د. علي عثمان شحاته - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1524
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا شك أن الصحة نعمة من الله تستحق من العبد شكرها؛ والحرمان منها ابتلاء من الله ينبغي للعبد أن يصبر عليه ويحتسب. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" أخرجه البخاري.
قال ابن بطال: معني الحديث: "إن المرء لا يكون فارغاً حتى يكون مكفيَّاً صحيح البدن، فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن؛ بأن يترك شكر الله علي ما أنعم به عليه، ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرط في ذلك فهو المغبون" فتح الباري جـ 11 / 230
وما مُنح الإنسان بعد الإيمان بالله عز وجل أعظم من نعمة الصحة والعافية؛ ومن هنا فقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم المسلم إلي أن يسأل الله العافية حيث قال: "اسألوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية" أخرجه الترمذي. وقال رسول الله : من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا" أخرجه الترمذي.
ومع عظم نعمة الصحة والعافية؛ فإن الله عز وجل يعوض من حرمهما خيراً كثيراً؛ إذا صبر وشكر واتقي؛ قال تعالي: " لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" سورة آل عمران الآية: 186.
فالصبر على البلاء في المال والنفس من عزم الأمور، وجزاؤه الجنة، فعن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله يقول: (إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منها الجنة) أخرجه البخاري. والمراد هنا: فقد نعمة البصر. وعن أبي هريرة عن النبي قال: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها؛ إلا كفر الله بها من خطاياه) أخرجه البخاري.
وعلي ذلك فالابتلاء في النفس بالمرض أو الإعاقة ونحوهما ينبغي أن يقابل من الإنسان بالصبر والرضي، حتى ينال جزاء الصابرين، لا أن يقابل ذلك منه باليأس والقنوط من رحمة الله، أو يجعل الإعاقة سبيلا للتسول ومد اليد للناس وبذل ماء الوجه لهم، فيتحول الابتلاء الذي تكون عاقبته الجنة مع الرضا، إلى خزي وندامة يوم القيامة، فلنتق الله عز وجل في أنفسنا، ولا نمد الأيدي إلا لله، ولا نذل النفس إلا لخالقها سبحانه وتعالي، وقد قيل في القناعة:
أرفه ببـال فتي أمسي على ثقة
أن الـذي قسـم الأرزاق يرزقه
فالعرض منه مصـون لا يدنسه
والوجه منه جديد ليـس يخلقه
إن القنـاعة من يحلل بساحتها
لم يلق في دهره شيئاً يؤرقه
وبالرغم من الإنكار الشديد على من يستخدمون المرض والعاهات الجسدية في سؤال الناس دون حاجة أو ضرورة؛ فإنه ينبغي على المجتمع رعايتهم، وعلي الدول أن توجه مزيدا من الرعاية لأصحاب هذه الأمراض والعاهات المقعِدة عن العمل، وأن تعينهم بما يكفيهم ويكفهم عن ذل السؤال؛ لأنهم بالفعل من الفئات التي تحتاج إلى هذا العون وهذه المساعدة، ولابد أن يكون لهم في مال الزكاة نصيب، طالما ثبتت حاجتهم بالفعل.
نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق
-----------------
د. علي عثمان شحاته
القاهرة - جمهورية مصر العربية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: