تحصين الثورة بقانون لم لا، طالما لا رادع من اخلاق أو دين (*)
د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7115
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
التقينا الدكتور المنجي الكعبي رئيس قائمة الائتلاف الديمقراطي المستقل في دائرة تونس الأولى في انتخابات المجلس التأسيسي، والذي كانت له مداخلات نيابية ومواقف سياسية في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات في مجال الحقوق والحريات ومقومات الأمة، متقدمة جداً ونالت صدى واسعاً لدى الرأي العام، ما شجعه على نشرها في كتابين أحدهما مداخلات عضو بمجلس الأمة سنة 79 والثاني مداخلات عضو باللجنة المركزية سنة 86، وتميز بعد 87 بتشكيكه في مشروعية المخلوع على الحكم، ولم يأل في كل محطة من محطات نظامه عن إبداء رأيه ونقده للاجراءات الرسمية في كثير من القضايا الحقوقية والدستورية، في محاضراته ومقالاته وخاصة في الصباح. والتي لم يسلم من التتبع من أجلها ومنع بعضها من النشر، كمقالاته عن التحوير الذي ادخل على العلم الوطني والاستفتاء لتأبيد نظامه وقبل ذلك مقاله لا أقل من الإعدام بالإفتاء في قضايا الاسلاميين.
ومن أشهر مواقفه إدانته للمعالجات البوليسية للظاهرة الاسلامية في بداياتها، ثم دفاعه عن الطلبة المجندين وقضية تجفيف منابع التدين والتضييق على التعليم الزيتوني، وإدخال الاستثناء في الدستور لغرض تزييف تعددية الترشح للانتخابات الرئاسية، والاستفتاء على التعديل الشامل للدستور في 2002 لغرض تمديد الترشح للرئاسة وقيام غرفة برلمانية ثانية في جمهورية الغد التي كان يمهد لها.
ومن ذلك بعض مشاريع القوانين التي اعترض عليها الدكتور الكعبي. ولم يتردد حين خشي إحالتها على الجلسة العامة للمصادقة عليها في الكشف في مقال بجريدة الصباح عما وراءها من مناورات ومن تجاوز للحقوق والقانون لصبغتها الانتقائية والشخصية، كمشروع قانون قدمته الحكومة للمجلس لتنظيم مناظرة التبريز في الحقوق المطعون في إجراءاتها، والصادر قرار من المحكمة الإدارية بإلغائها، بهدف تثبيت الناجح الوحيد فيها وقتذاك وهو الاستاذ عياض بن عاشور رغم قرار المحكمة.
❊ ما موقفكم دكتور من مشروع القانون المقدم من طرف حركة النهضة وحلفائها بالمجلسي التأسيسي لتحصين الثورة ؟
- مشروع القانون هذا هو أولاً مقترح حسب علمي من طرف أغلبية في المجلس التأسيسي، وحركة النهضة من ضمنه كحليف مقدم في الحكم لتحقيق أهداف الثورة والمشاركة بتميز في كتابة الدستور، ولذلك فهذا التحالف ومن معه من المستقلين من حقه أن يقدم هذا المشروع، وتصدق عليه الأغلبية بالمجلس التأسيسي ويخرج ليكون نافذاً.
وإذا كان ينطبق على من يعنيه الأمر، فهذا على كل حال جاء من جانب تشريعي، وليس من جانب إقصائي اعتباطي مبطن. فقد كان النظام السابق يقصي السياسيين غير الموالين له بأساليبه المختلفة، ومنها الأساليب البوليسية أو القضائية ومختلف أنواع الضغط.
ومن يشملهم هذا العزل السياسي إذا صح التعبير يمكن لهم فقط أخذه من جانب أنها الشروط لممارسة سياسية مأمونة في المراكز الحساسة من مؤسسات الدولة وأجهزتها، ككل نظام يضع شروطاً للمتنافسين أو المبوبين أو المؤهلين لممارسة أي وظيف كان أو مهمة تحت سلطته. وإذا كان لهم من رد فعل، فينبغي أن يضعوا في اعتبارهم أن تطبيق القانون، أو تحمل تطبيق القانون لفترة معينة على الضيم أولى من مخالفة تطبيقه، أو الاعتراض عليه بدون وجه تشريعي أو شرعي.
ومن وجوه الاعتراض الشرعية عليه هو أن يجندوا نفوسهم للنضال لإسقاطه أو تعديله، كما كان غيرهم يناضل من أجل اكتساب حقوقه السياسية أو المدنية للفترة البورقيبية والفترة التي بعدها. مع الفارق وهو أن مجتمع الثورة اليوم يكفل لهم كل نضال من أجل الحقوق.
ومن ناحية عملية، أعتقد أن أغلب من سيشملهم هذا القانون سيكونون قد قدموا كل ما لدى الرجل السياسي تقديمه في المواقع التي كانوا يحتلونها. وإن كان بقي لهم من دور سياسي يقدرون أنهم في القدرة على تقديمه، فليعولوا على نضالهم السياسي عبر الوسائل المتاحة، أو بقية الوسائل المتاحة التي أمامهم لعلهم يجدون دورهم بعد انقضاء هذه المدة التي حددها مشروع القانون لتحصين الثورة.
ولذلك فأنا أعتقد أن هذا القانون سوف لا يشمل الشريحة العمرية التي هي أقل من الأربعين عاماً القريبة، وإذا كان ضمن هذه الشريحة العمرية أحد ممن يشملهم القانون فأمامهم عشر سنوات ليتبوؤوا المناصب السياسية وغيرها بعد سقوط مفعول القانون.
أما من يحاول أن يعترض على التشريع الجديد لحماية الثورة فقد يكون أحد اثنين: قد يكون من القوى المضادة للثورة لأسباب من سوء التصرف أو فساد سبق منه، وهذا سيكون ملاحقاً ليس فقط من طرف هذا القانون الاحترازي ولكن كذلك من طرف العدالة؛ وإما أن يكون خالياً من المؤاخذات القضائية من أجل فساد أو غيره، ولكنه يريد أن يوظف نفسه لخدمة ايديولوجيا معينة. وهذا في الحقيقة بإمكانه أن يجد متسعاً في الأحزاب لممارسة الدفاع عن تصوراته الحزبية.
وللنهضة ولغيرها ممن دفعوا ضريبتهم من النضال كامل الحق بتحصين مواقعهم التي رفعتهم اليها الثورة لتحقيق أهدافها.
❊ هل تقترح اسناداً ما لهذا القانون إذا ظهر وأثار بعض الجدل؟
- اقترح لجنة مساندة ورعاية لمسألة هذا القانون والعزل السياسي عامة. تتألف من كل من استثنتهم أحكامه ممن عاشوا الفترة الحالكة من قمع الحريات في الأحزاب او المنظمات او الجمعيات وجرت ملاحقاتهم في وظائفهم أو حياتهم المهنية أو الشخصية لمواقفهم الرافضة لأساليب القمع والاستبداد والمشاركة في التزييف والانتحال.
والذين ناضلوا بكل ما وسعهم النضال ضد قرارات المخلوع وإجراءاته غير الدستورية والشعبية التي استهدفت إقصاء وتهميش ذوي الكفاءات والأيدي النظيفة من دائرة التأثير الاجتماعي والسياسي والثقافي.
وتعقب كل من يحاول التملص من تورطه السابق مع نظام المخلوع في أي موقع حزبي أو نقابي أو ثقافي أو مؤسسي
وحشد التأييد للمشروع والمساعدة على تفعيله والتحسيس به لدى المعنيين،
وتوسيعه وتعديله، ليشمل الموسمين في دولة المخلوع والمجازين بجوائزه والمنتفعين بالتكرمات والامتيازات ممن ثبتت خدمتهم المريبة لنظامه في مستوى تجاوز الحقوق والحريات.
والتدخل لمنع تطبيق الإجراء الاحترازي لهذا القانون على من ليسوا مشمولين بأحكامه إلا تجنياً أو خطأ او عن سوء تقدير لما سلف من أعمالهم أو مواقفهم للتفصي من مسؤوليتهم عن قراراته أو إجراءاته.
❊ هل كان ضرورة برأيك إصدار هذا القانون الذي لقي انتقاداً واسعاً في بعض الأوساط في هذه الظروف من الاستقطاب بين النهضة وحلفائها من أحزاب وبين المعارضة داخل المجلس وخارجه؟
- هذا القانون كالشروط أو المواصفات أو التأشيرة لبضاعة معينة أو لدخول بلد.
والمواصفات الفنية في التعامل اليوم التجاري والصناعي وغيره موضوع منظمات دولية عتيدة لضمان الجودة والقيمة والاسعار في عالم افتقدت الوسائل التقليدية لتأمين الخدمات والمشتريات.
عند قيام الجمهورية في عام 57، توقع كل بسيط أن ذلك يرادف إمكان كل مواطن تقديم ترشحه لرئاسة الجمهورية دون شروط الأ ما يكاد يكون متوفراً لعامة الناس كالجنسية والعمر.. ولكن ادخلت بعد ذلك التعديلات وراء التعديلات للتضييق على المتطفلين وغير الأكفاء وأصحاب المال السياسي والولاء للخارج والنظام البائد خاصة من النفاذ للسلطة العليا دون تحجير أو شروط..
إذ كان بإمكان أي آبق من سلطة القانون أو العدالة ان يحصن نفسه بمنصب تمثيلي أو تشريعي في مؤسسات الدولة أو على رأسها، ويصبح عزله بمثابة التشخيص القانوني أو الاعتداء على الحصانة..
ونذكر كيف أن المخلوع كان في مخالفات واضحة مع قانون الاحوال الشخصية حين تولى الحكم وحتى قبل ذلك حين تصعد كالبرق في سلم المسؤوليات المدنية...
وهذا راجع الى ما سميته في مقال لي "فن اغتصاب الشرعية في تونس"، أقصد الحقوق السياسية والتمثيلية وغيرها.
❊ ما هي المبررات برأيك لوضع هذا القانون؟
- هناك مبررات أو قل مسوغات مبدئية وعملية ونظرية
فمن ناحية مبدئية، استشعار المصلحة أو الضرورة وارد هنا، وحق النائب في تقديم مشروع قانون هو أمر مضمون عرفاً ودستوراً. وإمكانية التعديل والاعتراض على القوانين وارد كذلك.
من ناحية عملية: وضع الموانع القانونية ضروري في وجه كل متربص بالثورة لإجهاضها لحسابه، ولمنع تأثيره على مجرياتها ومسارها الانتقالي عند كل محاسبة ومساءلة لأمثاله من المندسين عبر المواقع الحساسة وأجهزتها ومؤسساتها، وذلك الى حين قيام نظام شامل إداري وقانوني وهيكلي يحميها.
من ناحية نظرية أو جدلية: التوقي والحذر واجب. وكل القوانين تستهدفه، لكن ليس ما يمنع من إطلاق حرية التباحث والحوار في معطيات كل الأطراف، إذ من خلال ذلك تترسخ الحقيقة لدى من قد لا يدرك مرامي القوانين من أول صدور لها أو قبل عرضها على المشرع.
❊ هل بالمقارنة يتضح الحال
- نتذكر قانون العزل في مصر الذي استصدره برلمان الثورة قبل حله. وطعنت في هذا العزل الدوائر القضائية، بإيعاز المجلس العسكري أو تأثيره، والذي أنتج الالتفاف عليه من طرف لجنة الانتخابات لإسقاطه لصالح المرشح الفريق أحمد شفيق، ثم كيف تولت المحكمة الادارية ثم المحكمة الدستورية المهمة لإبطاله بحجة الحقوق والحريات، في حين سقط حق المرشح الاول للإخوان في الرئاسية، واضطرت الجماعة الاسلامية وبالذات حزب التنمية والعدالة ترشيح بديل له هو رئيسه الدكتور محمد مرسي تحسبا لإسقاط ترشيح المهندس خيرت الشاطر الذي لم يشفع المجلس العسكري قراره بالعفو عليه بقرار آخر لاستعادة حقوقه السياسية.
ورأينا كيف بادر مجلس الشعب غير الموالي للعسكر وتحسباً للقضاء، وخاصة المحكمة الدستورية التي كانت مسيسة ضمناً بسياسة النظام السابق، كيف بادر مجلس الشعب الى استباق كل محاولة من المجلس العسكري أو غيره لتزييف النتائج الرئاسية فعمد الى تحصينها بالتتقنين لوجوب نشر محاضر اللجان الفرعية اللانتخابات، لتكون حجة على النتائج العامة والرسمية للانتخابات، وإعلان تلك المحاضر وجوباً للعموم في جميع الدوائر قبل انتظار النتائج العامة النهائية عن لجنة الانتخابات، والتي لم يكن مجلس الشعب ليطمئن الى احتمال العبث بقراراتها أو حيادية المجلس العسكريً في نتائج أعمالها دون ذلك الإجراء القانوني الذي اتخذه على عجل وصدق عليه.
والناس عند شروطهم كما يقول المثل، والكتابة العدلية واجبة والإشهاد كذلك لحفظ الحقوق.
فليس بدعاً تحصين الثورة بما يلزم من قوانين ومنها هذا القانون الذي لا شك ستعمده الهيئة المستقلة للانتخابات ويجد موضعه في القوانين المرجعية التي سيقوم عليها النظام الانتخابي الذي سيصدر لاحقاً عن المجلس التأسيسي.
وكلنا نعلم ما جاء في الأثر من قولهم: يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.