كريم فارق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7788
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
1- هل يندرج هذا الإعتصام في إطار الصراع على السلطة و تحديدا إحكام القبضة على وزارة الداخلية بين الأجنحة المتنفذة إستعدادا للمستقبل القريب ؟ و هل تحول هذا الصراع الخفي إلى صراع للي الذراع ؟
من المهم جدا أن نذكر أن هناك نقابتين للأمن :
*) نقابة قوات الأمن الداخلي (الكاتب العام: عبد الحميد جراي):
+ دعت نقابة قوات الأمن الداخلي إلى إبعاد "الفاسدين" من إطارات الداخلية.. و هذا ما أثار جنون قوى الإلتفاف و العمالة
+ دعت نقابة قوات الأمن الداخلي للإعتصام أمام مقر وزارة الداخلية.. أكرر وزارة الداخلية يوم الثلاثاء 6 سبتمبر، في نفس اليوم الذي ألقى فيه السبسي خطابه
+ من الملاحظ أن نقابة قوات الأمن الداخلي هي التي طالبت قائد السبسي بتقديم اعتذار في ظرف 48 ساعة
*) إتحاد نقابات قوات الأمن المنتخبة (الكاتب العام: الأسعد الكشو): وهي نقابة من إنشاء الأزهر العكرمي، الوزير المكلف بالإصلاح لدى وزير الداخلية ! و قد تم تكوين هذه النقابة لمجابهة نقابة قوات الأمن الداخلي
+ دعا اتحاد نقابات قوات الأمن الداخلي ( نقابة لزهر العكرمي ) للإعتصام في ساحة القصبة في نفس اليوم (الثلاثاء 6 سبتمبر)
+ دعا اتحاد نقابات قوات الأمن الداخلي ( نقابة لزهر العكرمي ) إلى إقالة الصيد و الحكومة، و هذا موقف سياسي ليس من مهام أعوان الداخلية أو الدفاع
+ إقتحمت الوزارة الأولى و تعرضت لسيارة السبسي
من الملاحظ أن الباجي قائد السبسي قد هاجم نقابة قوات الأمن الداخلي و دعا لمحاكمة أعضائها لدعوتهم إلى إبعاد "الفاسدين" من إطارات الداخلية ولم يذكر إتحاد نقابات قوات الأمن المنتخبة ( نقابة لزهر العكرمي ) بسوء !! و هذا يرجع إلى جهله بوجود نقابة ثانية
هل كان الإعتصام في القصبة تغطية لخطاب السبسي و تلهية الرأي العام لتمرير الإستفتاء و تشليك الثورة ؟
* الملاحظ أن دور الإعلام لم يكن بريئا بالمرة، إذ ركزّت وسائل الإعلام على "فيلم" القصبة '' و تجاهلت أخطر و أهم ما قاله قائد السبسي.. و هو إذا حصل إتفاق بين الحكومة و أغلب الأحزاب سوف يتم تقزيم مهام المجلس التأسيسسي بالإستفتاء المزعوم.. و هذا الشرط من تحصيل الحاصل بما أن أغلبية الأحزاب تجمعية.
الأجنحة المتصارعة على وزارة الداخلية
من خلال الصراعات التي وقعت إلى حد هذه الأيام، برزت جليا ثلاثة أجنحة (لكن ربما يكون عددهم أكثر من ذلك على أرض الواقع) :
1- جناح الصيد و الديماسي. و يحركه كمال اللطيف
2- جناح لزهر العكرمي و إتحاد نقابات قوات الأمن المنتخبة، و يحركه اليسار الفرنكفوني الذي يسيطر على هيئة بن عاشور و هيئة الجندوبي و قيادة إتحاد الشغل و كثير من المواقع الحساسة في الدولة و إداراتها و المؤسسات الإعلامية الوطنية و الخاصة
3- جناح نقابة قوات الأمن الداخلي. و هذا الجناح يبدو إلى حد الآن أنه غير مسيس و يتبنى مطلب الثورة في تطهير الداخلية من الفاسدين
الأهداف الخفية للإعتصام القصبة
للتذكير، عندما وقع تعيين الصيد وزيرا للداخلية عارض بن عاشور بشدة مناقشة البيان المعارض لتعيين الصيد و رفع الجلسة و هدد بالإستقالة. و عندما طالب المرزوقي و أحزاب أخرى و ثوار القصبة 3 بشدة بإقالة الصيد لم تبدي هيئة بن عاشور أي تأييد لهذا المطلب. و لكن في أوائل أوت، باغتتنا فجأة هذه الهيئة بالمطالبة بإستقالة الصيد. ترى ما الهدف من وراء هذا التحول المفاجئ ؟ طبعا إزاحة الصيد يفتح المجال واسعا للزهر العكرمي لتولي المنصب و بذلك تتم السيطرة على الداخلية لمن يقفون وراء هيئة بن عاشور. و لكن لم يستجب كمال اللطيف لهذا المطلب.
لكن، يبدو هذه المرة أن خطة جناح لزهر العكرمي كانت غاية في الدهاء بتواطؤ من الإعلام، إذ أنهم باعتصام القصبة و جهل عموم الناس بوجود نقابتين (يبدو أيضا أن السبسي نفسه يجهل ذلك و وقع إستغلال جهله ) قد تمكنوا من ركوب حركة التمرد التي قام به أعضاء نقابة قوات الأمن الداخلي في ثكنة العوينة لإزاحة آمر الحرس، و برزوا في الصورة بتواطأ من الإعلام الذي ركز على اعتصام القصبة و تناسي إعتصام أعوان نقابة قوات الأمن الداخلي المقام أمام وزارة الداخلية في نفس الوقت. زد على ذلك طالب أعوان نقابة لزهر العكرمي بإستقالة الصيد و الحكومة و في ذلك تحد صارخ، و هذا الانفلات في أجهزة الأمن من شأنه إظهار الصيد في موقف الضعيف الذي ليس في مقدوره السيطرة على وزارة الداخلية و إدارتها، و من ثم وجبت إقالته. و بذلك تكون الفرصة سانحة للأزهر العكرمي (بما أنه الوزير المكلف بالإصلاح لدى وزير الداخلية) لتولي الوزارة. مع العلم أن هذا السيد قد باع ذمته ب-250 دينار إلى بن علي ليبيض له جرائمه
و أسقط الإستفتاء فجأة
لماذا أسقط الإستفتاء الآن بعد ستة أشهر من عمل هيئة بن عاشور؟ لماذا نكث السبسي عهده بتسليم الحكم للمجلس التأسيسي فور إنتخابه؟ أهو الهلع بإقتراب 23 أكتوبر و الإرباك الذي أصاب جميع المستنفعين من النظام من تجمعيين و أحزاب الديكور خوفا من الخسارة في الانتخابات و بالتالي إزاحتهم عن السلطة ؟
بعد دراسة كل المعطيات المتاحة لديهم بما في ذلك القوائم الانتخابية، يبدو أن التجمعيين و حلفائهم من اليسار الفرنكوفوني باتوا غير واثقين من الفوز بالأغلبية في إنتخابات 23 أكتوبر، رغم القانون الانتخابي الذي فصلته هيئة بن عاشور على قياس الأحزاب التجمعية و احزاب الديكور، مما أصابهم بالهلع و دفعهم إلى التفكير في طريقة ما يستمرون من خلالها في الحكم، فكان الاستفتاء الذي يمكن الحكومة اللاشرعية من البقاء لمدة طويلة.
الاستفتاء يسير بالبلاد نحو المجهول
من المؤكد أن اللذين وراء الإستفتاء و هذه الحكومة اللاشرعية قد برهنوا بالدليل القاطع على تآمرهم على مطالب الشعب في نظام ديمقراطي قدم في سبيله الشهداء و الجرحى و تضحيات و آلام كثيرة طيلة نصف قرن. و في المقابل، و رغم كل المؤامرات التي حيكت من طرف هذه الحكومة و هيئاتها لإجهاض الثورة، برهنت الأحزاب الشريفة و خصوصا أكبرها على نضج سياسي كبير و التحلي بالمسؤولية الكاملة في إتخاذ القرارات، و قدمت التنازلات، و صبرت صبرا جميلا و لم تحرك الشارع رغم قدرتها الكبيرة على ذلك، كل ذلك من أجل استنفاد كل الوسائل لتجنيب البلاد الدخول في المجهول من أجل انتقال ديمقراطي سلمي و نزيه. لكن قد ينفد الصبر أمام صبيانية أعداء الثورة و لعبهم بالنار و بمستقبل أجيال كاملة.
الإستفتاء إعدام للثقة و للمصالحة
بهذه الخطوة أقدمت الحكومة اللاشرعية الفاقدة للثقة الشعبية، على قطع آخر خيط من الثقة بينها و بين الأحزاب الشريفة، و لم يبق أمام هذه الأحزاب من خيار إلا الرجوع إلى الشارع، و تتحمل الحكومة المسؤولية في كل ما ينتج عن ذلك. و تكون الحكومة قد جذرت الثورة و ألهبتها من جديد.
و حذار ، حذار ، فكل مزيد من إراقة الدماء من طرف أجهزة الدولة سيكون بمثابة إعدام لمقولة '' المصالحة بعد المحاسبة '' و ستكون عوضا عنها محاسبة و محاسبة ثم محاسبة للجميع بمن فيهم السبسي اللذي سيكمل ما تبقى من أيامه في السجن
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: