يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يدور في هده الفترة نقاش داخل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة حول إدراج بند "مناهضة التطبيع" في الميثاق الجمهوري، و يبدو أن هدا النقاش كان وقته حاسما لأنه أكد الرأي القائل بأن المعارضة التونسية منقسمة إلى معارضة وطنية وأخرى تفرط بالقضايا الوطنية و القومية و التي قد تكون مرتبطة بدعم أجنبي أوروبي أو أمريكي و أخرى تسعى إلى مغازلة هاته الدول حتى تنال نصيبها من هدا الدعم.
وهي في الحقيقة عبر موقفها الرافض لهدا البند تكشف عن انتهازية فهي لا ترى في الديمقراطية طريقة في الحكم و إنما طريقة للوصول إلى السلطة عبر تفادي إثارة ريبة القوى الإمبريالية.
تتجاهل هده الأحزاب الدور الهدام لعلاقة الوصاية مع الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى بشكل عام. وهي لا ترى أهمية جوانب مهمة في تأسيس مسار التطور وسيادة الأمة، مثل الحفاظ على اللغة العربية وتطويرها، والموقف القاطع من احتلال أي أرض عربية، وبناء الاقتصاد الوطني من دون إملاءات أجنبية وبموجب حاجات السكان وليس بموجب مصالح الآخرين. (1)
إن الحجج التي يقدمها الرافضون لإدراج بند "مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني" تزيد قي تورطهم و تعمق التناقض الذي وقعوا فيه:
1- يؤكد بعض هؤلاء على أن الميثاق الجمهوري يجب أن يكرس مبادئ المواطنة و الديمقراطية و ليس من الضروري إدراج هده القضية ضمنه.
إن الديمقراطية تعني في أحد أوجهها حكم الشعب و هي طريقة قي الحكم تعبر عن إرادته و توجهاته العامة، و الشعب التونسي يعتبر قضية فلسطين قضيته و من ثوابته التي لا يتنازل عنها ، و لكم اختلطت دماء شهداء فلسطين بدماء إخوتهم التونسيين في أرض الإسراء و المعراج. و من هدا المنطلق يعتبر كل من يقف عقبة أمام هدا البند أو ضد هدا التوجه هو في الحقيقة يقف أمام تكريس إرادة الشعب و يصبح بدلك غير ديمقراطي و تصبح قيم المواطنة بالنسبة إليه مجرد كلمات يتشدق بها غير عابئ بمضمونها.
2- "التطبيع موقف سياسي و ليس مبدئي" : على هدا الرأي إتفق الصحفي سفيان بن فرحات و الأمين العام للحزب الإشتراكي اليساري محمد الكيلاني(2) في حلقة تلفزية بدأت بالتشكيك في هوية الشعب التونسي بطريقة سخيفة و غير علمية و غير بريئة و انتهت إلى تبرير التطبيع مع الكيان الصهيوني. هدا الرأي يفضح الإنتهازية الحقيرة لقائله لأنه يفصل بين المواقف السياسية و المبادئ.
إن كل موقف سياسي يتعارض مع المبادئ الإنسانية و الأخلاقية لا يعول عليه.
3- "طرح مسألة التطبيع مرتبطة بموازين القوى و هي متحولة عبر تحول هده الموازين" (3): لاينخرط صاحب هدا الرأي أصلا في عملية تحويل موازين القوى لصالح العرب و الفاسطنيين من خلال رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني و زيادة عزلته إقليميا و دوليا و إنما ينتظر تحولها ليتخد الموقف المناسب ، و هو ما يؤكد ما دكرناه سابقا عن لا وطنية بعض المعارضات.
4- "نحن نتحدث عن ميثاق جمهوري و ليس عن برنامج سياسي " : كان هدا رأي الناطقة الرسمية باسم حزب افاق(المنبثق عن التجمع المنحل) (4)و عصام الشابي عن الحزب الديمقراطي التقدمي (5) ، هدا الكلام حجة على المتكلم و ليس لصالحه لأنه تأكيد على أن برنامجه لا يحتوي رفضا للتطبيع و لو كان الأمر عكس دلك لما رفض إقراره في نص الميثاق. و ربما لو تصل هته الأحزاب إلى السلطة لوجدنا أفواجا من السياح قادمة من تل أبيب إلى تونس.
5- الحبيب القزدغلي عن حركة التجديد " مناهضة الصهيونية ليست من ثوابت الشعب التونسي بل هي مسألة بين الفلسطنيين و الإسرائليين" (6) : إن ما يصيب الأمة العربية من وهن و ما وصلت إليه حال القضية الفلسطينية هو نتيجة مباشرة لتواجد أصحاب هدا الرأي في الساحة السياسية العربية طيلة العقود الماضية و هو موقف - إن جازت تسميته موقف- لا يستحق عناء الرد أصلا .
فلسطين ملك مشترك لمختلف العرب و هي أرض عربية و هده القضية تعتبر من جوهر المسائل لا من فروعها و تونس غير قابلة للإنفصال عن الأمة العربية،و تعد المسألة الديمقراطية و الحريات و معاداة الصهيونية كلها أضلاع لدات المثلث.(7)
لا يمكن أن ننسى خروج الشعب التونسي و كل الشعب العربي من المحيط إلى الخليج يوم سقوط الرئيس المصري مبارك رافعا شعار "الشعب يريد وحدة عربية " و "الشعب يريد ثحرير فلسطين " و هو أحسن رد على هده التيارات الفرانكفونية و اللاوطنية.
إن تحديد هوية الشعب التونسي متمثلة قي الهوية العربية الإسلامية لا يتمثل فقط في فصل يكتب في الدستور بل هو إلتزام بقضايا الأمة العربية و على رأسها القضية الفلسطينية و هو يحتم علينا التوجه إلى شراكة إقتصادية عميقة مع بقية الأقطار العربية و الحد من سياسات التبعية و التسول من البنوك الأوروبية و الأمريكية.
إن التطبيع خيانة و ليس و جهة نظر.
عاشت تونس حرة مستقلة .
عاشت الأمة العربية حرة مستقلة من المحيط إلى الخليج.
----------------------------------------------------------------
(1):عزمي بشارة ، مقال "أفكار ميثاقية لأي ثورة عربية ديمقراطية".
(2): حلقة تلفزية بثت على قناة نسمة بتاريخ 17-06-2011.
(3): الأمين العام للحزب الإشتراكي اليساري محمد الكيلاني،حلقة تلفزية بثت على قناة نسمة بتاريخ 17-06-2011.
(4):نفس المصدر.
(5):جريدة الصباح،العدد 19979السنة61،الثلاثاء 14 جوان 2011 ، ص 4 .
(6):نفس المصدر.
(7):احمد براهمي المنسق العام لحركة الشعب ،جريدة الصباح،العدد 19979السنة61،الثلاثاء 14 جوان 2011 ، ص 4
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: