د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6623
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
شرعية 23 أكتوبر ليست شرعية المجلس التأسيسي. فشرعية المجلس التأسيسي ينبغي أن تبقى قائمة، ولا تنتهي إلا من ذات المجلس، بما يعني أن موعد 23 أكتوبر القادم ليس موعد استحقاق انتخابي حتى تكون شرعية المجلس التأسيسي إذا امتدت بعده قد تسببت في الإخلال بموعد انتخابي، لأن المواعيد الانتخابية لا يمكن أن تقوم إلا بعد انتهاء شرعية المجلس التأسيسي وشرعية المجلس تنتهي من ذاته، ولا تنتهي بفعل فاعل خارجي، إذ هو الجهة الوحيدة المنتخبة بطريقة ديمقراطية حرة ونزيهة وشفافة لأول مرة بعد الثورة.
وعليه فإن المعارضة سواء داخل المجلس أو خارجه ينبغي عليها أن تحترم الشرعية لذات الشرعية، بقطع النظر عمن أهلته تلك الشرعية لممارسة السلطة من أحزاب أو ائتلاف من داخل المجلس أو من خارجه.
فلا يمكن أن نتجاهل أن تكون للمعارضة مبررات لضرب الشرعية في المجلس التأسيسي لأسباب من الصراع على التداول على السلطة، أو أن لها محاولات لفرض ضغوط من أجل التعجيل بإجراء انتخابات مفروضة خارج إرادة المجلس أو لزعزعة شرعية المجلس، كما ليس للمعارضة أن تتخذ تعلة انقضاء مدة ضمنية أو توافقية لعمل المجلس مبرراً لإسقاط حكومته أو تعطيل عمل حكومته بوسائل غير مشروعة، أو من أجل الضغط عليها للتخلي عن مهمتها والإقرار بعجزها لصالح قيام حكومة بديلة غير قائمة على شرعية من المجلس التأسيسي وحده.
فللمعارضة الحق في تنظيم نفسها وفي بلورة مواقفها ورؤاها وفي ضبط خططها وبرامجها من أجل الاستعداد للانتخابات القادمة، ولكن في حدود احترام حق المجلس التأسيسي في التشريع لتلك الانتخابات وللدستور، وفي الوقت نفسه في ظل مناخ سياسي يستجيب أو يتجاوب مع الشرعية التي لديه ومع التوافق الذي تريده الأطراف السياسية الممثلة داخله.
فبإمكان المعارضة أن تستعد للسلطة أو تتداعى الى السلطة من خلال القوانين الانتخابية وغيرها التي تؤهل للتداول على السلطة بشكل طبيعي، ولكن ليس بضرب شرعية المجلس التأسيسي أو إفتعال أزمات لإدخال البلاد في وضعية فرض أطراف خارجية حكومة أخرى لإدارة البلاد في الفترة الانتقالية المواكبة لمهام المجلس التأسيسي الى حين صدور الدستور وإجراء الانتخابات المقبلة.
والمعارضة المتمثلة في أحزاب أو نخب سياسية أو زعامات لمنظمات مجتمعية، هذه المعارضة لا تبحث في المحصلة من خلال مختلف مظاهر نشاطها على ما سوى الوصول الى السلطة، أو بعبارة أخرى التداول على السلطة، ولذلك فإنها تهدف من وراء نشاطها وحركتها المحمومة، كما نراها في بعض الأحيان، إلى أمرين، الأمر الأول ضرب شرعية الحكومة المنبثقة عن المجلس التأسيسي، والثاني تهميش دور المجلس التأسيسي من خلال انتقاد أدائه وتعجيزه بدعوى فشله أولاً في الإسراع بإصدار دستور، وثانياً بإصدار القوانين المنظمة للانتخابات وللاعلام وللأحزاب ما إلى ذلك.
ومن هنا دعوتها - أي المعارضة - من جانب آخر الى إجراء حوار موسع يشمل الأحزاب في المجلس وخارجه، ومفتوح على كافة مكونات المجتمع المدني السياسية والاجتماعية وغيرها لإيجاد شرعية توافقية بديلة عن الشرعية التأسيسية والحكومية الموجودة. فالمعارضة وإن كانت تلوّح بأنها لا رغبة لها من وراء الحوار في المشاركة في حكومة ما تسميه إنقاذ وطني أو حكومة مصلحة وطنية أو حكومة مصالحة، هي لا تنادي بهذا، لأنها بطبيعة الحال تعرف أن حكومة الترويكا سوف لا تتوسع لتشمل ما تريد من عناصر متطلعة الى السلطة، وتعرف أن حكومة الترويكا بما هي عليه من تماسك لا تسمح لنفسها بالتخلي للأحزاب على الوزارات السيادية. وهي أي هذه المعارضة تعرف كذلك أنها بتأكيدها على عدم شرعية المجلس التأسيسي بعد 23 أكتوبر أو عدم الإقرار بشرعيته بعد هذا التاريخ، قد لا يلاقي إلا تخوف الشعب من الفراغ، وربما يعتبر توجهها إلى هذا هو توجه غير حكيم ويقلل من شعبيتها. ولذلك تستبعد هذين الأمرين، وهما الرغبة في المشاركة في تعديل حكومي لصالحها، ولا ترغب في الطعن في شرعية مجلس بعد هذا التاريخ. ولكن بالمقابل مصممة على استدراج الأطراف الحاكمة، بما تمثله الترويكا في المجلس وفي الحكومة، الى طاولة حوار متبادل، لإيقاعها في فخ الإقرار بذاتها بافتقادها للشرعية بعد 23 أكتوبر، أو على الأقل الإقرار بأنها أصبحت في وضع الذي يخشى على بقائه، ويلجأ الى التنازل من أجل التخفيف مما يواجهه من ضغط. فتكون المعارضة قد حققت بدعوة الحوار أو باستدراج الحكومة للدخول معها فيه الى فقد شرعيتها الانتخابية والتأسيسية، وفي ذلك ضرب عصفورين بحجر. ويزيد بذلك في تشتيت تركيز الحكومة على تنفيذ برامجها، وإبرازها لدى الرأي العام بصورة المقصرة عن القيام بدورها، والظهور بمظهر القابل بأي تنازل أمام ضغط المعارضة.
وللحكومة وكذلك المجلس التأسيسي أن يقف الى جانب شرعيته للتأكيد عليها أمام الرأي العام والدفاع عن هذه الشرعية، لتبقى تلك الشرعية محترمة من قبل الجميع، ولا ينالها طعن من أي كان، إذ أنها لها احترام الشرعية الواجب.
ولا يمكن أمر تقديم الشرعية في طبق للحوار بشأنه مع المعارضة، لكي يبقى الرأي العام مدركاً بأن الفيصل بين السلطة والمعارضة ليس نتائج - أية نتائج كانت - تنبثق عن حوار من الحوارات وإنما عن انتخابات تفضي الى شرعية جديدة تنسخ ما قبلها.
ويمكن القول دون تعميم أن أكثر الأزمات التي واجهت وتواجه الحكومة منذ تشكيلها بعد قيام المجلس التأسيسي بعد 23 أكتوبر الماضي أن المعارضة لا تقف وراءها بشكل أو بآخر فقط، بل تدعمها وربما توجهها لخدمة أهدافها المتمثلة أساساً في التداول على السلطة، باعتبارها شريكاً في النضال في العهد السابق، وشريكاً بالقوة في تحمل أعباء تحقيق أهداف الثورة، وذلك عن طريق التواجد في السلطة بمختلف مظاهرها التنفيذية والتشريعية والقضائية.
ولو افترضنا جدلاً أن الثورة احتضنت جميع الأحزاب والنخب السياسية والزعامات المختلفة، وهذه كلها وصلت الى توافق ما لبناء سلطة ما بعد الثورة، أي لبناء النظام الجديد، دون أن تجد الحكومة والمجلس التشريعي إزاءهما إلا معارضة مكونة فقط مما يسمى بأحزاب أو بقوى الثورة المضادة لكانت المواجهات بين الحكومة وبين الثورة المضادة ربما تكون مواجهات أقل حدة منها الآن، بين حكومة ذات تشكيل من تحالف ثلاثي وبين معارضة تكاد تكون غير متميزة الألوان، لما يندرج فيها من أحزاب قليلة الشعبية في عين الثورة؛ حيث لم تحصل على مقاعد في المجلس النيابي ولكنها أصبحت متحالفة أو معظمها أصبح في تحالف ضمني أو صريح مع بقايا النظام السابق أو ما يطلق عليه بقوى الثورة المضادة.
وبما أن الأمر لم يكن كذلك، إذ أن التشكيل السياسي بعد الثورة قد أخذ منحى آخر بتأثير تداول الحكومات الوقتية السابقة عليه الى تاريخ انتخابات 23 اكتوبر بحيث اقتضى أن يفرز "سيناريو" قيام مجلس تأسيسي يفتقد الأغلبية المطلقة لأكبر الأحزاب في الحياة السياسية للمجتمع، ولّد بالضرورة تحالفاً في المجلس النيابي متكون من ثلاثة أحزاب كبرى، وترتب عن ذلك إتاحة الفرصة إلى إيجاد مجال لصراع بين تلك الأحزاب المتحالفة الثلاث في السلطة وبين أحزاب المعارضة والزعامات المعارضة لايجاد المجال لنفسها أيضاً في التحالف مع من يطلق عليهم بقوى الردة من تجمعيين ومن انضم إليهم من ليبيراليين ولائكيين وعلمانيين ويساريين بصورة عامة، لخلق اختلال خارج المجلس النيابي يعكس الخريطة التمثيلية داخل المجلس والحكومة، ويدفع نحو الصراع بين الطرفين، حكومة الترويكا والمجلس التأسيسي وقوى المعارضة مع ما يسندها من قوى الردة ربما، أو مع ما تستظهر به بعض الأطراف فيها من قوى الردة، من خلال استغلال ثقلها على الأقل واستغلال التطرف، أو حتى إيجاد تيارات متطرفة لتزكية هذا الضغط من جانبها على الجهة المقابلة.