د- جابر قميحة - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5693 gkomeha@gmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يقول المثل العامي : " الكحكة في إيد اليتيم عَجَبَة ".
ولكن الكحكة هذه المرة ليست في يد اليتيم، بل في يد من يستحقها، وحرص على أن يطعم منها الآخرين.
لقد تذكرت هذا المثل العامي وأنا أرى الحرب من جهات متعددة، وقد شُـنت في أبشع صورها على الإسلاميين الذين فازوا بالأغلبية باستحقاق في الانتخابات النزيهة الأخيرة لمجلس الشعب.
وَوُجهت السهام الملوثة ضد هؤلاء الإسلاميين، مع البكاء المر ــ بدموع التماسيح ــ على مستقبل مصر الذي ستحكمه، ويتحكم فيه أصحاب اللحى والمسابح.
لقد كان الافتراء والكذب أحد الآليات لتشويه سمعة الإسلاميين ؛ فقد سمعت أحد المثقفين الكبار يقول في حشد حاشد بالحرف الواحد "... إن كبيرا من هؤلاء السلفيين يحرم الكهرباء ؛ فقد سأله واحد من الشعب : ابني الصغير أمسك بسلك كهربي عارٍ، فصعقته الكهرباء فسقط ميتا. فكان جواب السلفي الكبير : بعد ذلك يحرم عليك وعلى من في رعايتك استخدام الكهرباء ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ولا ضرار ". فلما سألتُه بيني وبينه هلا ذكرت اسم هذا السلفي حتى يحذره أمثالنا ؟ كان جوابه المفضوح : إن اسمه أشهر من أن أذكره.
*********
ووجهت السهام إلى الإسلام نفسه بالمغالطات المقصودة، وبالجهل المفضوح بطبيعة الإسلام وحقائقه : يقول " يوسف " رجل برنامج صباح الخيرعلى قناة ( ontv ) وهي قناة تتبع نجيب ساويرس : إن دعاة الإسلام السياسي سيضرون بالإسلام إضرارا بالغا إذا " مسكوا الحكم ". ونسي بل جهل هذا الدعي حقيقتين :
الحقيقة الأولى : أن الإسلام في صورته الصحيحة ـ كما جاء به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يعرف ولا يعترف بهذه "الإسلامات" المدعاة "إسلام سياسي ـ إسلام روحاني ـ إسلام اقتصادي... إلخ" لأنه دين واحد شامل فيه العبادة والروحانيات، والسياسة، والاقتصاد، والجندية، والقيادة، والعلم، والتعليم، والتربية، لذا كان الأصح أن نقول: القواعد السياسية في الإسلام "هو الأصل" الذي ينسب إليه، لا "المنسوب" الملحق بغيره، فنقول: السياسة الإسلامية لا الإسلام السياسي، ومن ثم لا تصح عقيدة مسلم يزعم أنه يؤمن "بالإسلام الروحي" عبادة وشعائر، ويكفر بما عدا ذلك من سياسة وتربية وسلوك.
والحقيقة الثانية : أن القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبانا عن طبيعة هذا الدين قبل أن يفارق الدنيا : فيقول تعالى : " (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة: 3). وقوله تعالى : " (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (آل عمران: 22). وأيضا قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران: 85).
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي ". وقوله : "... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ.. ".
*********
وأغرب من ذلك تقسيم الإسلام على أساس إقليمي فسمعنا السيدة شاهندة مقلد ــ في مقام الحديث عن تسامح الإسلام ــ تقول : " المسيحية المصرية مسيحية مصرية. والإسلام المصري إسلام مصري !!!!! ".
وأسأل السيدة الفاضلة : أليس من حق الشعوب الأخرى أن ينسب الإسلام إليهم ليكون هناك : إسلام لبناني، وإسلام عراقي، وإسلام باكستاني، وإسلام إيراني.... الخ ؟!.
لقد نسيت السيدة الفاضلة ــ أو جهلت ــ أن دولة الإسلام قامت على العرب مثل أبي بكر وعمر، وعلى مسلمين من جنسيات أخرى : كـصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وبلال الحبشي !!. وصَهَرَ الإسلام كل هؤلاء في جنسية واحدة هي " الجنسية الإسلامية ". فلما سُئل أحد المسلمين عن نسبه أقيسي هو أم تميمي ؟ كان جوابه :
أبي الإسلام لا أبا لي سواهُ = إذا افتخروا بقيسٍ أو تميم.
*********
وعن حصول الإسلاميين على أغلبية مقاعد مجلس الشعب نذكر هؤلاء وغيرهم بالحقائق الأتية :
1- أنها كانت أنزه انتخابات في تاريخ مصر. وذلك بشهادة العالم كله.
2- أن دلالة هذه الانتخابات تتلخص في أن الأمة تعتز بدينها،وتعتز بهويتها الأصيلة، وتعتز بمن يدعون إلى القيم الإنسانية والسياسية والاجتماعية العليا. ولم يعد المواطن المصري ينساق بالمال لاختيار شخص معين. وهناك من هؤلاء المرشحين من أنفق على الانتخاب عشرات الملايين من الجنيهات، ومع ذلك سقط سقوطا ذريعا.
3- أن هذا الحكم على الإسلاميين ومستقبل مصر قبل أن يتولى هؤلاء تسيير الأمور... هذا الحكم القَـبْـلي مرفوض بميزان العقل والشعور، لأننا يجب أن ننتظر حتى يتولى هؤلاء الأمر، ويديروا الأمور من وجهة نظرهم. ونقول لهؤلاء كيف تصدرون حكما نهائيا على من لم تجربوه.
4- أن هؤلاء ــ وأغلبهم من عتاة العلمانيين ــ مازلوا يذرفون دموع التماسيح على الموت المنتظر للسياحة في مصر ؛ لأن هؤلاء الإسلاميين سيحرمون الخمر والسباحة بالمايوهات. ونسي هؤلاء ــ أو جهلوا ــ حقيقة معروفة، وهي أن السائح لا يأتي إلى مصر لكي يشرب الخمر ويسبح في الشواطئ، ولكنه يأتى ليرى مصر على حقيقتها، ويرى آثارها الثاوية في أرضها من آلاف السنين. ولكنها المغالطة وسوء النية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأخيرا نقول لهؤلاء إن التجربة هي التي ستقودنا إلى الرأي الصحيح، والبقاء للأصلح لا للمغالط والكذاب.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: