(94) بين رسالة هارون الرشيد لملك الروم ورسالة القذافى لأوباما
د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6437
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كان " هارون الرشيد " على خلاف ما استقر فى أذهان الناس عنه تماما.
لم يترك الحبل على الغارب لأبنائه كما فعل "القذافى"، بل كان يقيم الحدود ولو على ولده، فعل ذلك مع ابنه المأمون. وما كان لملك قط رحلة فى طلب العلم إلا الرشيد، فإنه رحل بولديه "الأمين" و"المأمون" لسماع الموطأ على مالك رحمه الله.لم يكن ينكر السنة المتواترة كـ "القذافى"، بل هَمَّ بقتل عمه يوما لأنه اعترض على حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بسجنه، ولم يطلقه حتى اعترف بخطئه واستغفر ربه، وتاب إليه. كان يحب مخالطة العلماء والفقهاء، ويرتاح لإشارات الزهاد والنساك. لم يكن كـ "القذافى" يقرر فى كتابه الأخضر مبادئ فيها مروق من الدين، بل كان يكره الجدال فى الدين، ويرى أنه يسبب تشويشا وخلطا عند البسطاء، وأمر بسجن كل من كانوا يجادلون فى الدين حتى لا ينشروا البلبلة والتردد فى الدين بين الناس. كان يصلى فى اليوم مائة ركعة نافلة إلى أن فارق الدنيا إلا من مرض، كان يشهد الصبح لأول وقتها. لم يخصص مالا لأسرته وأهل عشيرته كما فعل "القذافى"، بل كان يتصدق من صلب ماله كل يوم بألف درهم بعد زكاته. كان أرغب الناس فى الخير، وأسرعهم إلى كل بر. لم يكن فى نقش خاتمه تمجيد لنفسه، وإنما كان فى نقش خاتمه كلمة " العظمة والقدرة لله " وقيل : " كن مع الله على حذر ". قرأ يوما كتاب " أبى سفيان بن سعيد بن المنذر الثورى " يقول له فيه :" اتق الله يا هارون فى رعيتك، واحفظ محمدا صلى الله عليه وسلم فى أمته، وأحسن الخلافة إليهم، واعلم أن الأمر لو بقى لغيرك لم يصل إليك، وهو صائر إلى غيرك، وكذا الدنيا تنتقل بأهلها واحدا بعد واحد". فلما وصله كتاب " الثورى" قام، وقعد، ودعا بالويل والحزن، وقال : مالى والملك يزول عنى سريعا، ثم أخذ يقرأ الكتاب ودموعه تنحدر من عينيه، ويقرأ، ويشهق ". هكذا كان " هارون الرشيد " لم يستعمل سلطانه، ولم يفقد اطمئنانه، ولم يستمع لبطانة الشر التى أرادت أن تحرضه على "أبى سفيان الثورى".
فى سنة إحدى وثمانين ومائة غزا "هارون الرشيد " أرض الروم، وفتح حصن الصفصاف، وكان من أعظم حصونهم. وفى سنة تسعين ومائة كان على الروم ملكة، فخلعوها عليهم، وملكوا عليهم ملكا اسمه "نقفور". كتب "نقفور" إلى "الرشيد" كتابا قال فيه :" من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب. أما بعد، فإن الملكة التى كانت قبلى أقامتك مقام الرخ ( القلعة )، وأقامت نفسها مكان البيدق ( الجندى الصغير)، فحملت إليك من مالها ما كنت حقيقا أن تحمل أضعافه إليها، ولكن ذلك من ضعف النساء وحمقهن. فإذا قرأت كتابى هذا أردد إلى ما وصل إليك منها، وإلا السيف بيننا وبينك ".
قرأ الرشيد الكتاب فاستفزه الغضب، وردا عليه قائلا : " من هارون أمير المؤمنين إلى "نقفور" كلب الروم. أما بعد فقد قرأت كتابك يـا "ابن الكافرة ". والجواب ما ترى لا ما تسمع، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ". وفى سنة تسعين ومائة سار الرشيد بنفسه فى مائة ألف وخمسة وثلاثين ألفا حتى نزل " هرقلة " من بلاد الروم، وحاصرها ثلاثين يوما، ثم فتحها وبث عساكره فى أرض الروم، وبعث إليه ملك الروم الجزية عن رعيته، وفادى الروم حتى لم يبق بممالكهم فى الأسر مسلما ".
هكذا كان هارون الرشيد رحمه الله. أما " القذافى " الذى تعرضت بلاده فى الأسبوعين الماضيين لأكبر هجوم وحشى جوى وبحرى فى تاريخها الحديث. وأطلقت عليها آلاف القنابل والصواريخ من الغواصات الأمريكية والأوربية والسفن الحربية، والطائرات المقاتلة التى دمرت المواقع العسكرية الليبية، والطائرات، والطرق، والموانئ، ومستودعات النفط، ومرابض المدفعية، والدبابات، والناقلات المدرعة، وتجمعات الجنود. فقد استجاب لكل ذلك برسالة أرسلها إلى الرئيس الأمريكى " أوباما " فى السادس من أبريل عام 2011 هذا نصها ( بعد تصحيحها) :
" ابننا صاحب السعادة الرئيس أوباما.....
الولايات المتحدة الأمريكية
لقد أصابنا الألم معنويا أكثر منه بدنيا بسبب ما حدث منكم ضدنا سواء بالكلمات والأفعال. ورغم كل ذلك فإنى سأظل اعتبرك " ابنا " لنا. وأيا ما حدث منكم، فاننا لا نزال ندعو لكم بفترة رئاسة ثانية، ونأمل أن تفوزوا بها فى حملة الانتخابات القادمة. إننى أرى فيكم هذا الرجل الذى يملك الشجاعة الكافية لإيقاف الاعتداءات على بلادنا. إنى متأكد أنك رئيس أقوى القوى فى العالم فى أيامنا هذه. إن حلف الناتو يشن حربا غير عادلة على شعب صغير نام. لقد تعرض هذا الشعب بالفعل إلى عقوبات وحظر، وعلاوة على ذلك فإنه عانى من اعتداء عسكرى مسلح فى عهد ريجان. هذا البلد هو ليبيا. ولهذا فإنى أرى أنه من أجل خدمة السلام العالمى، والصداقة بين شعبينا، ومن أجل التعاون الاقتصادى والأمنى ضد الإرهاب، ومن أجل الخير، عليكم بإيقاف اعتداء قوات الناتو على بلادنا، وأنتم فى وضع يسمح لكم بذلك.
وكما تعلمون فإن البناء الجيد للديموقراطية والمجتمع المدنى لن يتحقق عن طريق الصواريخ والطائرات أو بدعم عضو مسلح من القاعدة فى بنغازى.
لقد قلت أنت نفسك فى مناسبات عديدة إحداها فى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكنت أنا شاهد على ذلك شخصيا : " أن أمريكا ليست مسئولة عن أمن الشعوب الأخرى. أمريكا تساعد فقط، وهذا منطق صحيح ".
ابننا العزيز فخامة الرئيس "باراك حسين أوباما " إن تدخلك بإسم الولايات المتحدة ضرورى. ومن هنا فإن على قوات حلف الناتو أن تنسحب نهائيا من الشأن الليبى. ويجب عليها أن تترك ليبيا لليبيين داخل إطار الاتحاد الأفريقى. ان المشكلة
الآن تتحدد على النحو التالى :
اولا: هناك تدخل عسكرى وسياسى من دول حلف الناتو.
ثانيا : هناك عصابات من القاعدة قامت بأعمال إرهابية ورفضت بالقوة ان تسمح للناس بالعودة الى حياتهم الطبيعية والاجتماعية كالمعتاد.
معمر القذافى قائد الثورة....
الخامس من أبريل 2011 "
الرسالة كانت مليئة بالأخطاء فى القواعد والإملاء، وكانت مثار تهكم وسخرية ممن قرأها من الغربيين . علق " جاى كامرى" أحد كبار رجال البيت الأبيض على رسالة القذافى قائلا :" ليست رسالة القذافى إلى الرئيس " أوباما " هى الرسالة الأولى، فقد سبقتها رسالة أخرى أرسلت فى التاسع عشر من مارس الماضى قبل بدأ الضربات الجوية الأولى. قال القذافى فى هذه الرسالة : " أنه حتى لو دخلت الولايات المتحدة وليبيا فى حرب - لا سمح الله - فستظل ابنى ".
فارق شاسع بين الرسالتين، رسالة تنبض بعزة الإسلام والمسلمين، ورسالة تعكس هوان المسلمين وذلتهم. رسالة من خليفة كان يحج عاما، ويغزو عاما، ورسالة من زعيم كان يبحث عن مجد شخصى، فلم ينل بعده إلا هوانا وذلا. رسالة من خليفة استعلى بإيمانه، ناعتا قائد النصارى بـ "ابن الكافرة "، ورسالة من زعيم يستجدى عدوه ويطلب منه أن يرفع عنه ضيم عدو مثله. إنها ضريبة البحث عن المجد الشخصى، والركون إلى الدنيا، والتخلى عن الجهاد.
المصدر : نقلا عن مجلة المجتمع الكويتية
المصادر :
1- أحمد إبراهيم خضر، الجواب ماترى لا ماتسمع "دفاع عن هارون الرشيد"، سلسلة من التراث تصدر عن طائر العلم للنشر والتوزيع، جده، السعودية 1994.
2- Prof James Petras , Libya And Obama’s Defense Of The ‘Rebel Uprising’ by
Global Research, April 4, 2011.
www.globalresearch.ca/index.php?context=va&aid=24142
3- Text of New Qaddafi Letter to Obama
thelede.blogs.nytimes.com/.../text-of-new-qaddafi-letter-to-obama/
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: