د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5912
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بعدَ أُسبوع واحد مِن بدء الثورة في مصر، وقبل أن يعلن "حسني مبارك" تنحيه عن الرِّئاسة، كتَب "باري روبن" مقالة بعنوان: "المشاكل التي لا تزال تواجهها مصر"، نشرتها صحيفة "جيروزاليم بوست"، ووصفتها بأنَّها مقالة مكتوبة بصورة جيِّدة، ويجب أن يُؤخذَ ما فيها بجدية.
"بيري روبن" هو أستاذ في مركَز العلوم المتكاملة في "هيرزاليا " في إسرائيل، ويشغل في نفس الوقت مديرَ مركز البحث العالمي للشؤون الدوليَّة، وهو أيضًا زميل مركز مؤسَّسة السياسة الدولية لمكافحة الإرْهاب، ومدير البحوث في مدرسة "لودر" للحكومة والدبلوماسيَّة والإستراتيجيَّة، ومحرِّر مجلة الدِّراسات التركيَّة، ومجلة الشرق الأوسط للشؤون الدوليَّة، وعضو هيئة تحرير مجلة " ميدل إيست كوارترلى "، ونائب مدير مركز "بيجن - السادات" للدِّراسات الإستراتيجيَّة، والعديد مِن المؤسَّسات ومراكز البحوث الأخرى داخلَ وخارج إسرائيل.
ويكتب "روبن" في العديد مِن الصحف والمجلاَّت العالمية والمتخصِّصة مثل "النيويورك تايمز"، و"وول ستريت جورنال"، و"لوس أنجلوس تايمز"، و"فورين أفيرز" و" السياسة الخارجيَّة"... إلخ، وله العديد مِن المؤلَّفات، أحدثها ثلاثةُ مجلَّدات عن الإسلام السياسي، ومستقبل الشَّرْق الأوسط، والعراق بعدَ صِدام، ومسْح عالمي حولَ الأسلمة، وثمانية مجلَّدات في سلسلة عن الشرق الأوسط، وسبق له أن حرَّر خمسة كتب عن الإرْهاب وكتب فصولاً في أربعين كتابًا.
ويُصنِّف "روبن" بأنَّه مِن المؤيِّدين للسياسة الإسرائيليَّة في الشرق الأوسط، ومِن الكتَّاب الذين ينتمون إلى دائرة المحافظين اليمينيِّين في الولايات المتحدة، أو على الأقل مِن الذين تتقاطع أفكارُهم مع أفكار المحافظين اليمينيِّين الذين يهتمُّون بشؤون الشَّرْق الأوسط.
كانتْ تصورات "روبن" عنِ الثورة المصرية في أسبوعها الأوَّل تنحصر في "أنَّ الأوضاع في مصر ما زالت مرتبكة، وأنَّ استقالة الرئيس "مبارك" من منصبة ليس بالمشكلة الكبيرة، فقد يتولَّى المهمة من بعده "عمر سليمان" أو غيره، وسيقوم الرئيس الجديد بعقد توافقات للحصولِ على التأييد الشعبي، ويحتمل أن يقومَ بقمع الإسلاميِّين، لكن السياسة الخارجيَّة المصرية ستظلُّ كما هي لا تتغيَّر، والمشكلة ليستْ في سقوط "مبارك"، إنَّما في سقوط النِّظام، فإذا سقط النِّظام ستدخل البلاد في فترة سيِّئة من الفوضى وقد تنتقل إلى نِظام سياسي أسوأ".
حدَّد "روبن" مخاوفه مما قد تؤول إليه الأمورُ في مصر في عِدَّة نقاط أوجزها فيما يلي:
أولاً: ضَعْف المعتدلين: يقول "روبن": "لا تَتمتَّع أيةُ جماعة معتدلة في مصر بالتنظيم الجيِّد، وقد يكون الإسلاميُّون أقوى الجماعات على الساحة تنظيمًا وانضباطًا، ومعرفة ماذا يريدون، وليستْ هناك من جماعة سياسية تقوى على منافستهم.
أما "محمد البرادعي" فهو رجلٌ ضعيف، وغير فعَّال، وليستْ له خبرة سياسية، والكثيرون مِن النشطين الذين وقفوا وراءَه هم من الإسلاميِّين، ويمكن القول: إنَّ المعتدلين من غير الإسلاميِّين هم في الواقع ليسوا معتدلين، فعلى عكس الإصلاحيِّين العرب، نجد دعاة الديموقراطية من المصريين متطرِّفين، وخاصَّة في مسألة معاداة الولايات المتحدة وإسرائيل".
ثانيًا: تطرُّف جماهير الشعب المصري: يقول "روبن": "كشفتْ نتائج بحوث الرأي العام التي أُجريت في مصر أنَّ الشَّعبَ المصري ذاته شديد التطرُّف، إذا ما قورن بالحال في الأردن ولبنان، حينما سُئل المصريون ما إذا كانوا يفضِّلون الإسلاميين أم المعتدلين: أجاب 59% منهم بأنهم يفضِّلون الإسلاميِّين، وأجاب 27% منهم بأنهم يفضِّلون المعتدلين، ورغم أنَّ الحكومة المصرية في عهد "مبارك" كانتْ تبثُّ دعايتها اليوميَّة ضدَّ التنظيمات المسلَّحة المعادية للغرب ولإسرائيل، كانتْ نسبة كبيرة مِن المصريِّين تؤيدها.
ويتساءل "روبن" هنا: "ترى كيف يكون حال هذه الجماهير المتطرِّفة عندَ الذَّهاب إلى صناديق الاقتراع، وأي السياسات سوف يؤيِّدونها، الخُلاصة هنا هي أنَّ الإسلاميِّين أكثر شعبيِّة في الشارع المصري، ولن يتمكَّنَ العلمانيون من منافستهم في الانتخابات".
ثالثًا: قوَّة الإسلاميِّين والتطرُّف: يقول "روبن": "إذا قال لك أحدٌ: إنَّ الإسلاميين وسطيُّون ومعتدلون لا تُصدِّقه، إنهم يصبون النقد والكراهية في أحاديثهم ومطبوعاتهم ضدَّ الغرب وضدَّ إسرائيل، أحد متطلَّباتهم الأساسية هو أن تكونَ الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع، فإذا وصَل الإسلاميُّون إلى السلطة حتى ولو بالتحالُف مع جبهاتٍ أخرى، فإنَّ هذا سيؤثِّر حتمًا على حقوقِ الأقليات الدينيَّة والنِّساء وهؤلاء الذين لا يودُّون أن تحكم مصر وفقَ قوانين الشريعة".
"أمَّا بالنسبة للسياسة الخارجيَّة، فالسؤال المطروح عندَ وصول الإسلاميِّين إلى السلطة هو: هل سيبقَى النِّظام الجديد على التحالُف مع الولايات المتحدة ومعاهَدة السلام مع إسرائيل؟ قد تكون الإجابة بـ"ربما"، لكنه مِن الواضح أنَّ اعتماد العرَب على الولايات المتحدة أمرٌ مشكوك فيه.
وضع "روبن" القضية كلها في المقولة التالية: "إنَّ أسوأ أنواع الكوارث هي الكارثة التي لا تَستطيع أن تتعرَّف عليها؛ لهذا فإنَّه ليس هناك مِن شيء نفعله سواء بقِي مبارك في السلطة أو ترْكها، لكن علينا أن نفعلَ كلَّ شيء في حالة ما إذا سقَط النِّظام كله.
الشَّعب المصري كلُّه متطرف في نظر "روبن"، الإسلاميُّون متمسِّكون بالشريعة، وعامَّة الشعب تؤيِّد تطبيق الحدود، والكثيرون مِن غير الإسلاميِّين معادون للولايات المتحدة وإسرائيل، ويرى باحثون آخرون أنَّ الاتجاهات الأخرى من غيرِ الإسلاميِّين التي تعارِض السلام مع إسرائيل يُمكن أن تكونَ نقطة محورية نحو تخليص مصر مِن كل معاناتها الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة، ومِن ثَمَّ تمهِّد الطريق إلى العودة إلى الإسلام الحقيقي.
الخلاصة هنا كما انتهى إليها "روبن" هي أنَّ هذه الثوراتِ العربيةَ رغم غلبة الاتجاه العلماني الليبرالي عليها، فإنَّها أفسحتِ الطريق لعودةِ الإسلام مرةً أخرى بعدَ غيبته في "كامب دافيد"؛ ليتصدَّرَ المواجهة ضدَّ الدولة العِبرية، وهذا ما كان اليهود يخشَوْن منه على الدوام، وعبَّر عنه مؤرِّخوهم بقولهم: "إنَّ صِراع اليهود ضدَّ النازية قليلُ الأهمية إذا ما قُورن بالجهود التي تُبذل للوقوف في وجهِ الأخطار المترتبة على إعلانِ مصرَ نفْسها دولة عربيَّة إسلاميَّة".
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: