جاء في المصادر التي كتبها المنتسبون إلى الروتاري، والمعلقون عليه أن المحامي اليهودي «بول هاريس» الذي كان يعيش في شيكاغو أحسَّ بالوحدة بحاجته الملحة إلى الزمالة والصداقة، ففكر في جمع بعض الأصدقاء في مكتبه في روح أخوية؛ ليتدارسوا كيفية رفع مستوى كل منهم.
وأول اجتماع كان في 23 من فبراير سنة 1905م، حضره أربعة من الأصدقاء، واتفقوا على أن يكون الاجتماع أسبوعيًّا في مكان عمل واحد منهم، ومن هنا جاء اسم «الروتاري». ولمّا كثر عددهم وضاقت بهم أماكن العمل أصبحت اجتماعاتهم حول موائد للطعام مع مناقشة ما يرون من مسائل.
ثم أنشئوا ناديًا ثانيًا في «فرانسيسكو» في كندا سنة 1912م، ثم انتشرت في كثير من البلاد، حتى صار عددها 17800 في 154 دولة ومنطقة جغرافية، حسب إحصاء نوفمبر سنة 1978م.
هذه النوادي تعقد مؤتمرات كان أولها في شيكاغو سنة 1910م، وكان أول مؤتمر خارج أمريكا سنة 1921م، في «أدنبرة» بإسكتلندا، حيث أطلق عليه اسم الروتاري الدولي، وفي سنة 1922م عقد المؤتمر في «لوس أنجلوس» بأمريكا، واستمرت المؤتمرات تنعقد سنويًّا منذ ذلك التاريخ، وكان آخرها رقم 69 في طوكيو سنة 1978م.
ونوادي الروتاري تعتبر أعضاء في مؤسسة الروتاري الدولية، ومقرها مدينة «أفنستون» بولاية «إلينوي» بالولايات المتحدة الأمريكية.
وحسب الموسوعات العلمية، فإن الروتاري هو أول نادي عالمي للخدمة، ويعني اسمه التناوب لكون الاجتماعات كانت تعقد بصورة دورية في منازل الأعضاء بالتناوب. ويهدف إلى خدمة المجتمع الذي يقع النادي في دائرته، وخدمة أعضائه من خلال توثيق الصلات بين الأعضاء الذين ينتمون لمهن مختلفة. وقد اتسعت عضوية النادي بمرور الوقت لتشمل في 2006 حوالي مليون ومائتي ألف عضو في 32 ألف نادي من 200 بلد. ويتم ضم الأندية في مقاطعة معينة إلى ما يعرف بمنطقة الروتاري.
وقد تبين أن فكرة النادي نبعت من الحاجة إلى طرد شبح الوحدة والعزلة، وإلى الاندماج مع الناس، والتفكير في تحسين حال الزملاء الذين يجمعهم النادي.
وقد وضح نادي الروتاري في مصر الغرض من إنشائه، وركزه في أمور أربعة:
1- توسيع مدى التعارف لإتاحة الفرصة للخدمة.
2- بلوغ مستوى خلقي سام في الأعمال والمهن.
3- تسمك كل روتاري بمبدأ الخدمة في حياته الشخصية العملية والاجتماعية.
4- تعزيز روح التفاهم الدولي والنية الصادقة وحب السلام، وذلك بتوثيق أواصر الزمالة في العالم بين الروتاريين أصحاب الأعمال والمهن.
وهذه الأغراض في شكلها وفي جملتها قد تغري بالانضمام إلى هذه النوادي، أو على الأقل عدم التعرض لنشاطها مادام يستهدف تحقيق هذه الأغراض.
ــ إلا أنه قد بات من المعلوم أن هناك صلة بين أندية الروتاري وبين الماسونية، ومن شواهد ذلك:
1- أن شعار جميع الأعضاء هو «الأديان تعرفنا والروتاري يجمعنا»، وهو شعار الماسونية. وقد قرر مجلس إدارة الروتاري الدولي في اجتماع عام 40/1941م أن نوادي الروتاري تضم أعضاء من مختلف الأديان والمبادئ، ولكلٍ أن يتمسك بعقيدته الدينية، مع الاحترام الكامل لعقيدة الآخرين.
وقد وضع الأديان كلها في مستوى واحد من الاحترام، بصرف النظر عما هو سماوي أو أرضي، وفي ذلك – كما يقال – غسل القلوب والعقول تمهيدًا لغرس ما يراد فيها مما تخطط له الماسونية التي استغنوا بها عن التوراة.
تلقن نوادي الروتاري أفرادها قائمة بالأديان المعترف بها لديها على قدم المساواة مرتبة حسب الترتيب الأبجدي: (البوذية - المسيحية - الكونفشيوسية - الهندوكية - اليهودية - المحمدية (كذا يقولون وليس الإسلام) وفي آخر القائمة، التأويزم "الطاوية"، وهي عقيدة صينية وجدت في القرن السادس قبل الميلاد، وهي تؤمن بأن تحقيق السعادة يتم بالاستجابة لمطالب الغرائز البشرية وتسهيل العلاقات الاجتماعية والسياسية بين جميع البشر).
2- أن المجموعة الأولى التي اشتركت مع «بول هاريس» في تأسيس الروتاري كانت أعضاء في المحافل الماسونية، بل إنه في بعض الحالات قصرت عضوية النادي على الماسون فقط، مثل نادي «أدنبرة» في بريطانيا سنة 1921م.
3- يقول الصحفي التركي (شهاب طان) ـ كما جاء في كتاب «في زنزانات إسرائيل» ... ولكن المحافل الماسونية غيرت اسم بعضها إلى جمعيات الروتاري بعد أن عرفت أسرارها وأهدافها.
فقد أصدر المؤتمر الإسلامي العالمي للمنظمات الإسلامية الذي انعقد بمكة المكرمة عام 1394هـ - 1974م قراره الحادي عشر والخاص بالماسونية وأندية الروتاري وأندية الليونز وحركات التسلح الخلقي وإخوان الحرية بأن:
- على كل مسلم أن يخرج منها فورًا وعلى الدول الإسلامية أن تمنع نشاطها داخل بلادها ، وأن تغلق محافلها وأوكارها .
- عدم توظيف أي شخص ينتسب إليها ومقاطعته كلية .
- يحرم انتخاب أي مسلم ينتسب إليها لأي عمل إسلامي .
- فضحها بكتيبات ونشرات تباع بسعر التكلفة .
- كما أعلن بالمجمع الفقهي في دورته الأولى أن الماسونية وما يتفرع عنها من منظمات أخرى كالليونز والروتاري تتنافى كلية مع قواعد الإسلام وتناقضه مناقضة كلية .
4- وحذر الفاتيكان من خطر هذه الأندية، فصدر مرسوم من المجلس الأعلى في 20 من كانون أول سنة 1950م قرر فيه الكرادلة ما يأتي: «دفاعًا عن العقيدة والفضيلة تقرر عدم السماح لرجال الدين بالانتساب إلى الهيئة المسماة بنوادي الروتاري وعدم الاشتراك في اجتماعاتها.
ـ وقد ارتبط تاريخ الروتاري في الوطن العربي بثلاث ظواهر:
- الاستعمار الغربي في نشأته وغالبية أعضائه .
- الطبقات الارستقراطية وذوي النفوذ والمال .
- نشاط شامل عام لجميع العالم العربي بصورة مباشرة أو غير مباشرة .
5- أن بعض الجمعيات والتنظيمات الحديثة التي دخلت المحيط الإسلامي ظهر أن لها صلة قوية بتنظيمات غربية تستهدف مصالح الغرب وبخاصة اليهود، كجمعية «أصدقاء الشرق والأوسط الأمريكية» التي يعمل «هوبكنز» نائبًا لرئيسها، وقد كان قسيسًا ومنتسبًا لطائفة خطيرة، وله نشاط واسع في السياسة لصالح أمريكا أو بريطانيا، وقد قاطعت شخصيات إسلامية هامة مؤتمره الذي عقد سنة 1954م في «بحمدون» بلبنان، معلنة أن الإسلام ليس في حاجة إلى توجيهات أجنبية.
إن أقل ما يقال في الروتاري وأمثاله: إنها تشكيلات تحوم حولها الشبهات فهي إحدى التنظيمات المحكمة الغموض، فالعضو لا يمكنه أن يتقدم بنفسه للانتساب ولكن ينتظر حتى ترسل إليه بطاقة دعوة للعضوية، هذا بالإضافة إلى أن العمال محرومون من الانتساب إليها.
ــ وهذه ملاحظات بل شبهات أساسية عن نوادي الروتاري:
1- أن المؤسسين الأول يهود، ونحن نعرف ماضيهم وما ارتكبوه من جرائم في حق الإنسانية كلها، وسجل القرآن كثيرًا منها، وما يزال العرب والمسلمون يعانون منهم إلى اليوم.
2- هل عقمت تعاليم الإسلام وأفكار المسلمين أن تضع أهدافًا إنسانية كالتي يدعيها المؤسسون للروتاري؟ وهل نحن في حاجة إلى ما يضعه لنا الأجنبي المعروف بعدائه، والذي يصبغه بألوان ينخدع بها المصابون بعقدة الخواجة؟
3- إن اللمسة الروحية تنقص هذه النوادي، فالاهتمام كله في الخدمة بالمفهوم الذي يعرفه من تورط فيها وقتًا أو راقب نشاطها، دون اهتمام بالثواب الأخروي، فهو أمر ثانوي، وقد فطن لخطرها آباء الكنيسة المسيحية، فقد خطب «تشيسترون» في حفل أقيم سنة 1931م في نيويورك، ووصف منظمة الروتاري بأنها تنقصها اللمسة الروحية، وأن شيئًا غير أخلاقي يهيمن عليها وعلى علاقات أفرادها.
4- جاء في جريدة «الشهاب» بتاريخ 31/5/1964م أن أول مؤتمر ماسوني روتاري عقد في «رامات غان» بفلسطين المحتلة، وامتدحوا فيه إسرائيل.
هذه هي نوادي الروتاري من كلام أعضائها والمتصلين بها، والمسلمون بالذات ليسوا في حاجة إليها، ومن أراد أن يباشر نشاطًا اجتماعيًّا لا شبهة فيه فما أكثر ميادينه البريئة، ولتكن لنا شخصية مستقلة في فكرها وسلوكها، تتخذ مقوماتها من الدين الذي أكمله اللَّـه وأتم به النعمة، ووعد على التمسك به حياة طيبة في الدنيا والآخرة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: