البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الشراكة الغربية والنهوض التنموي

كاتب المقال د. عبد الاله المالكي    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7785 Malki1001@hotmail.com


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


في نطاق التأسيس الاستراتيجي لمرحلة ما بعد الثورة ونشر ثقافة الإنعتاق وإجلاء الضباب عن العيون الكليلة وإفراغ العقول والأذهان مما علق بها من أدران مخططات التدمير المجتمعي عن طريق الاختراق الذاتي بالمعلومة الموجهة إلى اللاأخلاقية والإلحاد والتمرد على القيم الإنسانية وهو المشروع اللائكى الذى يقوده الغرب الاستعماري فى بلادنا عن طريق مجنديه الذين أوقعهم فى شِراكَهُ الأيديولوجي عن طريق برامج التعليم والثقافة والإعلام التى هيمن على توجهاتها عبر سيطرته على مراكز النفوذ والقرار ، وعملية الإفراغ هذه يقابلها عملية الملء لهذه الاذهان والعقول بالبدائل الحضارية الاخلاقية لتأهيلها لعملية بناء المجتمع الحضاري الانسانى المرتكز على التآخي والتحابب والتراحم والتعاون والتطوير التنموي فى كل مجالات الحياة المجتمعية للمواطنين على اختلاف مشاربهم ، كذلك إعانة المنظومة الاستعمارية على فك ربقة الشعوب وفتح الباب أمامها لتقرير مصيرها بنفسها وعقد شراكة تنموية حقيقية وجادة يعود نفعها على كلا الطرفين والتخلص من الحقبة الاستعمارية وخلفياتها الدينية المليئة بالاوهام والسياسة التى وصلت إلى طريق مسدود وكانت وراء كل المأسى التى تعانى منها البشرية.

طرق العلاج


وبعيدا عن العلاقات السياسية والدبلوماسية ، وقريبا من الواقع المعاش ، وبحثا عن مخرج معقول لازمة الاستعمار التي تورطت فيها الدول الغربية مدفوعة بأجندات دينية "يهومسيحية" ، نشأت عنها تراكمات وملابسات معقدة تُعيق أي توجه إصلاحي للمنظومة الاستعمارية ؛ أوجه رسالتي هذه لأصحاب النفوذ الغربي الذين تهافتوا على تونس ومصر لحماية مواقعهم التي هيمنوا من خلالها على البلاد والعباد عبر جنودهم المخترقين لمساعدتهم في الالتفاف على الثورة وإبطال مفعولها الانعتاقى محاولين الإغراء بالدسم المادي المخلوط بالسم الاستعماري وشروطه المذلة وخطوطه الحمراء!! وذلك لإغراق الشعوب فى مستنقع الديون وإحكام مخططات الهيمنة على مقومات حياتها.
وانا اوجه التحية في هذا المقام للمسئولين في مصر الذين رفضوا العروض المغرية للقروض الأوروبية وخاصة عروض البنك الدولي على عكس خدام الغرب من المسئولين في تونس الذين ارتموا في أحضانه يقبلون يديه الملوثتين بدماء الجياع والمقهورين في العالم ، وكأنهم يجهلون أن هنالك أكثر من 50 بديلا ومصدراً لاستجلاب الأموال بطرق أيسر وبعيدة عن المال الاستعمارى وهيمنته على سيادة الشعوب ، وكذلك هناك آليات وطنية من شأنها ان تسد عجز الموازنة العامة بدون الالتجاء الى الاقتراض الخارجي والتى منها:
إصدار سندات حكومية طويلة الاجل ذات طابع قومى من 10 الى 20 سنة.
تنشيط سوق التداول لهذه السندات التى ستلقى اقبالا كبيرا من الشركات والمستثمرين الأفراد الذين لديهم ودائع بالبنوك ، وهذه السندات يتعدى مفعولها الايجابى سد عجز الموازنة الى تفعيل الاستثمار الداخلى فى كل القطاعات الاقتصادية للدولة ، وقد ادت هذه الطريقة الى انقاذ كثير من الدول التى اشرفت على الانهيار.
كذلك هناك اكثر من 40 طريقة لتحقيق النمو الاقتصادي وطنيا ودون الالتجاء الى الخارج والبنك الدولي الموجه للاقتصاد التونسي بصفة قهرية يحول دون استعمال جزء كبير من هذه الطرق التي تخفض من سقف الحاجة الى التداين ، وهذا لا يعنى اقفال الباب عن التداين الخارجي الذى يساعد على توفير السيولة ، ولكن يجب ان يكون خاضعا للشروط الاربعة عشر التى اعدها اهل الاختصاص ، واذا وُجد طريق الى تعويض التداين بالشراكة الاستثمارية فهذا هو المطلوب والذى يجب على الحكومات ان توفر لها الياتها الفنية والقانونية لانها هى المخرج الوحيد لدفع الأموال نحو التنمية وتحريك الركود الاقتصادي للشرق العربي والغرب وشركائهما من الدول الفقيرة.
زيادة على ان المصرفية الإسلامية فتحت آفاقاً جديدة جد هامة قد تساهم فى حل جل المشاكل الاقتصادية والتي منها الصكوك الاستثمارية والتي يمكن لها كذلك ـ زيادة على المساهمة الفعالة في النهوض الاقتصادي لبلداننا ـ تحريك الركود الاقتصادي للأموال الغربية التي تقبل على الاستثمار في هذه الصكوك وهى من أهم الفرص التي تتاح للرأسمالية الغربية المتعثرة ، ولدينا برامج جاهزة وقع إعدادها في هذا الاتجاه التنموي الذي يحقق مأرب المصرفية الإسلامية والغربية والدول النامية في آن واحد وهو أفضل طريق في التعاون من اجل جبر أضرار الإنسانية الفادحة.

إن التركيز الكبير من الغرب على إحكام قبضته على تونس مهد الثورة ليس لرمد عيونها العربية وإنما لأنها كانت تمثل حقل تجارب لما يمكن للغرب أن يمرره من مخططات التدمير المجتمعي إلى الدول الإسلامية ، وكذلك خوفا من أن تصبح الثورة التونسية نموذجا لانعتاق الدول المقهورة ؛ مما يجعل المصالح الغربية مهددة بفقدان سيطرتها على مناطق النفوذ الاستعماري التي تغذى شرايين كيانها بدماء الحياة وهو الخطأ المنهجى والاستراتيجي التى وقعت فيه العقلية الغربية.
فلو عكسنا الامر وجعل الغرب من تونس حقل تجارب للشراكة التنموية الحقيقية التى يمكن تفعليها مع الدول الفقيرة الواقعة تحت هيمنة الاستعمار الغربي ؛ لرأى مدى فاعلية هذه الشراكة فى النهوض الملفت والهام لاقتصاد طرفي الشراكة البعيدة عن كل أساليب الهيمنة والاستبداد الاستعماري.

وكذلك التركيز الغربي الكبير على مصر التي هي قلب الأمة العربية والإسلامية وقلب الحضارة العالمية وفي اوهامهم أنها تمثل الركيزة الأساسية في قيام دولة إسرائيل الكبرى اليهومسيحية وقد تم الاستيلاء عليها بالكامل وأصبح رئيسها يلقب بكنز إسرائيل ولكن الرياح جرت بما لا تشتهيه السفن وأطاح الشعب بالكنز لتفتيت الأوهام التوسعية اليهومسيحية.

نداء لأصحاب القرار الغربي في حكومة الظل النافذة


وأقول بكل واقعية غير منحازة إنكم ما زلتم على ما أنتم عليه في سياستكم الاستعمارية رغم درايتكم بالوعي الذى بدأ يدب في أذهان الأجيال الصاعدة في مستعمراتكم نتيجة ارتفاع نسبة التعليم لديهم، وتحول العالم إلى قرية صغيرة، وبدأت الشعوب تستفيق على الحقائق المرة التي كنتم تخفونها بنشر الجهل والتعتيم المعلوماتى ، أن الأوضاع أضحت تتبدل لصالح الضعفاء ولن تستطيعوا إعادة خلط الأوراق لصالحكم لأن ساحة اللعب أصبحت مكشوفة وبدأ هدير الوعي بِدك أسوار السجون الموسعة التي سجنتم الشعوب فيها.

راجعوا سياساتكم واستراتيجياتكم ومناهجكم ، واعقدوا مع هذه الشعوب صلحاً تاريخياً تعترفون لها فيه بأخطائكم الفادحة معتذرين عن كل ما حصل لها بسببكم من مآسٍ مفزعة قد دون التاريخ تفاصيلها المرعبة ، واعقدوا معها شراكة حقيقية لا شراكة الديون والإعانات والحوافز الوهمية التى تعطى بالشمال وترد اليد اليمنى اضعافها ، بل يجب ان تكون شراكة فاعلة في المجال الاستثماري التنموي تكونون طرفا فيه مسخرين تكنولوجياتكم المتطورة ونتائج أبحاثكم العلمية لتحقيق نتائج أفضل قد تصل الى اكثر من 30% - كما أكدته الدراسات العلمية - يعود نفعها عليكم وعلى شركائكم الامر الذي سيساعدكم على تحريك الركود القاتل لاقتصادكم. ان هذه الدول الشريكة هي أكبر مصب لإنتاجكم المفروض عليها في منظومة السوق الحرة التي دمرت آليات العدالة الاجتماعية ولن تتغير الروابط التجارية كثيراً اذا حققت اكتفاءها الذاتي الذي هو بدوره يتطلب احتياجات لإرساء هذا الاكتفاء الذي يخيفكم وهو في حقيقة الأمر لصالحكم ، ولو فقهتم آليات تركيبه لسخرتم كل إمكانيات التعاون لتحقيقه. إن لديكم الان فائض مكدس من الترليونات قد ضاق عليه مجال التوظيف وعصفت بها رياح الأزمات وأصبحتم شغوفين بتوظيفه بما يقارب الصفر وتدفعون به الى الأسهم والمضاربات المالية ضاربين عرض الحائط بالمجال التنموي الذي لو دفعتم اليه 6% فقط بدلا عن 3.5% الذي هو حظ التنمية في أموالكم؛ لا يتبقى على وجه الأرض فقير فانتم الان تمنعون حوالي 96% من هذا المال عن التنمية فى البلدان الفقيرة والتي جنيتم من ورائها اموالا وثروات خيالية هي في الحقيقة ملك لهذه الشعوب المعدومة والفقيرة والتفاصيل الفنية التى تحركون بها اليات المنظومة المالية معروفة لدى اهل الاختصاص ولا تقدرون على اخفائها وخاصة عندما انقلب السحر على الساحر الرأسمالي ، وبالتالي تتخلصون من شراكة الخلفيات الاستعمارية المرتكزة على تثقيل الكاهل بالديون المرتبطة بالشروط الايديولوجية الاستعمارية التي تساهم في الفساد المجتمعي وانتشار الفقر والمرض والذل والهوان والانهزام الذاتي لاطالة مدة الهيمنة ، وقد اثبتت التقارير الدراسية أن الاستثمار المباشر عن طريق الشراكة الفعلية لقرابة العشرة في المائة مما هو مكدس من أموال في اوروبا يحل كل مشاكل الدول المقهورة ويقضي على البطالة في56 دولة، ويعطي للغرب أكثر من5 أضعاف من الأرباح الذي هو بصدد تحقيقها عن طريق منهاجه الاستعماري التسلطي الامر الذي سيمكنكم وبدون المساس بمصلحتكم من إصلاح ما أفسدتموه ورد ما نهبتموه مباشرة او بالشراكة مع الحكام وذويهم حيث وصل حجم الاموال المسروقة في الدول العربية فقط الى نصف ثروة العالم حسبما اثبتته الدوائر الدراسية التابعة لمنظمة الامم المتحدة وقد اعنتموهم على ارتكاب هذه الجرائم الفظيعة وخبأتم المسروق في خزائنكم للانتفاع به وفوتم فرصة استعماله التنموي على الشعوب الفقيرة صاحبة الحق في هذا المال الذي ارجعتم جزءا منه اليها في شكل قروض مشروطة بتنفيذ مخططات الفساد المجتمعي في التعليم والثقافة والإعلام وغيرها وبفوائد مجحفة ومعيقة لتطورها التنموي.

ان هذه الشعوب بدأت تستفيق من غيبوبتها وتسعى لاسترجاع سيطرتها على مواقع سيادتها التي استوليتم عليها بالكامل وهي المواقع التي سوف تعطيها من القوة لمحاسبتكم امام القضاء الدولي الذي سيفلت هو الاخر من قبضتكم نتيجة التطور الحاصل في موازين القوى وذلك للتعويض عن الأضرار الجسيمة للاستعمار المباشر وغير المباشر ولن تعجز عقول المختصين عن إحصائها وتقييمها.

واستباقا للمستقبل المجهول والتي تنبئ كل إشاراته بانهيار ركائزكم؛ اجلسوا مع ضحاياكم على طاولة التفاوض المدروس الذي يفضي إلى حلول عادلة لا ضرر لكم فيها ولا ضرار لهم الأمر الذي سيمكنهم عبر الشراكة الجديدة الجدية والعادلة من التخلص من عبء الديون التي أثقلتم بها كاهلهم و أصبحت تعوق توجهاتهم التنموية والتخلص ايضا من الوضع المأسوي الذي عليه اقتصادهم وما يعانيه من نقص فادح في الغذاء والأدوية والمستشفيات والمدارس والمتطلبات الحياتية وانعدام الحريات وتفشى الظلم الطبقي والفساد الاجتماعي والسياسي والبطالة التى يمكنكم امتصاص جزء كبير منها، بحكم حاجتكم القهرية للقوى العاملة ولكنكم تخفون ذلك هاربين الى الأمام وانتم على دراية تامة بالنقص المستقبلي الفادح , الذى سيوجد فى كل المستويات بعد أن يدخل قريبا فى سن التقاعد أكثر من 50% من القوى العاملة فى بلدانكم، واعلموا ان اعتمادكم المستقبلى على عمالة اوروبا الشرقية لا تجدي نفعا مع عامل النمو الديموغرافي السلبى الذى عليه هذه البلدان فليسوا بأفضل حالاً منكم بل أسوا فى النقص المستقبلي للقوى العاملة.

إفتحوا ابواب قصركم المنيع للافارقة لكي يعينوكم على حمايته والعناية به وبشؤونه لانهم أصحاب حق فيه ولهم الاولوية عقلاً وذوقاً واخلاقاً وعدلاً على اليد العاملة التى تُعَوِلُونَ على جلبها من أوروبا الشرقية لأن الأفارقة لهم مستحقات عندكم مما استوليتم عليه بالقوة والقهر والبطش عبر مئات السنين، وإعطاؤهم فرص العمل المنظم هو جزء ضئيل مما أخذتموه منهم، وهذا يحتم عليكم مراجعة سياستكم العنصرية للهجرة مراجعة جذرية.
إن الأفارقة الآن رغم ما هم فيه من مآسٍ على جميع الأصعدة بسببكم أصبحوا أناسا مهذبين فى مجملهم متعلمين متخلقين ربما اكثر من مواطنيكم؛ انظروا الى التقارير الدراسية والابحاث الاجتماعية عن تفشي المحسوبية والأنانية والتفسخ الاخلاقى والتفكك الاسرى والنسب المفزعة لزنا المحارم والاعتداء على الأطفال والخيانة الزوجية والمواليد بدون اب وجرائم القتل والسرقة والدعارة والشذوذ والزواج المثلي والإدمان وغير ذلك من الامراض الاجتماعية التى أفرزتها ما تسمونه بالحضارة الغربية "السمحة" والتى تريدون تصديرها خاصة للدول العربية لتحل محل الحضارة الاسلامية عبر تجفيف منابعها و فرض و تكريس مخططات التغريب المشحونة باللاأخلاقية والالحاد عبر برامج التعليم والثقافة والاعلام ونمط الحياة المعاشة التى فرضتموها على الاجيال المسلمة عبر أليات النفوذ السياسي المسيطرين عليها بالكامل، راجعوا سياستكم فى التأهيل والاعتناء بالذوات البشرية وخاصة الذين فرضوا وجودهم على أرضكم لخدمتكم وربما رضوا بما تقدمونه لهم من اشغال وضيعة لأنهم محاويج ولم يتم تأهيلهم فهم وحدهم الذين يرضون باى شغل تقدمونه وبابخس الأثمان، والآن ثقوا ان هؤلاء الافارقة اصبحوا متعلمين واصبح بإمكانهم ان يسدوا الفراغ فى كل المجالات الحياتية لو اعتنيتم بتأهيلهم العلمي والفنى ووضعهم الاجتماعي.

المصالحة التاريخية


إن من أهم الضروريات فى شراكتكم الحقيقية مع هذه الشعوب هو مساعدتها على التحرر من سجونكم التى سجنتموهم فيها عبر آليات التحكم فى رقابهم التى نصبتموها عليها لتحول دون انعتاقها من ربقتكم وتبقى فى تخلفها وشقائها لتنعموا بخيراتها وهى نائمة مخدرة كفيفة لا تبصر الا ما سلطتم الضوء عليه، هذا ما خططت له العقلية الاستعمارية المتخلفة التى غاب عنها ان اربح طريق لتحقيق المآرب الاقتصادية المشتركة هو تحرير هذه الشعوب وإعانتها سلميا على تقرير مصيرها في ظل شراكة تنموية تحقق الخير الكثير لكلا الطرفين وقد غابت عنها ايضا الابعاد السياسية فى التغيرات القهرية التى تجرى الان على كل الأصعدة لفائدة هذه الشعوب التى سوف تتحرر قهرا باذن الله وسوف تكونون اول الخاسرين خسارة فادحة اذا تحررت بدون إعانتكم لان الشراكة مفروضة وسوف تكون مع غيركم، الأمر الذي سيدفعكم الى إعادة خلط أوراق الهيمنة ولكنكم ستخسرون لان ميزان القوى ليس فى صالحكم والوضع غير الوضع والظرف غير الظرف والوعى غير الجهل (أمعنوا النظر فى الثورة التونسية على سبيل المثال لا الحصر) ، فقومة الشعوب واستفاقتها بدأت في سحب بساط التحكم في رقابها من تحت أرجل عملائكم ومن جندتم بالاختراق المعلوماتي فهؤلاء هم رصيدكم الاوحد ومصدر قوتكم في الهيمنة على بلداننا.
ولو دخلتم في محيط التفاصيل المعرفية لهذه المسألة وملابسات وضعكم الاقتصادي سوف يظهر لكم صحة ما سبق من استنتاج دراسي دقيق ، وقد اطلعت على مجموعة دراسات فى منظومة تخطيطكم الاستراتيجي ووجدت عديد التوجهات فى هذا المضمار ولكن الذى يعيق التنفيذ هو العقلية الاستعمارية وخلفياتها التى لا تعبأ بمصالح الشعوب. ان هذه الشعوب تريد استقلالاً حقيقياً فى ظل مصالحة تاريخية إنسانية وتنمية حقيقية لا وهمية وشراكة فعلية يحقق فيها كل شريك مصالحه بحرية ، ولكن المراد الاستعمارى هو شئ اخر ، لقد عمد فى السابق الى تغيير لون الاستعمار المباشر الى ما سماه الاستقلال خدعة مبرمجة خدع بها الشعوب أوصلته الى تحقيق مراده بالكامل من المنهاج الاستعماري ، وللمحافظة على هذه المكاسب العظيمة حاول خداع هذه الشعوب مرة ثانية وهو الان يحاول المرور الى لون جديد من الاستعمار الذي هو بصدد طبخ طعامه الدسم لتستسيغه الأفواه العليلة ويتمكن به من المحافظة على مواقع جنوده فى مفاصل الحياة المجتمعية بإعادة تلوين آليات الواقع المفروض بألوان مزركشة ومشعة تخطف انظار الابصار العليلة ، فتتوهم تغير الأحوال العامة الى الأفضل وخاصة الوضع الاقتصادي ووضع الحريات والديمقراطية الزائفة والاوضاع الاجتماعية. انكم واهمون اشد الوهم بمحاولة الالتفاف على ثورة الشعوب وتغيير لون الاستعمار لإطالة مدة بقائه ، ان المطلب الرئيسى للشعوب الآن هو الاستقلال الحقيقى والسيادة الكاملة للشعب على أرضه وتطهيرها من اثار مخططات التدمير المجتمعى الذى أحدثتموه عن طريق جيوشكم الجرارة من المخترقين من ابناء جلدتنا.ان حقيقة استعماركم كامنة فى الوضع الراهن الذى نرى عليه هذه الشعوب والذي هو أسوأ مما يُتصور.

أوروبا ما قبل الثورة الفرنسية


فإذا رجعنا الى التاريخ ورأينا الوضع المأسوى الذى كان عليه الشعب الاوروبى قبل الثورة الفرنسية ونسبة الفقر والحرمان وتسلط حوالى 5000 اقطاعي من الدوقات والكهنة على اكثر من نصف اوروبا حيث كانت الاغلبية الساحقة من الشعب عبارة عن رعاة وفلاحين في فقر مدقع يعملون مقابل رغيف الخبز وسد الرمق؛ ثم لاحظنا تحولا سريعا الى حضارة مادية ورفاهية من العيش (الكريم) فى ظل بنية تحتية ملبية لكل احتياجات المواطن الضرورية والترفيهية ، سنجد ان كل هذاقد تأتى لأوروبا بالابتزاز والسرقة والتسلط على الضعفاء من الدول المقهورة وغيرها حيث وقع استعمارها بقوة السلاح بعد ان نُفِذ مخطط تقسيم القارة الافريقية الذى وقع إعداده فى مؤتمر برلين سنة 1884 واقتسمت بموجبه الدول الأوروبية مناطق النفوذ ، ووضعت الحدود طبقا لمشروع الاستحواذ على الثروات الطبيعية ، هذه الحدود التي ابتلعت الشعوب طعمها واصبحت مقدسة لديها تذود عنها بالنفس والنفيس الامر الذي يشير الى النجاح الباهر الذي حققه الاستعمار في اذهانها وتربع المستعمرون على جماجم سكان هذه الدول يأكلون الذ الأطعمة الممزوجة بلحوم ودماء وعرق المقهورين ويشربون الذ المشروبات المخلوطة بدموع اليتامي والمحرومين ويتمتعون بأعذب الألحان المشحونة بنواح الثكالى وبكاء الاطفال وانين المرضى والجياع. واستفادت اوروبا بكل ما جلبته من خيرات هذه الدول في بناء حضارتها وركائز العيش الكريم ـ وما هو بكريم ـ لشعبها، وتركت الشعوب المقهورة تئن تحت وطأة القهر والفقر والحرمان والمرض والجوع والاستعباد والاستبداد الى يومنا هذا.ان هؤلاء الافارقة الذين بنت اوروبا من عرقهم ودمائهم وخيراتهم كل مقومات جبروتها ، عندما يهربون من المجاعة والفقر ويحاولون الدخول الى البيت الاوروبى لسد رمقهم ورمق أبنائهم من الجوع ، يموتون على الأسوار المكهربة ويطعم من أجسامهم قروش البحار الأوروبية، فسمك القرش الأوروبي يعشق لحوم الافارقة لانه تعود على أكلها منذ مئات السنين لما كان الغربيون يصطادونهم بالآلاف كالحيوانات ويشحنونهم قهرا ليباعوا فى أمريكا ويلقون بالمرضى والآبقين الى القروش وفى بعض الأحيان يلقون بكل حمولة السفينة من العبيد اذا داهمتهم العواصف.

الكلاب و القطط و الفائض الانتاجي


من المعلوم حسب تقارير الامم المتحدة ان 35 مليون نسمة بشرية تموت كل سنة بسبب الجوع وسوء التغذية والغرب ضالع في هذه الجريمة للأذقان. إن ما تأكله كلاب أوروبا وقططها المدللة يكفى لإطعام جياع العالم ثلاث مرات!!!, هذه الحيوانات المدللة التي ملأت الفراغ العاطفي للافراد تولدت من رحم التفكك الاسري الذي أحدثته الليبرالية اللااخلاقية الملحدة في الغرب وتحاول بثه في البلدان الواقعة تحت طائلة الاستعمار ، وقد سمعت في هذه الايام حوارا في احدى القنوات التونسية والتي ترعاها المنظومة "المردوخبرلسكونية التلمودية" والتي زرعها الغرب في دوائر الاعلام التونسي يدور بين افراد من ضحايا المسخ الفكري الليبرالي الإلحادي يقول احدهم انه يتنصل من انتمائه لابيه ويريد ان يشطب اسمه لان انتمائه اليه يقف حائلا دون التحرر المطلق من كل الالتزامات التقليدية والمسؤوليات المترتبة عليها، وهو ما يعني الهدم الكامل للبناء الأسري الذي يرتكز عليه المجتمع الذي سينقلب كل افراده الى لقطاء لا تربطهم ببعضهم اية رابطة ولا اية مسؤولية تنتقص من تحررهم السوفسطائي المطلق، ولكن صاحبنا يسقط في فخ اللامنطق فيثبت ان له عدة آباء اشتركوا في تكوينه يفتخر بهم ويدين لهم بالولاء وقد اتخذهم بديلا عن رب العالمين رب هيجل وداروين وميرزا بهاء الله ومن لف لفهم وكلهم وُلدوا من رحم الماسونية التلمودية فلا غرابة من تغريده في هذه القناة وتسبيحه وتهليله لابائه آلهة الإلحاد الغربي.

كان هذا تعريجاً على سبب وجود القطط والكلاب في حجور الغربيين ، وكذلك لتبيان ما يريد الغرب ان تكون عليه مجتمعاتنا المسلمة.
كذلك فان جزءا من الفائض الإنتاجي الغذائي الذي يلقيه الغرب في البحر للمحافظة على الأسعار الاحتكارية وتوازنات الإنتاج الداخلية ـ كما يدعى خداعا(1)  يكفى لإطعام 8.5 مليار نسمة حسب تقرير الأمم المتحدة ،وأما الجزء الثاني من هذا الفائض فتُغَرّق به بعض الأسواق الإفريقية بأثمان زهيدة ،مما يؤدي الى التدمير الشامل للزراعة ، وزيادة في الإمعان في سحق الشعوب المقهورة عمدوا الى التوسع في إنتاج الوقود الحيوي حيث عد الخبراء هذا التوجه من أكبر الجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية لأن هذا التوسع سيكون على حساب إنتاج الغذاء الذي ستتضاعف أسعاره لتدمر بالكامل الطاقة الشرائية لأكثر من 80% من سكان الأرض وهو ما سيهدد استقرار وأمن الشعوب المقهورة علاوة على الدفع الاضطراري للبنوك المركزية الى زيادة مستوى النقد الاحتياطي لمنع حدوث الأزمات الائتمانية ودفع الأموال الى التعاملات المالية الآجلة المرتبطة بالأغذية وهي المعضلة التي تزيد في إرهاق موازين الدفعات المتعثرة والهزيلة للدول الفقيرة وهذا هو البرنامج الذي يقود دول القهر والاستبداد الغربي لإحداث الفوضى الخلاقة التي اعدوا تخطيط نشرها بين الشعوب.

البنك الدولي


ان السياسة التي يقودها البنك الدولي وربائبه و دوائره لا يسعى من ورائها الا لتحقيق أهدافه الاستعمارية، فطعامه سم فى الدسم وهو من الادوات التى ساهمت فى شقاء افريقيا وأجزاء كبيرة من العالم وهو ذئب مفترس يلبس جلد شاة وديعة حلوب هكذا يري من بعيد؛ فاذا اقتربت منه رأيت عينيه المتوقدتين نارا ورأيت أنيابه الحادة وتخيلت حيله فى اصطياد فريسته فهو وحش الدولة الخفية الذى ترسله على كل من تريد تدميره فيترك جثته هيكلا عظميا لا لحم فيها ولا شحم ، فهو الذى يخطط ويقود مخططات التنمية للدول النامية بصفة قهرية فتكون النتيجة تقهقر فى تقهقر وديون على ديون وفوائد وجوع ومرض وجهل وحرمان واستعباد وقهر وظلم وفساد ناتج عن تطبيق مخططات التدمير المجتمعي التي تنزع الاخلاق والقيم والتي يفرضها على الدول في مخططات التعليم والثقافة والاعلام والحياة المجتمعية . أما مساعده الاول صندوق النقد الدولى تلك الحية الرقطاء التى تنفث سمومها فى أجساد الدول المقهورة لتشل حركتها عن مقاومة المخططات التدميرية للوحش المفترس. والرقطاء والذئب هما من صنيعة البنك الفيدرالى الامريكى الذي رسم على دولاره صورة العين الواحدة للمسيح الدجال وسط مثلث برمودا المركز الادارى للشيطان الأكبر فى دائرة نجمة داوود التلمودية وهو الذي يشرف على توجهاتهما ويدير احتياطييهما النقدي إدارة كاملة، وهذا البنك غير مملوك للدولة الأمريكية كما يتوهم البعض وكما هو الحال فى البنوك المركزية فى العالم ، فلقد تم تأسيسه سنة 1913 من طرف مجموعة استثمارية من اليهود بدعوة سرية من كبير المتصهينين الرأسماليين " مرفان" ضمن مشروع السيطرة الكلية على العالم ، وهو الى حد الان مملوك بالكامل لثمانية بنوك يهودية منها: بنك "روتشلد" وبنك "جولد مان ساكس" وبنك " اسرائيل موسى سيف" وبنك مورفان وغيرهم ، وجميعهم يتحكمون فى حركة المال فى جميع بنوك العالم ويتحكمون بالتالي فى سياسات الدول بما فيها السياسة الامريكية، وكل المشرفين عليهم يهود بما فيهم صندوق النقد الدولي والبنك الدولى ، ورئيس البنك الفيدرالى يعينه رئيس الدولة الامريكية ، والرئيس الحالى هو اليهودى "بن شالوم برنانكي " الذى تنتهى ادارته سنة 2020 ، ونائبه اليهودى "دونالد كوهن" تنتهى خدمته سنة 2016 ، لقد قمت باستعراض هذه المعلومات ليعلم القارئ مصدر المخططات التدميرية التي يشرف على تنفيذها البنك الدولي الصديق الحميم لتونس ولكل من جنده الاختراق الاستعماري من التونسيين الذين يسبحون بحمده ويهللون لجوده وكرمه ومستعدون لقبول كل شروطه حتى لو امرهم بقلب طبائع الحياة وإدارة مشروع من اهم المشاريع التنموية التي يحرص الغرب على تنفيذها في بلادنا عن طريق عشاقه وعشيقاته لنخرج من دائرة التخلف الحضاري الا وهو الزواج المثلي وحماية حقوق الشواذ الذي ربطه بتنفيذ القروض التي يلوح بها، وقد سبق ان لفت انتباهي خبر ورد فى قناة الجزيرة يوم 18-11-2006 عن قيام المناهضين للعولمة بمظاهرات فى استراليا ابان اجتماع دول القهر الاستعماري يطالبون فيها باعتقال رئيس البنك الدولى ومحاكمته كمجرم حرب ، فقلت فى نفسى ـ حين ذاك ـ بدأ الوعى يدب فى الشعوب الغارقة فى الظلام ، وعلى اثر ذلك قدم هذا الاخير استقالته ، وقال "جيس جاكسن" القس الامريكى المشهور متحدثا عن دول الهيمنة: " انهم لم يعودوا يستعملون الرصاص والحبال لقتل البشر ولكنهم يستخدمون البنك الدولي وصندوق النقد الدولى لهذا الغرض" ونحن قلنا من قبل فى مقالاتنا ان الغرب (الصديق) غير مكان المعركة واسلحتها التقليدية الى اسلحة سلمية صامتة وناعمة ولكنها ذات دمار شامل فى كل مقوماتنا الحياتية ، فالعسكريون وضعوا السلاح التقليدى وامسكوا بهذه الاسلحة الجديدة المدمرة ، وهاهو اليهودى "روبرت زوليك" الذى كان نائبا لوزير الدفاع الامريكى "رامسفلد" وهو مهندس الحرب التي دمرت العراق يضع السلاح التقليدي ويتولى رئاسة البنك الدولى بينما قال المسئول السابق فى صندوق النقد الدولى "دافسون بادو" حين سُأل عن سبب استقالته سنة 1988: " اريد ان اغسل يدى من دماء الفقراء والجوعى". هذا هو البنك الدولي ايها الأفارقة !!!

أول المعالجات


ان من اهم الامور التي يجب على الغرب الاعانة عليها لارساء الشراكة الحقيقية التي تحتاجها بلداننا في اول نهضتها ويحتاجها هو كذلك ليحرك ركوده الاقتصادي الذي سببه انقلاب السحر الرأسمالي عليه هي معالجة الوضع السيئ للغاية الذى كونته الدول الاستعمارية بما نصبت على آليات الحكم من عناصر اغلبها فاسدة لا تؤمن بمصالح شعوبها ودفعتها الى الاستبداد وقهر الشعوب لتحول دون انعتاقها من قبضتهم ، فهى تحمى الحكام وترعاهم وتبارك أعمالهم الشنيعة وتزينها وتتغاضى عن جرائمهم الفظيعة وتدعم استبدادهم بالمال والعتاد وتفتح لهم الأبواب لنهب ثروات الشعوب وسرقتها لتخفيها لهم فى خزائنها بهدف الاستفادة منها ، وما مبارك وبن علي والقذافي الا احد الامثلة التي تجسد التحالف الاستعماري الغربي مع جهابذة الاستبداد الذين صنعهم الغرب ونصبهم على آاليات التحكم في رقاب الشعوب ونهب اموالها واغلب هذه الاموال من القروض ذات الفائدة المشطة التى فرضتها الالية المالية الغربية على هذه الدول لاغراقها فى محيط الديون التى تحولت الى عائق رئيسى للتنمية.
واصبحت هذه الدول تسعى لتسديد الفوائد على حساب حاجيات شعبها وبقيت على هذه الحالة عقودا طويلة استنفذت الفوائد كل مقدراتها ولم تترك لها اى مجال للالتفات الى التنمية الحقيقية التى تتطلب استثمارات كبيرة ليست بحوزتها ، فكانت هذه الدول تتصارع مع البقاء على قيد الحياة فى غياب مناهج تخطيطية جدية وفى مناخ مشحون بالفساد والمحسوبية وعدم القدرة على التسيير وسوء التصرف وتسليم مقود التنمية الاقتصادية للبنك الدولي قهرا ليكرس مخططاته التدميرية المعيقة لها والمحافظة على مصالح دول القهر وهى السمات البارزة والمشترطّة فى آليات التسيير للمحافظة على استمرار الهيمنة على مناطق النفوذ السياسي والاقتصادي ، ثم بعد ذلك اضطرت الآلة الاستعمارية الى ان تلعب على حلبة موازين القوى لهذه الأنظمة المهترئة للحفاظ على سيطرتها على المواقع الإستراتيجية ومناطق الثروات المعدنية والنفط ومسالك التوزيع الاستهلاكي وغير ذلك وهذا اللعب مكنها من إحداث بؤر توتر للضغط والتخويف وبيع الأسلحة والإبقاء على الهيمنة ، ولكن ثمة امل فى تأثير الوعي الذي بدأ يدب فى الأجيال الإفريقية الصاعدة التى بدأت تدرك انه قد حان الوقت للتخلص من الهيمنة الغربية وسيطرتها على الثروات الطبيعية عن طريق الحكام المنصبين.

فها هو ساحل العاج يدفع رئيسه ثمنا غاليا لانه قال لا للاستعمار الفرنسي ، هذه الـ "لا" جلبت فرنسا من اجل ازالتها من القاموس السياسى للاستعمار الغربى ، جل دول العالم فى "عصابة الامم المتحدة على حماية المصالح الاستعمارية"، ولاول مرة فى تاريخ المنظمة الاسود تُجمع جميع دول التبعية على اتهام (بافبوا) بتدليس الانتخابات!!- وقد جاءوا كلهم الى الحكم عن طريق التدليس- وتقرر سلخه من الحكم ، الامر الذى جعل فرنسا تختارعلى اي جنب يكون مصرعه فاختارت ان تنزل عليه من فوق راسه التي طالما رفعها ضدها وذلك ليكون عبرة للرؤساء الافارقة الذين اجتمعوا فى شهر نوفمبر 2006 واصدروا بيانا يدعون فيه الدول الغربية الى إيقاف التدخل فى الشئون الداخلية لبلدانهم.

وها هى الجماهير فى الجابون تحرق سفارة فرنسا غضبا من التدخل الفرنسي بديمقراطية مزيفة فى استمرار الهيمنة بتوريث على بونغو حكم ابيه عمر الذي حكم البلاد 40 سنة تحت الحماية الفرنسية.
وها هى تصريحات "ساركوزى" بعد نجاح حركة النهضة التونسية الذى نصب فيها نفسه وصياً وحامياً للديمقراطية التى كان يطعمها لجروه بن على تلقى ردود فعل غاضبة ورفضاً مطلقا لهذا التدخل وهو ما ينبئ بانتهاء دور مخطط التغريب الفرنسى فى تونس الامر الذى يستدعى اعادة النظر فى المخطط الاستعماري والتأسيس لعلاقة جديدة والتخلى عن فرسان المعركة القديمة لإنتهاء صلاحية التوظيف.

وهاهي مصر ترفض بإصرار قروض الوحش الدولي ، وثورتها المباركة تقاوم بشدة عملية الالتفاف الغربى عليها وهى الان تحاول اعادة قوتها وانبعاثها لتفرض منهاجها الانعتاقى ، وهاهى الثورة التونسية رغم السيطرة الكاملة علي مكتسباتها من طرف الغرب وجنوده ، يحاول رجال الاصلاح بكل الجد والتفانى عبر هممهم الشامخة التى لا تؤثر فيها النتائج السلبية استرجاع السيادة والسير نحو الاستقلال الحقيقى واصلاح ما احدثته المخططات الاستعمارية من فساد فى مقومات البلاد واذهان العباد ، فكان حرياً بكل عاقل وطنى ـ فضلا عن ان يكون مسلماـ الوقوف الى جانبهم وفى صفهم فى الانتخابات وغيرها لتخليص البلاد من الاستعمار الغربى الذى طالت مدته من سنة 1882 بالنسبة لمصر و سنة 1881 بالنسبة لتونس وإرساء دعائم شراكة تنموية حقيقية معه تكون قطب الدائرة فى العلاقات الثنائية ، فهذه الثورة هى الفرصة الوحيدة والنادرة لتحقيق المنشود ، الامر الذى سيدفع الغرب مقهورا بمصالحه الى الرجوع الى رشده ويتخلى عن عقليته الاستعمارية ويدخل فى شراكة حقيقية يعود نفعها على جميع الاطراف وذلك محافظة منه على مصالحه التى كان يحميها بعملائه واعوانه من الحكام ودوائر القرار التى فككت الثورة اليات تسلطهم على الشعوب ، وقد كانت هذه الدوائر ومن دار فى منظومتها السياسية والإعلامية والثقافية والتعليمية والامنية ـ بعلم او بجهل ـ تمثل رصيده الاوحد فى الهيمنة على بلداننا.

ولا ننسى الثورة السورية التي صمدت صمودا لم يعرف التاريخ له مثيلاً و ستتنصر بإذن الله فَهِمَم أفرادها ناطحت السحاب و شمخت على الجبال العالية.
كذلك إصرار أحرار اليمن على النصر سيمكنهم من تحقيق أهدافهم و بناء نهضتهم و استقلالهم ، ووقفة البطولة والشهامة التي وقفها الشعب الليبي بكل فئاته واظهر إصرارا لا مثيل له على النصر ولم تؤثر الخسائر البشرية في هممه العالية التي تألقت وصبرت وصابرت حتى تمكنت من إخماد صوت الاستبداد وبقي عليها تجاوز معوقات الانعتاق الكامل التي بدأ الغرب يحيك خيوطها للالتفاف على ثورتها وتوجيه مسارها نحو مراده التقليدي.ان هذه الثورات هي القطرات الاولى لسيل الانعتاق الذي سينهمر في محيط الشعوب المقهورة.

ولذا نحن ندعوا اصحاب النفوذ الغربي الذين بأيديهم الخيوط الكبرى لتوجيه مجنديهم في داخل أوطاننا ان يتركوا الشعوب تقرر مصيرها بنفسها فهو اسلم طريق للمحافظة على المصالح الغربية التي ستُرَتِب أوضاعها الشراكة العادلة التي يعود نفعها على الطرفين، وانه لم تعد تجدي الخلفيات الدينية اليهومسيحية التي يناقضها الواقع مناقضة تامة وكاملة فكل البشر مخلوقات لله في هذا الكون العجيب مصدرهم اب واحد وام واحدة وإحساسهم واحد وشعورهم واحد، فلم هذا التناحر والتقاتل والتجويع والإمراض والإذلال والاستعباد والتعذيب والتنكيل ونشر الرذائل وطمس الفضائل؟ دعوا هذه المخلوقات تترابط وتتكاتف وتتعاون وتتحابب فيما بينها؛ فهذا هو جوهر الدين الذي جاءت به التوراة قبل تحريفها ونقاوته التي تجلت في الإنجيل قبل تبديل محتوياته ومجموعه الذي جمع فيه الإسلام فضائل الشرائع السابقة المتلائمة مع طبيعة المخلوقات البشرية.

وها هى الثورة التونسية تنجح فى اول خطاها فى ترتيب آليات الرهان السياسى فى حركة الانعتاق عبر انتخابات حرة ونزيهة أفرزت أغلبية رائدة فى المشروع الاصلاحى والرقى الحضاري بمفهومه الصحيح، وهى انتخابات تجرى لاول مرة فى تاريخ تونس ، وها هم رواد الإصلاح بأخلاقهم الرفيعة وقيمهم النيرة وهممهم العالية ووعيهم الناضج يفتحون لكم ابواب التعاون عبر شراكة حقيقية تنموية تعد اكبر فرصة تتاح لكم لتعينكم على الخروج من المأزق الاستعماري المعقد الذى وقعتم فيه وانقلب سحره عليكم، وهى كذلك فرصتكم لانقاذ انهياركم الاقتصادي عبر توسيع هذه التجربة التشاركية التنموية على دول العلم الواقعة تحت سيطرتكم الاستعمارية.

إن وجود هؤلاء المصلحين يعد اكبر ضمان لنجاح هذه الشراكة المرتكزة على العدل والحرفية والنزاهة والأخلاق العالية ، وانا أتساءل كيف يمكن لكم ان تحققوا نجاحا بشراكة فى بيئة اجتماعية موبوءة خالية من القيم والأخلاق ، مشحونة بالفساد والرشوة والمحسوبية وحزمة الإمراض الاجتماعية التي تعانى منها بلداننا والتى كانت مخططاتكم الاستعمارية سببا فيها ؟!!

إن من حسن حظكم ان أفرزت الانتخابات هذه النخبة الصالحة ، فكفوا أيديكم وايدى جنودكم عن عرقلة مسارها الاصلاحى لصالح الإنسانية وصالحكم لو تعمقتم فى فهم التغييرات القهرية التي تجرى فى عالمنا وملابسات أوضاعكم الاستعمارية التى ضاقت البشرية ذرعا من استمرارها ولن يجدي تغيير ألوانها.

----------
1- هناك دراسات سلطت على تكلفة انتاج ما يلقى فى البحر والارباح التى تجنى من احتكار الاسعار والفوائد الاجتماعية من طفرة الانتاج اثبتت زيف هذا الادعاء وكشفت عن الاهداف الحقيقية من وراء ذلك.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

دراسات إقتصادية، التنمية، الإقتصاد،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 2-11-2011  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  الخوف الغربي من الاكتفاء الذاتي
  ميراث المرأة بين العدل الرباني والجهل العلماني
  الثورات العربية في مقاومة الإقطاع الرأسمالي الاحتكاري
  الشراكة الغربية والنهوض التنموي
  حركــة النهضــة و تحديات الانتخابــات - إلى أحرار تونس -
  من يصنع التاريخ ؟
  السلاح الاستخباراتى والاختراق حتى النخاع
  الثورة التونسية فى مقاومة الاقطاع الرأسمالي الإحتكاري
  صناعة العامة فى ميزان الانتخابات
  جامع الزيتونة والاديولوجيات الليبرالية
  الظلم الطبقى وانعدام التوازن
  الاعلام والاقلام والثورة
  التعليم
  الثقافة والحكم والحكمة في رحاب الثورة التونسية

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - الضاوي خوالدية، حسن الطرابلسي، سامح لطف الله، صفاء العراقي، محمد يحي، جاسم الرصيف، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محرر "بوابتي"، رضا الدبّابي، أحمد النعيمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حسني إبراهيم عبد العظيم، د.محمد فتحي عبد العال، الهيثم زعفان، أحمد ملحم، د - مصطفى فهمي، علي عبد العال، د - محمد بنيعيش، إيمى الأشقر، سعود السبعاني، أحمد الحباسي، خالد الجاف ، عبد الرزاق قيراط ، محمد أحمد عزوز، رافد العزاوي، إياد محمود حسين ، رافع القارصي، ياسين أحمد، محمد عمر غرس الله، د. عبد الآله المالكي، نادية سعد، علي الكاش، د. صلاح عودة الله ، صالح النعامي ، طلال قسومي، مصطفي زهران، كريم فارق، ماهر عدنان قنديل، فتحي العابد، فتحي الزغل، محمود فاروق سيد شعبان، يزيد بن الحسين، عمر غازي، محمد الياسين، الناصر الرقيق، د. مصطفى يوسف اللداوي، د- جابر قميحة، أبو سمية، محمد اسعد بيوض التميمي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسن عثمان، صلاح المختار، سليمان أحمد أبو ستة، صباح الموسوي ، المولدي اليوسفي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فتحـي قاره بيبـان، رشيد السيد أحمد، فوزي مسعود ، د - صالح المازقي، حميدة الطيلوش، منجي باكير، عراق المطيري، د. أحمد محمد سليمان، العادل السمعلي، أنس الشابي، أحمد بوادي، د - المنجي الكعبي، محمد الطرابلسي، أ.د. مصطفى رجب، عبد الله الفقير، د- هاني ابوالفتوح، عبد الله زيدان، خبَّاب بن مروان الحمد، د. أحمد بشير، مراد قميزة، صفاء العربي، وائل بنجدو، عزيز العرباوي، عواطف منصور، د - عادل رضا، الهادي المثلوثي، رمضان حينوني، حاتم الصولي، محمد علي العقربي، إسراء أبو رمان، يحيي البوليني، مجدى داود، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سامر أبو رمان ، المولدي الفرجاني، د. عادل محمد عايش الأسطل، سلام الشماع، سلوى المغربي، عبد العزيز كحيل، مصطفى منيغ، محمود سلطان، ضحى عبد الرحمن، فهمي شراب، د- محمود علي عريقات، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد العيادي، د - شاكر الحوكي ، تونسي، محمود طرشوبي، عمار غيلوفي، عبد الغني مزوز، كريم السليتي، محمد شمام ، صلاح الحريري، د. خالد الطراولي ، د - محمد بن موسى الشريف ، بيلسان قيصر، د- محمد رحال، د. طارق عبد الحليم، سيد السباعي، طارق خفاجي، أشرف إبراهيم حجاج، سفيان عبد الكافي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة