(12) الجنود الأمريكيون .. الأداة الأضعف في يد صُنَّاع الحرب !
د - أحمد إبراهيم خضر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8659
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أكثر من ربع الأعضاء الحاليين في الكونجرس ، استثمروا ما قيمته 196 مليون دولار من أموالهمُ الخاصة ، في شركات متعاقدة مع البتاجون ؛ لتوريد بضائع و خدمات للقوات المسلحة الأمريكية ، تجني منها هذه الشركات مئات الملايين من الدولارات يوميًا ، و لا تقتصر توريدات هذه الشركات على السلاح و المعدات العسكرية ، إنما تشمل الإمدادات بالسوائل و المواد الطبية ؛ هنا تحصل هذه الشركات من الحكومة ، على أكثر من 275.6بليون دولارٍ في عام 2006م ؛ تجنى منها أرباحًا يومية قيمتها 750 مليون دولارٍ.
1- الإحصائيات الآتية تبيِّن عدد القتلى والجَرْحَى مِنَ الجنود الأمريكيين في العراق ، منذ بَدْءِ الغَزْوِ في عام 2003 م ، و حتى أواخر الشهر الماضي من عام 2008 م :*
أولاً : أعداد الجنود الأمريكيين القتلى في العراق بالسنة و الشهر :
ثانيًا : أعداد الجنود الأمريكيين الجَرْحَى في العراق بالسنة و الشهر :
* البيانات السابقة مُسْتَقَاة مِنْ موقع Causalties.org ، أما موقع Antiwar.com فيُبَيِّن أنَّ إجمالي عدد الجنود الأمريكيين القتلى ، منذ بَدْءِ الحرب في 19/3/2003 م ، هو (4076) أربعة آلافٍ و ستة و سبعون جنديًّا ، قتِلَ منهم في المعارك (3323) ثلاثة آلاف
و ثلاثمائة و ثلاثةٌ و عشرون جنديًّا . البيانات الرسمية تقف عند حَدِّ (30004) ثلاثين ألفًا
و أربعة جَرْحَى ، لكنَّ التقديرات غير الرسمية حسب الموقع الأخير ، فترى أنَّ أعداد الجَرْحَى يتراوح من (23000) اثنين و ثلاثين ألفًا ، إلى (100000) مائة ألف جريحٍ . و قد بلغ إجمالي عدد الجنود الأمريكيين القتلى في أفغانستان ، حسب إحصاءات الموقع الأول – (501) خمسمائةٍ و قتيلاً واحدًا .
2- هذه الإحصائيات عن عدد القتلى والجرحى من الجنود الأمريكيين ، من شأنها أن تطرح سؤالاً هامًا : مَنِ الذي يدفع بهؤلاء الجنود إلى الموت ؟ و لماذا ؟ و الإجابة على هذين السؤالين ، تحتاج إلى عرض خلاصة الكيفية التي يُحْكَم بها الأمريكيون ، و انعكاس ذلك على الحرب في العراق و أفغانستان .
يشرح الدكتور" محمد منير الشّواف " الطريقة التي تُجْرَى بها مسرحية الانتخابات الأمريكية ، والتي تعطي تصورًا بأنَّ الأحزاب السياسية ، هي التي تُرَشِّحُ أعضاء من قِبَلِها ؛ ليكونوا ممثلين في السلطة التشريعية ، و أنَّ هؤلاء الأعضاء ينتخبهمُ الشعب انتخابًا نزيهًا حُرًّا مباشرًا ! الواقع الفعلي ليس ذلك ؛ فالشعب لا يختار الحكام بمجرد التصويت لمرشحين معينين بل إن رجال الأعمال من مصرفيين ، و صناعيين ، و أصحاب الثروات ، همُ الذين يمسكون في الواقع بالقرار الحقيقي في الدولة ، وهمُ الذين يتحكمون في الأحزاب ، و المجالس التشريعية ، لا أفراد الشعب العاديين كما يُقَال ، و لا يستطيع أحد أنْ يصل إلى الحكم ، أو إلى المجالس التشريعية ، أو التنفيذية ، أو القضائية إلا بمباركتهم ؛ فهمُ الذين يسيطرون على أجهزة الإعلام العامة و الخاصة ؛ و همُ الذين يسيطرون على رءوس الأموال ، وعلى الشركات التي تصنع الحرب أو السلم !!! رءوس الأموال هي الأساس في كلّ شيء في الغرب ، و الرأسماليون لا يَهُمُّهُمْ أرواح البشر كالجنود وغيرهم ، إنما هم أدوات رخيصة و ضعيفة في أيديهم ؛ لتسيير أمورهم و تحقيق أهدافهم .
هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى نجد أنَّ أعضاء المجالس التشريعية ، الكونجرس بمجلسيه ( الشيوخ و النواب ) هم جميعًا من رجال الأعمال البارزين ، أو مِنْ مؤيديهم ، ورثوا هذه النيابة منذ أيام جورج واشنطن ، و الدستور الأمريكي و إن كان يسمح للمرشح بجَمْعِ تبرعات من قِبل الشعب ، و المؤيدين له ؛ من أجل تغطية نفقات حملته الانتخابية ، و التي تبلغ أحيانًا خمسين مليون دولار ، و ربما أكثر حسب بعض الإحصائيات ، فهذا جزء يسير مِنَ النفقات - لكنَّ المُمَوِّلِيْنَ الحقيقيين للحملات الانتخابية ، هم رجال الأعمال مِنَ الرأسماليين مِنْ أصحاب و رؤساء شركات الصناعات الثقيلة ، و العسكرية ، و المؤسسات البنكية ، و شركات النفط ، و ليس جمهور الشعب العادي ؛ فرجال الأعمال هؤلاء همُ الذين يُوَصِّلُون الرئيس الأمريكي للرئاسة ، و همُ الذين يضعون له دفتر شروط مسبقة ، عليه أن يُقِرَّ بالتزامه بها ، قبل أن يدفعوه إلى البيت الأبيض ، و إذا خالف الرئيس دفتر الشروط هذه ؛ يُسْتَغْنَى عنه فورًا ، كما حدث لـ : " جون كيندى ، و نيكسون ، و سبيرو أجينو " .
3- باختبار منظور الدكتور " الشواف" على ما جاء به " عبيد إسلام " في مقالته ، عن استثمارات المشرعين الأمريكيين في الحرب في العراق و أفغانستان ؛ تَبَيَّنَ الآتي :
- أولاً : إن أعضاء الكونجرس الأمريكي ، مطلوب منهم أنْ يقدموا تقارير عن أوضاعهمُ المالية الشخصية ، لكنَّ هذه التقارير إجمالية و ليست تفصيلية ؛ فتتيه فيها حقيقة استثماراتهم في الحرب في العراق و أفغانستان .
- ثانيًا : إنَّ أكثر من ربع الأعضاء الحاليين في الكونجرس ، استثمروا ما قيمته 196 مليون دولار من أموالهمُ الخاصة ، في شركات متعاقدة مع البتاجون ؛ لتوريد بضائع و خدمات للقوات المسلحة الأمريكية ، تجني منها هذه الشركات مئات الملايين من الدولارات يوميًا ، و لا تقتصر توريدات هذه الشركات على السلاح و المعدات العسكرية ، إنما تشمل الإمدادات بالسوائل و المواد الطبية ؛ هنا تحصل هذه الشركات من الحكومة ، على أكثر من 275.6بليون دولارٍ في عام 2006م ؛ تجنى منها أرباحًا يومية قيمتها 750 مليون دولارٍ .
- ثالثًا : إنَّ " جون كيري" الذي كان يتنافس مع " بوش" على انتخابات الرئاسة ، و كان يَدِّعِي مناهضته للحرب - هو أكبر مَنْ يملك أسهمًا و سندات مع الشركات المتعاقدة مع البنتاجون ، و يترأس في نفس الوقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ .
- رابعًا : الجدول الآتي يُوَضِّحُ استثمارات بعض المشرعين الأمريكيين في الشركات المتعاقدة مع البنتاجون :
- خامسًا : إنَّ أعضاء لجنة العلاقات الخارجية و القوات المسلحة في الكونجرس ، يملكون استثمارات تتراوح من 3 مليون إلى 5.1 مليون دولار ، في الشركات المتخصصة في الأسلحة
و الخدمات العسكرية ، و الحال كذلك بالنسبة لأعضاءٍ آخرين ، يشغلون مناصب هامة في الكونجرس ، و لهم مثل هذه الاستثمارات ؛ مثل : " جوزيف ليبرمان " المستقل ، الذي كان يرأس لجنة الأمن القومي في مجلس الشيوخ ، و لجنة الشئون الخارجية ؛ و " روبرت بيدرمان " الديموقراطي من كاليفورنيا ، و يترأس لجنة العلاقات الخارجية .
- سادسًا : أنه لا وَجْهَ للمقارنة بين استثمارات الأفراد العاديين في هذه الشركات ،
و استثمارات هؤلاء الأعضاء .
- سابعًا : هناك شركات ضخمة ؛ مثل : البيبسي ، و آي بي إم ، و ميكروسوفت ، و جونسون أند جونسون ، حصلت على عقود مع وزارة الدفاع .
ثامنًا : إنه من المعروف أنَ " ديك تشينى" نائب الرئيس ، كان يترأس أكبر شركة تعمل في صناعة خدمات البترول ، و هي شركة " هاليبورتون" ، و قد أبرمت الشركات التابعة لهذه الشركة عقودًا بملايين الدولارات مع البنتاجون ؛ لإمداد الجيش الأمريكي بالخدمات التي يحتاج إليها ، بعد غزو العراق في عام 2003 م . و من المعروف أيضًا أن الانتقادات التي وُجِهَّتْ لـ : " بوش و تشينى " - قد زادت حِدَّتُها ؛ بسبب عَلاقاتهم مع هذه الشركات التي تستفيد من الحرب في العراق و أفغانستان .
تاسعًا : كَشَفَ " كورى دكتورو" في مقالة نُشِرَتْ له في 21/2/2008 م ، أنََّ هيئات رقابية أمريكية ، تحقق و تراجع سجلات اجتماعات سرية في أواخر ربيع 2001 م ، عقدها " ديك تشينى" مع مجموعة شركات البترول العالمية ؛ مثل " إكسون " و " شل " و" موبيل "
و" بى إم أمريكا " و" كوتوكو" . و أنه قد تقرر في هذه الاجتماعات ، أن سياسة الطاقة الأمريكية سوف تركز على الاستيلاء على نِفْطِ العراق ؛ لهذا تقرر في هذه الاجتماعات تشكيل قوة عمل خاصة ، مهمتها الظاهرية وَضْع خريطة لمستقبل الطاقة في أمريكا ، و قد فحصت هيئات الرقابة هذه ، خرائط حقول الزيت في العراق ، و قوائم الطلبات الخارجية لنفط العراق ؛ و هذا يعني أن عملية الغزو كان مُعَدًّّا لها و مُخَطَّطًا من قبل .
ممَّا سبق يتضح أنَّ صناع الحرب الحقيقيين في العراق و أفغانستان ، همُ الرأسماليون من كبار رجال الصناعة ، و رؤساء شركات الصناعات الثقيلة و العسكرية ، و المؤسسات البنكية
و شركات النفط . و يتضح كذلك أن الحاكم الحقيقي للولايات المتحدة ، هو هذا التحالف العسكري السياسي الصناعي ، وهو ما يسمى في علم الاجتماع العسكري ، بالمركب العسكري – الصناعي ، أما الجنود الذين يحاربون في العراق و أفغانستان ، فما هم إلا الأداة الأضعف في تنفيذ أهداف هؤلاء الرأسماليين ؛ و لهذا فإنَّ أمر الآلاف الذين يموتون ، و يُصَابون في الحرب مِنْ هؤلاء الجنود - لا يهم هؤلاء الرأسماليين ، كلُّ ما يهمُّهم هو هذه الملايين التي يتحصلون عليها من هذه الحرب . هذه هى أخلاقياتهم التى وصفها " برتراند راسل" ، وهو يفسر :
" مذهب المنفعة " في النظام الرأسمالي بقوله :" إنَّّ أخلاق التضحية السائدة ، إنما هي خُدْعة متعمدة ، فرضتها الطبقة الحاكمة ؛ دفاعا عن مصالحها ، فهي تتوقع التضحية من الآخرين ،
و لكنها لا تقوم بنفسها بأية تضحية " .
------------
دكتور أحمد إبراهيم خضر
* دكتوراة في عِلْمِ الاجتماعِ العَسْكَرِيّ
الأستاذ المشارك ، وعُضْوُ هَيْئَةِ التَّدريسِ السَّابقِ بجامعاتِ القاهرةِ ، و الأزهرِ ، و أُمِّ دُرْمَانَ الإسلاميَّةِ ، و المَلِكِ عبدِ العزيزِ .