فوزي تليلي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10586
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لقد مرت البلاد التونسية بعدة فترات امتازت كل فترة بتنوع مصادر التأثيرات من الناحية الفنية و المعمارية خاصة و بتنوع منابعها، واتسم كل عصر بطابعه الذي يميزه عن العصور السابقة.إلا انه لم يوجد أي انقطاع في سلسلة الحلقات التي تربط بين مختلف هذه الحقبات التاريخية.
لهذا سيرتكز بحثي علي التراث المعماري الذي يشمل المدن العتيقة بما فيها من قصور، مساجد، زوايا، أبواب، زخارف و نقوش مبرزا الوحدة الفنية و أوجه التأثير الأندلسي في تونس الذي بدأ و تمادى طوال قرون فخلف معالم قائمة و آثار حية ذات تأثيرات فنية بين الفنون و الطرز المعمارية، كذلك البحث في مظاهر التأثير الأندلسي في المجال المعماري و الزخرفي و الذي تداخلت فيه الأنماط و التشكيلات فيما بينها بين التكامل و الامتزاج و كذلك الانصهار حدود التماهي اندمجت فيها الأصول و الصيغ في مظهر واحد.
إن الحضور الأندلسي ظل حاضرا في العديد من المعالم المعمارية و هذا الأسلوب الذي انطلق مع سقوط مملكة غرناطة بالأندلس و هجرة بعض الأندلسيين الي تونس و الذين اثروا في جميع شؤونها تأثيرا عميقا، حيث نقل الأندلسيون الى تونس الطراز المعماري والتي لا تزال معالم هذا الإرث واضحة في الكثير من المعالم المعمارية و الزخارف الفنية والتي تحتفظ بفن المعمار الأندلسي داخل منازلها و قصورها و جدرانها و أبوابها وجوامعها و خاصة في المدن التي نزل بها المورسكيون بتونس وتستور.
لقد ترك الأندلسيون طابعا فنيا و معماريا غنيا من أبرزها بعض الديار الموجودة في المدينة العتيقة بتونس و أبواب عرفت بشهادتها كباب بنات و باب الخضراء إضافة الى بعض الجوامع و الزوايا و المدارس و الحمامات مثل الواجهة الشرقية من جامع الزيتونة و زاوية سيدي قاسم الزليجي و تربة لاز و جامع يوسف داي و جامع حمودة باشا، و إجمالا فان جميع القصور التونسية التي أنشئت منذ أربعة قرون إنما هي قصور أندلسية تشبه قصر غرناطة لتتأصل الأشكال الأندلسية في الفن التونسي.
و بذلك فقد خلف التأثير الأندلسي من ناحية الفن المعماري معالم قائمة تشير الي أن الفن المعماري التونسي قد اتخذ منعرجا جعلت المظاهر الأندلسية فيه تغطي شيئا فشيئا علي العناصر القومية التقليدية، فمنارة جامع القصبة بتونس هي نسخة-مغيرة قليلا- ذات الطابع الأندلسي، كذلك تجلي التأثير الأندلسي في فن العمارة و دخول الشكل المثمن في الفنون التزيينية و في بناء الجوامع المثمنة و التي تميزت عن الصوامع الأندلسية والموريسكية البسيطة بزخارفها و تنميقاتها الهندسية الجميلة، كما هندسة البيت العتيق و جمالية زخارفه و نقوشه التي هي انعكاس للبيوت الموريسكية الأندلسية و تباينها بين الجمالية الداخلية و الخارجية في عمارة البيت العتيق المتجلية في تزيين المساجد و الزوايا و الدور مقابل بساطة الأزقة و الدروب و الأسواق و التي كانت تحمل في مضمونها تزاوجا ناجحا بين الجمالي و النفعي، و ليكون الشكل و الإنشاء أندلسي الطابع لتتمادى التأثيرات لمدينة القيروان والمهدية و المنستير خاصة في العمارة الدينية من جوامع و زوايا.
إن هذا الترابط الكبير بين تونس و الأندلس ترابط وصل حد الانصهار في الفترة الإسلامية في عدة نواحي ثقافية و اجتماعية و اقتصادية انعكست بامتزاج هذا التراث الأندلسي بالتراث التونسي ليكون طابعا خاصا مميزا للهندسة المعمارية و فنون زخارفها في البلاد التونسية.
ولئن اختلفت خصائص ومميزات هاته المعالم المعمارية فإنها تتوحد في الهوية المعمارية الإسلامية أما الاختلافات فتتركز حول تتداخل بعض المكونات جراء تعدد التأثيرات الحضارية المتعاقبة على المدينة.
إلا أن الطابع المميز لهاته النماذج المعمارية وجمالية زخارفها هو غلبة الطابع الروحي الذي غلب على أنماطها وأكسبها هويتها الإسلامية المميزة، وتنوعت وتجددت فيها الطرز والتصاميم والأشكال.
وقد ورثت هذه النماذج المعمارية واستفادت من المدارس المشرقية والأندلسية مع الحفاظ على البنيات الجوهرية وبروز عبقريتها من خلال عناصرها الإنشائية والزخرفية، وأغنت الحقل المعماري الإسلامي بمعالم لا تزال شاهدة على عظمة الصانع الحرفي التقليدي، والعمارة كغيرها من العمارات ارتبطت منذ نشأتها بالفنون التشكيلية والزخرفة أحد أنواع الفن التشكيلي الذي ظهر في عمائرها وشكلت مع العمارة ما يسمى بالطرز.
وهنا فإن الزخرفة بما هي أحد الفنون المكملة للعمارة بمختلف عناصرها؛ الخط، الرسوم الهندسية والنباتية، وأصولها عميقة الجذور تتصل بالحضارات العريقة السابقة.
كما تلعب الزخرفة خاصة في ديار المدينة العتيقة بتونس دورا مهما في إبراز الهوية على واجهات المعالم المعمارية من خلال مفرداتها التشكيلية والرمزية، فالزخرفة التي قامت على رسوم نباتية وهندسية عبرت عن المعاني الروحية التي آمن بها الإنسان العربي، كما مثلت الزخرفة الكتابية وحدة الفن الإسلامي في زخرفة العمارة لتتكامل هنا الزخرفة مع العمارة في إبراز القصد الفني.
لنتساءل هنا عن مظاهر التأثير الأندلسي في الفن المعماري و الزخرفي كذلك تجليات تلك الطرز و الأنماط و التشكيلات و مدى تكاملها مع الهياكل المعمارية، و هذا التداخل يدفعنا للتساؤل عن تلقي هذا التراث المعماري و الزخرفي و التفكير بواسطته و من خلاله، فهل التفكير فيه تذكرا أو فهما واكتشافا؟ إضافة الي التساؤل عن مدى المحافظة عن الطابع المحلي بالرغم من قدوم العديد من التأثيرات الأجنبية مما أنتج تداخلا للفنون و تنوعا للأنماط حتي يصبح تراثا مركبا تركيبا مزجيا بين تكامل نسيق يبرز التبادل و التلاقح و بين انصهار تماهت فيه الطرز و التركيبات الزخرفية ضمن انصهار هجين.
كل هذه التساؤلات و ما تكشف منها و ما خفي تبقي قابلة لعدة منعرجات قد ينيرها البحث و التحليل في هذه التأثيرات الأندلسية في المشهد المعماري و الزخرفي في تونس و مدى مساهمة هذه النماذج رغم تداخلها و تنوعها في بروز طابع متعدد الأنماط.
فماهي مظاهر التأثير الأندلسي في الفن المعماري و الزخرفي في تونس؟ و كيف نفسر تداخل الفنون و تنوع الأنماط حتي يصبح تراثا مركبا تركيبا مزجيا بين تكامل نسيق يبرز التبادل و التلاقح من جهة و بين انصهار تماهت فيه الطرز و التركيبات الزخرفية ضمن تراكب هجين أنتج طابعا متعدد الأنماط من جهة أخري ؟
-----------
(*)
وقع إختصار العنوان كما وردنا وذلك لطوله، والعنوان الأصلي هو:
أوجه الحضور الأندلسي في فن العمارة و الزخرف
أنماط مركبة و تشكيلات متنوعة بين التكامل المزجي و الانصهار الهجين
محرر موقع بوابتي
----------
فوزي تليلي
باحث جامعي من تونس
----------
مدونة البحث:
- حسن باشا، "موسوعة العمارة والآثار والفنون الإسلامية"، أوراق شرقية، مج 1
- ثروث عكاشة، " القيم الجمالية في العمارة الإسلامية"، عالم الفكر، 1984
- محمد عبد العزيزة حمزة، "المآذن الإسلامية: لوحات فنية تعانق السماء"، الوعي الإسلامي، العدد 378، 1997
- عفيف بهنسي، "ما بعد الحداثة والتراث في العمارة العربية الإسلامية"، عالم الفكر، المجلد 27، العدد الثاني، 1981،
- عفيف البهنسي،" الجمالية الفنية في مفردات العمارة الإسلامية"، عالم الفكر، المجلد 34، 2006
- الألفي أبو صالح،" الفن الإسلامي أصوله فلسفته ومدارسه"، المعارف المصرية القاهرة، 1974
- صالح أحمد الشامي،" الفن الإسلامي التزام وإبداع"، دار القلم، د مشق
- الريحاوي عبد القادر، "العمارة في الحضارة الإسلامية"؛ مركز النشر العلمي، جدة ، 1990
- ابن أبي الضياف أحمد، "إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان"، نشر وزارة الثقافة، 8 مجلدات، تونس، 1963 ـ 1966.
- ابن الخوجة، محمد،" تاريخ معالم التوحيد في القديم والجديد"، تونس، 1939.
- ابن مامي، محمد باجي، "جامع يوسف داي أوّل المعالم العثمانية بالبلاد التونسية"، مجلة أفريقية، تونس، عدد 1998.
Marc Castéra Jean, Arabesques, art décoratif au Maroc, Acr édition, 1996
Paccard André, Le Maroc et l’artisanat traditionnel islamique dans l’architecture; éditions Atelier 74, T I, 1981
Marcai Georges s, L’art musulman, Paris, 1962
D. Hoag John, Architecture islamique, édition Berger; Levraut, 1982.
Ricard. P, Pour comprendre l’art musulman dans l’Afrique du Nord et en Espagne, Hachette, Paris 1924
Golvin (Lucien), Essai sur l’architecture religieuse musulmane, Paris, 1970
Latham (J. K), « Contribution à l’étude de l’émigration andalouse et se place dans l’histoire de la Tunisie » , dans Etudes sur les Moriscos andalous en Tunis, Madrid-Tunis, 1983
Revault (Jacques), « L’habitation Tunisoise », Pierre, marbre et fer dans la construction et le décor , C.N.R.S, Paris, 1978
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: