فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7887
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
وقع نحت مفهوم الإسلام الوسطي حديثا، وتم الترويج له إعلاميا بل وفكريا، وأنا أرى أن هذا المصطلح لا يصح علميا، إذ لا يعدو أن يكون مجرد مغالطة، وهو ما سأبرهن عليه في ما يأتي:
أولا لننظر لمفهوم الوسطية نسبة للإسلام كدين
- الوسطية هي نعت للإسلام، والإسلام نسبة لزمن التعبد أما أن يقصد به الإسلام كدين مصدر أو الإسلام كممارسة، فالأول مفهوم بالقوة خارج الزمان إذ هو مبادئ بالأساس، والثاني هو مفهوم بالفعل نسبة لزمن ممارسته من طرف البشر.
- إذن فالإسلام المرجع / الهدف هو إسلام واحد لا تعدد فيه، أما الإسلام المطبق من طرف البشر فهو يتعدد بتعدد تطبيقاته
- النعت الذي يلحق الإسلام الهدف أي الإسلام في أصوله لا يصح أن يكون نعتا يخص مجال غير مجاله، أي لا يصح أن يوصف الإسلام من حيث انه مفاهيم بوصف يخص مجال زمني أو مكاني أو بشري، لأنها كلها صفات تلحق الفعل البشري نسبة لمحوري المكان والزمان.
- فلا معنى لان نقول عن الإسلام كمفاهيم مرجعية انه إسلام عرق معين أو إسلام مكان معين أو إسلام وسطي أو إسلام متطرف.
- يصح القول أن الإسلام دين وسط نسبة لأديان أخرى، ولكن هذا جانب ثاني، سأتحدث عنه في ما بعد.
- بالمقابل حينما يمارس الإسلام من طرف البشر يصح إطلاق تلك الصفات، فالوسطية والتطرف نعوت يمكن أن تلحق ممارسات الإسلام من طرف البشر.
- المسلمون حينما يحتكمون في مدى تطبيقهم للإسلام، إما أن ينضبطوا في ممارساتهم للإسلام كمفاهيم كما هي محددة في أصوله وعلى رأسها القرآن، أو أن ينضبطوا للإسلام كممارسات بشرية.
- إن انضبطوا بالإسلام كما هو محدد في أصوله، فليس يصح أن يوصف الإسلام بأي نعت زمني من تلك الصفات التي تلحق أفعال البشر، ومنها وصف الإسلام بأنه وسطي.
- وأما إن انضبطوا بالإسلام الممارس من طرف البشر، فإنه يصح ساعتها القول بأنهم اتخذوا الإسلام الوسطي مرجعا.
- لكنهم في حالة اتخاذهم ممارسة بشرية نموذجا، فإنهم يواجهون إشكالات، منها:
- أنهم إنما يخالفون الإسلام في أصوله إذ يتخذون غيرها مرجعا ضابطا للمفاهيم
- ثم لما تعددت ممارسات البشر، فبأي مرجح انتقوا ممارسات بشر دون آخرين مرجعا
- وأخيرا، لما كان النقد يمكن أن يلحق أي ممارسة بشرية نسبة للإسلام الصحيح في أصوله، فان اتخاذ ممارسة بشرية كمقياس للحكم على الغير، يصبح مصادرة على المطلوب، ولما كانت المصادرات عملا فاسدا منطقيا، فإن اتخاذ ممارسة بشرية بزعم أنها وسطية، عمل فاسد.
ثانيا لننظر لمفهوم الإسلام الوسطي نسبة لعمل بشري
الآن لنفترض أننا داخل ممارسات معينة، ولننظر لمدى صحة الحكم عليها بأنها وسطية:
- حينما نحكم على شيء بأنه وسط، فذلك يفترض ضمنيا معرفة حدين يكون المحكوم عليه وسطا بينهما، بشرط أن يكون ذلك الحكم على الحدين متفقا عليه مع من هما صاحبا ذلك الحدين.
- لكن ما نراه أن القائلين بالوسطية أو بالتطرف إنما يحدد كل منهم مجال المفهوم، فما هو تطرف لدى البعض هو وسطية لدى الآخر مثلا، بمعنى أن مجالات المفهوم ليس متفق عليها.
- ولما كانت حدود مجالات المفهوم غير مضبوطة، فإنه لا يمكن أن تكون مجالات مفهوم الوسطية متفق عليها، لأنها تصبح وسط مجال غير محدد، ولما تعذر تعيين الحدين يتعذر بالضرورة ضبط وسطهما، فيتعذر بالتالي تحديد مفهوم للوسطية كمفهوم فعلي أي واقعيا.
- ولما تعذر ضبط المفهوم، أصبح المصطلح ذاتيا لامعنى علمي له، الإلزام به يدخل في باب المصادرة على المطلوب.
- لنعكس الآن، لو افترضنا أننا اتفقنا على مفهوم للوسطية، فذلك يعني أننا اتفقنا على حدين هما الإفراط والتفريط، ولكان يشير لأن محمول مفهوم الوسطية هو معنى واحد، ولأصبحت الوسطية تلك هي الإسلام في أصوله، وليست الإسلام الممارسة.
- لكن، لما كان مفهوم الإسلام الوسطي يقصد به ممارسات البشر للإسلام، كان ذلك دليلا على انه مفهوم غير متفق عليه، وأنه مفهوم غير ملزم مادام ممارسة من ضمن ممارسات كما بينت سابقا.
التعلق بمغالطة أن الإسلام دين الوسطية
- يلتجئ بعض من يقول بالإسلام الوسطي لتبرير مفهوم الوسطية بالقول أن الإسلام دين الوسطية، اعتمادا على الآية : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143)
- هذه مغالطة فجة يعتمدها هؤلاء، لأن الآية مجالها الأديان نسبة لبعضها، فالإسلام وسط في مجال الأديان، الذي يحتوي اليهودية والمسيحية المحرفتين والديانات البشرية.
- ولكن مفهوم الإسلام الوسطي يتعلق بمجال آخر مغاير، وهو مجال التدين البشري داخل الإسلام فقط وليس الأديان، فهو وصف لممارسات المسلمين نسبة لبعضها، فالمجال هنا هو داخل الإسلام ذاته وليس مساويا له لكي يصح اعتماد الآية، ولا يصح إدخال المجالين بعضهما في بعض.
- هذا الخلط كمن يقول مثلا: الجيش التونسي وضباطه خير الجيوش العربية في الثورات، فيستغل بعض الضباط هذا الوصف، ويرتكب جريمة ويطالب بالتجاوز عنه باعتباره أحسن الجيوش ومن أحسن الضباط، فنقول له يا هذا، وصف الخيرية الأول إنما كان في مجال يتعلق بالجيوش نسبة لبعضها، أما فعلك أنت كشخص فمجاله الجيش التونسي وله مقياس آخر نسبة للمنتمين داخل الجيش التونسي.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: