وائل بنجدو - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5615
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ارتبط شهر أيّول / سبتمبر في الذاكرة العربيّة والفلسطينيّة بعديد الآلام ومنها مجزرة "أيّول الأسود" (1970) ومجزرة صبرا وشاتيلا (1982) ولكنّه لا يخلو أيضا من محطّات نضاليّة لعلّ أهمّها انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000.
ومنذ أعلن الرّئيس الفلسطيني "محمود عبّاس" عن عزمه التوجّه للأمم المتحدة في شهر سبتمبر من سنة 2011 لطلب عضويّة كاملة لـ"دولة فلسطين" في حدود 1967 في تلك المنظمة الدوليّة، لم يتوقف التساؤل والنقاش في الأوساط الرسميّة والشعبيّة حول ما إذا كانت هذه الخطوة تمثل مخرجا من النفق المظلم بالنّسبة للقضيّة الفلسطينيّة أم هي مجرّد محاولة لن تضيف شيئا على أرض الواقع ؟
وهل سيتذكّر العرب والفلسطينيون، بعد سنوات من الآن، شهر سبتمبر 2011 بغبطة وأمل أم بحسرة وندم ؟
1) متاهة التفاوض :
أسقطت منظمة التحرير الفلسطينيّة خيار المقاومة من أجندة عملها منذ اتفاق أوسلو (سبتمبر 1993) وأوهمت نفسها أنّ استراتيجيّة « التفاوض أوّلا وأخيرا » هي السبيل لاستعادة الحقوق المسلوبة، وها هي تكتشف بعد أكثر من 18 عاما عبثيّة هذا الخيار وأنّ كلّ جلسات التفاوض كانت إضاعة للوقت.
إنّ قرار السلطة الفلسطينيّة العودة للمؤسّسات الدوليّة عبر طلب العضويّة الكاملة لدولة فلسطين في حدود 1967 ليس إلاّ اعترافا بفشل خيار المفاوضات الذي لم يصدّر للفلسطينيين غير الأوهام. فقد نجح الكيان الصهيوني بمساعدة الولايات المتحدة – الرّاعي الرّسمي لعمليّة السّلام – في إدخال القضيّة الفلسطينيّة في حلقة مفرغة عبر تحويل المفاوضات إلى هدف في حدّ ذاتها وليست وسيلة لانتزاع الحقوق فكانت كلّ جولة تفاوض مجرّد إعداد للجولة التالية وتحوّل الجلوس إلى طاولة المفاوضات والزيارات المتبادلة عنوان الخبر ومحتواه.
2) دوافع العودة إلى الأمم المتحدة :
وصل ما يسمّى "مسار التسوية" إلى مأزق وباب مسدود لم يعد ممكنا معه مواصلة التظاهر بالحركة عبر إيهام العالم أنّ المفاوضات هي الحلّ. فقد بلغ الجمود الذي أصاب القضيّة الفلسطينيّة حدّا أصبح من الصّعب إخفاؤه أو تجاهله.
هذا فضلا على ما يعصف بالمنطقة العربيّة من ثورات وما تشهده من تغيّرات تدفع بالسّلطة الفلسطينيّة والأنظمة العربيّة إلى البحث عن خيارات جديدة فقد بات من الصّعب إدارة الأمور بنفس أدوات مرحلة ما قبل الرّبيع العربي والّتي لم تكن تعير أيّ اهتمام للرأي العام العربي والفلسطيني. فالمبادئ الثوريّة من حريّة وكرامة وعدالة والتي تسرّبت إلى قلوب المواطنين العرب أصبحت تمثل عامل ضغط على جميع الفصائل الفلسطينيّة والأنظمة العربيّة والكلّ أصبح يخشى ان تطاله شظاياها.
وقد نجحت هذه المبادئ في إسقاط نظام "حسني مبارك" الذي كان يمثل إحدى دعائم ما يعرف بدول "محور الاعتدال" وربّما أهمّها وكان الحاضن لعمليّة السّلام المذلة والتفاوض المهين. إنّ سقوط النّظام السياسي في مصر يعني سقوط المساند الرّسمي للسّلطة الفلسطينيّة في النهج التفاوضي الاستسلامي. وقد سجّلت فترة حسني مبارك إحدى أكثر النّقاط سوادا في تاريخ مصر حين هدّدت تسيبي ليفني بضرب قطاع غزّة من مصر، ثمّ نفذت وعيدها بمساعدة النّظام المصري الذي حاصر الأطفال والجرحى في معبر رفح وكان شريكا في تلك الجريمة البشعة.
سميّت إحدى مليونيّات ميدان التحرير الذي كان شاهدا على سقوط نظام حسني مبارك – المطنب في الاعتدال إلى حدّ العمالة - : "جمعة التّضامن مع فلسطين" وهو ما يؤكّد أنّ الرّأي العام العربي سيلعب دورا مهمّا في مستقبل الصّراع العربي – الصّهيوني.
دفعت كلّ هته المعطيات والمتغيّرات في المنطقة بالسّلطة الفلسطينيّة إلى البحث عن مخرج من المأزق فوجدت ضالّتها عند الأمم المتحدة. ولكن يبقى السّؤال الأهمّ : ماذا سيجني الفلسطينيّون والعرب من الاعتراف الدولي بفلسطين في حدود 1967 ومن قبول عضويّتها في الأمم المتحدة ؟
3) قراءة في النّتائج :
تهدف هذه الخطوة إلى انتزاع اعتراف دولي بـ"دولة فلسطين" على حدود 1967 أي على مساحة 22% من مساحة فلسطين التّاريخيّة لذلك لابدّ أن نذكّر النّاسين والمتناسين والمتخاذلين أنّ المأساة الفلسطينيّة بدأت عام 1948 حين أفرغت العصابات الصّهيونيّة فلسطين من سكّانها العرب الأصليّين ولم تبدأ بعد نكسة 1967 كما يحاول البعض أن يوهمنا حتّى يتنصّل من المسؤوليّة التّاريخيّة في تحرير كلّ شبر من فلسطين. فالحرب التي وقعت عام 1967 كانت بين محتلّ وأصحاب الأرض، نجح بعدها هذا المحتلّ في احتلال مزيد من الأراضي. وبهذا يمثل حقّ العودة جوهر القضيّة الفلسطينيّة. وهو الحقّ الذي لم توضّح القيادة الفلسطينيّة مآله بعد هذه الخطوة وكيف ستكون وضعيّة اللاّجئين.
في حال نجحت السّلطة الفلسطينيّة في مسعاها (أي في حال امتنعت الولايات المتحدة عن استخدام حق الفيتو وهو ما يبدو مستبعدا حتّى الآن) سيتحوّل اللاّجئون الفلسطينيون إلى جالية لدولة فلسطينيّة معترف بها. إنّ هذا التغيير الذي سيطرأ على حالة الفلسطينيّين في المهجر من "لاجئين" إلى "جالية" سيترتّب عنه تغيير في طبيعة الحلّ لمشكلتهم أو ربّما الاستغناء أصلا عن الحلّ (العودة).
لازال بعض المهجرين يحملون مفاتيح بيوتهم الموجودة في أراضي 48 المحتلّة آملين في العودة إليها وقد تمثل هذه الخطوة دعوة الاستغناء عن هته المفاتيح التي توارثوها أبا عن جدّ وإلقائها في قاع البحر.
مثلت قضيّة اللاّجئين عبئا على الإسرائيليّين أمام المجتمع الدّولي في كلّ جولة تفاوض لذلك حاولوا جاهدين إيجاد "الوطن البديل" الذي تحلّ القضيّة في إطاره وها هم الفلسطينيّون أنفسهم يخلقون هذا "البديل" المرادف لدولة في مساحة 22% من مساحة فلسطين التّاريخيّة.
إنّ الاعتراف الأممي بالدّولة الفلسطينيّة وقبولها كعضو في الأمم المتحدة هو اعتراف دولي وبتفويض فلسطيني بأنّ أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين حقّ للكيان الصّهيوني.
رغم ما يتضمنه "استحقاق أيّول" من إسقاط لحقّ العودة واعتراف جديد بحق "إسرائيل" في الوجود فإنّ البعض يعتبره خطوة للأمام لأنّه يتضمّن تأكيدا دوليّا على الوضع القانوني للأراضي الفلسطينيّة (في حدود عام 1967) باعتبارها "أراضي محتلة" وعلى العالم أن يتحمّل المسؤوليّة في تحرير هذه الأرض. علينا أن نذكّر أصحاب هذا الرأي أنّ عشرات القرارات الصّادرة عن مجلس الأمن والجمعيّة العامّة والمنظّمات الدوليّة تقرّ بأنّ الأراضي التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني منذ عام 1967 هي أراضي محتلّة ولا يزال الاحتلال قائما، وتعترف بحقّ العودة ولا يزال اللاجئون في المنافي، وتجرّم (أي القرارات الدوليّة) جدار الفصل العنصري ولا يزال الجدار قائما، وتؤكّد على حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ولا يزال الفلسطينيّون يبحثون عن هذا المصير ! لن يوضع القرار الجديد (العضويّة الفلسطينيّة في الأمم المتحدة) في خزانة القرارات التي تحترمها "إسرائيل" لأنّه لا وجود لهذه الخزانة إلاّ في مخيّلة السّلطة وأبناء النّهج التفاوضي وإنّما سيوضع في خزانة القرارات الّتي تمعن "إسرائيل" في اختراقها منذ قيامها. ومن مفارقات زمن "الاعتدال العربي" أنّ هذا الاختراق يتمّ في كثير من الأحيان بإشراف وتواطئ من أصدر هذه القرارات.
لا تقدر السّلطة الفلسطينيّة على العيش بدون أوكسجين المفاوضات لذلك لا تندرج هذه الخطوة في إطار البحث عن استراتيجيّة بديلة وإنّما هي مجرّد محاولة لتحسين شروط التّفاوض قبل الجلوس إلى الطاولة من جديد.
خاتمة :
لا يمكن أن تمرّ نسائم الحريّة التي تهبّ على أرجاء الوطن العربي دون أن تحرّك أغصان الزّيتون الفلسطيني وتعيد إحياء الأمل المتبقّي لاستعادة القدس. وعلى كلّ الفصائل الفلسطينيّة أن تدرك أنّ ما كان مقبولا من تفريط في الحقوق وحياد على الثوابت احترق مع جسد "البوعزيزي" الذي أعلن عن زمن التحرّر والانعتاق، وعلى الفلسطينيّين أن يبحثوا عن بدائل إستراتيجيّة تؤمن بأنّ استعادة الأرض تمرّ حتما عبر مشاريع التحرّر والمقاومة بكلّ أشكالها وعلى راسها الكفاح المسلّح. إنّ إسقاط خيار المقاومة هو إسقاط للقضيّة برمّتها، فليست كلّ الطرق تؤدّي إلى فلسطين.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: