فوزي مسعود
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 19906
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
من المشاهد التي تكاد تتميز بها تونس دون سواها من البلدان العربية، الإجماع النادر لأطراف مختلفة فكريا بوجوب عدم المس من إحدى القوانين البشرية التي صيغت بعيد الاستقلال، وهو إجماع غريب و لايبرره أي اعتبار موضوعي، مما يجعل من هذا الموقف يقارب النظرة الصنمية للأشياء، ويعطي مؤشرا على مستويات متقدمة من الانفعال الفكري والنفسي لهذه الأطراف، بأدوات التشكيل الذهني التي أخضع لها التونسيون طيلة نصف قرن، مثلهم في ذلك مثل عامة المواطنين، حدا جعلهم عاجزين حتى على مجرد الاقتراب من مجلة الأحوال الشخصية بالمراجعة فضلا على أن يكون رفضا.
وكما هو معروف فإن مجلة الأحوال الشخصية هذه تحمل في طياتها تشريعات مخالفة للإسلام، وحسبها سوءا أن سئ الذكر بورقيبة ارتضاها كأداة لتمرير مشروعه التغريبي، حيث في كنفها تم تفكيك المجتمع التونسي و إرساء منظومة فكرية إلحاقية بفرنسا، مما جعل تونس في طليعة الدول الإسلامية التابعة فكريا للغرب والمنفعلة به، وأنظر إن شئت شيوع الحركات والمنظمات الفكرية والسياسية والشبابية بتونس المتخذة للغرب نموذجا وقدوة في أهدافها، من منظمات لائكية وأخرى مطالبة بحقوق المرأة بزعمهم وبعضها منادية بحقوق الإنسان بمفهومه الغربي وأخرى بحرية الشواذ.
ليس قصدي هنا تناول مجلة الأحوال الشخصية بالنقد، وإنما الذي يعنيني تناول هذه الصنمية التي تغلف مواقف الكثير من التونسيين تجاه هذه المجلة، مساهمة في تحرير العقول، لغرض الوصول لمرحلة تكسير هذا الصنم.
مفارقات حول المواقف
في الوقت الذي يوجد من التونسيين من ينتقد الإسلام ويصور ذلك على أنه أمر عادي ومن حرية الرأي، فإن انتقاد مجلة الأحوال الشخصية يعتبر حدا فاصلا أحمرا كما يقولون، لايجب الاقتراب منه بالنقد أو بالمراجعة.
وفي الوقت الذي يعتبر التهجم على الإسلام وعلى رموزه رأيا أو فنا يشاد بأصحابه ويسمح لهم بتبوئ المناصب الإعلامية والفنية والعلمية بالجامعات، فإن انتقاد مجلة الأحوال الشخصية يعتبر تخلفا ورجعية وظلامية، يهاجم قائلوه ويسفهون ويضيق عليهم.
وفي الوقت الذي تقام الندوات بالجامعات التونسية للتشكيك في القرآن وتؤلف الكتب في ذلك بزعم أن القرآن إنتاج أدبي بشري يجب النظر إليه في إطار تاريخي، فإن محاولة تناول مجلة الأحوال الشخصية كإنتاج تاريخي قابل للمراجعة يواجه بالرفض والصد، إذ مجلة الأحوال الشخصية ذات قدسية لم يرتقي لها حتى القرآن الكريم بزعم هؤلاء.
ولئن كانت هذه المواقف غير مستغربة من أهل الباطل بمختلف تصنيفاتهم، فإن الذي يجلب الانتباه والمستغرب حقا هو أن كثيرا ممن تصدى لخدمة الإسلام بتونس، كان أن بلغ بهم حد التميّع الفكري والانكسار أمام سطوة الواقع وأقطابه، أن عجزوا على الاقتراب من مجلة الأحوال الشخصية هذه بالنقد.
بل إن هؤلاء تجدهم في كل مناسبة ودونها يكررون أنهم مع مجلة الأحوال الشخصية ، وذهبوا مراحل كبيرة في تهافتهم إذ قالوا أنهم يعتبرون هذه المجلة اجتهادا. وإنما قالوا ذلك كمخرج لهم من إحراج احتواء هذه المجلة ما يخالف الإسلام، في مسعى تبريري يليق بفقهاء السلطان حين يتلاعبون بالنصوص الشرعية.
ولئن كان هؤلاء الإخوة المتهافتون المتساقطون أبدا أمام الواقع، غير قادرين على أن يكونوا في مستويات تناسب ما يفترض أنهم يحملون من مبادئ، فإنه يطلب منهم على الأقل أن يكونوا في مستوى جرأة أهل الباطل حينما رفضوا القرآن وأردوا إخضاعه للدراسة التاريخية، يطلب من هؤلاء الإخوة المنكسرون أن يكونوا على الأقل في مستوى جرأة من جاهر برفض الاحتكام للإسلام وانشأ المنظمات لذلك واعد الدراسات المنادية بوجوب إخراج الإسلام من دائرة التأثير، وأنتج أفلاما ترفض وتستهزئ بالشرائع الإسلامية (التهجمات على الميراث والزي الإسلامي).
وجوب ذبح البقرة المقدسة
سأبرهن في ما يلي على فساد الطرح الذي يقول بقدسية مجلة الأحوال الشخصية:
إذا أخذنا أحدهم، فهو إما أن يكون مؤمنا برسائل الأنبياء وفي حالتنا الإسلام أو لا يكون.
إذا كان مؤمنا بالإسلام، فهو إما أن يعتبر أن مجلة الأحوال الشخصية ذات قدسية شرعية أو لايكون، إن اعتبرها ذات قدسية شرعية كالقرآن، فهذا افتراض يبطله عدم تأكيد هؤلاء لذلك، وعليه فهذا الاقتراض محال. وأما إن كان لا يعتبرها ذات قدسية شرعية، فهو المطلوب.
وأما إن كان لا يؤمن بالإسلام، أو مؤمنا ولا يعتبر أن لهذه المجلة قدسية شرعية، فإن إعطائه أهمية استثنائية لهذه المجلة متأت مما تحمله أو تنتجه من أفكار أو لا.
إن كانت أهميتها متأتية من شيء آخر غير ماتحمله أو تنتجه من أفكار فإن ذلك محال عقلا
وإن كانت الأهمية متأتية من الأفكار التي تنتجها، فإن تلك الأفكار إما أن تكون نتاج بشري، أو لا
إن كانت تلك الأفكار ليست نتاج بشري، فإن ذلك محال، لاقتراضنا بداية عكس ذلك
وان كانت تلك الأفكار من نتاج بشري، فهو إما أن يعتبر منتج تلك الأفكار عرضة للخطأ والمراجعة أو لا
إن كان عرضة للخطأ والمراجعة فهو المطلوب
إن كان لا يعتبره عرضة للخطأ والمراجعة، فهو إما أن يعتبره معصوما أو لا، أما كونه لا يعتبره معصوما فهذا محال باعتبار ذلك يعارض افتراضنا بأن هذا ليس عرضة للخطأ والمراجعة، بقي إذن اعتبار قائل الفكر انه معصوم
ولكن الفكر الذي أخذه ممن أخذه مادام ليس نبيا؟ أليس أخذه من غيره وذلك بدوره أخذه من غيره، وهذا يقودنا إما إلى الدور أي الدوران في حلقة مفرغة بحيث أن العنصر الأول ينتهي لأن يكون هو العنصر الأخير، أو إلى التسلسل أي إلى مالا نهاية وهذا محال، ولن يحل هذا الإشكال إلا بافتراض وجود مصدر غير بشري للفكر وهي الرسالات النبوية. وبالتالي فليس هناك شخص معصوم مادام يأخذ عن غيره من الناس، وبطل بالتالي هذا الافتراض.
وعليه فإن أي موقف ما هو إلا انعكاس لمنظومة قيمية في أساسها، ومن ثمّ فقبول مايناقض منظومتك هو تغليب تلقائي لمنظومة أخرى وان كانت في قالب اجتهاد بشري.
ولما كانت هناك منظومتان فكريتان متقابلتان (1)، فإن تغليب إحداهما على الأخرى إما أن يقع من أطراف تنتمي لمنظومة فكرية واحدة أو لا:
إن كان الأمر من طرف أناس داخل منظومة واحدة ويلتزمون بها، فانه لامعنى لوجود مايناقض المنظومة الفكرية بينهم(في حالتنا وجود أحكام تخالف الإسلام داخل مجلة الأحوال الشخصية) أو تغليبهم أنفسهم لما يغالب منظومتهم (كما نرى من قبول مجلة الأحوال الشخصية تحت مسميات عديدة)، إلا بافتراض وجود خلل في تصور أو تطبيق تلك المنظومة والتي هي هنا الإسلام.
وأما إن كانت الأطراف تنتمي لمنظومتين مختلفتين، فإنه لا يمكن تغليب منظومة على أخرى من الخارج هكذا مطلقا، لأن ترجيح أمر على آخر محال، لأنه ترجيح من دون مرجح وهو لا يجوز. وأما تغليب منظومته على الأخرى فهو المطلوب ولكنه لايعتد به إلا داخل تلك المنظومة، لأن أدوات الترجيح والحكم فيها تفقد صلاحيتها خارج تلك المنظومة.
والقول بأن طرفا ثالثا قد يحكم بعلوية منظومة على أخرى، كلام ضعيف، لان ذلك سيصبح حكما من داخل منظومة مقابلة نسبة للمنظومة المحكوم عليها، ويصبح الأمر حكما ذاتيا من داخل منظومة، وهو حكم لا معنى له.
ولكل هذه الأسباب فإنه لا يجب القبول بإنتاج بشري يخالف الإسلام في أرض إسلامية وهي هنا تونس، ولما كانت مجلة الأحوال الشخصية تخالف الإسلام، فان القبول بها فضلا على انه يؤشر على خلل في التصور أو التطبيق، فان ذلك يعد قبولا وإقرارا بعلوية منظومة مغالبة للإسلام وهي منظومة الباطل.
بقي الافتراض الذي يقول بالاعتماد على مرجعية الواقع المحدد زمنيا واعتماده كخط مرجعي، وهذا أيضا كلام ضعيف للأسباب التالية:
- لايوجد سبب يفسر اعتماد ذلك الخط دون غيره مادام يوجد من الطرف الآخر من ليس متفقا على اعتماد ذلك الخط المرجع، فوجود خلاف على اعتماد ذلك الخط دليل على انه أمر اتفاقي ذاتي.
- ولما كان الأمر اتفاقيا، فإنه يمكن وجود مقابل لذلك الخيار المرجعي، خيار آخر مرجعي اتفاقي هو أيضا، لان المانع منعدم. واعتماد اختيار دون أخر هكذا ترجيح من دون مرجح، وهو محال، بمعنى ليس قول بعضهم بان مجلة الأحوال الشخصية هي خط احمر، أولى من القائل بان مجلة الأحوال الشخصية يجب أن تكون مطابقة للإسلام وأنها يجب أن تصاغ على حسب الإسلام، وليس الذي يقول بأنه يجب علينا التوقف عند زمن إعداد مجلة الأحوال الشخصية بأولى من الذي يقول بأننا يجب ان نرجع لزمن سابق لاقتباس تشريعاتنا.
- ولما كانت الأمور حينما تبقى في مستوى المتعادلة من دون ترجيحات مادام قائلوها في منظومة واحدة، فإنه يجب لحلها اعتماد المرجعية الفكرية الإسلامية التي ستحدد أولوية أي ترجيح، وساعتها يقع الترجيح بمرجح وهو علوية المبدأ.
- بمعنى يجب لحل الإشكال وجوب الرجوع للإسلام وقبوله مرجعا لإعادة تشكيل هذه المجلة، و الا فان القبول بمجلة الأحوال الشخصية بشكلها الحالي، يجب أن يقابله رفض يهدف لتعديلها يعادل طاقة المدافعين عليها، ثم يزيد عليه قليلا للوصول لإمكانية إعادة تشكيلها، وكلما بقيت المجلة على ماهي عليه، وإذا افترضنا أن التونسيين كلهم ذوي مرجعية واحدة فذلك يعني أمرا غير طبيعي وهو شيئ لايجب قبوله.
الخلاصة:
- لا يجب القبول في تونس بأي تشريع ينظم الناس ويكون مخالفا للإسلام
- لايوجد أي مبرر لتقديس مجلة الأحوال الشخصية وإبعادها عن دائرة المراجعة
- لما كانت مجلة الأحوال الشخصية مخالفة للإسلام في بعض محتوياتها، فإنه يجب ان تكون محل مراجعة بما يوافق الشرع
- مراجعة مجلة الأحوال الشخصية، هي الخطوة الأولى التي يجب أن تتبعها خطوات أخرى في طريق إلغاء التشريعات المخالفة للإسلام المفروضة على التونسيين منذ نصف قرن، كقانون معاقبة الزناة والخيانة الزوجية وغيرها
---------------------
(1) الحقيقة ان الإسلام أكبر من كونه منظومة فكرية، ولكني اقصد بالمنظومة الطرح الفكري للإسلام المقابل للطرح الفكري المقابل، وليس كل التفريعات الأخرى للإسلام.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
15-05-2011 / 15:05:59 عمر
بارك الله لك يا سيدي على طرحك هذا المقال
بارك الله لك يا سيدي على طرحك هذا المقال و نقدر فيك غيرتك على الاسلام واخوانك المسلمين في كل مكان . أود أن أطمنك أن شباب تونس المستنير والواعي الذي صنع الثورة لن يقبل إلا بالتغيير الجذري ولا يرضى أن تكون تونس الخروف الأسود بين جيرانه المسلمين . إعلم أن همنا هو إعلاء كلمة لا إله إلا الله و تحرير فلسطين و أن توجهنا هو القومية العربية و إلغاء الحدود الوهمية بين البلدان .
7-05-2011 / 20:42:51 نجاة boukottaya
عندما يتحدث راعي الإبل عن الأبقار
كنت أتمنى يا سيد فوزي أن تحترم نفسك و أن تهتم بنفسك و بمشاكل دولتك و ألا تقحم نفسك فيما لايعنيك،فمن أنت أيها الكذاب المخادع لتشتم رجلا عظيما مثل الحبيب بورقيبة الذي رفع المرأة التونسية وجعلها في أرقى المراتب دون كل النساء العربيات؟من أنت أيها الرجعي اضلالي الظلامي لتنتقد مجلة الاحوال الشخصية التي ضمنت للمرأة التونسية كل حقوقها؟أو تظن أيها المتخلف أنك بانتقاد مجلة الاحوال الشخصية أنك و كل الرجعيين من أمثالك ستغيرون مسيرة التقدم في تونس؟موتوا بغيضكمقهرا وكمدا طال كان هنالك قوى مستنيرة في تونس لتقف في وجه تشويه الماضي المجيد لتونس،و أعدك أن أمثالك يا أستاذ فوزي لن يتمكنوا بالرجوع بنا إلى الخلف وكما يقول المثل"القافلة تسير والكلاب تنبح"فانعقوا يا غربان االشؤم،لا يهمنا ذلك أبدا
14-03-2011 / 10:03:13 وسيم
والله مضحك أمر هؤلاء "العلمانيين"، المنافقين في واقع الأمر ، يتشنجون بسرعة ولا يقدمون فكراً قابلاً للمناقشة...
قال تعالى :
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
13-03-2011 / 15:49:39 بقرة مقدسة افضل من مواطن عربي
لو تعرف مكانة البقرة
لو تعرف يا صاحب هذه التفاهة مكانة البقرة لدى الهنود لتمنيت من الله لو خلقك بقرة في الهند رغم ان هذه البقرة لن تتمنى لو خلقت مواطن في دولة عربية
لاللمساس بهذه المجلة الا لمن اراد ان ينتحر سيياسيا
13-03-2011 / 15:16:24 ابو زيد
كلام لابرهنة عليه، فإنه لامعنى له
@امين
من السهل اطلاق الكلام هكذا على عواهنه
الكلام لاقيمة له الا من قيمة البرهنة عليه، ولما كان كلامك من دون برهنة، فهو لامعنى له
انا انتظر برهنة على كلامك لاناقشك فيه
13-03-2011 / 15:04:53 أمين
قانون سماوي
من الغريب أن الشريعة وهي باستثناء ما ورد صراحةً فالقرأن نتاج بشري يعود إلى فترة تلي الجاهلية بقليل تقدم على أنها مقدسة ولا تقبل النقاش في حين أن مجلة الأحول الشخصية وهي نتيجة تفكير عصري يحترم الإسلام تعتبر خاطئة
8-03-2011 / 15:34:58 منذر
شكرا على المقال
لكن ملاحظة فقط و ليست دفاعا عن الغنوشي أو غيره....فالحرب خدعة ولا أرى عيبا في تمشيه المرحلي من خلال قوله بقبوله المجلة لأن ما علق بحزبه و بالاسلاميين من شبهات و تهم تلفيقية على مدى عقدين يجعل اعلان رفضه للمجلة أو نية تحويرها هراوة بيد خصوم الاسلام لترهيب الشعب منهم و مزيد تشويههم..وعليه فلا يجب لوم الغنوشي على تصريحه
8-03-2011 / 13:38:52 وسيم
شكراً على المقال المهم. حسب رأيي مازلنا بعيدين عن مراجعة كثير من "الأبقار المقدسة"، الحل في الدعوة، فليس أحصن من أن يدافع كل فرد عن الاسلام ...
فقرة الخلاصة جيدة للغاية لأنها تغني الكثير ممن ليس لديهم الوقت الكثير للوصول الى المعلومة الكامنة في المقال.
مع الشكر.
15-05-2011 / 15:05:59 عمر