د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3903
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حملني يوماً موضوع للتحقيق والمراجعة على زيارة موقع ديوان الإفتاء للدولة التونسية على النت. فوجدت تاريخه يومها غير مكتمل بالسنة الهجرية، كما يبينه الرابط التالي: http://www.di.tn/testaccordion.aspx (أضغط على الرابط هذا). حتى إذا تأملت جيداً وجدت بقية التاريخ في سطر نازل وممحو نصفه الأسفل لظهور عنوان جدول آخر من جداول الموقع؛ ولذلك فالعين لا تتَقَرّاه لأول نظرة.
ولكن بأية كتابة هو؟ بكتابة خاطئة للأسف، لأنه لا يقال "ربيع ثاني" بل ربيع الثاني.
وفي مجال الخدمة، وجدت أنموذجَ مطلب (بهذه التسمية وسنأتي اليها) بالفرنسية، للتعمير، أي لملء البيانات المطلوبة فيه من الراغب في دخول الاسلام. وتصورت أنني في صفحة الموقع باللغة الفرنسية. ولكن لا، بل في الصفحة الرسمية الأولى للموقع. وبالنقر على الفرنسية والانجليزية، كما هو مبين تحته، لا تجد لا مطلب ولا هم يحزنون. ولا حتى ترجمة الموقع الى لغة من اللغتين المذكورتين.
فتساءلت أين حظ العربية ؟
ومهما يكن من أمر، فالعربية لها عند المتدين بالإسلام مهما تكن جنسيته أو لونه أو لغته الأصلية مكانة عزيزة. فكان يمكن أن يُطلب منه طلبٌ محرر بلغته لتكون ما ترجمته بالعربية ما يلي، أي المثال المعروض. وليكن ذلك في نص مقابل بأية لغة، فرنسية أو غيرها، المهم أن تكون ترجمتها معتمدة لدى جهة رسمية.
ثانيا، الموضوع، هو طلب الدخول الى الاسلام. وليس التعبير عن ذلك بالمطلب أوفق، لما هو معروف لغةً بينهما من فرق، فالمطلب ومنه مطالب العمال للاستحقاق، أما الطَّلَب فهو للأخذ ووجدان الشيء، وهو المعنى هنا.
ثالثا، دخول الاسلام لا يكون عن رغبة، لأنه لو أكره الكافر على أمر ووَجد في دخول الاسلام منجاة له لأجْزاه ذلك وقُبل منه. ولذلك فالشرع لا يقتضي للداخل الى الإسلام التحري من بطاقة السوابق له، إن كانت نظيفة أو يسقط عنه الإسلام.
وكان أحد المفتين الأسبقين، ولعله الشيخ السلامي، اشترط تعسفاً أن يصلي الداخل أمامه. والشرع لا يقول بالصلاة في غير أوقاتها ودون غسل. وكذلك لا يلزم الداخل للإسلام أن يبقي يُنصت للمفتي عن كل كلمة يتلفظ بها درساً حول معناها في الإسلام. وهل في وقت المفتي متسع للقيام بدور غيره في تعليم المسلمين؟ أو هل من يدخل الاسلام في جهالة عن مراجعة الدين الداخل فيه وما يريد أن يعرف من تعاليمه أو عباداته؟
رابعا، ويسميه الموقع غير المسلم (أو غير المسلمة) وهي تسمية غير صحيحة، لأنه كافر بالإسلام أصلاً ثم دان به، وهذا اسمه شرعاً. ولذلك كانوا يرددون على سمعه في مُناطقته ببيعة الإسلام، إن كان نصرانياً أن يقول إن عيسى ليس ابن الله، وإن كان يهودياً إن عُزيراً ليس ابن الله، الى آخر ما كان عليه من ديانة أو نحلة؛ لأن قَطْعه مع ما تقدم (أو براءته) من اعتقاد له على مذهب الكفر مقدّمة لإسلامه.
فهو يختلف بهذا الاعتبار عن غير المسلم، الذي هو وصف يطلق من كان على دين آبائه وظل على تقليدهم؛ فهو من نوع (لكم دينكم ولي دين)، ولا شأن له بما يسمى بالبيعة لدخول الإسلام؛ ونبقى على احترامه وإن خالفناه في اعتقاده بعيسى أو عزير على أية صفة من الله.
وإذا كان ديوان الإفتاء لا يعنيه من أمر اللغة إلا أن يفهم صاحب الطلب المطلوبَ منه للغرض. فهناك الصفة الرسمية للجهة المتحتم عليها قانونا احترام أن تكون وثائقها الرسمية أو التى تقدم لها محررة باللغة الرسمية للبلاد أو الى جانب المعتمد ترجمة لها.
وغير ذلك من استعمالاتنا للغة التي قد تعارض مقومات الأفهام السليمة لأمور الدين. من ذلك أيضاً "المترشحون للحج هذا العام" حسب العبارة الرسمية، وإنما الحج استطاعة، والناوين له، أو العازمين عليه وهما التسمية الأفضل لهم، لأنها التسمية الشرعية، بالإمكان تقديم بعضهم على بعض، لأسباب منها استطاعة الدولة المستضيفة لضيوف الرحمان استيعابهم بالعدد المقدر، واستطاعة دولتهم لتوفير الظروف لهم والمراقبة الصحية، إذا تبين أنها لا تدخل تحت حد الاستطاعة إلا ببعض الغرر. وإلا، فسبيل المترشحين هي الانتخابات وما يقع فيها من مفاجآت أحياناً!
وأهون من أمر لغتنا في ديوان الإفتاء أمرها في مجلس نواب الشعب، الذي يعرف جيداً القائمون عليه أنه لا تعتمد لديه وثيقة أو طلب إلا اذا كان باللغة الرسمية التي يرعاها دستور البلاد.
فقد حملتني الحاجة يوماً الى مراجعة أحد النواب، لما شغلني من أمر استقالته المنشور في الصحف، من المجلس لأسباب شخصية، وحددها بظروفه المهنية. وأذْكرني ذلك بحالة بعض أساتذة التعليم العالي الذين يهمهم الترقية في سلكهم أكثر من التمسك بالنيابة اذا لم يساعد وضعهم في حالة الالحاق الخاص بالمجلس على اكتساب ذلك آلياً.
فبعد اتصالات مضنية بالمجلس لإمكان ربط الصلة به للتأكد من صيغة طلبه، للاهتمام بالموضوع أيام مدتي النيابية في أوائل السبعينيات، رأيت أن الجأ الى بعض المواقع على النت، فوجدت أكثر ما أمّلتُ، من هاتفه أو بريده الالكتروني، وجدتُ صورة من طلب الاستقالة محرراً بالكامل باللغة الفرنسية ولا حرف عربياً به، وبأسفله ختم مكتب الضبط بمجلس نواب الشعب، كما يبينه الرابط التالي
فوقع في نفسي أن اكتب عن هذا الحظ للغة العربية، في حياتنا وفي مواقعنا الرسمية، كدولة ذات سيادة بإسلامها ولغتها العربية. وربما ترحّم غيري على الاستعمار الفرنسي الذي ألزم الدولة التونسية في اتفاقياته معها للاستقلال، بأن تعامل اللغة الفرنسية كلغة غير أجنبية في تونس، طالما هذه الاتفاقيات قائمة، وهي أبدية بنص الفصل الاول منها من باب كونها اتفاقيات أدرجت تونس في الاتحاد الفرنسي.
وكان العمل منذ الحماية، أن فرنسا تعترف بكون اللغة العربية هي الرسمية لتونس، وذلك على تقدير منها لا للعربية ولكن لأن سيادة الدولة التي يمثلها صاحب الإيالة وقتها يقتضي البروتوكول أن يوقع جلالته على الوثائق الرسمية بلغة بلاده التي تلزمه نصوصها بتطبيقها وإنفاذها وفقاً لألفاظها ومعانيها، لا غير، بحكم القانون الدولي، ولذلك تحررت هذه الاتفاقيات في أصل مزدوج.
فصفة الرسمية، لم تمنح اللغةَ العربية المكانة التي تنافس فيها اللغة الفرنسية إذاً، لأنها وقد انحسرت أو تلوثت في الحياة العامة وفي التعليم لصالح الفرنسية وليس العكس، أصبح المعول على المعربين الفرنسيين لترجمة لغتنا الى لغتهم، لأنهم أمتن منا فيها وأحرص على مصالحهم أن يكون حذْقنا أو امتهاننا للغتنا يُفسد عليهم مصالحهم منّا كأيام الاستعمار.
--------
تونس في 30 ديسمبر 2018
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: