الامام الحسين بن علي عليه السلام ليس شخصا فرديا عاش مأساة عائلية بل هو كان انسان يحمل قضية الإسلام كله في خط التطبيق العملي الحركي لهذا الإسلام المحمدي الأصيل من خلال قراءته للواقع من حوله ومحاولة نشر الحاكمية القرأنية التي يمثلها هو ك "قيادة" تعيش التكليف الشرعي من خلال موقعه الرسالي ك "امام" قائد للأمة.
ان ما يجمع الامام الحسين عليه السلام ليس مسألة المأساة الدرامية لقتل من هنا واستشهاد من هناك او الحالات البكائية التي لم تكون موجود في الواقعة "تاريخيا" والتي تم تزويرها و اضافتها لاحقا بواسطة مرجعيات الانحراف والاستخبارات الخائنة للأسلام و اهل البيت عليهم السلام وتم تصوير الحركة الثورية الانقلابية التاريخية التي حصلت في واقعة الطف ك"مظهر انهزامي" يستجدي الدمعة لصناعة جزء من طقوس بها لطم و ضرب صدور و لبس سواد و ضرب سكاكين على رؤوس الاطفال وربط رؤوس البشر بحبال وجرهم و تسميتهم ب "كلاب الحسين !؟ او كلاب الزهراء او تجميع تراب احذية وغبار شارع للتبرك والقائمة طويلة وتزداد كل سنة بدون توقف والقائمة لا تنتهي في استحداث أشياء شيطانية ما انزل الله بها من سلطان يتم ممارستها باسم الحسين عليه السلام واهل بيته الاطهار والذين هم منها براء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.
يقول المرحوم السيد محمد حسين فضل الله بهذا الخصوص: "لقد أفتينا فتوى قاطعة بحرمة التطبير وضرب الزنجير مع السكاكين، أولاً: من جهة أنه إضرار بالجسد، والإضرار بالجسد حرام حتى في عاشوراء بمناسبة الاحتفال بالإمام الحسين(ع) وهذا الإضرار ليس من الشعائر، لأنه لم يرد فيها أي نصّ من النبي(ص) أو الإمام(ع) كما ذكره السيد الخوئي رحمه الله، وثانياً: لأنه يؤدي إلى هتك حرمة المذهب الشيعي وأهله لاستلزامه سخرية الناس بهم، لأن ذلك مظهر تخلف وتأخر كما أن المواساة لأهل البيت(ع) لا تتحقق بذلك، بل بالجهاد في سبيل الله. ولذلك فإننا ننصح أخواننا المؤمنين أن يمتنعوا عن هذه العادة السيئة وأن يبيّنوا لأخوانهم الأضرار اللازمة منها وأن يحتفلوا بالذكرى بإحياء أمر أهل البيت(ع) بذكر محاسن كلامهم وذكر سيرتهم وأخلاقهم كما أمرونا بذلك"
"لا بد في كل الشعائر الدينية والحسينية أن تكون مباحة في أنفسها، ولذلك لا يجوز جعل ما هو حرام في نفسه من الشعائر، وحيث أن بعض الموارد مما تعارف الناس على جعله من الشعائر كالتطبير واللطم الاستعراضي الموجب لأذى النفس ونحو ذلك مما يكون مصداقاً من مصاديق الإضرار بالنفس أو من مصاديق الإساءة إلى المذهب، فلا يمكن عد مثل هذه الموارد من الشعائر لحرمتها في نفسها، ولا يمكن أن يطاع الله من حيث يعصى... وقد ذكر السيد الخوئي في المسائل الشرعية أنها ليست من الشعائر."
ان اهل البيت عليهم السلام هم عبيد لله رب العالمين وهم مخلوقات بشرية وليسوا الهة وهم ليسوا الا تجسيد حركي للقران الكريم ويمثلون القدوة والمنهج الحركي الذي يريد للنص المقدس ان يعيش ويتنفس ضد كل ما هو واقع فاسد منحرف عن حاكمية القران الكريم، وهذه هي المسألة وتلك هي الحالة الحسينية إذا صح التعبير.
كما ذكر ذلك المرحوم الامام روح الله المصطفوي الخميني حيث قال: "لو لم يكن عاشوراء، لم نكن نعلم ماذا سيكون حال القرآن الكريم والإسلام العزيز. حيث أن المنطق الجاهلي لأتباع أبي سفيان كان يريد أن يزيل أساس الحكومة الإلهية معلناً بصراحة (لا خبر جاء ولا وحي نزل)، والذين كانوا يريدون أن يشطبوا بخطٍ أحمر على الوحي والكتاب وكان يأمل يزيد الذي كان من بقايا العصر المظلم لعبادة الأصنام أن يزلزل أساس الإسلام حسب ظنّه وذلك بقتل أبناء الوحي. ولكن كانت إرادة الله تعالى وما تزال تحفظ الإسلام المخلص والقرآن الهادي خالداً وأحيته ودعمته بدماء شهداء كأبناء الوحي ويحفظها من ضرر الدهر وأثارت ودفعت الحسين بن علي عصارة النبوة وذكرى الولاية حتى يقدم روحه وروح أعزائه فداء لعقيدته ولأمة النبي الأكرم المعظمة، حتى يبقى دمه الطاهر ثائراً ويروي دين الله ويحمي الوحي ونتائجه.
لقد أعلن هذا اليوم الكبير الخالد المليء بالبركة يوماً للحرس. والآن فإن على الحرس واللجان الثورية في العصر الحاضر مسؤولية كبيرة جداً وواجباً عظيماً جداً على عاتقهم، فقد قيل إن انتخاب هذا اليوم كتذكير بحماسة عاشوراء ودافع لكل التضحيات في يوم كربلاء وهو انتخاب جيد وحسن ومسؤولية كبيرة.
والجيد أنه يدعو ويذكّر بمتابعة دم التشيع وهو مليء بالمسؤولية حيث أن دافع تلك التضحية وتقديم الروح كان له ألطاف إلهية وهو أنه أوصل ذلك الدم الذي جعله (ثار الله) إلى حدود (العبودية جوهرة كنهها الربوبية) وارتفع أعلى من حجب النور والظلمة وخلصها من الأنانية والإعجاب بالنفس، ويدنا قاصرة عن ذلك. ولكن لا تيأسوا واسعوا حتى تعطوا بسعيكم لوناً إسلامياً-إلهياً أكثر وتكون بتضحياتكم أكثر إخلاصاً وأنتم كذلك بحمد الله.
صحيفة الإمام (ترجمة عربية)، ج14، ص: 321"
ونحن في ذكرى معركة ككربلاء المتجددة لا زلنا نعايش تزايد استحداث طقوس خزعبلاتية من هنا وخرافات من هناك وتدليس الحالة الدينية باسم الشعائر ؟! عند المرجعيات المنحرفة عن الإسلام او من مرجعيات يحركها تخلفها الذاتي وجهلها القرأني او ب مرجعيات فقهية تحركها الاستخبارات الدولية او ما تعيشه الجمهورية الإسلامية من انحرافات عن المدرسة الانقلابية الإسلامية التأسيسية إذا صح التعبير والتي تزايد وتتبني هذه الخرافات والخزعبلات والتفاهات باسم الشعائر او المشاية للحسين ؟! او قصص الخيال الغير علمي واساطير البكائيات ؟! والمفارقة ان الأساس الكلاسيكي المعرفي لتأسيس الجمهورية الإسلامية هو فلسفي وعرفاني ضمن نهج علم اجتماع انقلابي يقرأ القران الكريم والسيرة النبوية وخط اهل البيت عليهم السلام ضمن مدرسة شاملة مخالفة ومتعارضة مع ما تتبناه الجمهورية الإسلامية حاليا من الترويج للخرافة والقصص الأسطورية والتي تتنافس مع المرجعيات الاستخباراتية والمرجعيات المتخلفة ذاتيا والمرجعيات الغير شرعية المنحرفة، كلهم هنا يتحركون في نفس الهدف في قتل الحسين باسم الحسين.
وهذا يؤكد ما ذكرناه سابقا عن تخلى الجمهورية الإسلامية عن نهج وخط الامام الخميني الى أمور أخرى ذكرناها تفصيلا في مقالات ودراسات سابقة.
لقد عاش الحسين بن علي تجربته الحركية على ارض الواقع العربي ك "ثورة معرفية" ذات اهداف ورسائل ثقافية مرتبطة مع النص القرأني وهي ثورة معرفية سبقت الثورة الفرنسية والثورة الروسية والثورة الكوبية في الالتزام المعرفي وهي كذلك حالة انقلابية مستندة على نصوص قرأنية مقدسة مرتبطة مع الله رب العالمين، ك "نصوص" هداية" ونصوص تضع الانسان والمجتمع على خط الصراط المستقيم، وتعيد تشكيل الفرد من الحالة الإسلامية الى الحالة التقوائية، ضمن التزام الفرد بهذه النصوص وهكذا نهج.
لذلك حركة الحسين بن علي ع الانقلابية هي كانت ضد نهج اخر منحرف، وهذه مسألة تاريخية وتجربة ثورية انتهت بكل ما حصل فيها، وإعادة احيائها ليس في البكائيات ولا في اللطم ولا في المسيرات ولا في رفع الاعلام ولا في ضرب الصدور بالكفوف ولا في جلد الظهور بالسياط ولا في الزحف ولا في المشي على النار.
ان كل تلك المسائل يتبناها أعداء الإسلام المحمدي الأصيل وأعداء الامام الحسين عليه السلام وان بكوا على الحسين وان زعموا انهم يعشقون السيدة زينب بنت على الانسانة العربية الاصيلة الغير معصومة والتي شاركت في الحالة الانقلابية الإسلامية بدون ان تبكي وبدون ان تلطم وبدون ان تردح بأشعار في لهجات محلية ولم تتحدث بلهجات عراقية معاصرة او تغنى في لغات فارسية في اشعار رثائية؟!.
ان السيدة زينب بنت علي الشخصية العربية في قوميتها والقرآنية في حركتها وهي الانسانة المؤمنة التقية الغير معصومة، هي انسانة عاشت الإسلام الرسالي في ظل ثورة تريد صناعة واقع جديد مضاد لواقع منحرف، وهي جسدت حالة قرأنية ولم تكون ابدأ حالة مسيحية او هندوسية او خزعبلاتية او خرافات تروج لها الاستخبارات الأجنبية من خلال مرجع تقليد من هنا او شاذ نصاب يقيم في بريطانيا من هناك او انحراف معرفي تعيشه الجمهورية الإسلامية من هنالك.
يقول المرحوم الامام روح الله المصطفوي الخميني: "لقد علّمنا سيد الشهداء وأصحابه وأهل بيته واجبنا ومسؤولياتنا: التضحية في الميدان، والإعلام خارج الميدان. فبقدر قيمة وعظمة تضحية سيد الشهداء عند الله تبارك وتعالى ودورها في توعية الأمة، تركت خطب الإمام السجاد والسيدة زينب تأثيرها في نفوس الناس. إذ علّمنا الإمام الحسين وأهل بيته بأن لا تخشى النساء والرجال مواجهة الطغاة وضرورة التصدي للحكومة المستبدة. إن السيدة زينب-سلام الله عليها-واجهت يزيد ووبخته بشكل بحيث لم يسمع بنو أمية مثل هذه التوبيخ طوال حياتهم. كما إن ما تحدثت به في الطريق إلى الكوفة وفي الشام، وخطبة الإمام السجاد (ع) في مسجد الكوفة، أوضحا للناس بأن القضية ليست قضية خوارج وخروج على سلطان زمانه خليفة رسول الله، مثلما حاول يزيد تصوير نهضة الإمام الحسين (ع)، حيث كشف الإمام السجاد عن دوافع موقف الإمام الحسين وكذلك فعلت الحوراء زينب.
لقد أوضح لنا سيد الشهداء واجبنا: إلا نخشى قلة العدد في ميدان الحرب، وان لا نهاب الشهادة. فكلما سمى فكر الإنسان وهدفه، زادت معاناته بالمقدار نفسه
صحيفة الإمام (ترجمة عربية)، ج17، ص:51 "
هذه كلمتنا لله وللتاريخ لكيلا تكون الساحة خالية من صوت الولاية الحقيقي ومن صوت يعشق الحسين بن على ع الثائر والانقلابي وصاحب الرسالة و "الولي" والمعصوم والامام.
هذا هو الحسين بن على صاحب التجربة والتي عاشها عليه السلام ألي اقصى مدى وأكبر حد واستشهد في خط الصراع، ولم يكن الموت هو هدفه بل كان القدوة التي تعيش التكليف الشرعي من خلال موقعه الولائي الامامي.
لذلك من يربط الحالة الإسلامية في الموت وصناعته فقط هو أيضا ضد الحسين بن على ع وضد الحالة القرأنية الشمولية التي تريد ان يعيش الإسلام خط الفلاح والسعادة والحياة كما تقول نصوص القران الكريم والتي ان أردنا ان نكون حسينيون فأن علينا ان ندرسها ونقرأها ضمن الواقع وان نحاول ضمن ما لدينا من إمكانيات ووسائل ان نحييها وهذا هو احياء الامر.
كما امرنا الامام على بن ابي طالب في كتاب نهج البلاغة الثابت المتن والسند للأمام المعصوم:
قال عليه السلام: في القرآن نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم (نهج البلاغة الرقم ٣١٣ من الحكم).
وقال عليه السلام: وكتاب الله بين أظهركم ناطق لا يعيا لسانه، وبين لا تهدم أركانه، وعز لا تهزم أعوانه (نهج البلاغة الرقم ١٣١ من الخطب).
وفي نهج البلاغة: قال أمير المؤمنين عليه السلام: عليكم بكتاب الله فإنه الحبل المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، والري الناقع، والعصمة للمتمسك والنجاة للمتعلق، لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب، ولا تخلقه كثرة الرد، وولوج السمع من قال به صدق، ومن عمل به سبق"
اما البكاء وباقي خرابيط وتفاهات اللطم وضرب القامات والظهور وثقافة الموت من اجل الموت فقط ؟! فليست احياء لخط اهل البيت عليهم السلام بل هي احياء لأمر ابليس الرجيم عدو الانسان الأول.
ان الحسين بن علي عليه السلام ليس وحده عندما يقول الناس "لا" للظلم، "لا" للقهر، "لا" للانحراف.
ان كربلاء تعود دائما وهي مثال وقدوة للثائرين في كل مكان، فها هي كربلاء الحسين ع نشاهدها وتعيشها في فلسطين المحتلة، وهي كربلاء المنتصرة مع عملية طوفان الأقصى وفوزنا العربي فيها، وها هم المجاهدين في شهرهم العاشر يقولون هيهات منا الذلة، حيث يعيشون كربلائهم التي انتصروا فيها ولا زالوا يدافعون ويحاربون من اجل ارضهم العربية، فمن هو اليوم مع الحسين؟ ومن هو مع يزيد؟ ونقول اليوم ولا نقول في التاريخ.
هذا هو النهج الحسيني الحقيقي حيث كل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء.
ان الحسين بن علي اليوم في فلسطين العربية المحتلة من الصهاينة فمن الناصر له؟
مليونان ومائتين ألف فلسطيني داخل أراضي ما يسمى ال 48
سبعين ألف عسكري فلسطيني داخل الضفة
الفلسطينيين في الأردن؟
الفلسطينيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا؟
أنتم مع من؟ وهناك حسينيون يحاربون في غزة وباقي الأراضي العربية؟
---------------
د. عادل رضا
طبيب استشاري باطنية وغدد صماء وسكري
كاتب في الشئوون العربية والاسلامية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: