البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

في ذكرى ثورتها: تونس بلا بوصلة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 3852



"َبرَّ هكاكة" وترجمتها من اللهجة التونسية المحلية إلى الفصحى، "سر كما تيسر" أو افعل ما تقدر حتى تقدر على ما تريد أو "دع الأمور تجري في أعنتها ونم قريرا هانئ البال فما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال"، غير أن التونسيين لا يملكون ثقة الإمام علي في المستقبل، بل هم قدريون يلقون بحملهم الثقيل على مستقبل لا يقررونه.

بعد أن وهبهم القدر فرصة الفعل طبقا لنبوءة شاعرهم "لا بد أن يستجيب القدر إذا الشعب يوما أراد".

تونس السياسية الآن تقول لنفسها "بر هكاكة"، فلا قدرة لها على ترتيب أمور ثورة ودولة لذلك تخلق فراغات وتدور فيها كما تكابر الخنفساء في قصيد مظفر النواب. بينما يترك الجمهور الأمور تجري في أعنتها على طريقة الإمام علي.

يحتفلون فرادى

جولة قصيرة في شارع الثورة في الذكرى السادسة تكشف للمرء فُرقة تنسيه جمال القوة المتجمعة في يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2011.

تفرقت الأحزاب وفرَّقت الجمهور المتوافق مع الثورة، الذي لا يجد لهذه الأحزاب حولا ولا قوة. الخطاب متشابه بل متطابق بين خيام الاحتفال، لكن جمهورها ينظر إلى بعضه شزرا ولا خيمة تجيب على السؤال لماذا لا توضع الثورة وفرحتها فوق المناكفات الحزبية السياسوية؟

لماذا تشتغل الأحزاب والحزيبات كأنها في تنافس انتخابي يومي؟ ألا يمكنها وضع ثوابت وطنية خارج الصراع لتربي عليها الأجيال الشابة التي فتحت أعينها على الثورة، فالأطفال الذين كانوا في سن 10 سنوات عام 2011 سيشاركون في انتخابات 2019، ويجب أن يعلّموا من الوطن ما يجمعهم لا ما يفرقهم؟

لماذا يحرص جيل السياسيين الذين تعلموا الدرس السياسي في السبعينيات على استدامة الفرقة بين الأجيال الجديدة؟

من الواضح أن الاجابة ليست سهلة، لأن وجود هؤلاء في فرقتهم لا في وحدة سياسية من أجل الوطن. إنهم يعلمون الشباب كيف يكونون أعداء من أجل الغنيمة السياسية القصيرة الأمد ولا يدركون مقدار التخريب العقلي الذي يصيبونه به فيدمّرون مستقبلهم.

هذه إحدى صور فقدان البوصلة لدى النخب السياسية التونسية، وهي تتظاهر بالإيمان بالثورة في شارعها وفي ذكراها.

وتوزع مناشير انتخابية لانتخابات لا يقدرون على إنجازها خوفا من أن تنتصر فيها النهضة، وقد كانت صورة الزعيم اليساري محمد الكيلاني (زعيم الحزب الاشتراكي اليساري) يخطب على ظله يتيما في خيمته مجسدة لهذا الخراب السياسي، وتعدّ نموذجا مثاليا لخيبة جيل لم يفهم الثورة ولم يلتحق بها.

حزب النهضة مرتبك من تاريخه

الإمكانيات المادية التي يسخّرها حزب النهضة لاحتفالاته لا تخفى ارتباكه أمام تاريخه. كحزب مصنف في تيار الإسلام السياسي. لقد أعلن المنظمون عن دعوة فنانة للمشاركة تبين لاحقا أنها من جماعة "تسلم الأيادي السياسوية".

ولكن ثورة داخلية اجتاحت الحزب ليلة 13-14 يناير، أفلحت في إلغاء الفقرة من الاحتفال، لكن بقدر ما كانت حملة قواعد الحزب قوية ومؤثرة، بقدر ما انكشف أن فئة من قيادة الحزب غير مطلعة على واقع البلد الفني والثقافي.

وقد انكشف أن هذا الفريق يلهث وراء اصطناع صورة حزب منفتح على الجميع، بل منفتح خاصة على فئة من التونسيين كانت توصف في أدبيات الحزب سابقا بالانحلال والميوعة.

هذه الصورة تعد فيما يبدو لمسح أخرى تثقل حركة الحزب في الاندماج في الواقع التونسي. كما طلب منه ذلك. هي صورة حزب المتدينين المتعففين البعيدين عن أجواء الفن المائع والتي يدمغهم بها كثيرون من الحداثيين. فيصيبونهم بعقدة نقص.

يعجز الحزب عن تحمل الكلفة السياسية لحزب مدني بمراجع سلوكيات متدينة، ولكنه لا يجد مدخلا لسلوك يجمع بين التدين السلوكي والانفتاح السياسي فيفقد بوصلته الخاصة فيستعين بفنانة من درجة كابريه للتمويه فينتفض أنصاره فيكون حفله باهتا.

معضلة أخرى لكل أحزاب الإسلام السياسي ولكل المرجعيات الإسلامية التي تربت على أن الفن سلوك انحلالي متناقض مع التقوى وشروط التعبد.

يظل الحزب قويا بتلاحمه، لكنه فقير إلى بدائل لا ينتجها، ولكنه يستعير فيفشل فلا يندمج ولن يندمج في النخبة التي تطلب منه تغيير قلبه ولونه، وهي لا تتغير فلا تقبل منه حتى أن يكون بعض رجالاته ملتحين لحية خفيفة مشذبة. ولو خرج من جلده ما قبلوه لكنهم يغنمون من تيهه وحيرته.

الرئيس سعيد في قفصة مع طاقم الطائرة

قفصة، مدينة موصومة بالتمرد وأهلها متربصون بالدولة وزائرها يخافها، لكن رئيس الدولة فاجأ الجميع بزيارتها في عيد الثورة.

حركة تبدو شجاعة لمن يريد حل مشاكل المنطقة التي تعاني فعلا من حجم بطالة كبير. أسبوعان قبل الزيارة نظف فيها حزب الرئيس المدينة بعد ست سنوات من الإهمال (البعض يقول أنه تم تنظيف مسار الموكب فقط).

الجمهور المصفق غاب عن الحفل فلم يغادر الرئيس مساره المسطر، ولم يقدم لقفصة ما كانت تنتظره وأنى له وهو بزيارته يخالف الدستور الذي مكّنه من المنصب.

ففي نظام برلماني يفترض أن يكون في طاقم الرئيس كل وزراء الحكومة المعنيين بما سيدشنه (والتدشين هنا ليس أكثر من فعل رمزي افتتاحي)، لأن الإشراف والتنفيذ من واجبات الحكومة ورئيسها لا من مهام الرئيس وطاقم مستشاريه الذين استعرضوا السيارات الجديدة (الرنجروفر التي مكنهم منها لزوم تضخيم المواكب).

جزء من جمهور قفصة سار ضد الرئيس في شوارع أخرى بشعارات معادية تطالبه بالاستقالة. الرئيس يتصرف ضد الدستور، والجمهور يتصرف ضد الرئيس وابن الرئيس الذي لا مسؤولية له في الحكومة أو الرئاسة يشرف على التنظيم خدمة لأبيه.

عمل كعمل حاطب الليل. لا خطة ولا بوصلة، لذلك اعترض الناس موكب الرئيس ليصرخوا في وجهه بحياة خصمه المرزوقي وهو الاسم الذي لا يحب سماعه ولا يريد لقاءه وربما سبب له كوابيس.

لماذا يحرمون الناس من تطوير مخرجات الثورة؟

الجمهور العريض تقوده فطرة سليمة، ولكن كثيرا من الفطرة غير مهذب بمشروع. إنه يدفع الأحداث بعفوية لكنه يفتقد القيادة والبرنامج ومن فطرته أنه كسر الثقة العمياء في الأحزاب ولم ينتج قياداته بعد وقد لا ينتجها لأن العوائق التي توضع في طريقه أكثر من الحوافز الذاتية التي ينتجها.

يدور حديث كثير بخلفية انتخابية أن إعراض الجمهور عن السياسة يسهل قيادته بالمنتمين فقط. على قاعدة أن ضعف المشاركة الانتخابية لا يلغي نتائج الانتخابات. فليذهب الجمهور حيث يشاء، فمنخرطو الأحزاب يكفون للفوز.

وهذا لعمري تخريب شيطاني لكل مبدئية الحماس والمشاركة. ويبدو أن الاحزاب ستكتفي به لعجزها عن اقناع الجمهور الواسع بالانتماء.

ازدهرت كثير من الأعمال المجسدة للحرية (الجمعيات التنموية والمنتديات الفكرية والثقافية) وهناك تحركات شعبية في مناطق كثيرة ترفع مطالب الانصاف التنموي ولكنها غير منتظمة في خط سياسي واضح بعضها يذهب إلى رفع "الشعب يريد اسقاط النظام" وبعضها يكتفي بالتشغيل.

تحركات حيوية، لكن بلا خطة سياسية واضحة ترقى بها إلى ثورة ثانية بما يوضح صورة فقدان البوصلة لدى الجميع الرئيس والحكومة العاجزة والأحزاب الفاشلة والشارع التائه.

رغم هذه الصورة السوداوية في ذكرى الثورة، فإن بصيص أمل يلوح. أغلب الذين نزلوا الشارع يوم 14 يناير2017 اصطحبوا أولادهم للدرس التاريخي الثوري وبثوا لهم رسائل الاستمرار في الأمل، وهذا لعمري درس مهم للأجيال.

جيل ينتهي بالثورة وجيل يولد في الثورة. ويرسل الأمور تجري في أعنتها في غير القدرية التي يتغنى بها الكبار "بر هكاكة".


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، ذكرى الثورة التونسية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-01-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
المولدي اليوسفي، سامر أبو رمان ، سلام الشماع، عزيز العرباوي، الناصر الرقيق، صالح النعامي ، عمر غازي، سفيان عبد الكافي، محمد اسعد بيوض التميمي، محرر "بوابتي"، ضحى عبد الرحمن، فتحي الزغل، د - مصطفى فهمي، عبد العزيز كحيل، د - شاكر الحوكي ، محمد يحي، حاتم الصولي، سيد السباعي، محمد الطرابلسي، حسن عثمان، د - صالح المازقي، د. مصطفى يوسف اللداوي، رضا الدبّابي، محمد شمام ، صلاح الحريري، علي عبد العال، رافد العزاوي، محمد أحمد عزوز، د- محمود علي عريقات، د. أحمد محمد سليمان، الهيثم زعفان، أنس الشابي، عمار غيلوفي، د. أحمد بشير، محمد العيادي، د - الضاوي خوالدية، فتحـي قاره بيبـان، ياسين أحمد، د- محمد رحال، إيمى الأشقر، العادل السمعلي، محمد علي العقربي، د - محمد بنيعيش، د - عادل رضا، جاسم الرصيف، عراق المطيري، الهادي المثلوثي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. عبد الآله المالكي، أحمد ملحم، فهمي شراب، صباح الموسوي ، عواطف منصور، تونسي، سلوى المغربي، يحيي البوليني، أحمد بوادي، د- جابر قميحة، مصطفى منيغ، إسراء أبو رمان، رمضان حينوني، أبو سمية، منجي باكير، خبَّاب بن مروان الحمد، أ.د. مصطفى رجب، أحمد النعيمي، حسن الطرابلسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمود طرشوبي، سليمان أحمد أبو ستة، أشرف إبراهيم حجاج، فوزي مسعود ، محمود سلطان، محمد الياسين، كريم السليتي، د. عادل محمد عايش الأسطل، عبد الرزاق قيراط ، د - المنجي الكعبي، طلال قسومي، صلاح المختار، نادية سعد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. خالد الطراولي ، فتحي العابد، عبد الله زيدان، محمد عمر غرس الله، ماهر عدنان قنديل، عبد الله الفقير، بيلسان قيصر، صفاء العربي، مراد قميزة، حميدة الطيلوش، المولدي الفرجاني، د- هاني ابوالفتوح، صفاء العراقي، عبد الغني مزوز، إياد محمود حسين ، وائل بنجدو، مجدى داود، أحمد الحباسي، علي الكاش، د. طارق عبد الحليم، د. صلاح عودة الله ، يزيد بن الحسين، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مصطفي زهران، رافع القارصي، كريم فارق، خالد الجاف ، سامح لطف الله، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د.محمد فتحي عبد العال، رشيد السيد أحمد، د - محمد بن موسى الشريف ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سعود السبعاني، طارق خفاجي، محمود فاروق سيد شعبان،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز