بلال السيد أحمد - سوريا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6125
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تطل علينا بين الحين والآخر مداخلات ومقالات تضع أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي، قواعد وقيادات في مواضع الاتهام، أو بتخلف الحزب عن الحراك الشعبي، وبتراجع دوره في ما تشهده الساحات العربية من ثورات وانتفاضات، ما لم نقل مختف ومتوار عن الأنظار.
وابتداء، فقد كون الحزب تصوراته وبلورها، في خضم الأحداث التي مرت بها الساحات العربية ولكل منها خصائصها، وسماتها العامة والخاصة. وبعض تلك الأحداث كانت تنطوي على تعقيدات لا يمكن تجاهلها، وفي مقدمتها:
1. الغموض الذي أحاط بالحراك الشعبي، حيث أن الكثير من قيادات الحراك، غير معروفة للجماهير في تلك الأقطار، كما لم تكن هناك قيادات معروفة بتاريخها النضالي، مما يتعذر الوقوف موقفاً حاسماً من الحراك، وهو ما أشترك فيه الحزب مع العديد من الأحزاب والحركات السياسية في تلك الأقطار.
2. التأييد الذي حضي به الحراك من قبل أجهزة الإعلام الغربية.
3. الوضع العام في الساحات العربية يشهد تراجع الحركة الثورية العربية، وصحيح أن الاحتدام والتفاعل كان قد بلغ درجة التأزم، إلا أن الأنفجارات كانت عفوية إلى حد كبير.
والثورة هي فعل تاريخي كبير كما هي حصيلة لمسيرة تاريخية كبيرة لها شروطها الذاتية والموضوعية في بلوغ التناقض إلى حده الأقصى، بما يستحيل معه إقامة نظام للعلاقات. والثورات التي شهدتها الساحات العربية يصح اعتبارها أمثولات في تفجر طاقة الجماهير، والشبيبة على نحو خاص، تمثلت بتراكم تاريخي لظلم سياسي واجتماعي، قاست فيه الجماهير من التعسف والسحق بما لم يعد احتماله، فغدا كالبركان الذي يختزن طاقات هائلة تنتظر لحظة تاريخية مؤاتية معينة للانفجار، وهو ما تمثل بعدة أسباب عفوية للثورات العربية، فشلت الأنظمة التي اعتادت القمع ولا تجيد سوى القمع من التعامل معها، بسبب من طبيعتها العائلية الطغيانية، فأنفجر صبر وحلم الجماهير بتقبل الموت من أجل الحرية والأنعتاق، منتصرة على ذاتها، وعلى التردد والتهيب، ليتصاعد لهيب الثورة.
بيد أن البعثيين سرعان ما استطاعوا أن يستوعب التعقيدات التي شابت الساحات، وبخبرتهم النضالية العميقة في العمل الجماهيري، استطاعوا أن يفرزوا بين الحقيقي والمزيف، وبين الثوار والمنتفضين، وبين المندسين، ففي تونس مثلاً سجل الموقف مساهمة نشيطة لمناضلي البعث في الانتفاضة التي أطاحت بالديكتاتور بن علي، وانخرطوا في العملية النضالية والسياسية.
أما في ليبيا فإن العملية الثورية أنتابها وما يزال الكثير من الشبهات، ليس بسبب اشتراك تيارات إسلامية، فالتيارات الإسلامية تعتبر بحسب وجهات نظر الكثير من المدارس الأيديولوجية، من العناصر المعادية للامبريالية، ولكن تدخل الناتو(بصرف النظر عن حجمه وتداعياته) خلق الكثير من الشبهات، ورغم أن نظام القذافي كان قد قدم الكثير من الأنشطة المضادة، أبان الحرب العراقية / الإيرانية، ليس أقلها تزويد إيران بالصواريخ والأسلحة، ولكن لا يمكن أن يقف البعث إلى جانب التدخل الإمبريالي في المعركة ضد نظام القذافي وهو يتعرض لضربات من الناتو. واليوم ورغم أن غبار المعركة لم ينجلي بعد بما يجعل الصورة واضحة تمام الوضوح، إلا أن الحزب يدعم بمبدئية صلبة استقلال ليبيا ووحدتها، وتؤيد أي صيغة عمل تحفظ لقوى الشعب الليبي التوحد حيال مهمات المرحلة المقبلة.
وفي مصر، كان النظام السابق يكيد لنظام البعث في العراق، ويعرف الجميع دور الرئيس الأسبق مبارك في تحشيد القوى ضد العراق في مؤتمر القمة العربية في القاهرة عام1990، ولكن ما يقال عن اختلاط الرؤية وتداخل المواقف في تونس وتعقيداته، كان بدرجة أشد في مصر، ولكن الحزب يدرك تمام الإدراك دور الأنظمة الديكتاتورية في إيصال الجماهير إلى حافة اليأس، ولكنه يدعو الجماهير العربية الثائرة في كل مكان برص صفوفها، والعمل كتفاً لكتف من أجل غلق المنافذ والمسارب بوجه قوى يمكن أن تتسلل إلى ساحاتنا الثائرة وتفسدها.
إن العمل الثوري اليوم في الساحات الثائرة لا يمكن أن يبلغ مآربه وأهدافه إلا عبر العمل النضالي الموحد لفصائل الشعب الوطنية والقومية والتقدمية والإسلامية، فقد غدا واضحاً بجلاء تام، أن الإمبريالية والعولمة تتربص بأقطارنا لما هو أكثر من تبديل الأنظمة إلى تصفية المشروع العربي، وربما إلى ما هو أكثر من ذلك بذر بذور الفرقة والمتمزق الطائفي والعرقي والنزاعات بين الفئات الاجتماعية، وحماية العمل الثوري مهمة للجميع وليست حكراً على حركة سياسية دون غيرها، ومن غير المستبعد أن تندس في هذه الساحة أو تلك عناصر لا يصب نشاطها في مستقبل كما تريده الجماهير.
أما في سوريا، الساحة التي تشهد ثورة شعبية لمدة عشرة شهور تقريباً، ضد نظام عائلي فاسد، يرتهن الشعب وأهدافه الوطنية من أجل المكوث في السلطة، والاسوء من ذلك كله أنه يستخدم أسم حزب البعث العربي الاشتراكي في القفز على السلطة وتسخير قدرات البلاد لمصلحة عائلة وحاشيتها من انتهازيين ومنتفعين، حتى غدت الدولة بكافة مؤسساتها بؤرة طفيلية تحتضن كل من لفضه المجتمع، وملجأ لكل من يريد التسلق والتسلط، وإشباع أمراضه النفسية بقمع الجماهير.
إن البعث براء من هذه الأشكال ومن هذه المكونات التي تستغل أسم الحزب منذ عقود طويلة، بل أن البعث كان سباقاً بتقديم التضحيات الكبيرة، في النضال ضد سلطة الطغيان العائلي الفاسد، والبعث التاريخي كان من الدعاة الأوائل لتأسيس الديمقراطية، فناهض كافة الحكومات الديكتاتورية في معظم الأقطار العربية، ومنها سورية، وبسبب من نضاله الذي لا يلين، تعرض قادته للاعتقال، وآخرون للنفي، فيما توفي العديد منهم في السجون.
واليوم وبرغم ضجيج الآلة الدعائية لنظام الأسد، فإنه لا يقوى على استخدام أسم الحزب، ذلك لأن الثقة مفقودة بين رأس النظام والحاشية والقيادات الانتهازية، وبين قواعد حزب النظام، بل وقد أعلن العديد منهم برائته من النظام ملتحقاً بالشعب وبثورته الظافرة، حيث الموقع الحقيقي لكل مناضل بعثي.
كما يتعرض البعث في العراق اليوم لأشرس حملات القمع والإبادة، وقد أستشهد من أعضاؤه ما يريد على 120 ألف عضو ونصير، فيما أعتلى أمينه العام وقادة البعث المشانق ببطولة وإقدام على التضحية ليست غريبة عن البعثيين، مؤكدين حتى النفس الأخير على مبادئ الحزب وقيمه النضالية.
هذه هي المساهمة الحقيقية لمناضلي البعث العربي الاشتراكي في النضال القومي اليوم، وهو الحزب الأكثر تعرضاً للقمع والقتل والاغتيال والمطاردة والتهجير، وهم يلاقون ذلك على أيدي القوى التي تقمع شعبنا، من أنظمة ديكتاتورية، أو على أيدي المخابرات الأجنبية وفي مقدمتها السي آي أي (CIA)، ونظام الملالي الإيراني وأزلامه وذيوله، كما على أيدي قوى الاحتلال الصهيوني.
والبعث إذ يتعرض بصفة خاصة لحملات القمع والإبادة من كافة القوى المعادية لشعبنا، إنما يتشرف بمهمة المساهمة الفعالة في النضال، لأنه يمثل الخط الوطني والقومي والتقدمي الأكثر نصاعة، والأكثر انسجاماً مع تاريخه النضالي منذ الأربعينات وحتى الوقت الحاضر، وهو يتعهد للجماهير بمواصلة هذا الدور باذلين الغالي والنفيس من أجل الوطن والأمة وإعلاء شأنها.
النصر آت لا ريب فيه للوطن والأمة والشعب
المجد والخلود لشهداء الأمة العربية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: