د .أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5689
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حادى عشر: على الإنسان أن يحدد لنفسه طريقا واضحا لا لبس فيه، ولا غموض :
(1) إما أن يتبع ألوهية واحدة تقابلها عبودية شاملة، ويتجمع فى هذه الألوهية كل ألوان السلطة وتتجه إليها كل الأفكار والمشاعر والنوايا والأعمال والتنظيمات والأوضاع ويتلقى منها القيم والموازين والشرائع والقوانين والتصورات والتوجيهات.
(2) واما أن يتبع نظريات وفلسفات وتوجهات بشرية تتمثل فيها عبودية البشر للبشر أو لغيرهم من خلق الله.
ثانى عشر : فى معنى التوحيد
التوحيد لا يعنى فقط مجرد توحيد ذات الله إنما يعنى توحيد الفاعلية والتأثير فى الكون وتوحيد السلطان والهيمنة، ولهذا فإن إفراد الله سبحانه بالألوهية يلزم إفراده بالملك والهيمنة والسلطان والقهر. ويعنى التوحيد أيضا أنه لا مكان لعبودية إلا لله، ولا مكان للاستمداد والتلقى إلا من الله سواء فى شريعة أو نظام أو أدب أو خلق أو اقتصاد أو اجتماع ولا معاملة أو سلوك ويعنى أنه لا مكان للتوجه لغير الله فى شأن من شؤون الحياة ومابعد الحياة.
ثالث عشر : مشركوا العرب كانوا يقرون بوجود الله وما كانوا يجحدون الله تماما، بل كانوا يقرون بوجوده سبحانه وبأنه الخالق الرازق المالك المحي المميت، لكن انحرافهم الذى وصمهم بالشرك هو أنهم ما كانوا يعترفون بمقتضى اعترافهم ذاك بتحكيم الله سبحانه فى أمرهم كله ونفى الشركاء له فى تدبير شؤون حياتهم، واتخاذ شريعته وحده قانونا ورفض مبدأ تحكيم غير الله فى أى شأن من شؤون الحياة. هذا الذى وصمهم بالشرك والكفر مع إقرارهم بوجود الله سبحانه.
والعرب فى جاهليتهم على كل مافى هذه الجاهلية من ضلال فى التصورنشأ عنه انحطاط فى الحياة هم أرقى من الجاهلية العلمية الحديثة. كان العرب يقرون بأن لله ما فى السموات وما فى الأرض ولكنهم ما كانوا يرتبون على هذه الحقيقة نتائجها المنطقية بافراد الله سبحانه بالسلطان على ما يملك وعدم التصرف فيه إلا بإذنه وحده وشرعه، ولهذا اعتبروا مشركين وسميت حياتهم بالجاهلية، فكيف بمن يخرج الله تماما من هذا السلطان ويزاوله بنفسه، إنه الكفر والظلم والفسق مهما كانت دعواهم فى الاسلام وشهادة ميلادهم الأسلامية.
رابع عشر : من يعدل عن شرع الله إلى شرع نفسه أو شرع الناس، هو من الذبن لا يعلمون ولا يهتدون :
كل من يركن إلى شرع نفسه وشرع ابيه، وبين يديه شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدخل تحت قائمة الذين لا يعلمون والذين لا يهتدون. وليقل عن نفسه أو يقل عنه غيره ما يشاء من أنه يعلم ويهتدى، فإن الذى لاجدال فيه أن شرع الله سبحانه وتعالى أصدق. وتبقى القاعدة الأساس وهى أن كل من يعدل عن شرع الله إلى شرع الناس إنما هو ضال، جهول، فوق أنه مغتر بنفسه كفور
خامس عشر : استحسان الإنسان أو استقباحه لأمر ما قررته الشريعة ليس هو الحكم فى الأمر، وما يراه الإنسان علة لأمر ما قد لا يكون هو العلة. والأدب مع الله يقتضى أن نتلقى أحكامه يالقبول والتنفيذ، سواء عرفنا حكمتها أو علتها أو ظلت خافية علينا." والله يعلم وأنتم لا تعلمون "
إن العمل بشريعة الله يجب أن يقوم ابتداء على العبودية له سبحانه وتعالى، وعلى الطاعة له سبحانه وتعالى إظهارا للعبودية، فهذا هو الإسلام بمعنى الإستسلام، وبعد الطاعة يجوز للعقل البشرى أن يتلمس حكمة الله بقدر ما يستطيع - فيما أمر الله به أو نهى عنه - سواء بين الله حكمته أم لم يبينها، وسواء أدركها العقل البشرى أو لم يدركها. فالحكم فى استحسان شريعة الله فى امر من الأمور ليس هو الإنسان، انما الحكم هو الله، فإذا أمر الله أو نهى، فقد انتهى الجدل ولزم الأمر والنهى. أما إذا ترك الحكم للعقل البشرى فمعنى ذلك أن الناس هم المرجع الأخير فى شرع الله، فأين مكان الألوهية إذن وأين مكان العبودية ؟.
سادس عشر : الترابط بين العقيدة الباطنة والعمل المعبر عنها هو الأصل فى الحكم المبدئى على شخص ما بالاستقامة، أما الظواهر والإشكال فلا تكفى وحدها فى هذا الحكم.
سابع عشر : لا يعترف الأسلام بهدف ولا عمل لا يقوم على أساس العقيدة مهما بدا فى ذاته صالحا. ولهذا فإن سعى المؤمن كله ينبغى أن يتجه إلى إقامة منهج الله فى الحياة كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بكل تفصيلاته وجوانبه.
ثامن عشر : لا يصح أن يتعاون المسلم فى سعيه إقامة شريعة الله، مع من لا يؤمن بالإسلام منهجا ونظاما وشريعة، أو مع من يتجه فى سعيه إلى أهداف أخرى – إن لم تكن معادية للأسلام – فهى ليست على الأقل الأهداف التى يسعــى إليها. إن الإسلام يكلف المسلم أن يخلص سعيه كله للأسلام، ولا يتصور إمكان إنفصال أى جزئية فى السعى اليومى فى حياة المسلم عن الأسلام لأنه ليست هناك جوانب من جوانب الحياة يمكن أن تخرج عن هذا المنهج.
تاسع عشر : الله تعالى هو مصدر القوة فى الكون جميعا. والإيمان صلة بهذه القوة الكبرى التى لا تضعف ولا تفنى. أما عدم الإيمان، فهو انقطاع عن تلك القوة وانعزال عنها. ولن تملك قوة محدودة فانية مقطوعة منعزلة عن الصلة بالله أن تغلب قوة موصولة بمصدر القوة فى الكون جميعا.
عشرون : حين يفسد المجتمع الذين يقوم أصلا على غير شريعة الله وعلى غير منهجه، لا يكون هناك جدوى من الإصلاحات الجزئية. وينبغى لهذا أن تبدأ المحاولة من الأساس.
يقول المفكرون الإسلاميون
"ينبغى ان يتركز الجهد أصلا على إقامة مجتمع صالح يقوم على منهج الله. بدلا من التركيز على إصلاحات جزئية، فتبدأ المحاولة من الأساس، وتنبت من الجذور. فيكون التركيز منصبا على تقرير سلطان الله فى الأرض.، وحين يستقر هذا السلطان يصبح الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر شيئا يرتكن على أساس. وذلك لأنه لا جدوى من ضياع الجهد فى مقاومة المنكرات الجزئية، والمنكر الأصلى باق وهو منكر الجرأة على الله وادعاء خصائص الألوهية بالإحتكام إلى شريعة غير شريعته ".
من هنا يكون من الغيرة الغبية على الإسلام أن يفرغ البعض جهده ويتحمس لاستنكار جزئيات هزيلة يرى أنها تخالف الإسلام، فهذا الجهد يعنى إسباغ طابع الإسلام على الأوضاع التى تناهض الإسلام أصلا، ولا تحكم بشريعته، ويعطى لها شهادة بأنها تقوم على أصل من الدين حقا ولكنه تخالفه فقط فى هذه الجزئيات الهزيلة، ومن ثم تعمل على تثبيت هذه الأوضاع. وتفرغ الطاقة الفطرية الدينية وتشغلها فى أمور ثانوية ليست هى الهدف الأصلي للدين.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: