د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3262
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حظي قانون المصالحة، وهو مقترح مشروع قانون رئاسي، بتصديق مجلس نواب الشعب عليه، واستدعى الطعن فيه من قبل المعارضة إحالته الى هيئة دستورية القوانين. فلم تقر قبول الطعن ولا رفضته بحكم تعادل التصويت عليه داخلها. فاقتضى رفعه الى رئاسة الجمهورية. والمتوقع إما ختمه من قبل رئيس الجمهورية أو إرجاعه الى مجلس نواب الشعب وفق الدستور.
هنا كل شيء سليم في الظاهر. وفي الأحكام، لا تجري الأمور إلا على مقتضى الظاهر. ويبقى مجال التلدد والانتقاد والاختلاف أو التعسف أحياناً في فهم البواطن وتأويل الأغراض والنيات من قبيل والله يتولى السرائر.
لكن هنا مسألة. وهي أن الإجراءات قد تأخذ طابعاً روتينياً، بحيث تفقد بعضُ حلقاتها جدواها أو أحقّيتها أحياناً بل ربما تعيُّنها في حالة دون حالة.
والذي يبدو لي، كنائب سابقاً بمجلس الأمة أن الجهاز التنفيذى وكذلك الجهاز التشريعي، قد يُعدّي على أمور يعتبرها من تحصيل الحاصل. ولا يمكن هنا أن نضرب مثالاً أو مثالين على ذلك لضيق المقام. ولكن لا بأس بالإشارة أنه حدث أن أخَلّ المجلس بحلقة من حلقات الإجراءات الدستورية في اقتضاء رجوع رئيسه في حالة بعينها قبل اتخاذ قرار باسمه بعد رجوعه الى المجلس وهو في الواقع لم يرجع اليه. وكذلك اقتضاء ان يوجه رئيس الجمهورية بياناً الى الشعب بعد انقضاء حالة بعينها ضمن الإجراءات المخولة له، كحالة الطوارئ. وهاتان المسألتان أثرتهما بنفسي اجتهاداً مني وكنت فيهما على حق، ولكن السلطتين لم تشعرا مني إلا بالإحراج من ذلك، واستفتتْ من أوجد لها المبررات لتجاوز الإحراج بما هو معهود آنذاك من عدم التوقف عند مداخلات نائب بعينه لعدم إلقاء الضوء عليه.
وكذلك مثال آخر استحضرته الآن وهو رفع الحصانة البرلمانية عن نائب دون أن يؤخذ بالنظر إمكانية طلب المجلس نفسه من السلطة برفع الايقاف عنه وعودته لممارسة دوره النيابي رغم قرار رفع الحصانة.
وفي حالتنا الراهنة، ولا أملك إلا كمواطن للتعليق على ما يحف بقانون المصالحة اليوم من جدل، إلا أن أرجع الى الدستور للتذكير بأن مشاريع قوانين رئيس الجمهورية لها اولية النظر لدى المجلس. وبالتالي لا بد من مراعاة أنه في غياب محكمة دستورية لا يمكن لجهة هيئة وقتية أن تبسط يدها على ما عدا القوانين العادية، أي باستثناء قوانين المشاريع المقترحة أصلاً من قبل رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة. لأنها قوانين تحظى بالأولوية. وإلا في الحالة المعاكسة، ما أهمية رئيس الجمهورية المنتخب بالاقتراع العام المباشر ومجلس تمثيلي رغم أهمية دوره التشريعي. واذا كنا في نظام برلماني أشبه منه بنظام رئاسي متفوق، فتقدير الرجوع الى هيئة دستورية القوانين وهي وقتية، يجب أن يكون نظرها وإن وقع الرجوع اليها تقديراً لجانب الطعن من المعارضة، لا يرقى في النهاية الى انتظار تغليب جانب إقرار ذلك الطعن، ليس فقط لأنه غير وجيه أو فاقد للدستورية، وإن ربما لم يحظ لديها بأغلبية. ولكن لأن هامش المناورة في اللعبة الديمقراطية - اذا صح التعبير - يمنح كافة الأطراف حجمها الحقيقي، لا ما تتشوف اليه المعارضة من تعطيل للدواليب طالما لا منفذ لها لإسقاط الأغلبية، والتربص بالمشاريع الرئاسية للقوانين التي لا يمكن أن تقرأها إلا من زاوية المناورة عليها لإفشالها في إرادة القفز على قوانينه، أي مشارع قوانين رئيس الجمهورية، المصدق عليها حتى بأغلبية قصوى، فما بالك بالقوانين التي حازت على أغلبية مجردة.
ومن هنا وجاهة ما خرج عن هيئة دستورية القوانين. لأنها هيئة تعمل كبقية المؤسسات الدستورية بوحي من الديمقراطية. فالآلية الفنية لأعضائها كرجال قضاء لا تنفي عن أذهانهم بالأخير الاعتبارات العامة للمصلحة، من جهة ما يرونها قائمة أكثر فيما خرجوا به من نتيجة.
والإحساس العام أن رئاسة الجمهورية التي وعدت باحترام الإجراءات الدستورية بشأن ختم هذا القانون أو إرجاعه الى المجلس التشريعي ربما لجولة جديدة للنظر في تعديله، لا يوحي في نظري بما سوى تطمين النفوس الى آلية الديمقراطية، كما هو من حق الكل أن يمارسها، ولكن في إطار احترام الأغلبية والمواقع والوزن الانتخابي واحتمال تنازع الصلاحيات بين الهيئات، ولكن كل حسب حجمه الدستوري والصلاحيات المخولة له من عدمها.
تونس في 20 أكتوبر 2017
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: