نعم، هناك في تونس من يبيت بلا طعام

فوزي مسعود من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 13114

يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط

أعترف بداية أنني فوجئت بما سأرويه، صحيح أني اعرف بوجود الفقر والفقراء بتونس رغم ما يردده الإعلام فاقد المصداقية، لكنني في الحقيقة كنت استبعد أن يوجد أيامنا هذه بتونس من يبيت فعليا بلا طعام (بالمعنى الكامل للفظ)، بمعنى أن هناك من تمر عليه بعض الأيام التي لا يتناول فيها طعام العشاء، ولك أن تتصور المشكلة حينما تعلم أن الأمر لا يتعلق بفرد لوحده وإنما بأسرة كاملة، تجمع الزوج وزوجته وأبنائه، واز يدكم من الشعر بيتا، أن ما سأتحدث عنه يحصل بتونس العاصمة.

كانت بداية القصة أخر الأسبوع الماضي، حينما عزمت على نقل مقر مكتبي، واستعنت على إتمام ما تتطلبه عملية التنقيل والتحميل ببعض العملة، ممن تستطيع طلبهم عادة بأرصفة المقاهي، وهم كُثُر، وكان أن استعنت بأحد هؤلاء، وفي خضم الأشغال، عنّ لي أن أساله عن حاله وأوضاعه الاجتماعية، فاخبرني بتفاصيل عديدة عن نفسه وعن أقاربه وعن أناس يشابهونه اجتماعيا، وكان من نتيجة مارواه لي، أن ألمّت بي حالة من الكآبة، عملت على الخلاص منها بإعادة رواية بعض مما سمعت عمن اعرف.

حدثني نجيب وهو رجل ذو 43 سنة، فقال انه متزوج وصاحب عائلة، وانه يشتغل كعامل دُهن (أعمال صباغة البنايات)، وقال أن قطاعهم باستثناء 3 اشهر في الصيف، يشهد باقي السنة ركودا قاتلا، يجعله عاطلا عن العمل، وهو ما يتركه باحثا عن أي عمل آخر يوفر له مدخولا.
ولقد كان المسكين طوال الوقت ونحن مشغولون بأعمال ترصيف المكتب، يذكّرني بان لا أنساه إن أنا احتجت أحدا يريد القيام بأي عمل، كما كان يكثر من توصيتي بان اعلمه أن أنا عرفت من يبحث عن من يقوم بأي عمل.

واسترسل الحديث، فاسرّ لي انه تأتي عليه أيام عديدة، لا يجد ما يتعشى به هو وعائلته، وقال لي انه بالكاد يصل أن يجمع مبلغ كراء البيت الذي يقطنه.

وكان من اليسير علي أن اصدق نجيب بأنه يبيت لأيام بلا طعام، ولعله أن يكون كذبني حياء، حيث أرى انه يبيت اغلب أيامه بلا عشاء، إذ انه من النحالة بما ينبئ انه يعاني من جوع شديد.

وسألته إن كانت عائلته الكبرى (إخوته أو أصهاره) تحوي على من قد يعينه، فرد بما يزيد من الأسى، حيث إن صهره يعمل بالسعودية، وقال لي انه تناسى الكل منذ أن استقر هناك، كما قال لي إن أخته أستاذة، وهي لا تنظر لغير أسرتها، ولا يعنيها من أمره شيئا.

حدثني أيضا انه كان يشتعل في أحدى المصانع الأجنبية، وقال لي أن تلك المصانع هي أشبه بأماكن العبودية، حيث كان مشغله الفرنسي (يصنع قطع ميكانيكية لأجزاء من الطائرات)، يفرض عليه العمل مدة ما يقارب حصتين (زهاء 14 ساعة)، باجر شهري قدره 260 دينارا، وقال لي انه حينما يطالب بالزيادة في الأجر أو العمل مدة اقل، يهدده بالطرد أو يقول له "هاذاك الموجود"، وسألته ان لم تكن هناك مراقبة لهذا المصنع، فرد قائلا، أمر هذه المراقبات معروف، وطرق إسكاتهم كثيرة، وحكى لي عن بعض الوسائل الغير شرعية لإسكات المراقبة المكلفة بتفقد أحوال العملة بالمصانع.

حدثني كذلك عن النسوة آلاتي يشتغلن بالمصانع بطول البلاد وعرضها، وقال لي أن اغلبهن يشتغلن بما بين 160 و 180 دينارا شهريا، والماهرات منهن يمكن أن يصلن لأجر 200 دينارا شهريا.
وللواحد منا أن يتساءل كيف يمكن تصنيف إحداهن تتلقى راتبا ب180 او 200 دينارا على انها تشتغل، والحال انها مثلها والعاطلة عن العمل سواء، وماذا عسى ان يفعل هذا المبلغ، اذا خصمنا منه مصاريف النقل، وغيره.

04-03-2008

لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه

رابط المقال

لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال

البريد الإلكتروني

اسمك