غازي، عبد الغني مزوز، عبد العزيز كحيل،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز