د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3187
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لعل فطنة القارئ لم تُخفِ عنه أن قائل هذا الجزء من الشعر هو الإمام الشافعي، رضي الله عنه، في أبياته التالية:
تعلّمْ فليس المرء يولد عالماً وليس أخو علم كمن هو جاهلُ
وإنّ كبيرَ القوم لا علم عندهُ صغيرٌ إذا التفّتْ عليه الجحافلُ
وإن صغيرَ القوم إن كان عالماً كبيرٌ إذا رُدّت إليه المحافلُ
وهو كلام بليغ ومفهوم إذا استشهدنا به لما أصابنا من نسبة الجهالة في أقوامنا بالقياس الى ماضينا الزاهر - حتى لا نقايس تأخرنا بتقدم غيرنا - حين كنا نصارع الأمم بالعلم الذي حثنا عليه الدين أيما إحثاث، لنقرِن به ما افتقدَتْه بعض الحضارات من أخلاق فسقطت بسقوط العلم فيها.
فالعلم مُلابس للأخلاق، وإلا لن يكون أبداً في صالح الإنسان.
أرايت من يُؤالي على نفسه (أي يقسم) أن يستبحر في علوم الطبيعة والذرة وما اليها لتوليد الطاقة السلمية، للصناعة والمخابر للكشوف والاختراعات الطبية وغيرها، ويأبى عديمو الأخلاق والدين، أو المستكبرون أن يصدقوه. فلا يكون المنأى إلا بالتجاهل والإصرار على التحدي، حتى لا يكون التمانع بين الدول إلا بمثل السلاح الذي يرفعه بعضهم في وجه بعض.
واليوم تغزونا جحافل العلماء والخبراء في الذرة وفي غيرها وكلهم بمختلف اختصاصاتهم بمثل عمقهم في الذرة وامتلاكهم لأسرارها، وإنما هي أسرار لأنهم يحتكرونها عنا في جامعاتهم ومراكزهم، مع أنه في القديم كانت علومنا بعض سَلْبهم من حضارتنا. يغزوننا ولا نجد مكافئاً لهم إلا بالقليل القليل من أبنائنا، حتى ليَبِينُ ضُعفنا أمامهم ونحن نناقش المسائل معهم أو نعقد الصفقات أو نحرر العقود والاتفاقيات.
وللأسف استمعت يوماً الى مسؤول رفيع من بلداننا العربية - حتى لا أقول من بلادنا فيَغضبَ الكل حميّةً وأنفة مضخمة - يقول: عقدنا اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي كطرف من ٢٧ دولة وبلدنا كطرف.. أما نحن فالتصديق على الاتفاقية سوف لا يتطلب وقتاً أو جهداً لدينا ولكن من ناحيتهم يجب الانتظار لمصادقة برلمان كل دولة من دولهم!
وقس على ذلك شؤوننا المعروفة لديهم، وكأنهم يرونها من وراء مجهر، بمواجهة هذه التكتلات الاقتصادية والسياسية الضخمة، والمعضودة بالمنظمات الدولية الماسكة دولهم فيها بدواليب القرار، عن طريق الضغط والمقاطعة والفيتو ونحو ذلك من الابتزاز.
فأين استراتيجياتنا في التربية والتعليم والبحث العلمي والثقافة، إذا كانت كل شؤوننا تُدار من خلف، أو بما يسمى اتفاقاً، على ظهر سيادتنا وأمننا ومستقبلنا. وانتماءاتنا، حتى التي لم نزل نحملها بالاسم واللقب، تأبى الأطراف المقابلة ألا تعاملنا إلا على أساسها وعلى أساس تاريخنا معهم. ونحن، ممنوع على أبنائنا وشبابنا، وحتى العادي من النساء والرجال منا، أن نفكر في سوء ما لقينا من حسن الظن باستعمارهم، أمس، وانخراطنا في عولمتهم اليوم. في أرزاقنا وفي قوت عيشنا وفي صحتنا وفي كرامتنا وعزتنا بديننا وبعرقنا وبلون بشرتنا. فهم مرة خائفون من إسلامنا ومرة خائفون من مهاجرينا ومرة خائفون من التمكين لنا في العلم النووي أو ما دونه إذا كان مآله أن نسابقهم في القوة، أو نحوّل عداوتهم لنا الى صداقة، بإلزامهم استرداد حقوقنا، أو التعويض عما تقضى الأعراف تعويضه والقوانين الدولية، وحتى سيرتهم هم أنفسهم مع غيرهم.
وهم يعلمون أننا حتى ولو لم نخترع لهم الإرهاب الديني، لأنه في الحقيقة بعض سلاحهم القديم والمضمور، لا يعتمدون الحيلة لاختراع مثله أو توليده في نفوس أبنائنا ليتهموننا به توقياً أو تهديداً، وصدّ كل مقاومة من جانبنا.
والشافعي إمام المذهب المعروف في الفقة. حبب اليه الرحلة حب العلم لاغتنائه منه في أسفاره. فمن المدينة الى مكة فالعراق فاليمن فمصر، حيث أغراه تبحرها في العلوم، الى الاستقرار بها، فاصبحت شافعية، لما بثه من علم فيها، كابن خلدون بعده بقرون، في رحلاته من تونس الى فاس الى الأندلس فعوداً الى تونس فمصر، وبها استكمل شهرته في الخافقين. فلو كان بيننا هو أو الشافعي، لما تردد في قصد العواصم العامرة اليوم بالعلم واستوطنها محبة فيه.
فلا نضيّع عواصمنا كتونس والقيروان التي كانت كلتاهما منارة للعلم ولأهل العلم على اختلاف مللهم ونحلهم وأصولهم وأجناسهم.
فهل غير الشافعي، الإمام المسلم، اخترع التآخي في العلم، أو على الأقل يكون أوحى لنا به، فنتخذ له يوماً في السنة للاحتفاء به من أجل تقدم البشرية.
وطبعاً في ذهننا ما يسمى باليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية، الذي أصطنعته منظمة اليونسكو بعد أحداث ٢٠٠١، والذي تختلف أغراضه عما قصدنا اليه هنا بالتآخي في العلم.
وفي ذهننا كذلك الإضافة هنا في عبارة «أخو علم» على لسان الشافعي بمعنى صاحب علم، وليس بمعنى الأخوة على الحقيقة، وإنما استعار «أخو » لضرورة الوزن وهو مثل «ذو» من الأسماء الخمسة في الإعراب. فلم نرى ما يمنع أن نجريه على المعنى في المقال، وعزونا اختراعه للشافعي امتناناً له ورحمة.
---------
تونس في ١٥ ديسمبر ٢٠١٧م
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: