البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: مشاعر مضطربة تحت القمر الصناعي

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1678



"لا شيءَ يُعْجبُني" يقول درويش، فأكرر والوجدان يضطرم مع مسافر في الباص: "لا شيء يعجبني، لا الراديو ولا صُحُفُ الصباح ولا القلاعُ على التلال. أُريد أن أبكي. يقول السائقُ: انتظرِ الوصولَ إلى المحطَّةِ وابْكِ وحدك ما استطعتَ".

أنا في المحطة بعد صعود القمر الصناعي والدمع كثير والأسباب أكثر. لم يجمع القمر الأول أهله حوله إفطار حزينا، والماكثون على الأرض يكيدون له كيدا.. يكيدون به كيدا، فيقرر ألا يعود. ربما سنحسده على الخروج من البلاد إلى السماء الحرة، فقد ترك خلفه قوما لا يتحررون من الصغار المدقع.

فالرئيس يركب الحدث بخطاب خشبي، والأحزاب تحقر القمر الصناعي نكاية في صانعه، والقمر قد يتأخر في العثور على أخيه.

الرئيس ظهر فجأة في قاعة المراقبة

لم تكن له علاقة بالمشروع منذ بدأ الحديث عنه في السنة الفارطة، لم يتحدث عنه في أي ظهور له، ولما جهز جاء يستضيف نفسه ويشكر صانعيه ويلتقط الصور، ثم يعاود الظهور ليتابع الإرسال، ولكنه فرض نفسه متحدثا باسم الصانع وفريقه ويتخذ من ذلك فرصة ليلعن شركاءه في إدارة البلد، بخطاب خشبي مكتوب أسوأ من خطاباته المرتجلة. حتى إنه لما دس له فيه خطأ تورط في الارتجال، فقال إنه لا يمكن التفريق بين الحق والباطل، فالحق بيّن والباطل ساطع، فأغلق المتابعون الصوت ليكتفوا بمشهد صعود الصاروخ الحامل للقمر.

كانت هناك فرصة ليجمع الرئيس شركاءه في إدارة البلد، ويتخذ من إطلاق الصاروخ مناسبة لقهوة مصالحة صباحية وحديث عن المستقبل الذي انطلق مع الصاروخ وسيعبر عنه القمر الصناعي. وكانت الذرائع متوفرة والوسيط أيضا، فصاحب الشركة المسؤولة معروف الانتماء السياسي، وكان يمكن توظيفه في توسيع الدعوة والجلسة ثم الحوار. ولكن لا يبدو أن الرئيس يفكر مثلنا أو يشغله ما يشغلنا من الرغبة في تسهيل أمور الحكم وتجاوز الاختلافات؛ بناء على ما نعرفه من الحالة الاقتصادية الكارثية للبلد.

لقد ضاعت المناسبة ولن يجود الزمن بمثلها قريبا، فليس هناك قمر ثان يستعد للسماء. الرئيس لا يبحث عن حل ويعسكر في قصره منتظرا أن يأتيه الآخرون أذلة صاغرين فيملي عليهم. هل هذا من الدستور؟ هل هذا من صناعة الأمل لمن صابح الناس بخطاب عن الحق والباطل؟ القمر الصناعي لم يصالحنا، وهذه حقيقة كحقيقة أن لنا قمرا صناعيا صغيرا بحجم الكف في السماء.

قمر بحجم الكف لكنه قمر

كل الذين لديهم عداء استئصالي مع حزب النهضة الذي ينتمي إليه السيد محمد الفريخة، صاحب شركة تلنات مصنعة القمر ومرسلته.. حقروا القمر وقالوا عنه إنه بحجم طوبة بناء صغيرة. لم يظهر في صفحاتهم وفي إعلامهم ما يفيد بأنهم يرونه قمرا تونسيا صنعه تونسيون وطوروه، وأُنفق عليه رأس مال تونسي.

لم يحضر المعنى الوطني في المشهد، لكن حضر الحقد الأيديولوجي (نسيت أن أذكر أن الأخبار عن تأجيل الإطلاق بسبب عوامل المناخ من يوم 20 إلى يوم 22 قد حظي بنشر أكثر من خبر الإطلاق نفسه). لقد كانت نبرة الشماتة في التأجيل جلية، أما وقد أطلق فكانت لغة التحقير أجلى. هنا أيضا لم يوحدنا القمر ولا صانعه، وفاتت فرصة حديث الوطنية الجامع.

في كل لحظة من لحظات الفعل يكشف الاستئصاليون عن وجههم البغيض ويمنعون الناس من الفرح؛ لأن هناك احتمال فائدة لعدوهم. يدفع خطابهم أبناء النهضة وآباء القمر الصناعي الذي هة بحجم الكف للافتخار والمبارزة والشماتة في القاعدين، فيجعلون من ردة الفعل سببا إضافيا لتوسيع الشقة وتعميق الأخدود، ويبتعد البلد خطوة أخرى عن مستقبله نحو ماضيه الذي اصطبغ بحرب استئصالية ضيعت عليه نصف قرن.

قمر بحكم الكف لم تنجزه الدولة الوطنية بيسارها الوطني والعميل، ولم تنجزه بنخبتها المالية التي صنعتها ومنحتها حق امتلاك البلد فاستثمرت في تعليب المياه المعدنية وتعطيش الريف.. أنجزه رأس المال الخاص والذي صادف أنه ليس استئصاليا، لقد صار قمرا صناعيا تونسيا ويشرف على الاستئصاليين من علو شاهق رغم أنه بحجم الكف.

القمر الصناعي الثاني في علم الغيب

في فرح لحظة الإطلاق عبر السيد الفريخة عن قدرته على تصنيع أقمار أخرى وطرح عروضه لأفريقيا بأسعار تفاضلية. ويبدو أنه ملم بالسوق وبأسعار التصنيع، وقد يفلح وهو المستثمر في الذكاء منذ انطلاق عمل شركته في التسعينيات. لكن بكل التفاؤل والفرح الذي رافق إطلاق القمر الصناعي (الذي بحجم الكف) نعتقد أن المناخ السياسي التونسي لن يساعد على قمر ثان. إن هذا النجاح يزعج فرنسا، نعم إنها تراقب ولم تفلح في المنع لكنها لن تتخلى.

لقد سبق للرجل أن أنشأ شركة طيران دولية وتملك خطا مباشرا للسفر بين تونس ومونتريال (كندا)، فحرم مطارات فرنسا من ثمن الترانزيت بمطاراتها، فحرضت عليه في تونس فأغلق مكاتب الشركة ونقلها إلى نيجيريا.

إن فرنسا التي تخرب شركاتنا الوطنية هي نفسها التي تحرض ضد القمر الصناعي التونسي، ولن تتوقف حتى تفشله، والمحيط السياسي الداخلي لا يتضامن مع هذا النجاح ولا يحميه، بل العكس، سيضع يده في يد العدو ويخربه.

ونحن نكتب هذا الآن توقعا، ولكن لدينا يقين بحكم التجربة بأن خراب بلادنا مملى على بعض نخبتها، وستظهر الأيام قريبا صحة توقعنا. لذلك لا نعتقد أن سيكون هناك قمر ثان إلا إذا صنع في منطقة خارج نفوذ فرنسا. أين هذه المنطقة؟ إن أفريقيا تتحرر من فرنسا وقد تقلص نفوذها في بلدان كثيرة، وهناك يمكن للفريخة أن يشتغل بلا كيد محلي. ونرى أن ليبيا مكان مثالي للعمل بحرية أكبر، ففي ليبيا لا يوجد عملاء لفرنسا مستعدون لخيانات وطنية بلا مقابل.

لقد وصل الباص إلى محطته الأخيرة في تونس وسنبكي براحتنا، فلا شيء يعجبنا في بلد لا يفرح بالنجاح. ستنتظر الأجيال القادمة موجة تحرر قادمة من ليبيا، حيث لم يحل الطاعون الفرنسي، وهذه نبوءة لا يلتقطها القمر الصناعي.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، القمر الصناعي، قمر تحدي واحد، شركة تلنات، محمد فريخة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-03-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
الهيثم زعفان، حسن الطرابلسي، سعود السبعاني، د - مصطفى فهمي، عبد العزيز كحيل، تونسي، عبد الله الفقير، إياد محمود حسين ، أحمد الحباسي، محمد أحمد عزوز، سامح لطف الله، محمد عمر غرس الله، رافع القارصي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحي الزغل، خالد الجاف ، د - محمد بنيعيش، د - محمد بن موسى الشريف ، د. عادل محمد عايش الأسطل، سامر أبو رمان ، ماهر عدنان قنديل، عمر غازي، د - المنجي الكعبي، رمضان حينوني، علي عبد العال، ياسين أحمد، محمود فاروق سيد شعبان، محمد شمام ، صفاء العراقي، محمد علي العقربي، حسني إبراهيم عبد العظيم، أشرف إبراهيم حجاج، د- محمد رحال، محمد يحي، محمد الياسين، منجي باكير، صلاح الحريري، علي الكاش، د- هاني ابوالفتوح، سلوى المغربي، مصطفى منيغ، عزيز العرباوي، فهمي شراب، سلام الشماع، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - عادل رضا، سيد السباعي، صلاح المختار، صفاء العربي، رضا الدبّابي، صباح الموسوي ، المولدي الفرجاني، د- جابر قميحة، د. ضرغام عبد الله الدباغ، خبَّاب بن مروان الحمد، كريم فارق، يحيي البوليني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - شاكر الحوكي ، د. صلاح عودة الله ، محمد العيادي، أ.د. مصطفى رجب، صالح النعامي ، كريم السليتي، إيمى الأشقر، يزيد بن الحسين، عبد الغني مزوز، ضحى عبد الرحمن، رحاب اسعد بيوض التميمي، عراق المطيري، مصطفي زهران، محرر "بوابتي"، طلال قسومي، د - صالح المازقي، المولدي اليوسفي، أنس الشابي، محمد اسعد بيوض التميمي، الناصر الرقيق، رافد العزاوي، د. أحمد بشير، الهادي المثلوثي، د. خالد الطراولي ، حسن عثمان، حميدة الطيلوش، د.محمد فتحي عبد العال، عبد الله زيدان، وائل بنجدو، محمود سلطان، د. عبد الآله المالكي، حاتم الصولي، بيلسان قيصر، أبو سمية، فوزي مسعود ، سليمان أحمد أبو ستة، إسراء أبو رمان، محمد الطرابلسي، طارق خفاجي، نادية سعد، د - الضاوي خوالدية، فتحـي قاره بيبـان، أحمد ملحم، مراد قميزة، د- محمود علي عريقات، جاسم الرصيف، د. مصطفى يوسف اللداوي، عمار غيلوفي، عواطف منصور، أحمد بوادي، فتحي العابد، العادل السمعلي، أحمد النعيمي، د. طارق عبد الحليم، سفيان عبد الكافي، عبد الرزاق قيراط ، مجدى داود، محمود طرشوبي، رشيد السيد أحمد، د. أحمد محمد سليمان،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز