موت الباجي كمناسبة لمراكمة المكاسب الايديولوجية والسياسية
فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4579
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مثل حدث موت الرئيس التونسي الباجي مناسبة للتذكير بمزايا النموذج التونسي في مستوى سلاسة الانتقال السلمي للسلطة، ولكن سرعان ما تم تحريف مساره نحو أداة إلتفاف إيديولوجية وسياسية قامت بها منظومة تشكيل الاذهان في تونس.
وسأبرهن في مايأتي أننا لسنا أمام حدث موت رئيس فقط، و إنما إزاء شوط آخر من المواجهة الفكرية والإعلامية مع منظومة بقايا فرنسا (*) المتحكمة في تونس منذ ستة عقود.
بني تناول بقايا فرنسا على توظيف حدث الموت وتوجيه متعلقاته، وتم ذلك من خلال آليات المغالطة والإسقاط الايديولوجي وإستدعاء قضايا خلافية.
أصل ومحور المغالطات كان الخلط بين الباجي الشخص صاحب الاراء الايديولوجية باعتباره أحد رموز بقايا فرنسا في تونس، وبين الباجي كرئيس لكل التونسيين بمن فيهم من لم ينتخبه، مما يستدعي التفريق بين البعدين في التناول الموضوعي.
ومطلوب هذا التفريق أننا يجب أن نتعامل بفصل منهجي بين بعد الرئيس وبعد المواطن التونسي، أي بين متعلقات المنصب وبين متعلقات الرأي والذوق، فالتونسيون حينما أشادوا بالباجي مثلا كرئيس للتونسيين رفض باعتباره رئيسا أن تتدخل قوى إقليمية في تونس، هذا الشكر تعلق بالمنصب أي بشكر الباجي من زاوية كونه رئيسا
أي أن هذا الموقف ليس له اي تعلق ببعد الباجي المواطن، أي أن للتونسي أن لا يوافق الباجي مثلا في تفضيله اي صنف من الطعام عن آخر، وتفضيله نوع لباس عن غيره، وبنفس المعنى فللتونسي أن لايوافق الباجي في أرائه الايديولوجية الخاصة به.
يتفرع عن هذا المدخل، أمران، أولهما مجموع عمليات التوجيه الايديولوجي والسياسي، وثانيها ترهيب المختلف مع الباجي المواطن.
فقد وقع توظيف الخلط المقصود بين البعدين وعملت أدوات تشكيل الاذهان على تمرير مواقف الباجي الايديولوجية ومن ورائها مواقف منظومة بقايا فرنسا، وتصويرها أنها الاصل وليس مجرد رأي له ما يخالفه.
من ذلك، تم تسفيه من رفض قانون المساواة في الميراث، و هناك من أستغل المناسبة وتهجم على أصحاب ذلك الموقف ووصفهم بالظلاميين، بل هناك من أراد استغلال المناسبة واقترح تمرير ذلك القانون، وهناك حتى من أشاد بالباجي لأنه حارب الإسلاميين وحجمهم.
هنا نحن في حالة توظيف الايديولوجي في مستوى كسب النقاط والتهجم على خصم فكري وترهيبه وإستعمال ذلك لمواصلة الحروب السياسية.
كما تم إحياء مسالة المرأة وتحريرها المزعوم وتم التوسع في ذلك بالتهجم على المخالف فكريا وسياسيا، وعمل على استغلال النساء الاتي اجتمعن يودعن رئيسهن، أي المتعاطفات مع الباجي الرئيس وتصويرهن أنهن مناصرات للباجي الايديولوجي، أي إختلاق وترويج فكرة أن تلك النسوة باجتماعهن أنهن موافقات على طرح منظومة بقايا فرنسا الايديولوجية التي كان الباجي أحد مروجيها، وهذا بالطبع تعسف في المغالطات والتوظيف.
كما تم إستدعاء مواقف الباجي في مناسبات عديدة الرافضة للإسلام من أن يحكم ويضبط الحياة، وعمل على تصوير ذلك الموقف أنه صواب ضمنيا، من خلال استحضاره وخلطه مع أبعاد الباجي الرئيس مستغلين حقيقة أن التونسيين يرفضون الخوض في تلك المسائل في أيام شديدة تمر بها بلادهم، فتم إذن تمرير الموقف بجعله مقبولا ضمنيا وان كان قبولا مكرها، وهذا توظيف للحدث لتحقيق كسب إيديولوجي أي نصرة مبدأ يحارب الاسلام من خلال استغلال الحدث.
وتفصيلا عن هذه الفكرة، يمكن ذكر مسألة وجدي غنيم، فالرجل تحدث في وقت ما كان له ان يتحدث فيه لو كانت له حكمة، أي وقت كان التونسيون مهمومين ببلدهم وملتفين حول الباجي في بعد الرئيس، لذلك انتفض التونسيون ضد غنيم لانه مس رئيسهم، لان الباجي الرئيس هو ما كان يهمهم ساعتها، والأرجح أنهم كانوا سينتفضون كذلك ضد اي أحد آخر هاجم الباجي مثلا في طريقة أكله أو لبسه، أي أنه رفض للتوقيت وليس لمحتوى الفكرة.
لكن منظومة بقايا فرنسا استغلت ذلك، لتمرير مشروعها الايدلوجي وعملت على تصوير أن الامر موافقة التونسيين لآراء الباجي الرافضة للإسلام، والحال أن من رفض كلام وجدي غنيم على الارجح لم يرفض كلامه في أصله أي محتواه و إنما رفضه لتوقيته غير الملائم الذي ظهر لهم كأنه استهداف للباجي الرئيس.
---------
(*) بقايا فرنسا مصطلح يقصد به كل من يوافق فرنسا (المحتل) ضمنيا أو مباشرة في خططها المغالبة للإسلام من أن ينظم حياة الناس والرافضة للغة العربية أن تسود غيرها من اللغات، ولما كان هذا المصطلح ينطبق على طيف واسع يتوزع بين الاحزاب السياسية يسارها وليبرالييها مرورا بالإعلام والثقافة وصولا لمنظمات المجتمع المدني نقابات وغيرها، كان مصطلحا جامعا شاملا، أيسر من ان يقع تعداد عشرات المكونات كل مرة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: