د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4231
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كان يمكن أن لا يثار موضوع تصويت الوزراء النواب بالمجلس المقترحين في الحكومة الجديدة في جلسة منح الثقة لأنفسهم باعتبار من الاعتبارات. لأن النص صريح من جهة، بأنهم نواب قبِلوا العضوية بالحكومة، دون أن يميز القانون بين صفتهم المقترحة أو الوقتية أو الدائمة. وموضوع الاستقالة التي استظهر بعض المشرعين بالمجلس للتخويل لهم بالتصويت لهم قبل إتمامها في ظرف عشرة أيام، إنما هو قرار إجرائي نتيجة لمنع الجمع في القانون الانتخابي بين العضوية في الحكومة والتمثيل في البرلمان.
لكن التحوّط من الطعن لاحقاً في التصويت بسببهم، كما أن الاستغناء عن أصواتهم أمر غير مرغوب لتكميل النصاب حين يصبح الصوت بكيْل بعير، دفَع لعرض الموضوع على أنظار الجلسة العامة في صيغة تساؤل من أحد النواب المميزين. واتخذ الجواب عنه شبه إخراج بسيط لحسم الأمر علناً استناداً الى نص قانوني من فم أحد النواب المميزين كذلك. فكان الجواب سريعاً كطرح السؤال كإثارة الموضوع، ثلاثتهم توالوا كالأمر المحضر أو المبيت بليل.
وأخذ هذا الحق في التصويت صبغة البت فيه قبل التصويت. وبدا الأمر كأنما المجلس التشريعي لم يفكر في الأمر أو يقرأ له حسابه من قبل، أو يتداوله مع النواب المعنيين لأخذ الرأي فيه، وتجنب أخذ القرار الخطإ بشأنه لثقل تبعاته.
وكان رفع رئيس المجلس الجلسة للعودة اليها بعد دقائق مفاجئا للنواب، باعتبار آلية المرور مباشرة للتصويت بعد الاستماع الى رد السيد رئيس الحكومة المكلف على مداخلاتهم. فترك ذلك الانطباع بأن الدقائق السابقة مهدت لإخراج كيفية التصويت بأسلوب يقطع السبيل على كل معترض. لأن رئيس المجلس لم يفته قبل ذلك أن ينبه النواب الى أن التصويت على الحكومة حزمة واحدة، لا فرداً فرداً، وسكت عما دون ذلك. وكأنما أراد أن يتخلص من تبعة التقدير السليم للموقف بخصوص تصويت النواب المقترحين للوزارة في الحكومة فأحال القرار به الى غيره من نواب المجلس، من خلال وصفه له بكونه لا يفتى ومالك في المدينة!
فجاءت الفتوى بأنهم لم يعودوا - أي المعنيين الاثني عشر- بعد في حالة المنع من التصويت إلا بعد تقديم الاستقالة من النيابة التي تأخذ مهلة عشرة أيام.
والقاعدة تقول عندما يقوم الشك تبطل الفتوى. لأنها من قبيل التسهيل، وإلا فاللجوء الى الأصل هو الأسلم. فالنواب الوزراء المقترحون وإن لم يتقرر، إلا بعد التصويت لمنح الثقة لهم وإجراءات التعيين الرئاسي، كونهم أعضاء في الحكومة هم في حكم المستقيلين من النيابة من تاريخ قبولهم للاقتراح بالمشاركة في الحكومة. أما ما سوى ذلك كالاستقالة فكله إجراءات ترتيبية، أما الأصل فحاصل، وهو المنع، أي منع الجمع بين التشريعي والتنفيذي.
وما دام الأمر قام على تساؤل وعلى استدعاء فتوى فمن أدرانا بأن في تونس من فقهاء القانون من ربما له رأي آخر غير رأي "مالك" في المجلس. فالفتوى الفردية لا تحسم على الفتوى التعددية في غياب مجلس دستوري مثلاً أو محكمة دستورية.
حتى لا تكشف هذه الفتوى المرتجلة عن شيء من الارتجال في اتخاذ القرار، وعدم الرجوع فيه الى هيئات تحكيم مخولة لها بكل الشفافية والحياد والوقت. ولا يكون هذا التصويت المقتضى بفتوى وليس بقانون صريح من قبيل الفساد، أو تركبه شبهة الفساد. فالفساد لا يدركه من توطنت قدمه فيه، إلا أن نقول بأن شرعية المبادرة تحسم على شرعية البرلمان ونكون قد طوينا الثقة في الحكومة كيفما منحت أو حجبت، وأننا في مرحلة سياسية الوفاق وسياسة المبادرة لتجاوز تعاصي البرلمان والدستور.
-------
تونس في 27 أوت 2016
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: