المرحوم محمد المصمودي
أو تونس في ظل تقدير آخر لمستقبلها
د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5135
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عندما يكون الرجل في تقدير الزعيم الثاني أو الثالث في الأنظمة الدكتاتورية يُحيَّد أو يُقضى عليه.
وكم من رجل عرفتْه الفترة البورقيبية بعد الاستقلال غيّبته الأبعاد والإبعاد أو الاغتيال، أو لف ذكره الغمط والنسيان؟ قد يكون محمد المصمودي أقلهم إجحافاً بحقه بعد بورقيبة، أو حتى في عهده، لأنه تولى المناصب والسفارات وهو في ريعان شبابه. وكان وهو في عزّ عطائه على رأس الدبلوماسية التونسية من أبرز نظرائه شرقاً وغرباً.
ولم يكن ظله ليفوت بورقيبة قدر أنملة دون أن يقصيه ويسحب منه الأفضال التي كسبها لمجده، وإن كلّفه ذلك الإبقاء عليه بمِقْوَده في الصف الثاني أو الثالث من التأثير في تونس وفي الخارج. حتى لقد هدده مرة، بسحب الجنسية حين ظهر اسمه في حكومة للقذافي.
وبعد الجفوة وإبعاده من المسؤولية، عين بورقيبة في الحكومة من يحمل اسمه دون وجه قرابة، ولكن على طريقته في التعامل مع خصومه من الزعماء المخالفين لسياساته قبل الاستقلال، ليغني عنهم بشباب يحملون ألقابهم أو ينتمون الى جهاتهم؛ تغريهم المسؤولية أكثر تحت زعامته.
وكان المصمودي من الأفذاذ في السياسة والتفاوض. ومن أشهر سقطاته عند منافسيه المتطلعين الى الخلافة بعد بورقيبة، استراقه النار من جنة القذافي من أجل اتفاقية جربة للوحدة العربية الإسلامية مع تونس في ٧٤.
ولم يكن حظه أسعد مع زميله وقرينه في السن، وفي القبضة على الدبلوماسية في بلاده، السيد عبد العزيز بوتفليقة، للتغيير معاً في وجهة دول المغرب العربي من التنافر الذي تغذيه مخلفات الاستعمار الى الاندماج فالوحدة.
ولمَا شهدنا بعده شبه إحياء للمخاصمات الحدودية بين الجزائر وليبيا، وبيننا وبين ليبيا، وفتوراً وتقلبات مزاج لم ينشرح لها صدر واحد من شعوبه، رغم رفرفة علم وحدة المغرب العربي على مؤسساته، أو الاتحاد المغاربي، كما سموه بالصيغية الجمعية، كأنما تيمناً دائماً بالانقسام لا بالتوحيد.
ورأيتَ الرجل حتى بعد بورقيبة يُكال له سوء التقدير، حين سأله أحد الصحافيين من المهللين للتغيير الذي أحدثه الزين، رفيقه في قائمة حكومة الوحدة التى نسج المصمودي خيوطها، عما بإمكانه أن يقدمه من مقترحات لصديقه الجنرال كما يصفه هو، فقال: هل هكذا على قارعة الطريق وأنا أمشي في الشارع أقدم المقترحات؟!
فإن يكن المرحوم قد فاز بنفسه على حسرة الموت في شماتة خصومه، أو يأيديهم، تكن الحسرة أدركته وهو يموت على فراشه دون مواصلة النضال في ساحات الفداء من أجل وحدة بلاده ومناعتها، في ذاتها وفي أمتها.
أليس هو الذي كانت مطامحه أوسع من أحداق عينيه بما تملأ أبعادها حضارة آبائه، من المصامدة وغيرهم، بإفريقية وسائر بلاد المغرب العربي والأندلس وجزائر حوض البحر الأبيض والتي كانت المهدية مسقط رأسه عروس مدائنها القيروانية، والذين فتحوا ما بين فاس والإسكندرية في زمن إمامها المهدي وأبنائه إسماعيل والمنصور، وأشهرهم المعز صاحب القيروان والمهدية مؤسس القاهرة وباني الأزهر الشريف.
ذلك شأن محمد المصمودي، لا شأن سياسيين يولدون ولا حصانة شعبية لهم أو حزبية مستكملة، حتى إذا ماتوا لم يفتقدهم الوطن في ملماته.
وحتى لا تضرب علينا العاصفة من جديد بعده، كما قال في كتاب له سماه العرب في العاصفة، علينا أن نحيي ذكراه كما تحيي الأقوام ذكرى عظمائها، بكل همة وفخر.
-----
تونس في ١٦ نوفمبر ٢٠١٦
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: