استحضار التراث في الفن التشكيلي التونسي و موقع الابداع بين سلطة الهوية و امكانيات التجاوز
فوزي تليلي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 11636
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لقد تأثر الفنان التشكيلي التونسي بطيف واسع من المشاهد البصرية و خاصة امام تراث هائل من الموروث بمختلف تفرعاته المادية و المعنوية، ممارسات تجلت فيها عوالم التراث بمحاولات رائدة صورت الواقع الاجتماعي و طراز المعيشة و رسم الملامح الانسانية و الاشخاص في حركات مختلفة و ضمن مشاهد السوق، المقهي، الحيات اليومية...و التاكيد علي الجوانب الرامزة الي التقاليد و العادات و اشكال الازياء الشعبية في تونس.
لذلك سيتمحور بحثي حول ثنايا "استحضار التراث في الفن التشكيلي التونسي قبل و بعد الاستقلال" متسائلا عن تمثلات هذا الموروث و كيف تجلي؟ و بأي تقنيات و مواضيع وظفت عناصر التراث و مدى حضور الابداع في خضمه؟
كل هذه التساؤلات الاولية دفعتني للبحث في أغوار و متاهات تعامل الفنان التونسي مع تراثه و تمخضه بين المحافظة علي التراث بمختلف جوانبه من خلال استحضاره في الاثر الفني و بين البحث او محاولة التجاوز للخصوصيات التقنية المتعارف عليها بمواكبة التطورات الفنية الغربية، فهل هي علاقة تأثر و تقليد ام هو بحث الفن التشكيلي التونسي عن استقلاليته و طابعه الخاص او ما يسمي"بتونسة الفن" من خلال استحضار معالم الهوية و الاصالة و استحياء التراث؟ كذلك هل التدليل علي الهوية و اثباتها يكفي تحقيقها من خلال اقحام هذه العناصر التراثية؟ اي ان الهوية قد تشكلت حولها صورة ذهنية تمثلت في ارتباط شكلها الصوري بكل ماهو تراثي قديم
ان انخراط الفنان التشكيلي التونسي في التعامل مع تراثه بصفة آلية محولا فضاءه التشكيلي الي مجال خصب لاستدعاء جملة من عناصره فيه استدعاء او استرجاع للغائب الحاضر، هل هو ملجأ ضد الاحساس بالضياع و موقف للتجذر و اثبات الذات؟ ام وسيلة و مجال لاثبات الهوية التونسية و اعادة تملك هوية مشتتة؟ او يمكن القول ان الفضاء الجمالي لهذه الممارسات قد ساهم في صياغة القيم المادية و الروحية للوطن الناشئ بعد الاستقلال باعتماد التراث كتميمة أو خزان تشكيلي في وجه التغريب، لتطرح هنا مسألة تغريب التراث أو النظر إليه بطريقة غربية عنه رغم حركة الاستشراق الفني التي نهلت من عناصر تراثنا
كذلك هل الفنان من خلال استلهامه من التراث يقدم تاريخا لفترة او مرحلة ما؟ ألا يكشف عن الراهن من خلال الماضي أي أنه أداة لمعرفة الراهن عبر الماضي ومعرفة الماضي عبر الحاضر، فيأخذ الماضي على أنه اثراء للحاضر واعداد للمستقبل، لنطرح مسألة أعمق وأشمل وهي مسألة الحداثة والموقف من التراث خاصة ازاء هذا المزيج من المتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية واستمرار طرح مسألة الهوية بين متأصلة بتراثها العريق وبين مشتتة ومفقودة من خلال الوسيط الفني طبعا.
وقد توزع هذا الموقف على ثنائية رئيسية بين زمنين؛ ماض منته من الزمن لكن حاضر في الذات وحاضر محدث، هذه الثنائية القطبية قد تجعل مقولتين رئيسيتين وهي التراث والحداثة في مركز اهتمام الفن التونسي.
كانت العودة جماعية صوب التراث لإستلهام منه ، هذه العودة التي كانت مقترنة أيضا بتحقيق المعاصرة لتكون جل الممارسات الفنية تقريبا منضوية تحت ثنائية الأصالة والمعاصرة، وبالتالي نعلن اشكال سلطة الهوية الذي كان ايديولوجيا اطلقتها هذه النخب لغايات اختلفت باختلاف المرحلتين اي قبل الاستقلال وبعده وهو ما جعل انخراط التشكيل فيها يؤدلج الاشكال ويقدمه في متاهات السياسي الذي انزاح به عن غايته الاساسية وهي التشكيل.
كل هذه التساؤلات والاشكاليات وما تكشف منها وما خفي تبقى قابلة لعدة منعراجات قد ينيرها البحث والتحليل لمساءلة اشكاليات الفن التشكيلي التونسي والتي ستكون محاور بحث وتحليل ونقد لدراسة بعض التجارب التي تنهل من نبع التراث بملامسة فترتين قبل وبعد الاستقلال مرتكزا على تجاربهم بشيء من العمق لعل من اهمهم علي بن سالم و عادل مقديش و غيرهم من الفنانين الذين نهلوا من هذه عناصر التراث و طرح العديد من المواضيع المتاتية من ممارساتهم.
فهل أنّ التدليل على الهوية و إثباتها يكفي تحقيقها من خلال إقحام عناصر تراثية في الممارسة التشكيلية ؟ و كيف يمكن لموقع الابداع الفني للعناصر المستحضرة من التراث ان تطرح مسألة سلطة الهوية بين التأصل و التشتت والموقف من تغريب التراث و النظراليه بطريقة غربية عنه و التمخض بين المحافظة و التجاوز؟
------------
فوزي تليلي
جامعي من تونس باحث
المراجع
- Louati Ali : L’aventure de l’art modern en Tunisie, ed Simpact , Tunis ,1999
- Louati Ali : Les arts plastiques en Tunisie, ed alesco, Tunis 1996.
- Ben Cheikh Naceur : « peindre a Tunis : pratique artistique magrébine et histoire »
- Bouzid Dorra : Ecole de Tunis ,un âge d’or de la peinture Tunisienne , ed Alif, Tunis 1995
- الحبيب بيده:المفردة التشكيلية,منشورات الفن الحي بتونس البلفدير 1988.
- عبد الكبير الخطيبي:الاسم العربي الجريح,ترجمة محمد بنيس الرباط – المغرب منشورات عكاظ 2005.
- رشيدة التريكي :الجماليات وسؤال المعنى ، ترجمة وتقديم ابراهيم العميري الدار المتوسطيّة للنشر ، بيروت ، تونس.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: