سلوى المغربي - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5349
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عفوا لم أسألكِ عن نفسك رغم أني أوجه حديثي لكِ.. ولم أسألك عما أعددته لزوجك وأبنائك وأهل بيتك رغم حرصي على ذلك، ولكني أسألك ماذا أعددت لبرد الشتاء لغير هؤلاء ؟.
في هذه الموجة الباردة الشديدة التي تتعرض لها أغلب بلادنا العربية في كل عام يحاول كل منا أن يستدفئ بما يستطيع، فإذا انقطع التيار الكهربي دقائق أخذتِ أبناءك تحت جناحيك لتدفئيهم من البرد الشديد وأخرجتِ كل ما يمكنه أن يدفئهم، ولكن هناك إخوة لك قريبين منك ذمة ومكانا لا يشعرون بأهمية انقطاع الكهرباء، فأغطيتهم بالية رقيقة وملابسهم عديمة النفع وبيوتهم لا تقي حر صيف ولا برد شتاء.
فهلا شغلنا أنفسنا بحالهم ولو لدقائق معدودة ؟ فهذه الدقائق من باب تراحم المؤمنين لنحصد ثمرتها يوم أن نلقى ربنا سبحانه.
فلقد جاء الإسلام ليتمم مكارم الأخلاق ويعززها وينبذ المساوئ التي كانت من قبل في الجاهلية ليسمو بالنفس ويهذبها و يجعلها أكثر رحمة بالآخرين، والرحمة خلق عظيم وصفة من صفات الله تعالى أثبتها لنفسه في آيات كثيرة من القرآن الكريم " وربك الغفور ذو الرحمة " وجعلها سمتا أساسيا من سمات نبي الرحمة الذي أرسله رحمة للمؤمنين بل للعالمين كافة، فقال تعالى:" لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَّحِيمٌ " وَقَال تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِين"
وأوصى بها عباده في تعاملاتهم مع بعضهم البعض ، ولأهمية الرحمة في القلوب ولكي لا ينساها المؤمنون في تعاملهم مع جميع الكائنات ذكرها الله عز وجل في كتابه تسعة وسبعين مرة في القرآن المكي والمدني على حد سواء.
ولم تقتصر الرحمة عامة بالبشر فحسب، بل وضعها الله في قلوب جميع الخلائق، فنجدها فطرة ً في الطير والحيوانات التي تشفق على صغارها حتى إن البهيمة لترفع حافرها عن صغيرها مخافة أن تصيبه بأذى ومكروه.
وقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم حال المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم بالجسد الواحد الذي إذا أصيب منه عضو تكاتف معه سائر الأعضاء في مشهد يحض على الألفة والانصهار الإنساني بين جميع أعضاء الأمة الواحدة سواء كانوا في وطن واحد أو تبعدهم وتفصل بينهم المسافات فهم كما علمهم الإسلام على قلب رجل واحد، ففي الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى".
فأين نحن من تطبيق هذا الهدي النبوي الشريف في حياتنا العملية مع إخوان لنا حرموا من النعم الكثير ويعانون من قسوة الأيام وخاصة في مثل هذه الفصول القارصة البرودة ؟ !.
فهاهو الشتاء يأكل ما أمامه ومن أمامه بكل قوته وعنفوانه، فاستعد لمقدمه الأغنياء بكل أنواع التدفئة من مكيفات ومعاطف وملابس ثقيلة مفروشات ليحتموا من قسوة برودته، ونسى البعض منا أن هناك عائلات وبيوتا كثيرة تفتقد للكثير من الأساسيات التي تقيهم شدة البرد.
هناك كثير من الفقراء يموتون من البرد الشديد في بلدان غير بلداننا تحكمهم قيم غير قيمنا ولا تحتويهم مشاعر مثل مشاعرنا يعيشون في منازل كبيوت العنكبوت ولازالت الرياح المحملة بالصقيع تقذف بيوتهم بكل قسوة حيث المنازل القديمة المتهالكة التي لا يجد أهلها إلا البرد والمرض وهطول الأمطار داخلها، فمنهم من يفترش الأرض ويلتحف السماء وقد اخترق البرد عظامهم، فهل اتقينا حرَّ جهنم وزمهريرها بالعطف على أمثال هؤلاء ؟ وقد حثنا نبي الرحمة صلوات الله عليه أن نتقي النار ولو باليسير: فقال صلى الله عليهم وسلم " اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة "
وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف فأشدُ ما تجدون من الحر من سموم جهنم وأشدُ ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم.
وقال قتادة : " علم الله أن شدة الحر تؤذي وشدة البرد تؤذي فوقاهم أذاهما جميعا، فيدفعهم هذا إلى النصب وإلى التهجد فكل ما في الدنيا يذكرهم بالآخرة ".
وإكرام هؤلاء الفقراء وخاصة في هذه الأيام التي يحاول الأغنياء فيها كشف كربة من كرب الدنيا على إخوانهم الفقراء من العمل والاجتهاد الذي نعده وندخره ليوم لقاء الله.
وقد ذكر ابن الجوزي في كتاب لطائف المعارف أثرا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : " كان عمر بن الخطاب إذا حضر الشتاء تعاهد الصحابة وكتب لهم بالوصية : إن الشتاء قد حضر وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب واتخذوا الصوف شعارا ودثارا فإن البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه.
وقد تمعر وتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم لمقدم قوم مضر لما ألم بهم من ضرر وجوع ، وتبسم وجهه لما وجده من فعل صحابته رضي الله عنهم من بذل وعطاء واهتمام.
ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله عن أبي عمرو جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: " كنا في صدر النهار عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاءه قوم عُراة مجتابي النِّمار، أو العَبَاءِ متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فتمعَّر وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِمَا رأى بهم من تلك الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذَّن وأقام ثم صلى ثم خطب، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ...) والآية الأخرى التي في آخر الحشر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)، تصدَّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشقِّ تمرة، فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كَوْمَيْنِ من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلَّل كأنه مُذْهَبَةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ "
فمن لفقراء الأمة اليوم من يتغير لونه ألما عليهم ومن يوليهم اهتمامه ورعايته ومن يدخل عليهم السرور ويجعلهم شغله الشاغل من كساء ودواء وطعام وتعليم ؟
ولقد استشعر الصالحون مدى حاجة إخوانهم الفقراء في هذه الأوقات فكان حالهم فيها عجبا ، فيذكر الذهبي في السير أن أويسا القرني – ذلكم التابعي الذي نعته رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفه لعمر بن الخطاب طالبا منه أنه إذا لقيه أن يطلب عمر من أويس أن يستغفر له – " أنه كان يخرج كل صباح ليوزع الطعام والشراب على الفقراء وكان من شدة ورعه يعتذر إلى الله تعالى من كل فقير أو جائع أو عار لا يستطيع الوصول إليه ومد يد العون له، وينقل الذهبي ما يرويه أبو نعيم في الحلية عن أصبغ بن يزيد قال : " كان أويس القرني إذا أمسى يتصدق بما في بيته من الطعام و الثياب ويقول اللهم إني أعتذر إليك من كل كبدٍ جائعةٍ ومن كل بدنٍ عارٍ فإنه ليس لي إلا ما في بطني وما على ظهري ( و كان على ظهره خرقة ) "
وهذا معاوية بن عبيد الله الوزير كان له كل يوم كر دقيق يتصدق به، فلما وقع الغلاء، تصدق بكرين والكر يشبع خمسة آلاف إنسان
حلول عملية لمد يد العون لإخواننا :
- اشتراك المساجد إدارة ورواد في حلول عملية وسريعة لجمع الأغطية والملابس وتجهيزها ومن ثم إخراجها لفقراء الحي بداية.
- اشتراك الجمعيات الخيرية في هذا الهدف والحض على التبرع لها في هذه الأوقات لأجل مثل هذه المشروعات ويفضل أن تكون التبرعات عينية كملابس وأغطية.
- تبني النساء والزهرات لهذه المشروعات فهن أرق أفئدة وأحنى على الفقراء فيتحمسن في جمع الأغطية والملابس ويتركن توزيعها لإدارة كل مسجد وللشباب المعاونين.
- التدقيق في محتويات بيوتنا وما يزيد عن احتياجاتنا، فكم تمتلئ خزائن البيوت بما لا يستعمله أصحابها، وكم تركت ملابس في الخزائن سنين طوالا حتى تبلى في مكانها وفرز الصالح منها ويساعد في تدفئة محتاج أو كسوته وتقديمه في صورة هدية فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روي في الأدب المفرد " تهادوا تحابوا "
- عدم استقلال صدقة – مهما كانت قليلة -، فكم من شيئ لا تعتبرين أن له قيمة قد يستر عورة أخت مسلمة لكِ ما كشفت عورتها إلا بسبب قلة ما تملك من كسوة، ويبارك الله في القليل وينميه.
- انتهاز فرصة التخفيضات التي تعرضها بعض المحال التجارية حيث الخصومات على أجهزة التدفئة أو الملابس الثقيلة والمعاطف والبطاطين وشراء ما تستوعبه ميزانية الأسرة وتوزيعها على المحتاجين ( كعمل فردي مستقل لكل أسرة )
- مساعدة المتضررين بترميم بيوتهم أو بمساعدتهم في سقفها والعناية بها لحمايتهم من هطول الأمطار فوق رؤوسهم وخاصة أنها تتكلف مبالغ لا تفي بها مجرد الصدقات الموسمية التي غالبا ما يكون الفقير في شدة الحاجة لها فينفقها على طعامه وشرابه ولا يستطيع ادخار منها شيئ.
- إشاعة روح البذل والعطاء في الشباب للمساهمة في مثل هذه النشاطات والأعمال الخيرية التي من شأنها الاهتمام بالفقراء والمحتاجين بصفة دورية وموسمية ومستمرة.
وليكن هذا الصوت مذكرا لنا