(154) نقض فكرة الدخول فى اللعبة الديموقراطية بدعوى المصلحة
د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5839
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نبه المفكرون الإسلاميون إلى أن :" بعض الدعاة جعلوا من المصلحة صنما معبودا يعارضون به النصوص وينسخون به الأحكام. وأن المدافعين منهم عن فكرة الدخول فى اللعبة الديموقراطية يقولون تارة أنها خير جاءنا من الغرب، وتارة يقولون أنها شر لابد منه، وتارة يقولون أنها هي السبيل المتاح لنصرة الإسلام. وينظر البعض منهم إلى المصلحة نظرة حزبية فكل ما كان في مصلحة الحزب والجماعة فهو مصلحة شرعية تباح من أجله الحرمات وتعطل النصوص وكل ما لم يكن للحزب فيه مصلحة فهو غير معتبر ولا خير فيه للأمة. إن هذا التذبذب في القول، وهذه النظرة إلى المصلحة دليل على أنهم لا يزنون الأمور بميزان شرعي........"
ويقوم جوهر هذه الفكرة على أساس أن المشاركة فى النظام الديموقراطى فيها مصلحة عظيمة، تعمل على تحقيق ما أمكن من خير وتقليل ما أمكن من شر.
يقول المفكرون الإٌسلاميون ردا على هذا الإدعاء :
"أن الخاسر الأساس فى هذه اللعبة هو عقيدة "التوحيد". ذلك لأن الدخول فى اللعبة الديموقراطية يقوم بتحويل قضية الإلزام فى عقيدة التوحيد إلى قضية خيار تختاره الجماهير......."
" يقول الله سبحانه وتعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (الأحزاب: 36). وقضية عبادة الله وحده بلا شريك، وهي قضية لا إله إلا الله، معناها أن يكون الله هو المعبود في الاعتقاد، وهو المعبود في الشعائر التعبدية، وهو المشرع، وهو مقرر القيم والمعايير، وهو واضع منهج الحياة للناس. وهي قضية إلزام لا خيار فيها للمسلم ما دام مقراً بالإسلام، { فلا وَرَبِّكَ لايُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (النساء: 65). وأول ما يحدث عند الدخول فى لعبة الديموقراطية هو تحويل هذا الإلزام الرباني إلى قضية يستفتى فيها الناس، وتؤخذ عليها الأصوات بالموافقة أو الرفض، مع إتاحة الفرصة لمن شاء أن يقول: إنكم أقلية، والأقلية لا يجوز لها أن تفرض رأيها على الأغلبية. فتصبح المسألة مسألة رأى، وليست مسألة إلزام، مسألة تنتظر أن يصل عدد أصوات الموافقين عليها مبلغاً حتى تتقرر................"
".........إن تحكيم الشريعة إلزام رباني، لا علاقة له بعدد الأصوات، ولا يخير الناس بشأنه، هل يقبلونه أم يرفضونه، لأنهم لا يملكون أن يرفضوه ثم يظلوا مسلمين!. ويجب أن تقدم الدعوة للناس على هذا الأساس: أنه إلزام رباني، وأن الناكل عنه مرتد في حكم الله، وأن جميع الناس مطالبون بتحقيقه، حكاماً ومحكومين، سواء وجدت هيئة أو جماعة تطالب به أم لم توجد؛ لأنه ليس متوقفاً على مطالبة أحد من البشر، بعد أن طلبه رب العالمين من عباده بصيغة الأمر الملزم............".
ومن ناحية أخرى تؤدى هذه المشاركة فى اللعبة الديموقراطية إلى تمييع قضية الشرعية : يقول المفكرون الإسلاميون :
".......الشرعية في الديمقراطية هي لمن يأخذ أغلبية الأصوات، وهذا ليس هو المعيار الرباني؛ إنما المعيار الرباني هو تحكيم شريعة الله، ومن أعرض عن تحكيم شريعة الله فلا شرعية له في دين الله، ولو حصل على كل الأصوات لا غالبيتها فحسب، وهنا مفرق طريق حاد بين الإسلام وبين الديمقراطية. وعند الدخول في لعبة الديمقراطية فلا بد أن نقر بشرعية من يأخذ غالبية الأصوات، ولو كان لا يحكم شريعة الله، لأن هذا هو قانون اللعبة، والذي لا نملك مخالفته، وعندئذ نقع في محظور عقدي، وهو إعطاء الشرعية لأمر قال الله عنه إنه كفر، وهو التشريع بغير ما أنزل الله. ومهما قلنا في سرنا وعلننا: إننا لا نوافق على التشريع بغير ما أنزل الله، فإنه يلزمنا أن نخضع لقانون اللعبة، ما دمنا قد ارتضينا أن نلعبها، بل طالبنا في كثير من الأحايين أن يُسمح لنا باللعب فيها، واحتججنا حينما حرمنا من هذا الحق......."
أما الباحثون الشرعيون فقد فندوا هذا الادعاء استنادا إلى ما يلى :
أولا : " القاعدة هنا هى أن المصلحة ليست دليلا مستقلا يصلح لمعارضة النصوص، بل إن المصلحة المعارضة للنص ملغاة. وأن القضية ليست قضية مصلحة ومفسدة وربح وخسارة بل هي قضية إسلام وكفر وتوحيد وشرك......................"
"..... فمن كان يؤمن بوجوب إفراد الله بالحكم لا يحل له أن يتنازل عن هذا الأصل العظيم الذي هو من أركان التوحيد بحجة المحافظة على بعض المصالح الثانوية الموهومة. فليست هناك من مصلحة أعظم من المحافظة على توحيد الله عز وجل وتعليمه للناس وتربيتهم عليه..وليست هناك من خسارة وأكبر مفسدة من أن نخل بالتوحيد من أجل الحصول على بعض المصالح المتوهمة. والإخلال بالتوحيد يفقد المكاسب الأخرى قيمتها............"
ثانيا : " أنه لا خلاف بين أهل العلم في وجوب درء السيئة إذا كانت مفسدتها أعظم من المصلحة..قال العز ابن عبد السلام:
(إذا اجتمعت مصالح ومفاسد فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فعلنا ذلك امتثالا لأمر الله تعالى فيهما لقوله سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وإن تعذر الدرء والتحصيل فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة درأنا المفسدة ولا نبالي بفوات المصلحة، قال الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} البقرة 219، فالله تعالى حرمهما لأن مفسدتهما أكبر من منفعتهما، أما منفعة الخمر فبالتجارة ونحوها، وأما منفعة الميسر فبما يأخذه القامر من المقمور).
قال ابن النجار: الأمر إذا دار بين درء مفسدة وجلب مصلحة، كان درء المفسدة أولى من جلب المصلحة.. وقال ابن نجيم: (درء المفاسد أولى من جلب المصالح، فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالبا؛ لأن اعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، ولذا قال عليه السلام (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه )....."
" ومن هنا يتبين مدى حرمة تقديم جلب المصلحة على درء المفسدة الذي يسعى إليه من يريد تحمل المفاسد الناشئة عن الديمقراطية مقابل الحصول على بعض المكاسب منها.............."
ثالثا : " ان العلماء يمثلون للمفسدة الخالصة بـ " الشرك " إشارة منهم إلى أن جميع المصالح التي فيها شرك ملغاة...........
صرح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: (إن الشرك والقول على الله بغير علم والفواحش ما ظهر منها وما بطن والظلم لا يكون فيها شيء من المصلحة) [ الفتاوى (14ًص476) ].
وقال: (إن المحرمات منها ما يقطع بأن الشرع لم يبح منها شيئا لا لضرورة ولا لغير ضرورة كالشرك والفواحش والقول على الله بغير علم والظلم المحض وهي الأربعة المذكورة في قوله تعالي: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}الأعراف 33
فهذه الأشياء محرمة في جميع الشرائع وبتحريمها بعث الله جميع الرسل ولم يبح منها شيئا قط ولا في حال من الأحوال ولهذا أنزلت في سورة مكية.........".
رابعا : " أن المصلحة التي لم يشهد لها دليل لا يعمل بها إلا بثلاثة شروط : أن تكون محققة و كلية و غير مصادمة لنص، فلا يعمل بالموهومة ولا المظنونة.....إن جميع المصالح التي يدور حولها أنصار الديمقراطية دائرة بين الوهم والظن وليس فيها شيء محقق، لأنها تعتمد على قرار الناخب الذي لا يُدرى أيضله الله أم يهديه. لكن البحث في مسألة الشروط المذكورة لا علاقة له بقضية الديمقراطية لأن الديمقراطية غير داخلة في المصالح المرسلة. إذ المصالح المرسلة هي التي لم يشهد لها الشرع بالاعتبار أو الإلغاء..والديمقراطية شهد لها الشرع بالإلغاء............."
خامسا : " حال هؤلاء الذين يريدون الإصلاح من خلال الديمقراطية هو حال بعض الفلسطينيين الذين دخلوا في الكنيست الإسرائيلي بحجة تخفيف الظلم ! فكان دخولهم هذا أشد خطرا وأعظم فسادا من وقوع الظلم عليهم لأنهم بالدخول في هذا الكنيست يخضعون لأحكام اليهود ويعلنون الولاء لهم ويرضون بدولتهم ودستورهم وكفرهم واغتصابهم لأرض فلسطين، وكل هذا من أجل دفع بعض المظالم الدنيوية وهم مع ذلك ينتمون إلى الحركة الإسلامية وكذلك الذين دخلوا في هذه الديمقراطية بحجة إصلاح ما أمكن فإنهم يقرون بالدساتير الشركية، ويحتكمون إلى القوانين الوضعية، ويؤلّهون إرادة الشعب وحكم الأغلبية، ويرضون بتداول السلطة مع الملحدين والعلمانيين، ويعقدون الولاء والبراء على أساس الوطنية لا الدين، وهذا يدل على أن الذين يدعون الإصلاح إنما يعنون به إصلاحا دنيويا وإن أدى إلى فساد ديني...........".
سادسا :يقول الشيخ محمد الكورى :
" إن المصالح التي يرمي الإسلاميون الديمقراطيون إلى تحقيقها من خلال مشاركتهم في المجالس النيابية إنما هي مصالح وهمية من حيث إمكان حصولها ووقوعها من خلال ذلك السبيل الذي سلكوه........
إنه لا بد لاعتبار المصلحة من شرط أساسي هو رجحان الوقوع ولقد أثبت الواقع العملي أن مشاركة الإسلاميين في الديمقراطية لم تحقق ولا حتى مصلحة واحدة من المصالح التي برروا بها مشاركتهم فيها، لذلك فإنني لا أرى أن هناك مصلحتين أحتاج إلى المقارنة بينهما ثم أنتهي إلى ترجيح إحداهما، إذ ليس ثمة مصلحة راجحة أو محتملة من مشاركة الإسلاميين في المجالس النيابية، لذلك
فحسبي أن أذكر المصالح العظيمة والمهمة جدا والمؤثرة للغاية التي ستفوت أو سيطرأ على فهمها أو تطبيقها الخلل بسبب مشاركة الإسلاميين في اللعبة الديمقراطية، ثم أذكر المفاسد الرئيسية الناشئة عن تلك المشاركة:
أ- إجمال المصالح التي تضيع بمشاركة الإسلاميين في الديمقراطية :
وهي كثيرة أهمها:
1- إفراد الله تعالى بالعبودية والتشريع، فالحلال ما أحل، والحرام ما حرم،والدين ما شرع، وكل ما شرع فهو مصالح.
2- الحكم بما أنزل الله وتطبيق شرع الله، وبذلك وحده يكون العدل بين الناس، ويزول الظلم.
3- أمن الناس على عقيدتهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم على مستوى الضروريات والحاجيات والتحسينيات.
4- مصلحة الدعوة إلى الله وجهاد الكفار طلبا ودفعا كل حسب استطاعته وقدرته.
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة فريضة الحسبة.
6- نشر العلم الشرعي على كافة مستوياته وفي كل المراحل.
7- استئصال منابع الشر وردم قنوات الفساد والإفساد والأخذ على أيدي المفسدين.
8- وضوح عقيدة الولاء والبراء: موالاة الله ورسوله والمؤمنين أجمعين والبراء من كل أعداء الله تعالى وكل الطواغيت.
9- سلوك المنهاج النبوي في تغيير الواقع، وهذه من أعظم المصالح التي تؤدي إلى نشر السنة وقمع البدعة.
10 - توجيه واستقطاب طاقات الإسلاميين وتوظيفها واستغلالها أحسن استغلال وتنمية كفاءاتهم وقدراتهم.
11 - إفراز قيادة واعية جادة مدركة للواقع متحملة للمسؤولية متربصة بالخصم مستبينة سبيل المجرمين عالمة بسبيل ومنهاج المؤمنين، تعد لكل أمر عدته مدركة لهدفها عالمة بوسائل تحقيقها.
12 - التئام المسلمين على كلمة واحدة وتحت راية واحدة، راية أهل السنة والجماعة. وبذلك تتحد الكلمة ويجتمع الشمل ويعود للأمة عزها ومجدها.
ب - : إجمال المفاسد الناجمة عن مشاركة الإسلاميين في الديمقراطية:
إذا كانت مشاركة الإسلاميين في الديمقراطية قد أضاعت جميع تلك المصالح التي ذكرناها فإنها من جانب آخر قد أدت إلى مفاسد خطيرة أهمها:
1- مخالفة الكتاب والسنة من حيث معارضتها لتحقيق المصالح الإسلامية المعتبرة في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال على كافة المستويات الضرورية والحاجية والتحسينية.
2- المساعدة في تثبيت أركان الأنظمة الطاغوتية المتبرقعة بالديمقراطية.
3- التلبيس على المسلمين من خلال إضفاء لبوس إسلامي على أنظمة غيرإسلامية.
4- الرضا بواقع الأنظمة الديمقراطية الحاكمة بغير ما أنزل الله.
5- إلغاء فريضة الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
6- تكريس الإقليمية السياسية والجغرافية.
7- تأليه البشر حيث يصبحون مشرعين وأربابا لا سلطة فوقهم.
8- طمس معالم المنهاج النبوي في التغيير بركام أفكار الجاهليين العلمانيين.
9- الانشغال عن الدعوة إلى الله تعالى باللعبة الديمقراطية.
10 - اطلاع أعداء الله على كل المعلومات عن الحركة الإسلامية وقادتها وأفرادها ومعرفتهم بمخططاتها. إلخ
فأين المصلحة التى ستعود على الإسلام المسلمين من وراء الدخول فى اللعبة الديموقراطية فى مقابل كل هذه الخسائر ؟
----------
المصادر
1- أحمد ولد الكورى فتنة الديموقراطية الجزء الخاص بإجمالى المصالح والمفاسد الناجمة عن المشاركة فى الديموقراطية ص 458www.tawhed.ws/dl?i )
2- انظر تفصيلا ( د أحمد إبراهيم خضر، الإسلام والكونجرس، حقائق ووثائق حول ما أسماه الأمريكيون بحركة الأصولية الإسلامية، الجزء الخاص الفهم الأمريكى لمشاركة الإسلاميين فى العملية السياسية، دار الاعتصام، القاهرة 1994 ص 87- 98)
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: