د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4199
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا شك أن وجود المحكمة الدستورية كفيل وحده بصرف الكثيرين عن التقاضي لديها، اعتقاداً منهم بأن وجودها كاف وحده لردع المخالفين للدستور والحد من جسارة السلطات على التشاريع في ظل محكمة قائمة.
ولكن وهي غائبة اليوم بغياب الإرادة السياسية لقيامها ربما وليس لأسباب أخرى إجرائية أو فنية، فإن التعللات باحتمال تجاوز السلطات للتشريعات القائمة تقفز الى الأذهان لمجرد اطمئنان عامة الناس الى محكمة مختصة للفصل فيها.
فأصبح التبرير بغياب المؤسسات والقوانين أقوى من التبرير بخرق الموجود منها.
فمن ذلك أنه منذ الثورة لا يتخذ قرار أو يصدر أمر إلا وتنهال الفتاوى والتأويلات بالتشكيك في دستورية ما اتخذ أو التأكيد على دستوريته دون سماع قول فصل.
وهناك الى الآن لجوء في أبسط الأحوال الى إحدى مؤسستين، أو هيئتين دستوريتين على أصح تعبير، للفصل فيما يعرض من دعاوى أمامهما لشبهة الاختصاص. وهما المحكمة الإدارية المحدودة الاختصاص بالأوامر الرئاسية والتراتيب الإدارية، والثانية الهيئة الوقتية للنظر في دستورية القوانين، المحدودة كذلك بمراقبة مشاريع القوانين المحالة اليها من مجلس النواب أو من رئاسة الجمهورية فقط دون غيرهما.
ورأينا أخيراً جهة جديدة تتولى تقديم التوضيح عند الاستفسار حول بعض الإشكالات التي تطرأ بخصوص بعض القوانين أو اللوائح، فيما يمكن أن يتوجه بها اليها بعض الصحفيين في مسائل بعينها. وهذه الجهة وإن تكن غير رسمية بالضرورة ولكن الاستئناس بتفسيرها هام، على اعتبار أنها صادرة عن مكتب مجلس نواب الشعب، وتحديداً عن الملحق الإعلامي به، بما يعني وقوف جهة وظيفية استشارية بالمجلس وراءه، كما حدث أخيراً بخصوص أمرين اثنين نعرض لهما هنا بالتعليق، لأهميتهما في ظروف تشكيل حكومة السيد يوسف الشاهد، التي تعرضت منذ البداية الى تأويلات دستورية متضاربة، ولاحتمال طلب استعادة بعض الوزراء المستقيلين من حكومة الصيد بحكم سحب الثقة منها الى مقاعدهم النيابية في حال لم يظفروا بحقائب في حكومة الشاهد الجديدة.
لكن هذه الجهة لا تعبر عن سند قانوني رسمي، وإنما مهمتها مجرد توضيح دور المؤسسات الدستورية والتذكير بمهامها المحددة وبفحوى القوانين واللوائح والإحالة على مداولات المجلس بشأنها، واتصال ذلك كله باعتبارات ظرفية راجعة الى الموقف الرسمي للمؤسسة التشريعية بتجنب الدخول في جدل مع أية جهة رسمية أو طرف معنوي أو فرد.
ولذلك كان الرد على إمكانية الطعن في دستورية التكليف ليوسف الشاهد بتأليف الحكومة بأنه لا اختصاص لجهة قضائية حالياً للنظر في الأمر. فهو التوضيح الذي يشفع لدفع هذه الإمكانية بوجه من أثارها أو أكّد عليها. وربما السخرية بكون صاحب هذه الإثارة ألمح الى عدم تفطن النواب اليها؛ في حين كان يجب أن لا يغيب عن الجميع بأن التفطن غير وارد في حالة نواب غير معنيين إلا بعد تشكيل الحكومة بمثل هذه الإثارة أو غيرها.
فيبقى المبرر اعتبار ما تم اتخاذه من قرارات عليا قد جاء في غياب المحكمة الدستورية أهم من كل تفكير في خروقات أو إخلالات.
وهو أمر لا يبشر بقيام المؤسسات اللازمة لحماية الدستور فضلاً عن التهاون عن الأخذ بالموجود منها وبالمعهود من القوانين والأعراف.
والتوضيح الثاني الصادر عن المكتب الإعلامي لمجلس النواب بخصوص عدم إمكانية استرجاع أعضاء الحكومة المستقلين مهامهم النيابية إذا رغبوا في ذلك بعد مغادرتهم الحكومة، يحيل المستجوب فيه كذلك الى سقوط كل طعن لدى المحكمة الدستورية لعدم وجودها. ويقطع السبيل على عودتهم بصفة باتة، بينما النصوص القانونية تحيل الى عكس ذلك، لأنها تتحدث عن استقالة مبررة بعدم الجمع بين التمثيل النيابي والمناصب الحكومية، وليس في الأمر استقالة اختيارية أو اضطرارية لوفاة أو عجز كامل. ولا حديث في الفصل المتعلق بأعضاء الحكومة النواب ابتداء في المجلس التشريعي عن استقالة نهائية أو أو وقتية (الفصل 35) وإنما هي استقالة مكيفة بوضع خاص هو مراعاة الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولذلك فسبيل العودة مفتوح لمن يرغب وباتفاق مع حزبه أو من عوضه من أعضاء قائمته في أن يُخلي له مقعده. ولا يمكن حرمان نائب من حقه في فوز حققه في انتخابات تشريعية بإسقاط المجلس له من عضويته لدواع سامية كالتعيين في منصب وظيفي فما بالك بمنصب وزاري، لكي يجد نفسه بعد ذلك مجرداً من صفته النيابية التي أهلته من ناحية لتولي المناصب الحكومية ثم للتمثيل لمدة نيابية كاملة باسم الشعب وباسم ناخبيه في دائرته في المجلس التشريعي.
ولا حديث خاصة في القوانين عن كونهم أي أعضاء الحكومة لا يحق لهم العودة بعد مغادرة مهامهم التي تعين أن يستقيلوا من أجل توليها.
وكذلك فلا حديث عن استقالة نهائية في الفصل 35 وهو الفصل ذاته المتعلق بحالات عدم الجمع، الذي يعني من جملة من يعني الأعضاء في الحكومة من بين النواب.
أما الشغور النهائي، فالحديث عنه في الفصل 34 لغاية وصفه بعد ملاحظته وسده بالنسبة لجميع من يتعين تعويضهم بغيرهم حسب الترتيب في القائمة الانتخابية بعد ملاحظة الشغور النهائي، أي تقديم استقلالة خطية من طرف صاحبها وتأييدها من الجهات الرسمية.
أما الاستقالة في حالات عدم الجمع بالنسبة للوظائف التي يقررها الفصل 35 تحت عنوان "حالات عدم الجمع" فمرجع الكلام فيها عن "الدائمة" و "الوقتية"، يعود لا الى الاستقالة ولكن الى الوظيفة التي سيتقلدها النائب المعني بعدم الجمع سواء كانت وظيفة بأجر أو بدون أجر، وقتية أو دائمة.
وكل اجتهاد مخالف للقوانين نصاً وروحاً قد يخلق بلبلة في أوساط الرأي العام وتوتراً في العلاقات بين أصحاب الاستحقاق؛ ولا يترجم إلا عن مناورات حزبية وضغوط سياسية لمنع الخصم من التصويت مثلاً أو حرمانه من المنافسة في المجال العام بالعناوين المستحقة نضالاً واقتداراً.
ولذلك لا تسلم الساحة السياسية من الأزمات المفتعلة طالما تقف وراءها إرادات تراهن على تجاوز القوانين والمؤسسات أو غياب البعض منها لاستغلال الوضع الى أقصاه للاستفراد بالسلطة وتوجيه القرار. وهذا ليس من علامات القوة في النظم الديمقراطية. فالمبررات للفراغ الدستوري أو القانوني في مجال من المجالات لا يجب أن يتجاوز المعقول والمقبول والمعهود والمعروف في ميزان الأمم.
-----------
تونس في 22 أوت 2016
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: