البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الميلاد العسير للمحكمة الدستورية في تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1936



شهدت ليلة الـ25 من مارس/آذار 2021 حدثًا مفصليًا في مسار الانتقال الديمقراطي بتونس، تمثل في تعديل القانون المنظم لانتخاب المحكمة الدستورية التي نص على إنشائها دستور 2014.

لم يكن الأمر سهلًا ولا يسيرًا، بل كانت معركة كاسرة انتهت بتعديل القانون بـ111 صوتًا، وركز التعديل على نقاط محددة كانت تشكل عائقًا أمام انتخاب البرلمان للكوتا المخصصة له في هيئة المحكمة وهي أربعة أعضاء، لكن الصراعات السياسية التي تتحكم في المشهد السياسي التونسي برمته كانت حاضرةً ومؤثرةً وجعلت الجلسة العامة للبرلمان تستمر إلى ساعة متأخرة من الليل لتنتهي بنتيجة نعتبرها كسرًا لعقدة إنشاء المحكمة.

لكن المحكمة لم تتم بعد ونعتقد أن هناك عوائق من خارج البرلمان قد تؤخر قيامها لمدة أطول، لكن البرلمان نقل المشكلة الآن إلى الرئيس والقضاة، وسنتابع بقية المعارك قبل أن نقول لقد صارت عندنا محكمة دستورية.

التعديل سهل عمل البرلمان
ركز التعديل على نقطتين مهمتين هما: انتخاب الأعضاء بالأغلبية المعززة عوض الأغلبية المطلقة والسماح بالترشح لعضوية المحكمة دون المرور بتزكية كتلة نيابية.

كان النص الأول ينص على أن الأعضاء الأربع المنتخبين من البرلمان يحظون وجوبًا بأغلبية الثلثين من التصويت وفي التجارب الأولى للتصويت شكل الحصول على الأغلبية المطلقة عقبة فعلية، فلم يحظ أي مترشح بتصويت يفوق 110 نواب في حين أن المطلوب كان 146 صوتًا (أي أغلبية الثلثين من 217 نائبًا).

لقد تم النزول بالأغلبية المطلوبة إلى 130 صوتًا وهو الأمر الذى نعتقد أنه يمكن الحصول عليه بحسب التحالفات البرلمانية القائمة في برلمان 2019-2024 بتجميع كتلة النهضة وقلب تونس والائتلاف وأصوات أخرى متفرقة لا تعمل على حل البرلمان الحاليّ.

أما النقطة الثانية فكانت بدورها عقبة كأداء، فقد كان مطلوبًا من كل مرشح أن يحظى بتزكية من كتلة نيابية ليبقى بقائمة المتقدمين لعضوية المحكمة، وهذا الشرط جعل الشخصيات المستقلة تحت رحمة الكتل النيابية وفتح سوق التزكيات بحسب الولاء أو الوعد بالولاء بعد الفوز، فأحجمت شخصيات كثيرة تعيش خارج التكتلات الحزبية عن الترشح حتى لا تضع نفسها في خدمة الكتلة المزكية لاحقًا.

سقط الشرطان العائقان وسقط شرط ثالث أيضًا لا يقل عنهما في التعطيل وهو تتابع الترشيح أي أن يرشح الرئيس ثم القضاة ثم البرلمان وهو الأمر الذي جعل البرلمان في حالة انتظار الرئيس ومجلس القضاة.

الآن صار هناك أمل أن يصعد البرلمان بعد إعادة الترشحات (التي سقطت سابقًا وقد تترشح بعد التعديل) ونعتقد أن البرلمان سيفتح باب الترشح ليصوت لاحقًا، وهكذا يفرز الكوتا المخصصة له في انتظار أن يرشح القضاة الكوتا الخاصة بهم وهي أربعة أعضاء ويرشح الرئيس الكوتا الخاصة به ليكتمل العدد 12 عضوًا.

ونعتقد أن ترشيح القضاة محسوم بعد وإن لم تبرز الأسماء، ولا نحسن توقع ما سيقوم به الرئيس الذي يعارض كل عمل البرلمان، ونرجح أنه لن يكمل بناء محكمة لها صلاحية عزله ولو كان مرشحوه على هواه، علمًا بأننا ما زلنا ننتظر - وقد ننتظر كثيرًا - مصادقة الرئيس على التعديل الحاليّ بصفته المكلف بإكساء القوانين صبغتها التنفيذية لتنشر لاحقًا في الجريدة الرسمية للدولة.

السياسة أجلت المحكمة وقد لا تشهد النور
يمكن القول إن البرلمان قد أبرأ ذمته مؤقتًا من تهمة تعطيل انتخاب المحكمة (إذا أفلح في انتخاب الأعضاء طبعًا) ونقل المسؤولية الآن إلى الرئيس ومن المتوقع أن يكون هذا أيضًا سبب إضافي لتوسيع شقة الخلاف بين الرئيس والبرلمان، فالعلاقة انقطعت وانقطاعها جعل مؤسسات الحكم في حالة عطالة دائمة ولم نستشعر طيلة الشهور الثلاث الفارطة أي حلحلة للأوضاع في اتجاه حل، بل إن الرئيس يمعن في فرض مشروعه، فاجتماعه في نفس اليوم مع وزير مالية معزول وإعلانه الذهاب في حوار وطني عبر السكايب مع شباب غير محدد الهوية السياسية يشي برغبته في المزيد من التعطيل.

مع الوقت ورغم الطرق الإعلامي المستمر من المعارضة على البرلمان ورئيسه واتهامه دومًا بأنه سبب تعطيل المحكمة، فإن هذه الحجة تسقط الآن وسقوطها يقيم الحجة على المعارضة أيضًا، فالمعارضة التي شاركت في مناقشة القانون وعادت بالنقاش إلى أسباب التعطيل القديمة متناسية دور الرئيس السابق (الباجي) في تجنبه انتخاب الأعضاء (كوتا الرئيس) رفضت التعديلات الحاليّة ومصرة على أن رئيس البرلمان وحزبه هما المعطل الوحيد.

تعطيل المحكمة كان بسبب الصراعات السياسية خارج البرلمان التي يعتبر البرلمان كاشفًا لها، فقد سبق أن تقدم مرشحون كثر وشرع في التصويت أكثر من مرة، لكن كانت الكتلة النيابية التي انفصلت عن النداء هي الحاجز الحقيقي رغبة منها في فرض لون سياسي داخل المحكمة تمثله بالخصوص أستاذة القانون سناء بن عاشور (شقيقة عياض بن عاشور واضع القانون الانتخابي الذي شكل أكبر عائق في تطور التجربة الديمقراطية التونسية)، ورغم أن حزب النهضة لم يرشح موالين له أو من كوادره بل أصر على ترشيح شخصية يسارية مقبولة (العياشي الهمامي) فإن المعارضة وجزءًا من الحزب الحاكم (النداء) منعت وصوله (كان يحظى بأعلى نسبة تصويت دومًا لكن دون بلوغ النصاب).

هذه الصراعات ما زالت قائمة وإن تغيرت الوجوه التي تقودها، بل إنها تحشر نفسها جميعها وراء الفاشية المتمردة على البرلمان والمحقرة للثورة وكل مشاريعها في الانتقال الديمقراطي، ونقاش البارحة كان كاشفًا أن سقوط المحكمة سابقًا كان لأسباب سياسية والأسباب لا تزال قائمة بما يخفض سقوف التفاؤل من تعديل القانون ويجعل الفرح بالخلاص منقوصًا.

أين يهربون من الاستحقاق الدستوري؟
مر وقت طويل من عمر الثورة ومن عمر الدستور والمؤسسات التي أحدثها لم تبن، وقد استساغ إعلام موجه يعادي الثورة إلقاء المسؤولية على حزب النهضة وحمله المسؤولية في تأخر الاستحقاقات، في حين أن التعطيل كان يأتي دومًا من خارجه (والويل لمن يقول بخلاف ذلك)، وتعتبر معارضة التعديل الأخير هروبًا آخر من الاستحقاقات بنفس الزعم رغم أن حزب النهضة لا يملك أغلبية فرض الشخصيات التي يريد داخل المحكمة.

لكن الصبر الطويل ساهم في تقدم طفيف وإعادة تحديد المسؤوليات وكل ذي رأي منصف يعرف الآن ومن خلال تحالفات ليلة الـ25 من هرب من المسؤولية، والزمن القادم سيحدد المزيد من المسؤوليات ويضع الأمور في نصابها الدستوري والسياسي أيضًا.

المنافذ تغلق في وجه الهاربين من تطبيق الدستور وفي وجه من يريد إسقاط البرلمان (وقد تحالفا بلا حياء)، وكما أفلح البرلمان أخيرًا في لجم الفاشية دون عنف، فإنه سيفلح لاحقًا في تصعيد المحكمة والزمن وإن طال لا يخدم الهاربين إلى الأمام، فالدستور أمامهم وموعد الانتخابات يقترب ويطاردهم وقد صار من العسير تمرير الخطاب الكسول الذي يرمي كل المسؤولية على حزب النهضة.

البارحة كانت خطوة إلى الأمام لا بد أن تجر خطوات أخرى وتجر المتنطعين من ألسنتهم، فحجتهم بطلت والزمن الباقي يتقدم ضدهم، لن يكون ميلادًا يسيرًا لكن الخلاص يقترب والصبر بعض قواعد الديمقراطية.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، المحكمة الدستورية، الدستور، مجلس النواب، قيس سعيد، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-03-2021   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حسن الطرابلسي، محمد يحي، د.محمد فتحي عبد العال، جاسم الرصيف، رشيد السيد أحمد، علي الكاش، د. عبد الآله المالكي، د - مصطفى فهمي، عمر غازي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، تونسي، عبد الغني مزوز، الناصر الرقيق، د- جابر قميحة، محمد اسعد بيوض التميمي، وائل بنجدو، رضا الدبّابي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حميدة الطيلوش، رمضان حينوني، نادية سعد، أحمد ملحم، المولدي الفرجاني، حسن عثمان، د - الضاوي خوالدية، يزيد بن الحسين، د - محمد بن موسى الشريف ، ضحى عبد الرحمن، منجي باكير، فتحي الزغل، إسراء أبو رمان، د. صلاح عودة الله ، محمد علي العقربي، صباح الموسوي ، محمود فاروق سيد شعبان، كريم السليتي، صفاء العربي، د - صالح المازقي، إيمى الأشقر، يحيي البوليني، أحمد النعيمي، عبد الرزاق قيراط ، محمد الياسين، صالح النعامي ، فوزي مسعود ، د. طارق عبد الحليم، طلال قسومي، الهيثم زعفان، عواطف منصور، مراد قميزة، أحمد بوادي، مصطفى منيغ، عزيز العرباوي، المولدي اليوسفي، أ.د. مصطفى رجب، سفيان عبد الكافي، د. أحمد محمد سليمان، فتحي العابد، د. خالد الطراولي ، رافد العزاوي، د - عادل رضا، د. أحمد بشير، رحاب اسعد بيوض التميمي، رافع القارصي، خبَّاب بن مروان الحمد، محمود طرشوبي، د - شاكر الحوكي ، العادل السمعلي، محرر "بوابتي"، سعود السبعاني، محمد الطرابلسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، أنس الشابي، محمود سلطان، عراق المطيري، إياد محمود حسين ، سيد السباعي، صلاح الحريري، سلوى المغربي، خالد الجاف ، الهادي المثلوثي، عمار غيلوفي، د- محمد رحال، أحمد الحباسي، محمد العيادي، د- محمود علي عريقات، عبد الله الفقير، بيلسان قيصر، محمد أحمد عزوز، صفاء العراقي، أشرف إبراهيم حجاج، ماهر عدنان قنديل، كريم فارق، مجدى داود، حاتم الصولي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، طارق خفاجي، د - محمد بنيعيش، صلاح المختار، سامح لطف الله، سليمان أحمد أبو ستة، حسني إبراهيم عبد العظيم، د- هاني ابوالفتوح، د - المنجي الكعبي، محمد عمر غرس الله، سلام الشماع، أبو سمية، فتحـي قاره بيبـان، سامر أبو رمان ، مصطفي زهران، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، ياسين أحمد، فهمي شراب، محمد شمام ، عبد العزيز كحيل، عبد الله زيدان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. عادل محمد عايش الأسطل، علي عبد العال،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز