البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: الشيخان غاضبان

كاتب المقال  صلاح الدين الجورشي   
 المشاهدات: 3466



أصبح من المعلوم أن كلا من رئيس الدولة الباجي قايد السبسي ورئيس حركة النهضة يعيشان حالة ضيق شديد ومتصاعد من كل الذين انتقدوا مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية الذي أحالته رئاسة الجمهورية للمرة الثانية على البرلمان.

يعتقد الشيخان، وهي التسمية الرائجة في تونس، أن البلاد في أشد الحاجة إلى طي صفحة الماضي بكل مآسيها وروائحها الكريهة، وأن ذلك لن يتحقق إلا بنوع من التسوية تشمل كل من تورط في سوء تصرف في الملك العام من موظفي الدولة ورجال الأعمال، باستثناء من ثبت فسادهم ونهبهم لثروات البلاد. لكن هذا الاجتهاد الرئاسي لم يقبل به الكثيرون، ويقوم هؤلاء حاليا بتنظيم حملة واسعة النطاق من أجل إسقاط هذا المشروع، بحجة أنه "تطبيع مع الفساد والفاسدين". إنها معركة شرسة لم يتوقع الشيخان أنها ستكون بهذه الضراوة والعدائية.

عبر السبسي عن غضبه في آخر خطاب توجه به إلى التونسيين قبل أيام، واعتبر فيه أن المشروع الذي تقدم به إلى البرلمان هو الوسيلة التي ستخرج الاقتصاد التونسي من عنق الزجاجة وتوفر المناخ المشجع على عودة الاستثمار. أما الغنوشي فقد اعتبر في تصريح له أن حملة "مانيش مسامح" وتحشيد الشارع من بعض القوى المجتمعية والسياسية هي "حملة توظيف سياسي تنم عن عدم نضج في الديمقراطية لمغالطة الناس وربط صورة السلطة والأحزاب المكونة للائتلاف الحاكم بالفساد بغاية القيام بحملات انتخابية مبكرة".

ما يواجهه الشيخان لا يقف عند اعتراض هؤلاء الشباب على محاولتهما تحقيق المصالحة المالية على طريقتهما، وإنما تتسع درجات الاحتجاج لتصل إلى حد القول بأن التوافق بين الرجلين قد أصبح يشكل تهديدا للديمقراطية الناشئة، وذلك بحجة أنهما بسبب التحالف القائم بين حركتي النهضة ونداء تونس أصبحت اللعبة السياسية مغلقة، وأن التداول السلمي على السلطة يكاد يصبح مستحيلا لأن الأغلبية البرلمانية الناتجة عن الائتلاف الحاكم تسمح بتمرير كل القوانين والسياسات التي تعتبرها المعارضة خطيرة ومضرة بالمسار الانتقالي، أي أن الصورة التي تروج لها حاليا الأطراف المناهضة للائتلاف الحاكم تتمحور حول القول بأن الشيخين قد تحولا إلى عبء على البلاد وخطر على الديمقراطية بعد أن كانا يعتبران المفتاح الذي أنقذ تونس من سيناريو الاقتتال والفوضى.

يضاف إلى ذلك أن كلا منهما يواجه حاليا صعوبات في إدارة بيته الداخلي. فالباجي قايد السبسي لا يزال مشغولا بأوضاع الحزب الذي أسسه وجعل منه الحزب الأول في تونس خلال فترة وجيزة، لكنه سرعان ما دبت في صفوفه الخلافات، وتخالف قادته حول كيفية تقاسم غنائم السلطة، وهو ما أدى إلى الانقسام وتحول الحزب إلى عدد من الشقوق والأحزاب الفرعية. بل أصبح الحزب متهما بالتوريث في إشارة من خصومه إلى تولي نجل رئيس الدولة حافظ قايد السبسي قيادة الحزب.

أما الغنوشي، فهو أيضا يواجه معارضة من داخل حزبه، وتتمثل هذه المعارضة في كتلة قوية من الكوادر الذين أعلنوا عن تباينهم مع رئيس الحركة ومن يقف معه حول عدد من المسائل الحيوية، ومن أهمها أسلوب الغنوشي في إدارة علاقته وتحالفه مع رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي. وقد نتج عن ذلك بالخصوص رفض أغلبية أعضاء مجلس الشورى للصيغة الحالية لمشروع قانون المصالحة المالية. وهو ما مثل رسالة قوية موجهة للغنوشي من جهة وللسبسي وحزبه من جهة أخرى.

تؤكد هذه التطورات السياسية الهامة على أن وضعية الشيخين لم تعد قوية كما كانت من قبل. فحجم المعارضة لهما يكتسب حاليا نسقا تصاعديا سيجعلهما مضطرين إلى إدخال بعض التعديلات ليس فقط على موقفهما من مسألة المصالحة، وإنما أيضا هما مطالبان بمراجعة استراتيجيتهما للحد من درجات التشكيك في مصداقيتهما التي أصبحت محل جدل واسع في الأوساط السياسية وحتى الشعبية.

لكن مع ذلك، لن من السهل تجاوز الرجلين في هذه المرحلة الدقيقة من المسار الانتقالي. ولا يفسر ذلك فقط بنفوذهما الواسع، كل في موقعه، لكن أيضا بحكم غياب قادة سياسيين يمكنهم تغيير موازين القوى في اتجاه مغاير. إن الطبيعة تكره الفراغ، وبناء على هذا القانون سيبقى الشيخان يديران شؤون البلاد التونسية على حين تتغير موازين القوى، وتفرز الأوضاع كفاءات قيادية تكون أكبر حجما وأوسع تأثيرا وأكثر قدرة على بناء أحزاب كبرى وفاعلة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قانون المصالحة الإقتصادية، الفساد المالي، راشد الغنوشي، الباجي قائد السبسي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-05-2017   موقع: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حسن الطرابلسي، محمد يحي، عبد الرزاق قيراط ، د. خالد الطراولي ، د- محمد رحال، المولدي اليوسفي، د. عادل محمد عايش الأسطل، منجي باكير، رافع القارصي، عمر غازي، مجدى داود، د. أحمد بشير، كريم السليتي، صالح النعامي ، أحمد بوادي، رحاب اسعد بيوض التميمي، سامح لطف الله، علي الكاش، د. أحمد محمد سليمان، نادية سعد، د. طارق عبد الحليم، محمد شمام ، علي عبد العال، عراق المطيري، محمد اسعد بيوض التميمي، الهيثم زعفان، د - المنجي الكعبي، رشيد السيد أحمد، محمد علي العقربي، د - الضاوي خوالدية، د - عادل رضا، د - شاكر الحوكي ، عمار غيلوفي، أحمد النعيمي، محمد عمر غرس الله، سامر أبو رمان ، د.محمد فتحي عبد العال، فتحي الزغل، د- هاني ابوالفتوح، حسني إبراهيم عبد العظيم، سيد السباعي، رمضان حينوني، صباح الموسوي ، المولدي الفرجاني، عبد الغني مزوز، سفيان عبد الكافي، مراد قميزة، محمود فاروق سيد شعبان، أحمد ملحم، مصطفي زهران، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فهمي شراب، عبد الله زيدان، عواطف منصور، د. صلاح عودة الله ، الناصر الرقيق، محمد العيادي، د - مصطفى فهمي، محمود سلطان، حميدة الطيلوش، صفاء العراقي، فوزي مسعود ، طارق خفاجي، د. عبد الآله المالكي، محمد أحمد عزوز، عزيز العرباوي، د - صالح المازقي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رضا الدبّابي، فتحـي قاره بيبـان، د- جابر قميحة، بيلسان قيصر، رافد العزاوي، فتحي العابد، محمد الياسين، صلاح الحريري، صفاء العربي، ياسين أحمد، د. مصطفى يوسف اللداوي، وائل بنجدو، ماهر عدنان قنديل، خالد الجاف ، مصطفى منيغ، محمد الطرابلسي، محمود طرشوبي، كريم فارق، سلوى المغربي، أبو سمية، ضحى عبد الرحمن، د - محمد بن موسى الشريف ، العادل السمعلي، أ.د. مصطفى رجب، عبد الله الفقير، إيمى الأشقر، د - محمد بنيعيش، د- محمود علي عريقات، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد العزيز كحيل، أنس الشابي، أشرف إبراهيم حجاج، حاتم الصولي، حسن عثمان، سعود السبعاني، يحيي البوليني، تونسي، سليمان أحمد أبو ستة، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سلام الشماع، أحمد بن عبد المحسن العساف ، جاسم الرصيف، يزيد بن الحسين، إياد محمود حسين ، إسراء أبو رمان، الهادي المثلوثي، طلال قسومي، محرر "بوابتي"، أحمد الحباسي، صلاح المختار، خبَّاب بن مروان الحمد،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز