الجمهورية التونسية
وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي
كتابة الدولة للتعليم العالي والبحث العلمي
الديوان ع/د
مذكّرة
إلى عناية السيد الوزير
الموضوع: حول الشتم الذي تعرّض له أساتذة المعهد الأعلى للشريعة. المرجع: مقالة من جريدة الصباح الصادرة بتاريخ ٢٠ /٢ /١٩٩٠ تحت عنوان «الزيتونة تعيد نفسها».المصحوب: ١
=====
وبعد، فقد اتصل بنا السيد مدير المعهد الأعلى للشريعة لإعلامنا بتصرف السيد المنجي الكعبي أستاذ تعليم عالي بالمعهد الأعلى للشريعة والمتمثل في نشر مقال في صحيفة الصباح المشار إليها أعلاه.وتبعا لذلك، أتشرّف بأن أنهي إليكم ما يلي: إن تصرف المعني بالأمر والمتمثل في نشره لمقالة بجريدة الصباح الصادرة يوم 20/فيفري 1990 ناسبا فيها لفظة "الأفلات" لأساتذة المعهد معتبرا إياهم من أهل الاستفزاز الذهني لمسلّماتهم يعدّ شتما لأساتذة المعهد مما يشكّل جنحة يعاقب عليه قانونيا طبقا لما نصّ عليه الفصل 54 من مجلة الصحافة إذ ورد به الآتي نصه:«تعتبر شتما كل عبارة تنال من الكرامة أو لفظة احتقار أوسب لا تتضمن نسبة شيء معين...»«والاعتداء بالشتم بالوسائل المبينة أو الأشخاص المعنيين بالفصل 51 وما بعده من هذه المجلة يعاقب مرتكبه بالسجن من 16 يوما إلى ثلاثة أشهر وتخطية من 120 دينار إلى 1200 دينار أو بأحد العقابين فقط...»)هذا وقد تعرض قانون الوظيفة العمومية عدد 112 المؤرخ في 12 ديسمبر ١٩٨٣ بالفصل56 إلى صورة ارتكاب الموظف العمومي جريمة من جرائم الحق العام فإنه يقع إيقافه حالا عن مباشرة وظيفته وذلك بإذن من رئيسه المباشر على أن يعلم هذا الأخير حالا بذلك رئيس الإدارة الذي يجب عليه اتخاذ القرار.»هذا إضافة إلى أنه في صورة ارتكاب الموظف لخطإ يشكل جنحة أو جناية فإنه يجب رفع القضية لدى النيابة العمومية على أن تقع دعوة مجلس التأديب في أجل أقصاه شهر.وبناء أن على ما تقدّم يتبين أن المعني بالأمر قد ارتكبت خطأ يشكل جنحة تستوجب إحالته على مجلس التأديب وتسليط العقوبة الملائمة لذلك والقيام بتتبعات عدلية ضده.لذا الرجاء موافاتنا بما ترونه في الموضوع. والسّلام المكلف بمأمورية عبد الله الرياحي الإمضاء (وتحته): الرجاء مخاطبتي م ش (الحروف الأولى لاسم الوزير محمد الشرفي)
(وتوقيع آخر على جهة اليمين بخط اليد كذلك ولكن بقلم مختلف):
يضاف إلى هذا تقارير لافتة من مدير المعهد السيد/جلول الجريبي تفيد :
١- تغيبّه عن الدروس بالرغم من التنبيه،
٢- اجتماعه بالطلبة ساعة دخول القاعات،مما يعرقل جهود العودة للدراسة.
ص ش (الحرفان الأول لاسم كاتب الدولة للبحث العلمي آنذاك: الصادق شعبان)
جامعة الزيتونةالمعهد الأعلى لأصول الدين
عــــدد بسم الله الرحمن الرحيم تونس في ٠3 مارس ١٩٩٠
من مدير المعهد الأعلى لأصول الدين
إلى معالي السيد وزير التربية والتعليم العالي والبحث العلمي المحترم
عن طريق السيد رئيس جامعة الزيتونة المحترم
الموضوع: طلب إحالة الأستاذ المنجي الكعبي على مجلس التأديب المصاحيب: كشف عن غيابات السيد الكعبي منذ بداية السنة الجامعية (وهي غيابات غير مبررة)تحية طيبة وبعد،فقد لاحظت منذ انطلاق السنة الجامعية تقاعس السيد المنجي الكعبي أستاذ اللغة العربية بالمعهد الأعلى لأصول الدين، عن القيام بواجبه المهني سواء بالتغيّب عن الحضور أوالتأخّر عمدا عن الدخول إلى فصله ممّا أدخل الاضطراب والتململ خصوصا في الظروف العصيبة التي مرّت بها الجامعة. فقد تغيّب السيد الكعبي من أوّل حصة من حصصه التدريسية وتأخّر عن الحضور في درسه الثاني بأربعين دقيقة مما اضطر طلبته إلى التململ وإحداث الاضطراب والفوضى في الأروقة والتشويش على بقية زملائهم في أقسامهم، في ظرف صعب جدا، حيث كان طلبة المعهد الأعلى للشريعة يتجمهرون كل يوم بالساحة ويلقون الخطب ويدعون بقية الطلبة في المعهدين (الأصول والحضارة) إلى الإضراب عن الدراسة مساندة لهم. ويصلكم صحبة هذا كشف عن الحصص التي تغيّب فيها الأستاذ الكعبي منذ بداية السنة والغريب في الأمر أنه كان أيام اعتصام الطلبة ودخولهم في إضراب جوع كان يكثّف الحضور حتى في غير حصصه، وإذ كان يتواجد بالمؤسسة يومها تقريبا. ويلاحظ عليه الانزواء في الأركان إما مع بعض الأساتذة أو مع بعض الطلبة الحركيين إضافة إلى أنه كان في قاعة الأساتذة لا يخفى ثورته على الوضع وعدم رضاه ونقده للإجراءات التي تتخذ سواء أكانت داخلية أو عامة.ولا أدل على عزم السيد المنجي الكعبي على إفساد الجو، وعلى عمله على عدم عودة الدروس أنه يوم الخميس 1مارس ١٩٩٠بوصوله إلى المعهد للقيام بدرس وجد بعض طلبة معهد الشريعة متجمهرين أمام الباب لأنهم منعوا من الدخول، فتوجّه إليهم وأخذ يتحدث معهم مؤكدا لهم أنه ليس من المعقول أن تجرى امتحانات بعد فوات عدة شهور من السنة ولم يبق منها إلا الشيء القليل... وبقي معهم إلى حدود الساعة ٨ و٤٠ دق وطلبته في انتظاره، يتّصلون بالإدارة ويطالبونها بإحضار الأستاذ خصوصا وأنه هو الذي تغيب عنهم أكثر من غيره منذ بداية السنة، معبرين عن أسفهم لذلك، ولما هموا بالخروج أقبل عليهم الأستاذ (8 و٤٠دق) وقد أعلمتُ رئاسة الجامعة بذلك بعد أن يئستُ من استجابته إذ وقع تنبيهه مرات ولكن دون جدوى. ودعته رئاسة الجامعة كتابيا ووجهت إليه هي أيضا تنبيها في الغرض داعية إياه إلى الانضباط في الحضور باعتبار أن ذلك من عوامل إعادة الدروس وتطبيع الوضع بالمؤسسة. واليوم السبت 3 مارس 1990، لوحظ منذ بداية الصباح تكاثف عدد الطلبة المقبلين على الدراسة كما لوحظ اصطحاب بعض الأولياء لأبنائهم وبناتهم، وانتظمت جل الدروس تقريبا باستثناء درس الأستاذ الكعبي إذ بقي طلبته بالأروقة مما صعّبا مسؤولية الإدارة في التعرف على الراغبين في الدراسة من العاملين على إخراج زملائهم من قاعة الدرس، وعندها اضطرت الإدارة إلى إدخال طلبة السيد الكعبي (الفوج الأول من السنة الثانية) مع الأستاذ الطاهر بن قيزة الذي كان يدرّس طلبة الفوج الثاني من السنة الثانية. ونظرا إلى كل ما تقدّم، ومساعدة للمعهد على القيام بمهمته خصوصا في مثل هذه الظروف، أقترح على معاليكم سيدي الوزير إحالة الأستاذ المنجي الكعبي على مجلس التأديب ولكم سديد النظر وخالص التقدير والشكر. والسّلام
مدير المعهد الأعلى لأصول الدين جلول الجريبي
(توقيع الى اليمين بخط اليد لرئيس جامعة الزيتونة علي الشابي):
أرجو إحالة السيد المنجي الكعبي على مجلس التأديب نظرا إلى تجاوزاته الكثيرة التي أساءت إلى الزيتونة وإلى إثارة الشغب وتحريض الطلبة على الامتناع عن الدروس.٥ /٣ /١٩٩٠
علي الشابي الختم: جامعة الزيتونة رئيس الجامعة
الجمهورية التونسية
وزاره التربية والتعليم العالي والبحث العلمي
الديوان 13 /11 /90 2303
مذكّرة
إلى السيد المدير العام للتعليم العاليالموضوع: حول التصرفات اللّامسؤولة الصادرة عن السيد المنجي الكعبي أستاذ تعليم عالي بالمعهد الأعلى لأصول الدين وإخلاله بالواجبات المهنيةالمصاحيب: ملف
=====
وبعد، أتشرف بموافاتكم رفقة هذا بملف صادر عن رئاسة جامعة الزيتونة يتعلق بالسيد منجي الكعبي أستاذ تعليم عالي بالمعهد المذكور أعلاه يحتوي مجموعة من التقارير الصادرة عن مدير المعهد حول تصرفات المعني بالأمر التي تبرهن على تجاوزه الفادح للإدارة وإصراره التام على تعطيل سير الدروس والإخلال بالواجبات المهنية وسوء سلوكه إزاء زملائه. هذا مع الإشارة إلى أنّ المعني بالأمر قد سبق له القيام بنشر مقال بصحيفة الصباح يوم ٢٠ فيفري ١٩٩٠ ناسبا فيها لفظة "الأفلات" لأساتذة المعهد معتبرا إياهم من أهلي الاستفزاز الذهني لمسلماتهم مما يعدّ شتما واحتقارا لأساتذة المعهد.وبناء على ما تقدّم يتبين أنّ المعني بالأمر قد ارتكب أخطاء تستوجب إحالته على مجلس التأديب وفقا لمقتضيات الفصل ٥٦ من القانون عدد ١١٢ المؤرخ في ١٦ ديسمبر ١٩٨٣ المتعلق بالقانون الأساسي العام لأعوان الدولة.وعليه، وتبعا لتعليمات السيد الوزير في الغرض الرجاء دعوة مجلس التأديب للانعقاد في أقرب الآجال قصد تسليط العقوبة الملائمة ضد المعني بالأمر والسّلامعن وزير التربية والتعليم العالي والبحث العلمي المكلف بمأمورية عبد الله الرياحيالجمهورية التونسيةوزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي
تونس في ٢٧ ديسمبر ١٩٩٠
آ. ت.ع
مذكرة
إلى عناية السيد الوزير
الموضوع: حول إحالة السيد المنجي الكعبي على مجلس التأديب
المصحوب: تقرير السيد رئيس جامعة الزيتونة المؤرخ في 31 أكتوبر 1990 عدد ٨٥٩
المصحوب: ملف.
=====
وبعد أتشرف بإحاطة سيادتكم علما أن السيد رئيس جامعة الزيتونة قد أحال علينا رفقته تقريره المؤرخ في 31 أكتوبر ١٩٩٠ تحت عدد ٨٥٩ ملفا يحتوي على عدد من التقارير الصادرة عن مدير المعهد الأعلى لأصول الدين تتعلق بالسيد المنجي الكعبي أستاذ بالمعهد المذكور يطلب على أساسه اتخاذ الإجراءات اللازمة قصد ردع المعني بالأمر.حيث بالرجوع إلى محتوى الملف سالف الذكر يتبين أن السيد المنجي الكعبي قد تعمّد ارتكاب عدة أخطاء إدارية يمكن حصرها كما يلي
١) التطاول على مقام الجلالة في مؤسسة علمية ودينية ومسّ كرامة مدير المعهد وأعوانه
٢) الاعتداء لفظا على أساتذة ومسيري المعهد الأعلى لأصول الدين وذلك في مقالتين تمّ نشرهما بجريدة الصباح يومي 27 جانفي١٩٩٠ و ٣ فيفري ١٩٩٠ قدم فيهما مدير المعهد تقريرا ورد علينا بتاريخ ٨ فيفري ١٩٩٠ طالبا فيه اتخاذ الإجراءات اللازمة في الغرض.
هذا مع الإشارة أيضا إلى أن السيد المنجي الكعبي قد نشر مقالا بتاريخ 20 فيفري ١٩٩٠ بجريدة الصباح نسب فيما لمسيري إدارة المعهد الإفلات وأهل الاستفزاز الذهني لمسلّماتهم وهذا التصرف من شأنه أن يمسّ بكرامة الوظيفة العمومية وذلك على معنى الفصل ٣ من قانون الوظيفة العمومية.
٣) تعدّد غيابات المعني بالأمر عن حصص التدريس إلى جانب تعدّد التأخير في الالتحاق بحصص التدريس والتغيب عن كلّ حصص المراقبة في الامتحانات لدورتي الامتحان بالنسبة للسنة الجامعية ١٩٨٩- ١٩٩٠ بدون أي تبرير والتأخر من جهة أخرى في إجراء الامتحانات الشفهية للطلبة.هذا وتجدر الإشارة أيضا إلى أن السيد المنجي الكعبي قد امتنع عن إرجاع أوراق الامتحان في الأجل المحدّد له من قبل الإدارة مما أدخل اضطرابا على السير العادي للجان التصريح بنتائج الامتحانات التي لم يحضر مداولاتها مما يبرهن عن تجاوزه للإدارة وإخلاله الفادح بواجباته المهنية. هذا وقد طلب السيد رئيس جامعة الزيتونة بمكتوبه المؤرخ في ٣١ / ١٠ /١٩٩٠ اتخاذ الإجراءات اللازمة لردع المعني بالأمر استنادا إلى ملف يتضمن تقارير صادرة عن مدير المعهد تشين بتصرفات مريبة صادرة عن السيد المنجي الكعبي الغاية منها إدخال الاضطراب على المؤسسة وإحداث الشقاق والخلاف بين إدارة المعهد وأساتذتها من جهة وبين الطلبة والإدارة من جهة أخرى كما جاء ذلك بتقرير مدير المعهد الوارد علينا بتاريخ ٨ فيفري ١٩٩٠ ويؤيده ما جاء بمحضر الجلسة المحرّر من قبل الكاتب العام للجامعة بتاريخ ٣٠ أكتوبر١٩٩٠.
هذا وقد أشار السيد مدير المعهد بمكتوبه به المؤرخ في ٢٢/ ١١/ ١٩٩٠ إلى أن السيد المنجي الكعبي قد حضر بمعية السيد محمد البدوي انتخابات نواب جامعة الزيتونة لحضور مؤتمر الاتحاد العام التونسي للطلبة كما أفادنا السيد مدير المعهد بمكتوبه السالف الذكر أن السيدان محمد البدوي والمنجي الكعبي دخلا إلى ساحة المؤسسة وجلسا وحولهما عدد من الطلبة والطالبات الحركيين على وجه الخصوص وبقيا يذكران بتاريخ الزيتونة وبالنضالات التي خاضها أبناؤها ومن بينهم السيد البدوي في سبيل حمايتها من الأعداء معبّرين عن أسفهما للوضع الذي عليه الزيتونة الآن مؤكدين أن المقصد من بعثها لا يعدو أن يكون سياسيا بحتا. ومن المعلوم أن التعريض بالمؤسسة وانتقاد التوجّه الرسمي لها يشكّل خرقا واضحا لواجبات الموظف المطالب باحترام وفرض احترام قوانين الدولة كما يشكل إخلالا بواجب التحفظ الملقى على كاهل كل الموظفين حسب قانون الوظيفة العمومية.
وبناء على كل ما سبق ذكره فإن ما صدر عن السيد المنجي الكعبي يعدّ إخلالا فادحا بالواجبات المهنية الواردة ضمن الفصل 56 من قانون الوظيفة العمومية وخرقا لمقتضيات الفصل ٣ من نفس القانون الذي يقضي أن يتجنب العون العمومي في أثناء ممارسته وظيفته كل ما من شأنه أن يخل بكرامة الوظيفة العمومية وهو ملزم في كل الظروف باحترام سلطة الدولة وفرض احترامها.لذا فالمقترح على عنايتكم إن لم تروا مانعا الإذن بإحالة السيد المنجي الكعبي على مجلس التأديب. والسّلام
المدير العام للتعليم العالي عبد الرؤوف المهبولي الإمضاء
(وبالحاشية اليمين توقيع بخط اليد يتصدره تاريخ:٩ / ١ /٩١ يحال على مجلسالتأديب لمؤاخذتهمن أجل ما ورد
م ش (محمد الشرفي)
وتحته بخط مغاير:
المكلف بمأمورية الإمضاء: عبد الله الرياحي
عن وزير التربية والتعليم العالي والبحث العلمي وبإذن خاص منه (بخط اليد)
عبد الله الرياحي
رسالة إلى السيد وزير التربية
تونس في ١٦ مارس ١٩٩١
الموضوع: حول مشروع إحالة على مجلس التأديب
وبعد، أتشرف بإعلامكم أني تلقيت بكل دهشة واستغراب قراركم بإحالتي على مجلس التأديب من أجل ما وصف بأخطاء إدارية حمّلتني إياها أطراف معينة من إدارة المؤسسة الجامعية التي أنتمي إليها.وحيث إن هذه المؤاخذات جاءت ملفقة ومفتعلة ولا تنبني على أساس من الصحة بل القصد منها الإساءة إلى أستاذ جامعي عرف بحرية فكره واستقلاليته ما جعلني أرفضها رفضا باتا. وهو ما بيّنته بالتفصيل في المذكرة المصاحبة لهذا في صيغة مشروع ردّ كتابي على الاتهامات الموجهة إلي في هذا الملف. وحيث من جهة أخرى أجدني حريصا على احتواء هذا النزاع المفتعل وتجنّب ما يمكن أن ينجرّ عنه من تفاعلات قد تستغلها عناصر خارجية ذات دوافع مشبوه فيها مما يدفعني إلى الإعلان عن استعدادي لطلب نقلتي إلى كلية الآداب والعلوم والإنسانية نظرا لاختصاصي فيها، إذا كان سيساعد على تحييد الأطراف التي تقف وراء هذه الضجة المفتعلة ويحسم هذا النزاع بصفة نهائية صيانة لحرمة المؤسسة التعليمية وحفاظا على سمعتها.وتبعا لذلك، فالمنتظر اعتبار مشروع الإحالة غير ذي موضوع مما يستدعي إلغاء مجلس التأديب المدعو للانعقاد في ١٥ /٣ / ١٩٩١ كما نعوّل على تفهّمكم لحفظ ملف الإحالة إنصافا وعدلا وتجاوزا مني للضرر الأدبي الذي لحقني من هذه القضية وتمكيني من جميع حقوقي التي قد تكون تأثرت بتكوين هذه الملف.وتفضلوا حضرة السيد الوزير بقبول فائق الاحترام والتقدير المنجى الكعبي
حول إحالة على مجلس التأديب
اختارتني عناية السيد محمد الشرفي أو أحد مرؤوسيه لإقامة دولة القانون والمؤسسات عليّ بإحالتي على مجلس التأديب من أجل "التطاول على مقام الجلالة في مؤسسة دينية"، كما جاء على رأس لائحة الاتهام الموجهة إلي مع تهم أخرى أقلها تدفع بي إلى السجن مع التخطية المالية فضلا عن العزل من الوظيفة العمومية إن لم يكن العقاب بالنقلة مع تغيير المقرر أو الرفت. والتهمة الأم بعد التطاول على مقام الجلالة هي تهمة ارتكاب إحدى الجنح المعاقب عليها في قانون الصحافة. وهي الاعتداء بالشتم على زملائي والمسّ من كرامة الوظيفة العمومية من خلال مقال لي منشور في ٢٠ فيفري ١٩٩٠ أي قبل أكثر من عام. أما التهم الثالثة والرابعة فهي تعدد الغيابات والتأخير في الالتحاق بحصص التدريس والتأخير في إجراء الامتحانات الشفوية والتأخير كذلك في إرجاع أوراق الامتحان.ويقضي قرار الإحالة مثولي أمام مجلس التأديب بمقر الوزارة يوم ٢٥ مارس الجاري مع تمكيني من الاطلاع على الملف وأخذ نسخة منه إذا أردت وتوجيه ردّ كتابي عليه أو الاكتفاء بردّ شفاهي عند الحضور إلى المجلس. علما بأن هذا المجلس هو نفسه اللجنة الإدارية التي من سخريات القدر أن أكون أحد أعضائها (على سبيل القرعة) لدور انعقادها الحالي، غير أنها تنتصب بصفة مجلس تأديب مع التضييق فيها، لأن القانون لا يسمح لمن هو فيها من رتبة أقل بأن يبدي اقتراحات بشأن موظف من رتبة أعلى. وعلما كذلك بأن قرار المجلس استشاري وللسلطة وحدها حق التأديب. ودون أن أتولّى هنا الدفاع عن نفسي، لأن مكان ذلك في المجلس أشير فقط إلى ما هو من حق غيري عليّّّ معرفته حول ظروف هذا الملف، أولا: لأنني لا أملك نفسي ولأنني في محيط أنا منه وإليه ولأنني مع ذلك رجل جامعي. ومن حق الجامعي أن يتكلم في المسائل العامة فضلا عن دوره الأساسي فيما هو من مهامه وليس من مهام الإدارة أو الطلبة أو سلطة الإشراف ثانيا: لإنارة الرأي العام الذي يعرفني بمواقفي ويتابع نشاطي في غير قليل من المجالات ثالثا: لأن دفاعي عن دولة القانون والمؤسسات ليس يخوّفني الآن من الدفاع من اتّقائها ما قد يكون من تكريس لها لغرض انحرافات أو تصفية حسابات.
وأطراف الاتهام القائمة ضدي إما أن يكون المدير الذي تشمله عبارة «رئيس الإدارة التي ينتمي إليها الموظف» الواردة في الإحالة أو رئيس الجامعة أو الوزير أو بعضهم ممثّلا لبعض أو جميعهم مع تمييز السيد الوزير بعدم العلاقة رأسا على أن الاتهامات كلها تتخذ أساسها من تقرير السيد مدير المعهد الأعلى الأصول الدين الذي خلف السيد علي الشابي على رأس هذا المعهد إثر تولي هذا الأخير رئاسة جامعة الزيتونة خلفا بدوره للسيد التهامي نقرة .
وقد كان جاء تعيين السيد الشابي ومدير معهد الأصول والمعاهد الأخرى التابعة لهذه المؤسسة على غير ما كانت عليه مطالبات الجامعيين بإقرار نوع من التشاور إن لم يكن الانتخاب في إسناد الخطط داخل هذه المؤسسة، على غرار المؤسسات الجامعية الأخرى، فحدثت جفوة بين جمهور من الأساتذة والمعيّنين الجدد، لم تخفّف منها مع الأسف تعيينات بعضهم وترقياتهم غير المعهودة في سلّم الدرجات العلمية، وهي حالة مدير معهد أصول الدين، الذي بقيت بدون شك مناقشاتي لأطروحته قبل شهور غير ودّية لديه.
وكان من الصعب على الهيئة العلمية، ولست وحدي، القبول بالصفة الاستثنائية لمعهد جامعي يقع التصرف بغفلة من التراتيب الجامعية والقيم العلمية. وتوحي تدخلات مديره في شؤون امتحانات زملائه وخاصة الأعلى رتبة بُعدا خطيرا.وفعلا فإن أول انزعاج منه كان بسبب توجيهي ملاحظات بشأنه، كرئيس لجنة امتحانات، إلى سلطة الإشراف بخصوص تزوير في أعداد قسم كامل من الطلبة، كان وراء أسباب اضطراباتهم التي تعمّمت بقضية المدرسة التوفيقية في السنة الماضية. ورغم بقاء تلك الملاحظات دون نتيجة إلى الآن، وذهب ضحيتها عشرات الطلبة إلا أن المضايقة تكثّفت منه لإقصائي من سائر اللجان والمخالفة عليّ في أوقاتها أو دعواتها لعدم الحضور والمؤاخذة عليّ بعد ذلك بالتقاعس أو الغياب أو التأخير.
ولا تجد تقاريره التي اطلعتُ عليها الآن والموجهة ضدي إلى الجامعة وسلطة الإشراف بمختلف مستوياتها إلا تعلّلات يتّكئ عليها لتحقيق رغباته. وكل مشاكله في التسيير ومصاعبه في التصرف مع الأساتذة ومع الطلبة تجد إحالتها عليّ. وباطلاعي على ملف الإحالة ـ بما يحويه من تقارير بعضها مكتوب عليه بخطه "سرّي" ـ تهيّأ لي أنه كان يشفع التقرير بآخر ويتصيّد لي كل السّعايات ولوائح الاحتجاج وشهادات الإدانة من العمال والأعوان الذين تحت إدارته وحتى من الطلبة، بل من طالبة يصفها في أحد تقريره بأنها من أقارب زملائه من أساتذة المعهد، فضلا عن أشباه طلبة يسخّرهم لحضور دروسي على غير علم منّي بأنهم أجانب عن القسم.وهكذا تهيأ لبعض الأعوان ملاحظة تلك التأخيرات عليّ في الحضور بالقسم وفي إجراء الامتحانات الشفوية وفي ردّ أوراق الامتحانات. ومن حسن الحظ أنه لم يستطع أن يرقى إلى ما هو أكثر من التأخير، كالتزوير في الامتحانات التي آخذته أنا به بناءا على تقارير واضحة اتصلت بها النقابة وحقّقت فيها ووضعت نتائجها أمام السيد الوزير منذ بداية هذا العام.
وهكذا تهيأ لأحد العمال الفهمُ بمستواه أني تطاولت على مقام الجلالة في الهاتف حين قلت له: « طب (طيّب) فلان (أي المدير) وقتاش؟» وكان المعرض معرض استنكار عليه لإزعاجي في بيتي في أمر من شأن المدير أو الكاتب العام أن يخاطبني فيه. فترجم عني الكلمة التي خرجت مضغوطة ـ بربّ فلان وقتاش ... وأصبحتُ محاكما بها كأبسط سباب شتيم في الحي! فهل هذه هي الحرمة بالأستاذ؟ أن يؤخذ بتهيّئات أعوان من الدرجة الأولى في السلم الوظيفي وربما غير مرسمين. لا علاقة له بهم في حياته المهنية إلا على سبيل الاحترام والتعاون. وهو الذي يمنع القانون على نظرائه في الوظيفة لمجرد قلة رتبتهم الجامعية عنه إبداء الرأي أو الاقتراح بشأنه في مجلس التأديب.وهل هذا هو دور الأستاذ عندما يجبره مديره على عدم الحضور خارج أوقات دروسه؟ فأين يجلس للبحث العلمي وأين يراجع في المكتبة؟ وأين يتصل في محيطه بزملائه وبالطلبة؟هذا ما يفسّر به السيد المدير وجودي خارج أوقات حصصي. مع ما يحمّلني من الغيابات فوق ما يعرض للأستاذ لأسباب مرضية أو لنشاط علمي خارجي، والمنع عليّ حق التعويض لتلك الغيابات. وتكبيرها باحتساب غيابات الطلبة أثناء الإضرابات غيابات لي.وأيضا، فمن ظروف هذه الدعوى تلك المقالات المنشورة لي في العام الماضي حول مشاكل جامعة الزيتونة في العهد الجديد وأسباب اضطرابات الطلبة ودور الأساتذة في احتواء الأزمة وتفكيكها قبل المزيد من استعصائها. وهي مقالات فكرية عامة وقد تكون سياسية ونقابية ولكنه مما يخوله قانون البلاد وحرية الصحافة والتعبير وهي عموما مواقف نابعة من قناعاتي الشخصية فضلا عن توجهات عامة فكرية وإنسانية واجتماعية سائدة، خصوصا بمناسبة ما حصل من تجنيد في صفوف الطلبة خلال ذلك العام.والغريب أنه لم يلتفت في هذه المقالات إلى ما فيها من تنويه بالتوجّهات الرئاسية والبادرات التي اتخذتها السلطة العليا والتي تكلّلت أخيرا بما كان المتّجه إليه في تلك المقالات وهي إيجاد لجنة جامعية من جميع الأطراف لحلّ المشاكل القائمة، بل المؤسف أن التركيز على تلك المقالات لم يكن إلا لمؤاخذة صاحبها "بإثارة البلبلة ـ كما يقول السيد مدير معهد ـ في صفوف أساتذة المعهد والطلاب به وعمَلته وموظفيه" أو "بالإساءة إلى الزيتونة ـ كما يقول السيد علي الشابي وتحريض الطلبة على الامتناع من الدروس".
وأية تعليم عال يُطلب فيه المدير/ التلميذ لأستاذه الردع من الوزير ويكتب فيه التقارير إلى مختلف رؤسائه في سلطة الإشراف ويقول لهم إنه يكشف لهم فيها عن "نواياه" ويلحّ عليهم في "تطبيق القوانين الرادعة عليه حسما لمعضلته وردعا لكل من تخوّل له نفسه السير على منواله."؟وأية فهم يخوّل لمدير معهد جامعي التقديمَ لسلطة الإشراف بأن مقالات زميله قد "شحنها تهجما على الإدارة من جهة ومسّا بالأساتذة من جهة أخرى" وبأنها "تعبّر في الحقيقة عن خيبته في استقطاب الأساتذة وإعراضهم عنه وعن كل محاولة تأتي من جانبه لأنه حسب تعبيرهم يعرفون خبثه ودهاءه ويتوقعون ما وراء تحركاته من أطماع شخصية لا صلة لها أبدا بالأخلاقية والغيرة على المستوى العلمي"؟هل هذه هي المهمة العلمية والإدارية لمسؤولية الجامعي حتى يزيد إلى جدول النعوت لأستاذه صفة "السلوك غير المشرّف"؟ أم إذا تبادر أستاذ له صفة رئيس لجنة أو حتى عضو فيها إلى مهمة الدفاع عن حقوق طلبته وإنصافهم مما قد يكون سهوا إداريا أو تدخلا غير مبرر في نتائجهم تقام الدنيا ضده ويُستبق إلى عرقلة شكواه بإثارة "النوايا" المستورة في قلبه أو في المقالات المنشورة بقلمه؟وترهيبه بالتطاول على مقام الجلالة بناء على تهيّئات عون بالهاتف أو رميه بجنحة صحفية على معنى الإخلال بكرامة موظفي الوظيفة العمومية تحسبا لما قد يكون من ضعف عقابه بسبب التأخير عن الدروس أو تكرر الغيابات أو التأخير في إرجاع الامتحانات.ومع أن كل هذه الأمور الأخيرة جانبُ الافتعال فيها واضح لكل ذي عين فضلا عن عدالة مجلس التأديب في التحقيق فيها، إلا أن سلطة الأشراف مع الأسف استبقت إلى التأكيد في مذكرتها على كوني "قد تعمّد (تُ) ارتكاب عدة أخطاء إدارية" بما فيها اسم الجلالة وقانون الصحافة. وتقول بالنسبة للتأخير والغيابات أنه «يبرهن عن تجاوزه للإدارة وإخلاله الفادح بواجباته المهنية".وتحتفظ المذكرة بفقرة خاصة فيها إدانة لما تسمّيه حضوري انتخابات نواب جامعة الزيتونة وتقول نقلا عما أفادها به السيد المدير بأنه: جلس مع أحد الضيوف في الساحة وحوله عدد من الطلبة والطالبات الحركيين "وبقيا يذكّران بتاريخ الزيتونة وبالنضالات التي خاضها أبناؤها ومن بينهم الضيف في سبيل حمايتها من الأعداء معبّرين عن أسفهما للوضع الذي عليه الزيتونة الآن مؤكدين أن المقصد من بعثها لا يعدو أن يكون سياسيا بحثا".ويختم قرار الإحالة بمعلوم من حجم كبير وهو "أن التعريض بالمؤسسة وانتقاد التوجه الرسمي لها يشكل إخلالا بواجب التحفظ الملقى على كاهل الموظفين حسب قانون الوظيفة العمومية" وأنه "بناء على كل ما سبق ذكره" فإن ما صدر عن السيد المنجي الكعبي يعد إخلالا فادحا بواجب التحفظ بالواجبات المهنية الواردة ضمن الفصل ٥٦ من قانون الوظيفة العمومية وخرقا لمقتضيات الفصل ٣ من نفس القانون الذي يقضي أن يتجنب العون العمومي أثناء ممارسته وظيفته كل ما من شأنه أن يخل بكرامة الوظيفة العمومية وهو ملزم في كل الظروف باحترام سلطة الدولة وفرض احترامها".ويجب أن أقول في الأخير إنني كنت مفاجئا بالعملية حتى في عهد رئيس الجامعة الجديد الذي لم يحصل لي شرف التعرّف عليه لوجوده من سنوات طويلة بالسعودية ولأني كنت في الحقيقة في انتظار المزيد من سكوت سلطة الإشراف على تقاريري بشأن تجاوزات في امتحانات العام الماضي أو نتيجة الرد على تحقيق النقابة الذي وجهته إلى الوزارة منذ أوائل هذا العام.
وسيضعني هذا الاختبار مرة أخرى أمام امتحان القيام بواجبي العلمي والفكري غير متهدّد بحريتي على التعبير وحرمتي على مقاعد الجامعة ومنابر التفكير.
وسيكون لي شرف المثول أمام مجلس التأديب ولكنني لا أعتقد أن معالجة الإصلاحات في هذه المؤسسة أو في غيرها يكون أفضل باستعمال مثل ما يقف عليه المرء من خلال هذا الملف. و الله يتولى الخلق والسّلام
تونس في ٥/٣ /١٩٩١
ردّ كتابي
على ما نسب إلى السيد المنجي الكعبي من أخطاء إدارية
يستدعي الردّ على ما نسب إليّ من أخطاء إدارية نقطة نقطة تقديم الملاحظات التالية:
١) ـ انتفاء صفة الموظف الإداري على حالتي
٢) ـ غياب التحقيق في التجاوزات المنسوبة إلي مهنيا
٣) ـ خلط بين مواقف سياسية ونقابة ومسائل بيداغوجية
٤) ـ إهمال الأخذ بوقائع سابقة.
يعدّد تقرير الإحالة أربع تهم، يجاب عليها هنا حسب ترتيبها مع التحفظ حول أحقية المجلس في النظر في عدد منها.
(١) ـ "التطاول على مقام الجلالة" نقله عون إداري سماعا من الهاتف وهو في حالة تجاوز لحرمة الأستاذ في بيته. وتقريره يدل على ذلك دلالة قاطعة بعد تحليله والتأكد من تاريخه وعدم استعجال موضوعه، فضلا عن جانب الاستفزاز فيه والتظاهر بالترفع عن أخلاق الأستاذ. علما بأن حضوري بالمعهد كان واردا في اليوم التالي، وقضايا الامتحانات لا تطرح بالهاتف، وهناك طرق رسمية لتسليم وتسلم موادها، إضافة إلى ما هو من حق الأستاذ على الإدارة في تنظيم أوقاتها (للتذكير: هنا الحالة خاصة بشهادات عليا).
(٢) ـ "المس بالكرامة في مقال صحفي". استعمال عبارة "أفلات" في المقال المؤرخ منذ أكثر من العام. والذي لم تتقدّم بشأنه أية دعوى إلى العدالة كما يقضي القانون. لم ترد بمعناها العامي ـ ربما المتبادر إلى بعض الأذهان المتربصة للشّر بدليل عدم وجودها بين قوسين ووجودها جمعا على غير وزن فُعلاء ـ فُتلاء العامية. ومعناها في المعاجم العربية الفصحى لا يعني أكثر من أفراد الناس غير العاديين بسبب تميّز بالذكاء ونحوه أو الحدّة في التوجهات والأفكار. وقد وردت هذه العبارة في غير سياق المسّ بكرامة أحد. وعربية جمعُ ـ فلتة ـ فلتات. واستعملتْ في المقال جمعا على غير قياس لعدم الالتباس بالمفهوم العامي وأوردتُه في صيغة احتمالية واضحة ولم أربطه بحالة راهنة بل قلت بالحرف "«كما قد يكون في أسوإ الحالات". ومعلوم أن العربية ليس رهنا لمن يفهمها. فمن تكلّمها هو الأولى بشرحها. وأما قضية "الاستفزاز الذهني لمسلّماتهم" فهذه قضية فلسفية بيداغوجية ليس من موضوع الثلب إدراجها. علما بأن تعليقات السيد المدير في تقاريره حول هذه اللفظة تشيع بعبارات المس من كرامة أستاذه.
(٣) ـ «الغيابات» وـ"التأخير عن دروس وعن إرجاع أوراق الامتحان وإجراء الشفهي للطلبة" كلّها موضوعات لا ينبغي ربطها بمواقف نقدية أو سياسية أو تقدير "نوايا" وراءها، كما ذُكر في التقارير المرفقة بالملف. ويتعين تقدير ما هو من حقوق الأستاذ بشأنها.فقائمة الغيابات المشار إليها ـ دون وجود وثيقة حولها ـ تتعلق بالسنة الجامعية الماضية التي عرفتْ كما يعرف الخاص والعام إضرابات واضطرابات متواصلة بهذا المعهد وببعض المعاهد الأخرى. وليس من الإنصاف احتساب غيابات الطلبة على الدروس أو رفضهم الالتحاق بالقاعات عند وجودهم في حالة تجمهر خارجها إخلالات أو غيابات في جانب الأستاذ، بدليل ملاحظة الإدارة عليّ ـ في تقريرها حول هذه المسألة ـ حضوري "خارج الحصص". فهل حضوري خارج الحصص يستغل للتنديد وحضوري الحصص يحسب للغياب؟! مع أنني قد أكون تغيّبت خلال السنة الماضية لأسباب مرضية، الإدارة على علم بها ولكن لم تعتمد شهاداتها الطبية (التي احتفظ بها إلى الآن) لقيام رغبتي بالتعويض لها. وقد كان ذلك فعلا في إطار دروس التدارك التي تقررت فيما بعد. أما الغيابات عن المراقبة ولجان الامتحان فهذه تغيّبات مفتعلة لإقصائي من دائرة الامتحانات "توقّيا" لما تخشاه الإدارة بعد اعتراضاتي في السابق على تدخّلاتها غير المقبولة في سير الامتحانات ودورها في تزييف نتائج كاملة. وذلك باستبعاد موضوعاتي من مجال اختيار الطالب يوم الامتحان (حالة موضوعين للزميل حميدة النيفر) وبعدم المطالبة من طرفي بسرية المداولات ووجوب تدوين المحاضر المرقمة بشأنها وبالتحقيق مع الزملاء المتغيبين لأسباب مريبة عن أعمالها.ومثل الغيابات قضية "التأخير" من عن إرجاع أوراق الامتحان والتأخير عن إجراء الشفوي للطلبة. فهذه أيضا تجد ذوائلها في قضية التزييف في امتحان قسم كامل في دورة سابقة لم أتوان في تبليغ سلطة الإشراف لتصحيح الأمر وردّ الاعتبار لحرمة النتائج ولجان الامتحانات بهذه المؤسسة، حسما لجانب كبير من المشاكل المثارة بسببها.فالإدارة تتخذ الإجراءات بغيبة من الأساتذة أو على الأقل "نوع من الأساتذة" ثم تأخذ المآخذ عليهم لتوريطهم إداريا وأمام الطلبة حتى تأخذ عليهم التقاعس، وتجْمع من حولهم لوائح "الاحتجاج والتنديد" حتى تحّول كل نقمة الطلبة نحوها إلى الأساتذة الذين لا تنسجم التزاماتهم العلمية مع ما تراه "تعليمات منزّلة" إليهم عن طريقها. ومن هذه الإجراءات إحداث لجان مراقبة "على أعداد" الأساتذة قبل الحضور بيومين وأحيانا بثلاثة لدى لجان الامتحان، ووضع تلك الأعداد بين أيدي الإدارة بشكل منفرد للمداولة بشأنها في غياب الأساتذة المعنيين! الأمر الذي أدخل حرجا علميا وبيداغوجيا في صفوف الزملاء المتحفظين إزاء هذا التصرف الغريب. وكل تصوّن على حرمة الامتحانات من جانبي كما هو من جانب عدد من زملائي ترجمته الإدارة إلى تأخير في تسليم موضوعات الامتحان بينما التأخير لم يدخل تعطيلا على أعمال اللجنة الحقيقية للامتحانات.ومن أسباب قيام هذه "المؤاخذات" عليّ بتأخير أو بعدم حضور أعمال اللجان تعمُّد الإدارة التظليل بحقي، فهي من ناحية تستبعدني لأغراضها من الحضور، ومن ناحية أخرى تحتاط لدعوتي فقط لحضور أقسام غير الأقسام التي أدرّسها، حتى أن إحدى الدعوات التي وجّهها إليّ السيد المدير لحضور اللجنة الوحيدة التي تكرّم بتعييني بها وتشهد صيغتها التي احتفظ بها لديّ إلى الآن ـ لانتباهي إلى عنصر المغالطة فيها ـ لا تتعلق إلا بفوج وحيد وليس هو الفوج الذي أدرّسه تلك المادة. وهذا غاية التحايل. ويشهد بتفطني إليه تسجيلي، أمام إمضائي على ورقة الاتصال بالدعوة لهذه الملاحظة تحسبا لكل مغالطة لاحقة. وكذلك "التأخير" عن الامتحانات الشفوية. فالأصل أن الأستاذ هو المؤهل وحده لتحديد الوقت ضمن جدول الامتحانات الشفوية لامتحان طلبته. ولكن الإدارة هي التي خلقت هذا التأخير وأوهمت به الطلبة وجلس المدير لتلقّي شكاواهم على اعتبار أنه لم يبق لهم إلا ساير ذلك اليوم للانتهاء من الشفهي. ولما كنت غير عالم بـ "حبْكات" السيد المدير كنت يومها خارج العاصمة وكان يوم أحد يوم عطلة أبنائي ولذلك أزعج السيد مدير بيتي بالهاتف وهو يعتقد أني مختف به (عن طلبتي الذين هم في "انتظاري"!) ووجّه كما قال أعوان عنه في السيارة الإدارية (حسن استخدام المرافق الإدارية) وأطنب في تقاريره اللاحقة حول الموضوع ما يفيد أنه أحسن التجسّس عليّ في الهاتف، وما يفيد كذلك سهولة إلقائه للادّعاءات الباطلة على أهل بيتي (وإلا فمن أدراه أن مخاطبته بالهاتف هي زوجتي ويسمح لنفسه باتهامها بإخفائي عن الهاتف) أو يطاردني كامل اليوم الأحد بأعوان له يدّعي أنه بعثهم "لجلبي للامتحانات الشفوي!". أفليس هناك طرق إدارية مسموح بها كانت تكفيه؟وكل ما في الأمر أن الإدارة خيّرتني بين أن أحضر لهذه الامتحانات قبل الزوال يوم الأحد أو تأخير ذلك لليوم التالي باتفاق مع الكاتب العام لإعلام الطلبة بذلك لأنه هو الذي اعتذر عن عدم إمكانية بقاء الإدارة مفتوحة لما بعد منتصف ذلك اليوم فلما حضرت لليوم التالي لم يكن لديّ علم بالمرة بما حدث من مناورات السيد المدير والسيد الكاتب العام، وأخذت قائمة الطلبة من الكتاب الأول الجديد وتوجّهت للامتحان وبينما أنا في أثنائه دعاني نفس الكتاب الأول إلى الحضور لدى السيد المدير فقلت: بعد الامتحان إن أمكن، فوافق وذهب لحاله. وصدفة وبينما كنت مع أواخر الطلبة الممتحنين ذكروا لي عرضا ما حدث بينهم وبين الإدارة فيما أوهمتهم به "غيابا" لي وطلبت منهم لائحة احتجاج وتعويض، فسجّلت على عدد منهم هذا التصريح التلقائي، واستأت من تصرفات الإدارة. وعلمت عند مروري بمكتب السيد المدير أنه خرج وأنه اغتاظ على السيد الكاتب الأول الذي (يظهر أنه كان خالي البال) لم يحجز عني قائمة الطلبة قبل مثولي بين يديه، أي المدير، لإتمام حبك المؤامرة التي دبّرها لي بالأمس.وفضلا عن هذا الإيقاع بيني وبين طلبتي فإن البحث في هذه القضية بالذات يكشف عن تورّط الإدارة وسوء توزيعها لجداول الامتحانات الشفوية تعجيزا للطلبة أو للأساتذة أو لجميعهما. ويتبين فقط من تقارير السيد المدير التي هي في هذا الملف أن انتهاء امتحانات نحو عشر مواد شفوية لقسم يعدّ أكثر من أربعين طالبا لحصة صباحية واحدة تنتهي قبل منتصف النهار هو أمر أشبه بالخرافة وليس بالامتحان. مع ما يفترضه توزّع الطلبة، ضمن وقت مضغوط، من بقاء الأستاذ الوقت الطويل أحيانا في انتظاري تقاطرهم بين الزميل وزميل.ويتضمن تقرير الإحالة تعللات بوقوفي وراء الإضرابات الطلابية أو تحريش الأساتذة على الإدارة، و"تفسيد" العلاقات بين جميع الأطراف فيها، الأساتذة والطلبة والأعوان والعمال! وهذه تهمة غير محررة، ولكنها قائمة على "كشف نوايا" و"تفسير تحركات"! كما يستنتج من تقارير السيد المدير الغرض منها الإساءة إلى إشعاعي الجامعي وحضوري الثقافي والفكري المتميّز بالمعهد. والملاحظة عليّ: بأني جلست بساحة المدرسة أتذاكر مع أحد ضيوف الطلبة تاريخ الزيتونة، ونسبة تصريحات وردت في تلك المذاكرة لا يفيد قطعا أنها تصريحات صادرة عني شخصيا فضلا عن كونها غير ذات طابع عمومي.أما التأكيد على كونها ذات طابع سياسي ونقابي كما جاء في تقرير السيد المدير، فهذا يجعل تسجيل الإدارة لها في ملفي في موقع مخالفة صريحة مع القانون.
وكذلك فيما يتعلق باجتماع ملف الإحالة على مقالات أخرى لي لا علاقة لها تأديبية بالمجلس لأنها ذات طبيعة صحفية ومبدئية تفرضها عليّ مشاركاتي في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية العامة في بلادي. وبعضها يعلم بتأثير الحقيقي والإيجابي في التخفيف من حدّة المطالبات الطلابية والاجتماعية أُناس عديدون في المسؤولية والسلطة (مقال «نحو احتضان لفتة الرئيس» بمناسبة زيارته للمدرسة التوفيقية لقي صدى طيبا لدى إدارة الإعلام وإدارة الشؤون السياسية بالرئاسة. ومقال «مشكل الطلبة المجنّدين» صادف تفهّما إنسانيا وجامعيا لدى سيادة الرئيس وتكلّل باقتباله لممثلي الطلبة لفضّ مشكلتهم. وأبرز وثيقة في هذا الملف هو التقرير الكتابي الذي كتبه الزميل المورط في قضية الامتحانات المزيفة الذي وجّهت بشأنه هو والسيد المدير ورئيس الجامعة (السابق) مراسلات عديدة متلاحقة إلى وزارة الإشراف للتحقيق بشأن التجاوزات المأخوذة عليهم جميعهم من طرفي ومن طرف جميع زملائي بلجنة الامتحانات الشفوية لطلبة السنة الثالثة عقيدة و فلسف التي درّستها في السنة الماضية (المراسلات المسجلة بمكتب الضبط المركزي تحت عدد 81 35 وعدد 82 35 بتاريخ ٩ /١٠ / ١٩٨٩ وعدد 77 36 بتاريخ ١٧ /١٠ / ١٩٨٩ والأخير عن طريق نقابة الأساتذة والأستاذة المحاضرين مؤرخ في ١٠ / ٩ / ١٩٩٠.
وأهمية هذه الوثيقة أنها تثبت ما سجّلتُه من حيثيات في قضية التزوير في هذه الامتحانات التي لاذت الوزارة إلى الصمت الكامل نحوها رغم تدخل النقابة للتحقيق بشأنها. وفي مرحلة أولى نقلت إليّ النقابة عن طريق كاتبها العام الأخ محمد الطاهر الشايب أن السيد الوزير أبدى تفهّمه لبحث القضية وبعد تذكيره بها ثانية أعلمه بما توصّل إليه بشأنها وهو ثبوت حدوث "تجاوز" من طرف الأستاذ المورّط غير أن دقة الوضع في هذه الجامعة ومرور الوقت على الموضوع يجعل من الصعب تداركه، والمتّجه إذا أمكن تسوية الوضع داخليا هو تنحّى الأستاذ المعني من رئاسة القسم دون أدنى تتبعات أخرى تحت طائلة اتهّام رئيس اللجنة نفسه بجملة اتهامات ثقيلة!ولذلك فإن هذه الوثيقة الملتقطة في الملف وكذلك رسالة الطالب محمد كاظم الوسلاتي حول نفس الموضوع وإن كان من زاوية أخرى هما قطعتان رئيسيتان لإدانة هذه الإدارة ومن يختفي بإهابها على تصرفاتها الماسة بالحرمة العلمية والمتلاعبة بمستقبل المنتمين إليها. طلبة وأساتذة وربما أعوانا وعملة، بما كرّسته من تصرفات تحت ستارها أو بإيعاز منها لمشاغبة المخلصين عن أداء أعماهم وتحقيق أسوإ الأغراض بالتضحية بمصالحهم وحقوقهم.ولذلك ينبغي أن يدعى هذا المجلس بمناسبة فتح ملف هذه الإحالة إلى الانكباب على البحث والتحقيق بصورة حثيثة ومستقلة لكشف أنواع من المغالطات والتجاوزات في هذه الجامعة تأسيساَ لها في هذا العهد الجديد على النزاهة والإخلاص والانقطاع لخدمة العلم وأهدافه والبحث العلمي ومشاريعه، والكف عما طبع مسيرتها منذ سنوات طويلة وخاصة منذ التحق بها صاحب هذه الإحالة بعد انتهاء نيابته بمجلس الأمة (١٩٧٩) بمهمة المساعدة على النهوض بها، رغم قلة مناسبتها لاختصاصه في اللغة والآداب العربية وافتقاده بسببها لمحيطه العلمي الملائم سواء في الدراسات العليا بها أو في البحث العلمي المتعمق أو في النشر أو في التبادل مع زملائه في الجامعات الأخرى، بل وحتى عند الترشح لعضوية لجان الانتداب القومية حيث يجد نفسه لا في الدراسات الدينية بحجة أنه خارج ميدان اختصاصه ولا في مادة اللغة والآداب العربية فيجاب بأنه في غير كلية اختصاص. ورغم طلباتي العديدة بسنة تفرّغ أوتسهيل نقلتي منها طالما لم يستجاب لإحداثات بها تشمل اللغة العربية والآداب ككل الكليات أو الجامعات الأخرى فقد بقي التفويت عليه والتصامم من طرف إدارتها هو الجواب الصامت.وسيكون بإمكاني نشر كتاب أبيض حول سنوات تدريسي بهذه الكلية، لأن إسهاماتي بشأن تطويرها وتصحيح مسارها وتزكية إشعاعها ليست فقط معروفة في مقالاتي المنشورة ومحاضراتي في طول البلاد وعرضها وحتى خارج الوطن بل وأيضا في رصيدي من الوثائق والمكاتبات العديدة وخاصة تلك التي وجّهتها تباعا إلى سلطة الإشراف للاستعانة بها حيث يسمح دورها بالتصحيح أو بتعيّن إشرافها لتطبيق القوانين والسهر على احترامها. بل وكم دعوت أحيانا للتوقّي من كثير التعقيدات التي تنجرّ عن سكوتها أو يتسبّب فيها بعض أعوانها أو تلك التي تجرّها معالجات مرتجلة من طرف من يُخيّلون لأنفسهم أو لغيرهم أنهم وحدهم أصحاب الحلول الحاسمة فيها.وستكون بعض وثائق هذا الملف أكبر خدمة «قدّمتها» إليّ الإدارة عن غير قصد لإثراء هذا الملف المضني المسمّى الجامعة الزيتونية أو جامعة الزيتونة بين أيدي بعض من تداول عليها في عهد بعض الوزارات.وسيكون من بالغ تقديري وامتناني للسيد الوزير الحالي أنه أوّل من "تشجّع" لوضع إحدى القضايا الدينية والسياسية والنقابية والصحافية أمام مجلس التأديب، لأن قرار الإحالة لا يخلوك في الحقيقة من جميع هذه الأشياء في آن واحد. ولكنه قد يكون برأي المجلس لا يخلو من التعرّف على ارتباطات وخلفيات وثائق هذا الملف بما ظلّ ينام طوال سنوات في الإدارة، مما قد تدعو المناسبة لإثارته من جديد وتحميل المسؤوليات فيه على أصحابها الحقيقيين. م ك تونس في ٧ /٣ /١٩٩١
رد باختصار على الإحالةالرد على النقط:
ـ الأولى لإخفاء تطاول العون عليّ
- الثانية صادرة عن قراءة مغرضة لمقالي.
- الثالثة للنيل من حضوري الجامعي وإشعاعي الفكري والثقافي.
ـ الرابعة تعلّلات واهية ووقائع مفتعلة لإبعادي بقرار مجلس تأديب. ملاحظة: الإحالة واردة في أعقاب إلحاح نقابي على مقاضاة مسؤولين إداريين وأساتذة على تزييف امتحانات شعبة كاملة.
م ك تونس في ٨ /٣/ ١٩٩١
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: