(11) الدفاع عن الأسرة والعرض، أم مشاركة المرأة في الحرب؟
" المُجَنَّداتُ الأمريكيَّاتُ في العراقِ أُنْمُوذَجٌ "
د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9668
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لماذا يُدْفَعُ بالمرأةِ إلى الحربِ ؟! هل هو النَّقْصُ في أعدادِ المقاتلِيْنَ مِنَ الذُّكُورِ ، أمْ أنَّه الرأيُ و الحربُ و المَكِيْدَةُ ؟ لا نعتقدُ أنَّ المسألة هي النَّقْصُ في أعدادِ الذُّكورِ ، أمَّا إذا كانتِ المسألةُ هي الرَّأْيُ و الحربُ و المكيدةُ ؛ فهناكَ رَأْيٌّ آخرُ.
على عكسِ الثَّقافةِ الغربيَّةِ - التي مَهْمَا تَأَثَّرَتْ بها ثقافتُنا العربيَّةُ - فهناكَ مبدأٌ هامٌّ و أساسٌ ، تتحركُ عَبْرَهُ هذه الثَّقافةُ الأخيرةُ ؛ هذا المبدأُ و الأساسُ هو : " أنَّ الأصلَ في المرأةِ أنَّها أُمٌّ ، و رَبَّةُ بَيْتٍ ، و عِرْضٌ يَجِبُ أنْ يُصَانَ " . و رَغْمَ أنَّ الثَّقافةَ الغربيَّةَ قدْ قطعتْ شَوْطًا بعيدًا ، في مسألةِ حريَّةِ المرأةِ ، و مساواتِها بالرَّجُلِ ، حتَّى وصلتْ بها إلى مفهومِ " الجندر"، الذي لا يَرَى أنَّ هناكَ تأثيرًا للفُرُوقِ البيولوجيَّةِ ، في تحديدِ أَدْوَارِ الرِّجالِ و النِّساءِ ، و أنَّ مفهومَ الذُّكورةِ والأُنُوثةِ، هو ما يَشْعُرُ به الذَّكَرُ و الأُنْثَى ، و ما يريدُهُ كلٌّ منهما لنَفْسِهِ ، و لوْ كانَ ذلكَ مُنَاقِضًا لواقعِهِ البيولوجيِّ !!! رَغْمَ كلِّ ذلكَ ، فإنَّ أصواتًا هامَّةً سواءً في الولاياتِ المُتَّحِدَةِ أو أوربا ، كانتْ تؤيِّدُ هذا المبدأَ الأساسَ ، الذي تقومُ عليه الثَّقافةُ العربيَّةُ .
الزَّعيمُ الألمانيُّ " أدولف هِتْلر" قالَ كَلِمَتَهُ الشَّهيرةَ في " نورمبرج " عام 1934م : " إنَّنا إذا قُلْنَا إنَّ عالَمَ الرَّجلِ هو الدَّولةُ ، فإنَّ هذا يَعْنِي التزامَهُ بأهدافِها ، أمَّا عالَمُ المرأةِ ، فهو زَوْجُها و أطفالُها و مَنْزِلُها .
و لكنْ أينَ سيكونُ هذا العالَمُ الكبيرُ ، إذا لمْ يكنْ هناكَ مَنْ هو مسئولٌ عَنِ العالَمِ الصَّغيرِ ؟!! كيفَ يمكنُ أنْ يستمرَّ العالَمُ الكبيرُ في الوجودِ ، بدونِ العالَمِ الصَّغيرِ ؟! و كيفَ يُمكنُ أنْ نَحْيَا ، دُوْنَ أنْ يكونَ هذا العالَمُ الصَّغيرُ ، في وَضْعٍ آمِنٍ و مُسْتَقِرٍ ؟! " . هذا هو رَأْيُ " هتلر" ، و كلُّ النَّاسِ تعرفُ مَنْ هو " أدولف هتلر" ، الذي مهما اختلفْنَا معه و في تَصَوُّرَاتِهِ عنَّا ، و تَصَوُّرَاتِنا عنه ، فلا نغمضْهُ حقَّه الذي حاولَ الآخرونَ طَمْسَهُ ، إنَّهُ الرَّجلُ الذي قالَ عَنْ نَفْسِهِ : " أنا الرَّجلُ الأوَّلُ في ألمانيا ، الذي دَوَّخَ العالَمَ كلَّهُ ، و قَلَبَهُ رأسًا على عَقِبٍ " ، و هو الذي قالَ عَنْ نَفْسِهِ أيضًا : " إنَّهُ ذاقَ مَرَارةَ العَوَزِ في عالَمِ المَحْرُومِيْنَ ، و عاشَ خَمْسَ سنواتٍ لم يَذُقْ فيها طَعْمَ الرَّاحةِ ، و كانَ يسعَى في طَلَبِ العَيْشِ بعَرَقِ الجَبِيْنِ ، حتَّى تحرَّرَ مِنَ الكبرياءِ ، و مُرَكَّباتِ النَّقْصِ ، و الخَوْفِ مِنَ الشَّامِتِيْنَ " ، " إنَّهُ الرَّجلُ الذي هاجمَ الأدبَ الرَّخيصَ ، و الفنَّ الإباحيَّ، و هاجمَ الذين شَنُّوا حملاتٍ على الدِّيْنِ و أهلِهِ ؛ بحُجْةِ حُرِّيَّةِ العقيدةِ " ، " إنَّهُ الرَّجلُ الذي أكَّدَ على رَأْيِ " شوبنهاور"، بأنَّ اليهودَ أساتذةٌ عِظَامٌ في فنِّ الكَذِبِ ، و أنَّهم بارعونَ في كتابةِ الأكاذيبِ المُضَلِّلَةِ ". و نحنُ هنا لا نقصدُ امتداحَ " هتلر" ، بلْ نقصدُ بيانَ أنَّ دفاعَهُ عَنْ عدمِ زَجِّ المرأةِ إلى القِتَالِ و المَوْتِ ، إنَّما يستندُ إلى مُسَلَّمَاتٍ لا نَخْتَلِفُ معهُ فيها .
أمَّا القائدُ العسكريُّ الألمانيُّ " فان جيسداف " ، فقدْ قالَ : " إنَّ تقاليدَنا الألمانيَّةَ تَرَى أنَّه مِنْ غيرِ المُناسبِ ، أنْ نفكِّرَ في انضمامِ المرأةِ إلى القواتِ المسلَّحةِ ؛ لاعتباراتٍ اجتماعيةٍ و أخلاقيةٍ و سياسيةٍ " .
و حينما أُثِيْرَتْ قضيةُ التحاقِ المرأةِ بالأكاديميَّاتِ العسكريَّةِ الأمريكيَّةِ أمامَ الكونجرس الأمريكيِّ ؛ قالَ الجنرالُ " فياند " رئيسُ الأركانِ وَقْتَها : " ترتبطُ قضيةُ دخولِ المرأةِ الأكاديميَّاتِ العسكريَّةَ بسؤالٍ هامٍّ ، هوَ : هلِ الأمريكيُّونَ مُسْتَعِدُّونَ لإرسالِ بناتِهم إلى المعركةِ ؟ " ، و طالبتْ أصواتٌ أُخْرَى عديدةٌ ، بحمايةِ المرأةِ مِنَ المعركةِ ، سواءٌ أ كانتْ تصلحُ لها أمْ لا ؛ لأنَّ المرأةَ – في نَظَرِهم – " هي التي تلدُ الجِيْلَ الثَّاني في المجتمعِ ، وهي التي تحفظُ نَوْعَهُ ، و هي التي تتولَّى عمليةَ الانتقالِ الثَّقافيِّ للأطفالِ ، و طالما أنَّ المرأةَ هي التي تحملُ الأطفالَ ؛ فإنَّ طريقَ بقاءِ النَّوْعِ ، هو حمايتُها مِنَ المعركةِ ". و قدْ عَبَّرَ أحدُ القادةِ العسكريِّيْنَ الكِبَارِ ، عَنْ رَأْيِهِ في هذهِ القضيةِ أمامَ الكونجرس الأمريكيِّ أيضًا بقَوْلِهِ : " إنَّ فَتْحَ البابِ أمامَ المرأةِ لأداءِ مَهَامٍّ قتاليَّةٍ - إهانةٌ لشَرَفِ المرأةِ ، و تجاهُلٌ للحقائقِ القاسيةِ للحربِ . إنَّ هؤلاءِ الذين يَسْعَوْنَ نَحْوَ دَفْعِ المرأةِ للأعمالِ القتاليَّةِ ، يَنْسَوْنَ الضُّغوطَ البدنيَّةَ، و العقليَّةَ، و العاطفيَّةَ للمعركةِ بكلِّ أبعادِها ، بما فيها مِنِ احتمالِ وقوعِها أَسِيْرَةً في يدِ العدوِّ ، إنَّ الحربَ هي الجَحِيْمُ ، و سيَسْعَدُ عَدُوُّنا بالطَّبعِ لوْ أَخْطَأْنا هذا الخَطَأَ الفادحَ ، و عَرَّضْنا المرأةَ الأمريكيَّةَ للأَسْرِ في القِتَالِ ، و إنِّي أعتقدُ – حَتْمًا - أنَّ مثلَ هذا الموقفِ ؛ سوفَ يُضْعِفُ ثباتَنا القَوْمِيَّ في المعركةِ " .
الجنرالُ " ويستمورلاند " أحدُ رؤساءِ أركانِ الجيشِ الأمريكيِّ السَّابقِيْنَ ، قالَ : " نَعَمْ هناكَ امرأةٌ تستطيعُ أنْ تقودَ معركةً قُوَامُها مائةُ ألفِ جنديٍّ، لكنَّ هذا استثناءٌ ، و نحنُ لا نُسَيِّرُ أمورَنا على الاستثناءِ " .
و يرى الباحثونَ في علمِ الاجتماعِ العَسْكَرِيِّ ، أنَّ تجربةَ " إسرائيلَ " في حربِ أكتوبرَ ، تَرُدُّ بنَفْسِها على أيَّةِ مزاعمَ تُعْطِي المرأةَ الإسرائيليَّةَ هالةً أسطوريةً ، يمكنُ الاستنادُ إليها في إقحامِ المرأةِ في أدوارِ الحربِ و القتالِ ، و يَسْتَشْهِدُ الباحثونَ هنا بـ " جولدامائير" رئيسةِ وزراءِ إسرائيلَ إبَّانَ هذه الحربِ - و التي رَغْمَ جِدِّيَّتِها المعروفةِ ، و تأكيدِها على الدَّوْرِ الرُّجُوْلِيِّ ، كقائدٍ أعلى للقواتِ المسلَّحةِ الإسرائيليَّةِ - ظهرتْ أمامَ الشَّعْبِ على أنَّها الأمُّ اليهوديَّةُ المُحِبَّةُ و المُوَاسِيَةُ ، و كانتْ تُمْسِكُ بأيدي الجنودِ مِنَ الجَرْحَى ، و تقفُ أمامَ كلِّ سريرٍ مُشَجِّعَةً و مُلاطِفَةً .
( انظرْ تفصيلاً لقضيةِ المرأةِ في القواتِ المسلحةِ ، في كتابِنا : " الجيشُ و المجتمعُ ، دراساتٌ في علمِ الاجتماعِ العسكريِّ " ، دارُ المعارفِ - القاهرةُ ، 1985، ص 133 - 174 ) .
إنَّ دَفْعَ المرأةِ للقتالِ اختيارًا أوِ اقتناعًا – في تَصَوُّرِنا - خَسَارةٌ كُبْرَى للمجتمعِ و للمرأةِ نَفْسِها ؛ فخسارةُ امرأةٍ واحدةٍ ، في لحظةٍ واحدةٍ ؛ تَعْنِي خَسَارةَ عِدَّةَ مُقَاتِلِيْنَ ، كان يمكنُ أنْ تُنْجِبَهمُ المرأةُ ، و تشكِّلَ منهمْ احتياطيًا بشريًّا لعشرينَ سنةً قادمةً على الأقلِّ ، فهي التي تلدُهم، و هي التي تربِّيهم ، و هي التي تُنَشِّئُهم على التَّمسُّكِ بالأرضِ ، و حَمْلِ السِّلاحِ. و ما حالُ الأمِّ الفلسطينيَّةِ منَّا ببعيدٍ ، فمَنْ أَنْجَبَ هذا الشَّبابَ الذي يتصدَّى لليهودِ - منذُ سبعينَ عامًا - غيرُ هذهِ الأمِّ ؟! و مَنِ الذي أدخلَ استراتيجيةَ " القنبلةِ السُّكانيَّةِ " ، إلى ساحةِ القتالِ في الحربِ معَ اليهودِ غيرُ هذهِ الأُمِّ ؟!
ليستِ الحربُ " سياسةً خارجيةً " ، إنَّها كما يراها الكاتبُ الأمريكيُّ " مايك هويتني" مَذْبَحَةٌ ، و لنقفْ قليلاً على الظُّروفِ التي يمكنُ أنْ تعيشَ فيها المرأةُ ، إذا ما اُسْتُبْدِلَتْ لها بوظيفةِ الأُمُومةِ ، و تربيةِ النَّشْءِ المُقَاتِلِ ، مهامَّ قتاليةً تقومُ بها هي بنَفْسِها .
تقولُ الكاتبةُ الأمريكيَّةُ " هيلين بندكت " التي تُعِدُّ كتابًا عَنِ المُجَنَّداتِ الأمريكيَّاتِ في العراقِ - في مقالةٍ أَسْمَتْها " الحرب الخاصة للمجندات الأمريكيات : " تختلفُ الحربُ في العراقِ ، بالنسبةِ للمُجَنَّداتِ الأمريكيَّاتِ ، عَنْ أيِّ حربٍ أُخْرى خاضتْها الولاياتُ المتحدةُ في التاريخ فهناكَ أكثرُ مِنْ مائةٍ و ستينَ ألفًا و خمسمائةِ امرأةٍ أمريكيةٍ ، تحاربُ في العراقِ ، و أفغانستانَ ، و الشَّرقِ الأَقْصَى ، منذُ أنْ بدأتِ الحربُ في عام 2003 م ؛ هذا يَعْنِي أنَّه مِنْ بينَ كلِّ سبعةِ جنودٍ ، هناكَ امرأةٌ مُحَارِبَةٌ ، و يشكِّلُ النِّساءُ الآنَ ، 15% مِنْ إجماليِّ عددِ القواتِ الأمريكيَّةِ ، أيْ : أربعةُ أضعافِ ما كانَ عليه الحالُ في حربِ الخليجِ عام 1991م . هناكَ إِحْدَى و سبعونَ مُجَنَّدةً قُتِلَتْ ، و أُصِيْبَتْ أربعُمائةٍ و خمسونَ مُجَنَّدَةً أخرى في العراقِ على الأقلِّ ، و يزيدُ هذا العددُ عَنِ القتلى و الجرحى مِنَ المجنداتِ في الحربِ : الكوريةِ ، و الفيتناميةِ، و حروبِ الخليجِ الأُوْلَى مجتمعةً ".
" مِنَ النَّاحيةِ الرَّسميَّةِ ، يمنعُ " البنتاجون " النِّساءَ مِنَ الخدمةِ في القواتِ الأرضيَّةِ ، كالمُشَاةِ ؛ على أساسِ افتقادِ الجزءِ العُلْوِيِّ مِنْ جَسَدِ المرأةِ القُوَّةَ البدنيَّةَ ؛ و مراعاةً لحالِ المُجَنَّداتِ وعائلاتِهنَّ ، لكنَّ هذا الأمرَ لا يطبقُ في العراقِ ؛ فالمرأةُ هناكَ تُحَارِبُ على الأرضِ ؛ لأنَّه ليسَ لها خِيَارٌ ؛ ليستْ هناكَ خطوطُ جَبْهَةٍ ، أو مناطقُ آمنةٌ ؛ ليستْ هناكَ مخابئُ تَحْمِي مِنْ قذائفِ الهاونِ ؛ و القنابلُ على جانِبَيِ الطَّريقِ ؛ و هذا يَعْنِي أنَّه إذا عادتِ المُجَنَّدَةُ إلى وَطَنِِها ؛ فستعودُ إمَّا مُشَوَّهَةً ،
أوْ مَبْتُورةَ الأطرافِ ، أو مُصابةً بأمراضٍ عقليَّةٍ و نَفْسيَّةٍ ، مَثَلُها مَثَلُ زُمَلائِها مِنَ الرِّجالِ " .
" تقومُ المُجَنَّداتُ الأمريكيَّاتُ بمَهَامِّ خطيرةٍ في العراقِ ؛ إنَّهنَّ يَقُدْنَ الشَّاحناتِ عَبْرَ الطُّرُقِ المَلْغُومةِ ، و يَعْمَلْنَ رامياتِ دبَّاباتٍ ، و على مركَّباتٍ غيرِ مُدَرَّعَةٍ ، يُغِرْنَ على بيوتِ العراقِيِّيْنَ ، يَحْرُسْنَ السُّجناءَ ، يُخْلِيْنَ الجَرْحَى مِنْ ساحةِ المعركةِ ، يبحثْنَ عَنِ العراقِيِّيْنَ عندَ نقاطِ التَّفتيشِ ، بعضُهُنَّ رَأَيْنَ صديقاتِهنَّ إمَّا مقتولاتٍ أو مُصَاباتٍ ، هذا بالإضافةِ إلى ما يُشَاهِدْنَهُ مِنْ قَتْلٍ ، و إصابةٍ للمَدَنِيِّيْنَ العراقِيِّيْنَ " .
إذا افترضْنا أنَّ المرأةَ التي تُدْفَعُ إلى القتالِ ، لنْ تُجَابِهَ هذه الظُّروفَ ، و إنَّما سيُعْهَدُ إليها بمهمَّةٍ مُحَدَّدَةٍ ، كأنْ تُفَجِّرُ نَفْسَها و تُسْتَشْهَدُ ، فإنَّ تجاربَ الواقعِ تقولُ إنَّها قدْ لا تُسْتَشْهَدُ ، بلْ قدْ تقعُ في الأَسْرِ، و هذا ما حدثَ بالفعل لبعضِهِنَّ ؛ إنَّ هذا ينقلُنا إلى مسألةٍ أُخْرَى ، نحتاجُ فيها إلى اسْتِقْرَاءِ الواقعِ الحاليِّ ، الذي تعيشُ فيه المرأةُ المقاتلةُ .
تقولُ " بندكت " : " هناكَ مِحْنَةٌ أُخْرَى تعيشُ فيها المرأةُ المقاتلةُ، و لا أحدَ يقفُ إلى جانبِها ؛ إنَّ المجنَّدةَ الأمريكيةَ في العراقِ لا تُعَانِي فقطْ مصاعبَ الحربِ ؛ مِنَ القنابلِ و الألغامِ و قذائفِ الهاونِ ، كما لا تُعَانِي فقطْ مِنْ شدَّةِ الحرارةِ ، و عدمِ النَّوْمِ و الخَوْفِ ، إنَّها تُعَانِي كذلك مِنْ زُمَلائِها مِنَ الجنودِ الذُّكورِ ؛ فاغتصابُ الجنديِّ لزميلتِهِ ، أصبحَ أمرًا معترفًا بِهِ بصورةٍ كبيرةٍ في العراقِ ؛ قادةُ الوحداتِ يُعْطُونَ أوامرَ روتينيةً للمُجَنَّداتِ ، بعدمِ التَّوَجُّهِ إلى دوراتِ المياهِ و الحَمَّاماتِ ، بدُوْنِ رُفْقَةٍ مِنْ زميلاتِهِنَّ ؛ هنا المُجَنَّدَةُ الأمريكيَّةُ تَحْمِلُ سِكِّيْنًا معها ، ليسَ لقَتْلِ العراقِيِّيْنَ فقطْ ، و لكنْ لتحميَ بها نَفْسَها مِنْ تَهَجُّمِ الجنودِ عليها . في معسكرِ " عريفجيان " بالكِوَيْتِ ، و هو معسكرٌ يتمُّ عَبْرَهَ ، انتشارُ الجنودِ إلى مواقعَ أخرى خارجَ الكويتِ ، مِنَ المُفْتَرَضِ أنَّهُ معسكرٌ آمِنٌ ، يُسَمَّى هذا المعسكرُ بـ " مدينة المولدات "؛ و ذلكَ لوجودِ عِدَّةِ مُوَلِّداتٍ عاليةِ الصَّوْتِ ، يتمُّ تحذيرُ المُجَنَّداتِ فيه بعدمِ التَّحرُّكِ ليلاً ؛ لأنَّهنَّ قدْ يتعرَّضْنَ للاعتداءِ الجِنْسِيِّ ، و مهما صَرَخَتْ إِحْدَاهُنَّ بأعلى صَوْتِها ؛ فلنْ يَسْمَعَها أحدٌ ؛ لأنَّ صَوْتَ المُوَلِّداتِ أعلى " .
" إنَّه بالرغمِ مِنْ تَعَرُّضِ كلِّ الجنودِ رجالاً و نساءً ، لنَفْسِ ظروفِ القتالِ ، فإنَّ المُجَنَّداتِ في الجيشِ يُعَامَلْنَ مُعَاملةً أَدْنَى، ينظرُ الرِّجالُ إليهنَّ على أنَّهنَّ مُجَرَّدُ دُمًى يَلْهُوْنَ بها ، و أنَّ الجيشَ جاءَ بِهِنَّ لإمتاعِ الجنودِ مِنَ الذُّكورِ . و طالما كانَ الجيشُ في " فيتنام " ، يسمحُ لجنودِهِ بالاتِّصالِ بالبَغَايَا مِنَ الفيتناميَّاتِ ، و أنَّ هذه الفرصةَ ليستْ متاحةً في العراقِ ؛ فقدِ استبدلَ الجيشُ بالبغايا المجنَّداتِ ".
تقولُ المُجَنَّدةُ " كاريل جارسيا " : " إذا كنتُ أعبرُ الصَّالةَ و الجنودُ يتناولونَ الطَّعامَ و رَأَوْنِي ؛ فإنَّهم يتوقَّفُونَ عَنِ الأَكْلِ و يُحَمْلِقُونَ فيَّ ، في كلِّ موقفٍ أُضْطَرُّ فيه إلى الانْحِنَاءِ ، لا أَسْلَمُ مِنْ تعليقاتِهم ، كِدْتُ أَكْرَهُ نَفْسِي ".
و بَيَّنَتِ المُسُوْحُ التي أُجْرِيَتْ في عام 2003 م ، أنَّ 30% مِنَ المُجَنَّداتِ الأمريكيَّاتِ العائداتِ مِنْ حربِ " فيتنام " ، تَعَرَّضْنَ للاغتصابِ . و في دراسةٍ أُجْرِيَتْ أيضًا على المُجَنَّداتِ العائداتِ مِنْ " فيتنام " ، و المُصَاباتِ بأمراضٍ نفسيَّةٍ ، ناتجةٍ عَنْ ضُغُوطِ الحربِ ، تَبَيَّنَ أنَّ 70% منهُنَّ تَعَرَّضْنَ للاعتداءِ الجِنْسِيِّ ، حينما كُنَّ في الخدمةِ . و في دراسةٍ ثالثةٍ ، أُجْرِيَتْ على المُجَنَّداتِ العائداتِ مِنْ حروبِ الخليجِ الأُوْلَى ، بَيَّنَتْ أنَّ 90% منهُنَّ تَعَرَّضْنَ للتَّحَرُّشِ الجِنْسِيِّ مِنْ قِبَل زُمَلائِهِنَّ الجنودِ .
اهتمَّتْ " بندكت " بتحليلِ نتائجِ الدِّراساتِ ، التي أَجْرَتْها على الفتياتِ اللاتي سُرِّحْنَ مِنَ الخدمةِ ، و كُنَّ قدْ تَعَرَّضْنَ لاعتداءٍ جِنْسِيٍّ أثناءَ الخدمةِ ؛ تبيَّنَ مِنْ هذه الدِّراساتِ ، أنَّ هؤلاءِ الفتياتِ كُنَّ يُعَانِيْنَ بعدَ عَوْدَتِهِنَّ إلى بيوتهِنَّ ، مِنْ عدمِ القُدْرَةِ على النَّوْمِ ، و الكوابيسِ المتكررةِ ، و ارْتِجَاعِ ذكرياتِ الاغتصابِ ، و الخَوْفِ و الذُّعْرِ، و المِزَاجِ المُتَقلِّبِ ، و عدمِ القدرةِ على التَّكَيُّفِ معَ مُقْتَضَيَاتِ الحياةِ اليوميَّةِ ، وعادةً ما تتَّجِهُ الفتاةُ إلى تَنَاوُلِ المُخَدِّراتِ ، و الشُّعورِ بالإحباطِ ، و فَقْدِ احترامِهِنَّ لأَنْفُسِهِنَّ ، و فُتُوْرِ الإحساسِ عندَ التَّعامُلِ معَ أُسَرِهِنَّ و أطفالِهِنَّ ، ثُمَّ التَّفكيرِ في الانتحارِ. و تَصِفُ " بولا شانر" - أستاذةُ الطِّبِّ النَّفْسِيِّ - في مقالةٍ نَشَرَتْها بمجلةِ الهيئةِ الطبيَّةِ الأمريكيَّةِ - شعورَ المجنَّدَةِ العائدةِ مِنَ الحربِ ، بعدَ تَعَرُّضِها للاغتصابِ في وحدتِها ، بأنَّها كالطِّفلِ الذي اُغْتُصِبَ مِنْ أقربِ النَّاسِ إليه ، و الذي مِنَ المُفْتَرَضِ ، أنْ يعتمدَ عليه الطِّفلُ؛ للاعتناءِ بِهِ لا ليَعْتَدِيَ عليه .
و تنتشرُ في الوحداتِ العسكريَّةِ ، ظاهرةُ اغتصابِ القادةِ للفتياتِ المُجَنَّدَاتِ ، حيثُ ينظرُ القادةُ إليهِنَّ كصَيْدٍ سَهْلٍ ، و تُسَمَّى هذه الظَّاهرةُ بينَ العسكريِّيْنَ بـ" اغتصاب القادة " . تقولُ المجنَّدَةُ " آبييي بيكيت " : " المجلاتُ و الأفلامُ الإباحيَّةُ شيءٌ عاديٌّ معَ الجنودِ ، لقدِ اعتدَى عليَّ قائدي الأعلى ، و عُمُرِي تسعةَ عَشَرَ عامًا ، حينما كنتُ أتدرَّبُ في" نيكاراجوا " ، قبلَ أنْ أذهبَ إلى العراقِ ، و لمْ أَكُنْ أعرفُ لمَنْ أَشْكُو ، و لهذا لمْ أبلغْ عَنِ الواقعةِ " . تقولُ "جينيفر سبرانجر" و عُمْرُها ثلاثةٌ
و عشرونَ عامًا : " قائدُ الفريقِ الذي أعملُ معه ؛ لبناءِ و حراسةِ أحدِ معسكراتِ السُّجناءِ في العراقِ ‘ عَرَضَ عليَّ مائتينِ و خمسينَ دولارًا ، و كانَ يضغطُ عليَّ لممارسةِ الجِنْسِ معه ، لوْ فعلَ هذا معَ ابنتي ؛ لَقَتَلْتُهُ ، لكنَّ الوضعَ في الجيشَ أَمْرٌ آخرُ ؛ فأنتَ فيه كالفَأْرِ ، إذا أَبْلَغْتَ عمَّا تَتَعَرَّضُ له ؛ اُتُّهِمْتَ بأنَّكَ جنديٌ عاجزٌ خائنٌ لزملائِكَ ، عليكَ أنْ تَكْتُمَ ما تتعرَّضُ له بينَ جَنْبَيْكَ ، و تُغْلِقَ فَمَكَ ! " .
المُجَنَّدَةُ " سوزان سويفت " عُمُرُها واحدٌ وعشرونَ عامًا ، أَجْبَرَها قائدُها على مُمَارسةِ الجِنْسِ معه ، و تَحَرَّشَ بها جنديانِ آخرانِ ؛ انتهزتْ فرصةَ إجازةٍ لها ، و رَفَضَتِ العودةَ إلى الجيشَ ؛ و لمَّا قُبِضَ عليها بتُهْمَةِ الفرارِ مِنَ الخدمةِ ، عَرَضَ عليها الجيشُ صَفْقَةً ، عليها أنْ تُنْكِرَ أنَّها اُغْتُصِبَتْ ؛ مقابلَ أنْ تُخَفَّفَ عنها العقوبةُ !!! رفضتْ " سويفت " أنْ تتركَ الجيشَ مِنْ أِجْلِ كَذِبِهِ ؛ هنا تُجَرَّدُ مِنْ رُتْبَتِها ، وتُرْسَلُ إلى وحدةٍ بعيدةٍ عَنْ أُسْرَتِها ، و يُفْرَضُ عليها أنْ تبقَى في الخدمةِ عامَيْنِ آخرَيْنِ ! هكذا عُوْقِبَتْ " سويفت " ، أما الجُنَاةُ ، فأُرْسِلَتْ لهم " خطابات توبيخ " !!! والدةُ " سويفت " و تُدْعَى " سارة ريتش " أنشأتْ موقعًا على الإنترنتِ ؛ مُطَالِبَةً بإطلاقِ سراحِ ابنتِها ، وَقَّعَتْ فيه - بالأسماءِ على طَلَبِ إطلاقِ سَرَاحِ " سويفت " - ستةُ آلافٍ و سبعمائةِ امرأةٍ ، سُرَّحْنَ مِنَ الخدمةِ العسكريَّةِ ، رَوَتْ كلُّ واحدةٍ منهُنَّ ، قِصَصَ التَّحَرُّشِ و الاعتداءِ التي تَعَرَّضَتْ له أثناءَ الخدمةِ .
و تقولُ " جارسيا " المُجَنَّدَةُ في الشُّرطةِ العسكريَّةِ : " إنَّ ما يُقَالُ عَنِ الزَّمَالةِ و الرُّفْقَةِ في الجيشِ هراءٌ ، كيفَ يمكنُكِ أنْ تعتمدِي على رجلٍ ، يدفعُكِ لممارسةِ الجِنْسِ معه كلَّ يومٍ ، و يتعاملُ معكِ كبَغِيٍّ ، و يعاقبُكِ إذا رَفَضْتِ ؟ و هلْ تتوقَّعينَ مِنْ هذا الرُّجلِ ، أنْ يَحْمِيَ ظهركِ في المعركةِ ؟! لقدْ رأيتُ مجنداتٍ عديداتٍ ، يتمُ التَّحَرُّشُ بِهِنَّ بالقُوَّةِ و التَّهديدِ ، أنا لا أَثِقُ في أيِّ أحدٍ ! " .
الكولونيل " جانيس كاربنسكي " التي كانتْ مسئولةً عَنْ سِجْنِ " أبو غريب " ، و تمَّ تنزيلُ رُتْبَتِها في قضايا تعذيبِ العراقِيِّيْنَ – تقولُ : " إنَّها كانتْ كَبْشَ فداءٍ ؛ بسببِ أنَّها كانتْ تنتقدُ دائمًا ، و بصراحةٍ كبيرةٍ معاملةَ الجيشِ للمجنَّداتِ ". تَحْكِي " كاربنسكي " قصةَ ثلاثِ مُجَنَّدَاتٍ لَقِيْنَ حَتْفَهُنَّ بسببِ الجفافِ ؛ تقولُ : " الحرارةُ شديدةٌ جدًّا في الصَّيْفِ في العراقِ، و كانتِ الفتياتُ الثلاثُ يَمْتَنِعْنَ عَنْ شُرْبِ السَّوائلِ ليلاً ؛ حتى لا يضطررنَّ إلى الذِّهابِ إلى دوراتِ المياهِ ليلاً ؛ خَوْفًا مِنَ التَّعَرُّضِ للاغتصابِ ؛ فكانَ هذا هو السَّببُ في وفاتِهِنَّ ، لكنَّ الجيشَ رَفَضَ ذلك ؛ لعدمِ وجودِ ما يُثْبِتُ أنَّ هذا هو السَّببُ في الوفاةِ ، لقدْ كنتُ جالسةً حينما كانَ الطَّبيبُ يُدْلِي بشهادتِهِ ، و التي قالَ فيها : إنَّهُنَّ تُوُفِّيْنَ على فراشِهِنَّ ، لقدْ سَمِعْتُ نائبَ القائدِ يأمرُ الطَّبيبَ ، بألاَّ يَتَفَوَّهَ بأيِّ شيءٍ ؛ لأنَّ ذلكَ قدْ يُثيرُ الانتباهَ حولَ المشكلةِ . إنَّ دوراتِ المياهِ بعيدةٌ جدًّا، و ليسَ بها إضاءةٌ ، و ما أنْ تذهبَ الفتاةُ إليها ، حتى يقفزَ عليها الجنودُ ، و يسحبوها بعيدًا ، ثُمَّ يعتدوا عليها ، أو يتحرَّشُوا بها ، طُوِيَتْ صفحةُ الفتياتِ الثَّلاثِ بأنِ اعْتُبِرَتْ وفاتُهُنَّ قضاءً و قدرًا !!! ".
الجيشُ بِنَاءٌ مُغْلَقٌ ، يقومُ على التَّسلسُلِ الهَرَمِيِّ ، معظمُ المُجَنَّداتِ مِنَ الفتياتِ الصَّغيراتِ في السِّنِّ ، في العِشْرِيْنِيَّاتِ مِنَ العُمْرِ ، و منهُنَّ مَنْ تقلُّ عَنِ العشرينَ بعامٍ أو عامَيْنِ ، لا خِبْرَةَ لهُنَّ بالحياةِ العسكريَّةِ ؛و لهذا فَهُنَّ أكثرُ عُرْضَةً للاستغلالِ مِنْ قِبَلِ الضُّباطِ . الذي يَحْدُثُ عادةً في مِثْلِ هذه الحالاتِ ، أنْ تتعرَّضَ المجنَّدةُ للعقوبةِ ، و يُفْلِتَ المُعْتَدِِي مِنَ العقابِ، و أكثرُ ما يُعَاقَبُ به هو خطابُ توبيخٍ !!! في أحدِ المعسكراتِ ، سُجِّلَتْ خمسةُ آلافِ حالةِ اغتصابٍ ، نَجَا فيها الفاعلونَ مِنَ المُلاحقةِ القضائيَّةِ !!!
و يمكنُ تفسيرُ تَمَادِي الجنودِ و القادةِ ، في التَّحَرُّشِ بالفتياتِ المُجَنَّداتِ ، و الاعتداءِ عليهِنَّ جِنْسِيًّا ، بالموقفِ المُتَمَيِّعِ سواءً مِنَ البنتاجون أوِ قيادةِ الجيشِ ، إنَّ كليهما على دِرَايةٍ واسعةٍ بهذه المشكلةِ ، لكنَّهما لا يتخذانِ مواقفَ صارمةً رادعةً لإيقافِها ، و لمَّا ازدادتْ حِدَّةُ المشكلةِ ؛ نجدُ أنَّ كلَّ ما فَعَلَهُ " رونالد رامسفيلد " - وزيرُ الدِّفاعِ السَّابقُ - أنَه أصدرَ قرارًا بإنشاءِ موقعٍ على الإنترنتِ ؛ يُحَذِّرُ فيه مِنْ عدمِ قانونيةِ الاعتداءاتِ الجنسيَّةِ ، و يُشَجِّعُ المرأةَ على الإبلاغِ عَنْ حالاتِ التَّهَجُّمِ عليها !!! و لكنَّ هذا الإجراءَ في نَظَرِ المجنَّداتِ غيرُ فَعَّالٍ لحمايتِهِنَّ . كما أنَّ الجيشَ ، لا يُوافقُ على الإبلاغِ عنْ أكثرَ مِنْ حالةٍ واحدةٍ ، لكلِّ عشْرةٍ مِنَ المجنَّدَاتٍ ؛ و ذلكَ بسببِ الأعدادِ الكبيرةِ مِنَ المجنَّدِيْنَ الذَّاهبِيْنَ إلى العراقِ . إذا أبلغتِ الفتاةُ عَنْ حالةِ اعتداءٍ جِنْسِيٍّ ؛ هنا يَلْزَمُها أنْ تُوَضِّحَ رُتْبَتَها ، و سِنَّها ، و سُلالتَها العِرْقِيَّةَ ، و تاريخَ و وَقْتَ الاعتداءِ ؛ و هذا يَعْنِي أنَّهُ ليستْ هناكَ فرصةٌ ، لتكونَ هَوِيَّةُ المجنَّدَةِ غيرَ معروفةٍ ، و ما الفائدةُ إذا ما كانتِ المجنَّدَةُ تلتقِي معَ مُغْتَصِبِها كلَّ يومٍ ، و مُغْتصبُها قدْ يكونُ قائدَها المباشرَ ؟! و إذا كانتْ هناكَ مِنْ فائدةٍ لمِثْلِ هذا الموقعِ ، فإنَّهُ في حقيقةِ الأمرِ يُوَجِّهُ النِّساءَ إلى كيفيةِ تَجَنُّبِ الاغتصابِ ، أكثرَ مِنْ مطالبتِهِ الرِّجالَ بالكَفِّ عَنِ الاغتصابِ ؛ و لهذا تبدو الصُّورةُ مُوْحِشَةً أمامَ المُجَنَّداتِ ، و رغمَ أنَّ الجيشَ ، قدْ تساهلَ في مسألةِ البياناتِ المطلوبةِ مِنَ المُجَنَّداتِ المُعْتَدَى عليهِنَّ ؛ إذ لم يَعُدْ يطلبُ منهُنَّ المزيدَ مِنَ البياناتِ ؛ حتى لا تُعْرَفَ هويَّتُهُنَّ - فإنَّ هذا الأمرَ لم يحلِّ المشكلةَ ؛ فلقدِ ارتفعَ عددُ اللاتي تَقَدَّمْنَ ببلاغاتٍ مِنْ ألفٍ و سبعِمائةٍ في عام 2004م ، إلى ألفَيْنِ و ثلاثِمائةٍ و سبعٍ أربعينَ في عام 2005 م .
إنَّ نتائجَ دراساتِ " هيلين بندكت " ، عَنْ أوضاعِ المُجَنَّدَاتِ الأمريكيَّاتِ في الجيشِ الأمريكيِّ ، سواءً في العراقِ أو خارجِ العراقِ - تطرحُ عِدَّةَ تساؤلاتٍ - لا مجالَ لها هنا – عَنْ : قضايا الديمقراطيةِ الغربيةِ ، و عَنِ الحرياتِ ، و عَنْ حقوقِ الإنسانِ ، و عَنْ القضايا النَّسويَّةِ ، و عَنْ الجندر ، تلكَ التي تحاولُ الولاياتُ المتحدةُ تصديرَها إلى بلادِنا ، تحتَ عناوينِ المشاركةِ السياسيَّةِ للمرأةِ ، و تمكينِ المرأةِ ، و حقوقِ المرأةِ . كما تطرحُ تساؤلاتٍ أُخْرَى – لا مجالَ لها هنا أيضًا - عَنْ عَلاقةِ ما يجري للمُجَنَّدَاتِ مِنِ اعتداءاتٍ ، بهذا الاسترخاءِ الشَّديدِ في معاييرِ السُّلوكِ و الأخلاقياتِ الجِنْسِيَّةِ ، ذلكَ الذي حَدَثَ في السِّتينيَّاتِ مِنَ القرنِ الماضِي ، و ما أعقبَهُ مِنْ إنتاجِ وسائلَ آمنةٍ و فعَّالةٍ لمَنْعِ الحَمْلِ ، و هو ما يُعْرَفُ بالثَّوْرَةِ الجِنْسِيَّةِ في الغربِ ، هذه الثَّوْرَةُ التي استندتْ إليها حركاتُ حقوقِ الشَّوَاذِّ ، و الحركاتُ النَّسويَّةِ الحديثةِ ، و انبثقَ منها ما يُعْرَفُ بحقوقِ النِّساءِ المتساويةِ معَ الرِّجالِ ، في الحُبِّ و المواعدةِ !!! ليكنِ السُّؤالُ هنا : علامَ الشَّكْوَى ، و مسألةُ الجِنْسِ قدْ أصبحتْ مفتوحةً ، و انفصلتْ عَنِ القِيَمِ و الأخلاقِ و حتى الدِّيْنِ ؟!!!
كلُّ ما نريدُ إلقاءَ الضَّوْءِ عليه هنا ، هو أنْ نُبَيِّنَ أنْ مسألةَ مشاركةِ المرأةِ في القتالِ - في زمانِنا هذا - ليستْ في صالحِ المجتمعِ ، و لا في صالحِ النِّساءِ ، و أنَّ الأَوْلَى بنا أنْ نتمسكَ بثوابتِ ثقافتِنا الأساسيَّةِ التي أَشَرْنا إليها سابقًا ، و هي أنَّ الأصلَ في المرأةِ ، أنَّها أُمٌّ و رَبَّةُ بَيْتٍ ، و عِرْضٌ يَجِبُ أنْ يُصَانَ ، و أنَّه و إنْ كانتْ هذه ثقافتنا قدْ أعطتِ المرأةَ مِنَ الحقوقِ ، ما لم تُعْطِهِ لها الثَّقافةُ الغربيَّةُ ، فإنَّه إنْ تعارضتْ ممارسةُ هذه الحقوقِ ، مع واجباتِها حِيَالَ أُسْرِتَها و أطفالِها ، هنا يكونُ تقديمُ هذه الواجباتِ أَوْلَى .
-----------------
د - أحمد إبراهيم خضر
دكتوراة فى علم الإجتماع العسكرى
عضو هيئة التدريس السَّابق بجامعات القاهرة ،
و الأزهر ، و أم درمان الإسلامية ، و جامعة الملك عبد العزيز .