د. عبد الآله المالكي
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4881 Malki1001@hotmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن الأمر الذي لم تستطع العقلية الاستعمارية الخائفة والمرعوبة ان تفهمه من جراء تحقيق الاكتفاء الذاتي للدول النامية؛ هو أن هذا الاكتفاء لا يعنى الاستغناء المطلق عن الدول الاستعمارية ؛ لان هذا الاكتفاء لا يمكن له ان يتم إلا بآليات مشتركة بين الطرفين عبر شراكة تتلاقى فيها مصالح الأطراف.
فائدة الاكتفاء الذاتي للغرب الاستعماري:
ان الاكتفاء الذاتي المنشود للدول النامية سينتج عنه متطلبات جديدة وشراكة مع الغرب، وهذه المتطلبات وتلك الشراكة ستعوض النقص الذي سيحدث فى فارق الانتاج والدخل المتآتى للغرب نتيجة الهيمنة على الدول الضعيفة ، حيث اثبتت الدراسات بانه اهم بكثير من فارق الانتاج خاصة اذا احدثت هذه الدول الغنية توازنا بين النظام الخدمى والنظام الانتاجى وخرجت بهذا الاخير من طوره التقليدي وربطته بنتائج البحث العلمى حيث سيتعدى المردود الربحى له 30% كما هو ثابت على ارض الواقع والذى يمثل اعلى مردود على الاطلاق ؛ وتوجهت بالانتاج نحو كل ما هو مهيأ لان يكون بديلا مثل الدواء والغذاء والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والحصيلة العلمية الجديدة، وطبقت برنامج ترشيد الانفاق الحكومى كذلك السعي لارساء توازن بين السياسة الاقتصادية والسياسة الاجتماعية، وترشيد الاستهلاك لدى المواطن، وتطوير نظام التنمية الانسانية الفاعل فى الانتاج، واصلاح النظام المالى بالرجوع بالفائدة الى الصفر لتقوية جانب الشراكة كما نبه اليه رشداء خبراء الاقتصاد العالمى، وتفعيل نظم العدالة الاجتماعية لجميع الفئات المختلفة مع مراعات الاولويات ، زيادة على تفعيل عملية المبادلة سلعة بسلعة والتخلى عن الانفاق على الاسلحة الفتاكة والتخلص منها طوعا قبل ان يصبح ذلك قهراً حيث يُنفَقُ عليها 3 مليار دولار كل يوم، ودفع الاموال المكدسة فى المضاربات الى التنمية الحقيقية، وتفعيل آليات البحث العلمى فى الانتاج لتفادى الخسائر الفادحة التى تدفعها الحكومات الغربية كتعويضات لدعم انتاج المواد الاساسية نتيجة ارتفاع تكلفة انتاجها، ومراجعة السياسة الانتاجية الخاطئة التى تسببت فى القاء ما يكفى لاطعام 8.5 مليار نسمة من الغذاء سنويا فى البحر ، فى الوقت الذى يموت فيه 35 مليون نسمة فى السنة من نقص الغذاء فى العالم، وهى من اكبر وافدح الجرائم الاخلاقية وخاصة اذا نظرنا الى هذه التكلفة العالية لهذا الانتاج المهدور. اليست هناك طرق اخرى واساليب متطورة للحفاظ على توازن الاسعار الاحتكارية وابقاء المزارعين فى ارضهم؟ ان هذه التكلفة المهدرة وحدها اذا استثمرت فى مشاريع مشتركة بين الدول الغنية والدول الفقيرة لانهت مشكلة الفقر فى العالم!! ولربح المستثمرون أضعاف أضعاف ارباحهم التقليدية، ولكن السياسة الاقتصادية الخاطئة والمتخلفة هى التى اربكت اّلية التخطيط الحكيم واعمت بصيرة الحكومات؛ مما زاد من تمسكهم بالفكر الاستعمارى للمحافظة على ما يتوهمون انه توازن يمكنهم من الوقوف ولو على حافة الهاوية ولو على حساب كافة البشرية المهم انهم يحافظون على الوقوف ولتذهب الانسانية الى الجحيم.
تصحيح الأوضاع:
ان هذا الوضع المتردى فى التفكير والتخطيط والتنفيذ يحتاج الى تصحيح عاجل وسريع، حيث ينبغي تطوير نظم التعليم والاعلام الغربي وتغييرالسياسة الاقتصادية الفاشلة المطبوعة بالفكر الاستعمارى التسلطى المبنى على المصلحة الذاتية تحت شعار احيا عزيزاً على حساب موت الاخرين اذلاء.
ان هؤلاء الاخرين مشلكم وقد انتهجتم ضدهم سياسة خاطئة لاضعافهم وافقارهم للاستيلاء على خيراتهم وممتلكاتهم لأنكم لا تقدرون على ذلك وهم فى موطن العزة. ان رجوع دول القهر الى سياسة رشيدة فى ظل شراكة حقيقية ومصالحة تاريخية يُرجعون فيها حقوق الضعفاء لهى صفقة مربحة لهم ماديا وادبيا واخلاقيا ومخففة للنتائج المفزعة التى تنتظرهم من انهيار محتوم تهيأت له كل الاسباب نتيجة ارتداد سحرهم عليهم. ان اختيار الغرب للمصالحة التاريخية ورد الحقوق سوف يُحقق له مردوداً اكثر اهمية مما يحققه الآن بالنهب والسلب والتسلط وإلحاق الأضرار الفادحة بضحاياه المقهورين بوحشية تعجز الكلمات عن وصف فظاعتها بما نراه الآن فى ساحة الضعفاء.
ولا ننكر ان لبعض المتسلطين قدر ضئيل من الاخلاقيات المتمثلة في معاملة ضحاياهم بشيء من اللطف للتخفيف من ضررهم بعد ان سلبوهم ونهبوهم أو حتى استفادوا منهم ولكن ان تستمر عمليات النهب والسرقة والامعان في الضرر والتخطيط لان يتواصل ذلك لابد الابدين غير مبالين بما ينتج عن ذلك من قتل وهلاك وافساد لهؤلاء الضحايا فهذه هي ذروة الشر والفساد والافساد. والحقيقة اني اقف حائرا امام مصادر التلقى التى كونت هذه العقليات الشاذه التى تدير هذا التوجه الشرير فى العالم! فأين المنطق واين العقل واين الضمير وأين القيم واين الانسانية ألا يوجد رجال ذوو قيم وأخلاق فى العالم الغربي؟ اني اهيب بجميع من تبقت لهم بعض القيم والاخلاق من العالم الغربي ان يتحركوا وينفضوا عنه غبار النوم والقعود, ويحركوا الهمم والأقلام والإعلام لكي تنهض الشعوب الغربية من غيبوبة ادخلت فيها بفعل التخطيطات المعلوماتية المضلة والمضلله فتساعد على تنظيف مراكز النفوذ من اصحاب العقليات الفاسدة التى اضرت بالبشرية جمعاء فلا يمر فى الانتخابات الى هذه المراكز إلا من كانت لهم برامج اصلاحية حقيقية ذات بعد انسانى تحد من هذا الشر المستطير على البشرية جمعاء وتترك هذه الشعوب تحكم نفسها عن طريق الاخيار ذوي الاخلاق الانسانية لا عن طريق موظفى المنظومة الاستعمارية المخترقين المتخلفين الظالمين أعداء الانسانية. فلابد من هبوب رياح الوعى عن طريق حملة اعلامية ثقافية تعليمية تقودها منظمات المجتمع المدنى من المفكرين والمثقفين وكل افراد الشعب الواعين والقادرين على التحرك من مواقعهم، وسوف تساعد تكنولوجيا المعلومات مساعدة فعالة على نشر هذا الوعى الذى هو السبيل الوحيد لانقاذ البشرية بصفة عامة واوروبا بصفة خاصة.
ان المطلوب الاول لتطوير سياسة التسيير هو المطالبة باصرار لا تراجع فيه بتغيير آليات الترشيح والترشح لمراكز النفوذ وتنصيب آلية التزكية التى تكون خيوطها ممسوكة بيد الشعوب التى تمثلها الطاقات الخيرة التى تعمل لفائدة الانسانية ولا نظن أن الامور سوف تتغير بعصا سحرية بين عشية وضحاها وانما هى اللبنات الاولى فى طريق الاصلاح وسوف تؤتى ثمارها سريعا بشكل تدريجى فى وقت يمكن أن نعتبره قياسيا لأن العالم الغربى الآن يسير فى طريق شديد الانحدار الى الانهيار وهذه الاصلاحات سوف تخفف من خسائر هذا الانهيار والذى نجدد القول فيه بأنه محتوم بإذن الله العلي القدير، ولا ادرى هل هؤلاء المُنصَبوُن فى مواطن القرار والمراكز المفاتيح فى الدول الغربية والذي تم اعدادهم لهذه المناصب واختراقهم ذاتيا بالمعلومة ضمن المخطط العام للدولة الخفية التى تنفذه على العالم؛ بامكانهم احداث تغيير ايجابي لصالح الانسانية على الارض، وتخليصها من المؤامرة المدمرة لكياناتها والتى هم اداة من ادواتها التنفيذية من حيث يشعرون او لا يشعرون؟ هذا ما اشك فيه لان الامر يستدعى وعيا كبيرا وجرأة ومراجعة ذاتية وتكاتف مجهودات جماعية وخطوط رجعة مخطط لها، ومُؤَمَنَةً بذكاء ومغطاة بحملة إعلامية لكشف المستور، وبعث الحياة فى منظمات المجتمع المدنى لتنهض وتعين وتحمى رواد التراجع الى الطريق الصحيح الذى ربما يحمي اوروبا من الانهيار الهائل الذى سيحصل لها؛ او يخفف من اضراره الى حد ما ، وستساند الشعوب وتبارك هذا التحول الذى سيفقد الدولة الخفية مركز ثقلها وخاصة بعد انهيار الولايات المتحدة القريب جداً بإذن الله تعالى.
المجتمع الحضاري المنشود:
ان الرشداء العقلاء لا يرون مستقبل البشرية مرتبطاً بانهيار الكيانات الظالمة او صعودها، فالكل الى زوال مادام فى دائرة الظلم؛ وانما يرونه فى ظل المجتمع الحضارى الانسانى الذى امر الحق جل وعلا المسلمين ببنائه لتنضوي تحته البشرية جمعاء، حيث لا ظلم ولا جور ولا تعدٍ وانما محبة ومودة واقساط وتعاون وعدل وحرية حقيقية وسعادة فى الدنيا والاخرة ناتجة عن رضا الخالق البارى الرحمن الرحيم مالك الملك وقاهر الجبارين. ان المطلوب الاهم من المسلمين الان ان يعيدوا صياغة اطروحاتهم الفكرية، وتطوير آليات بناء المجتمع الحضاري الانسانى، وان يبرزوا للعالم كمنقذين للبشرية عبر برامج عملية تغير من نظرة المجتمع الدولى لهم، وتقربهم من قلوب بنى البشر على اختلاف اطيافهم ومشاربهم الفكرية؛ ليقتدوا بهم كامثلة عملية فى السلوك الحضاري وارادة الخير والنفع للانسانية، وذلك عن طريق برامج ومخططات يضعونها على ارض الواقع، وهذا هو الوضع الطبيعي للأمة التى اخرجت للناس كافة ولكنها حادت عن الخط السوي الذى هو سبب وجودها.