د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 3891
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
صدمت بالخبر ولم أصدق أن السيد فوزي بن مسعود صاحب موقع بوابتي والذي أصبح صديقاً عزيزاً بعد ما وجدت في موقعه رحابة صدر للمقالات التي يعبر فيها أصحابها على مسؤوليتهم عن أفكارهم ورؤاهم في قضايا بلادهم والعالم الفكرية والسياسية والدينية وغيرها، ومن بينها مقالاتي، يستدعى للتحقيق معه في تهم تخص مقالاته شخصياً، ما يعني أن مقالات غيره المماثلة في طرحها للمشاكل أو المشاطرة إياه في نظرته أو تحليله سيلاقون نفس الجرجرة الى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب.
فإذا كان الأمر مجرد روتين عمل اقتضته طبيعة الظروف الاستثنائية التي نعيشها بسبب تنامي ظاهرة العنف والتطرف وتهديد الأمن والاستقرار وربما استهداف الثورة ونظامها نفسه، فلا بأس فكلنا مشاريع تحقيق واستجواب من طرف من أراد من الأجهزة الأمنية أو القضائية، فقد يزيدنا ذلك اطمئناناً الى حسن التمشي في معالجة قضايا الإرهاب في أشكاله المعنوية والمادية المباشرة وحتى الاحتمالية، أما إذا كان من نوع الخبط على النوايا والرجم بالغيب والفهم المبتسر، فنحن وإن كنا ننزه أجهزتنا الجديدة التي أصبحت تعمل تحت حصانة الدستور ورقابية مؤسساته التشريعية والتنفيذية، نخشى أن تكون بينها وبين الواقع الجديد للحريات والحقوق ما يحتم حقاً سد الفجوة التي طالما تنادت به الأطراف السياسية والاجتماعية وحتى الخارجية من عقد مؤتمر شامل للإرهاب بحدد مفهومه وآلياته، لوضع الضمانات الكافية لعمل أجهزة الدولة على ضوئه حتى يكسب عملها المصداقية والشفافية والنزاهة وفي الوقت نفسه يجعل جوهر العدالة البشرية والكرامة الإنسانية بمأمن من الانزلاقات المتوقعة في ظل غياب بوصلة لهذا القطب القضائي المعوّل عليه كثيراً لتضييق دائرة الإرهاب الى الصفر إن أمكن وليس بأية حال توسيعها الى ما هو أكثر من سعتها قبل اليوم. لاعتقادنا كلنا أن الإرهاب إنما أفرخه إرهاب الدولة أو بمعنى أدق إرهاب النظام الفاسد الذي كان متمثلاً في الاقتصاد المتوحش وفي تضييقاته على الحريات وفي القمع المتفشي وفي المحاكمات الغاشمة، التي عددت أخيراً لجنة الحقيقة والعدالة الانتقالية عشرات الآلاف من القضايا المرفوعة اليها بها قبل إحالتها الى القطب القضائي للعدالة الانتقالية الأجدر أن يكون في أهمية قطب مكافحة الإرهاب وليس بالأقل منه.
فكلي أمل أن لا ينزعج السيد فوزي بن مسعود على لسان قلمه ولا حتى على عظم لسانه أو موقعه ليكون رافداً من روافد مقاومة الإهاب بالصورة والكلمة والكاريكاتور وبكل من أوتي أهل الفكر والرأي والفن من أدوات للتعبير والإبداع، دون أن يخشوا سطوة سلطة تنفيذية أو قضائية تكمم أفواههم وأو تكسر أقلامهم أو تغلق مواقعهم أو تغلق نواديهم أو تحظر جمعياتهم أو تصادر إنتاجهم. لأن الإرهاب ينعشه ظلم الحكام والسطوة للعدالة بغير حق والمنع من تلاقح الأفكار وتصارع الرؤى. ويخطئ من يتصور الإرهاب له رافد معنوي غير رافد قمع الحريات وتجمد العقول وفشو الفساد والرشوة والخوف.
ولو انكب القطب القضائي على موقع السيد فوزي بن مسعود "بوابتي" وأمثاله عن طريق دارس حصيف لأدبيات الإرهاب لاستخرج منه إضاءات كثيرة توضح السبيل أمام مسؤوليه لمعالجة القضايا الإرهابية المادية الحقيقية معالجات عادلة، لا مورثة لرد الفعل من أصحابها وربما من غيرهم أكثر للطبيعة البشرية في دفع الظلم والعدوان.
ونرجو أن تكون مناسبتنا هذه في مساندة صديقنا المهندس فوزي مسعود لتجاوز محنته فرصة له كذلك لتوسيع رحابة صدره، لأنه ربما يكون قد أورثته مضايقات النظام السابق قبل الثورة سوء ظن بالتتبعات الأمنية والتحقيقات العدلية الى حد أصبحت له حساسية زائدة إزاء ما أصبحنا نعيشه اليوم ومن ضمننا أفراد الأسرة القضائية من توتر بسبب حجم الظاهرة العابرة للقارات التي أوقعت مجتمعاتنا في دوامة لم تكن بيئتنا الفكرية ولا الاجتماعية ولا الدينية تعرف لها مثيلاً في السابق. ولذلك حملت أفكارنا كثيراً من انعكاسات تلك الظاهرة أو ظلالها دون أن يتمكن البعض منا من التحذر من ملابساتها وإيحاءاته في أذهان فئة من قرائه قد تضيق ملكاتها أو اعتباراتها الثقافية عن كل حوار أو نقاش معه. ولا يصحح هذه الوضعية أكثر من التفهم المتبادل بيننا وليس بالتنافي والتقاضي للعدالة الزجرية أو الاستباقية.
----------
الدكتور المنجي الكعبي
تونس في 14 مارس 2016
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: