البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

اللهم احم تونس

كاتب المقال د - المنجي الكعبي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 3502


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لا شك أن منع التعددية في أول الاستقلال حَقَنَ الحياة السياسية بمعارضات ايديولوجية شتّى، وإن خفف منه بورقيبة في العشرية الأخيرة من حكمه الثلاثيني. وأوسع تلك المعارضات جماهيراً المعارضةُ الدينية، لطبيعة الشعب التونسي.

هذه المعارضة، التي اغتذت بالمعارضة اليوسفية العربية القومية، أو تولدت كالربيبة لها، اشتد النظام على مدى عقدين في مقاومتها بكل شراسة، ربما أقوى من كل معارضة أخرى يسارية أو عمالية كانت تتنفس دونها من الخارج باعتبارها معارضة أنتلجنسيا (نخبة مثقفة) محدودة أو معارضة عمالية متماهية مع الأممية النقابية والشيوعية؛ وليست لها الشعبية الكاسحة التي تلقاها المعارضة الإسلامية لأسباب داخلية، خاصة كرد فعل تلقائي على الإصلاحات الدينية والاجتماعية الجريئة التي ميزت سياسات بورقيبة العلمانية والليبيرالية بعد الاستقلال.

فالانتفاضات القومية والدينية والعمالية التى عرفتها تباعاً كل عشرية من عشريات بورقيبة، إنما كانت إرهاصات - إذا صح التعبير - للاحتقان الأكبر الذي مارسه نظام بن علي، ذي الطابع السلطوي البوليسي على المجتمع، وفجّر عليه بعد كبْت طويل دام أكثر من عقدين ثورة 14 جانفي 2011 التي نعيشها سنواتها الأولى. هذه الثورة الفارقة استفادت منها النهضة، بالنصيب الأوفر من بين كل المعارضات بمختلف أطيافها، باعتبارها كانت الخزان الاجتماعي الأوسع لرفْد الثورة، والدفْع بجماهيرها نحو الأقصى لتغيير المجتمع البورقيبي الذي كان سائداً لعقود دون هوية عربية إسلامية مهيمنة.

وخلقت الديمقراطية الوليدة والحكم الانتقالي الهجين صراعَ الشرعيات. وصراعُ الشرعية يحسم له غضب الشارع في الأزمات، وتحسمه الشرعية الأقوى بطبيعة الحال، وهي شرعية الديمقراطية الرئاسية المباشرة، وليس شرعية التمثيل النسبي ولا شرعية الثقة بالثلثين البرلمانية للحكومة.

والسياسة لا تعدو إلا ولها وجهٌ وخلفٌ كالعملة، ولذلك تَعيّن أن تحصد النهضة ذات الغالبية الأكثر في انتخابات التأسيسي وجه العملة وقفاها للفترة الانتقالية التي تراختْ. ولذلك تعجّلت سقوطَها كافة أطياف المعارضات الأخرى التى كانت منافسة لها في اصطياد الحكم، والتي توحّدت بالمناسبة تحت راية واحدة.

فدوّى سقوطُها - أعني النهضة - تحت وقع الاغتيالات والزحف على أغلبيتها البرلمانية، وطالبتْ تلك المعارضات بإسقاط حكومتها الانتقالية الاولى فالثانية ورئاستها المؤقتة للجمهورية، بعد أن نجحت في افتكاك طابع المدنية والحقوق والحريات منها لدستور كانت تريده ”النهضة، مطبوعاً بطابع هويتها الدينية المميزة؛ وترتهنُ العلاقة فيه بين السلطات الثلاث لقيود أغلبيتها البرلمانية وتحالفاتها المصطنعة ابتداءً من أحزاب نفخت فيها من نفسها.

واذا كان للسياسة حتمياتٌ كحتميات القانون الطبيعي لا تتخلّف، فإن ”النهضة” في دورتها التشريعية الاولى بعد الدستور الجديد، قد رأت نفسها تراجعت أمام صانع هزيمتها الأشرس، ”النداء” ، وأنه لا يسعها إلا أن تكشف عن ثمن تنازلاتها له، وتَقْبل بالتحالف الصوري معه ليمنع غطاؤه لها من الانكشاف للمجتمع في صفة المعارض؛ وهي التي تعرف حظ ما تقاسيه المعارضات في الديمقراطيات الناشئة فضلاً عن الديمقراطيات المزيفة، وهي تدرك أن شعبيتها الاجتماعية سوف تمنحها من جديد أغلبية برلمانية قادمة بعد أغلبيتها المعززة في البلديات، إذا سامت ”النداء” في الحكم نفسَ ما سامها وهي في الحكم؛ خاصة وهي حليف متقلّل من الكراسي في الحكومة، وبالتالي غير مقاسمة للنداء في تبعات فشله في السلطة. والأمر مفضوح لو كانت ”النهضة” في المعارضة جهاراً.

ولكن في السياسة لا يصدق المثل ”لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين“. لأن اللدغ في السياسة قاتل. وقد يكون مؤمنُو النهضة أرادوا أن لا يلدغهم الباجي مرة ثانية فتحوّطوا بنجله أو من هو بمثابة نجله، فما شعروا إلا وهو - أي الأب - يهوي على مخططهم القائمِ على الإراحة منه ومن حزبه، موعظةً للآخرين. فيُلقى بالتوافق الذي ناصبهم به في أول الأمر، وليس هو بوثيقة الكعبة، لينظروا أي منقلب ينقلبون. أليس هو الذي قيل له في صديقه الشيخ، عندما عاودَه بالزيارة ليَعلمَ إن كان جاداً في القطيعة التي تُبيِّتها النهضة لحسم قضيته مع ابنه الآخر الشاهد مثلما فعل مع ابنه الأول حافظ حين حرمه من التشريعية في وقت سابق، فقال: ”في أمور الدولة لا وجود لأصدقاء“.

ولا يمكن أن نتصور لاعبين سياسيين كلاعبي السيوف يمارسون الصراع على خشبة المسرح، لا ينال أحدَهم جرحٌ ولا يُلقون بحَصَوَات الأرض تحت أقدامهم على وجوه المتفرجين أو يُثيرون غباراً يؤذي عيون المشاهدين؛ فمسرح السياسيين مسرحٌ حقيقي يتأذّى منه الناس في عيشهم وتجارتهم وفي أمنهم وسَكينتهم، كالثورة مِن الظلم والفساد لا تأتي أُكُلها إلا بعد سقوط ضحايا وشهداء وخسائر ومحن، ولا تُلقَى مسؤوليتُها إلا على من انهزم في معركة التحرر من الظلم والفساد، من صغار السياسيين أو القياديين الطائشين، ومَن اغتر بدعواتهم التي تَتبيّن بعد نَصْب العدالة ميزانَها لهم حقيقتُها من زيفها.

والسياسي في الديمقراطيات الحصينة على ذاتها متّهمٌ ما لم يُبرئ ساحته من سلبيات ما قد يُحْمَل ابتداءً على تقصيره أو غفلته أو مَن له عليهم ولاية أو حتى مِن تدبيرٍ مِن خصومه وراء ظهره.

قل.. أدخلْنى مُدخل صدق وأخرجْني مُخرج صدق.

تونس في ٨ أكتوبر ٢٠١٨


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الجبهة الشعبية، حركة النهضة، اليسار بتونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 10-10-2018  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  على هامش الانتخابات الرئاسية القادمة صدور كتابين تاريخيين في طبعة جديدة
  حل الدولتين في مأزق النقض
  فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ
  المرحوم قاسم بوسنينة مثال نادر من الرجال المخلصين
  فعل المستحيل، أو بعبع حق النقض في يد إسرائيل بالتناظر لأمريكا
  أفكار يجرفها الطوفان
  كل ما تخسره إسرائيل بتطاول مدة الحرب تكسبه حماس
  يهود العالم في ولايات متحدة أمريكية صهيونية
  هدنة تفتح على حل دائم وإلا عودة لحماس أشد بأسا
  معركة الأسرى أقوى من معركة السلاح وفتيل النار
  كل الغثاء حمله الطوفان
  رب درس تأخذه من عند غير مدرس ولو من طوفان
  في غزة طوفان دموع اختلط بطوفان الأقصى
  فرنسا من المعاداة للسامية إلى المؤاخاة للصهيونية
  قمة العرب والمسلمين لمساندة طوفان الأقصى في غزة بما أوتوا من قوة الإختلاف والإئتلاف
  فلسطين بطوفان الأقصى دخلت حرب التحرير بالمعنى الجزائري الفريد
  إهلال الإسلام على الكون الجديد
  "‏الفيتو" الأمريكي البريطاني الفرنسي ملطوخ في غزة
  ‏إسرائيل تقتل نفسها عرقا عرقا في غزة
  إسرائيل «غريبة» أوروبا في الشرق الأوسط
  هذه حرب ظالمة لا حرب دفاع عن النفس
  مال الإسلام إرهاب
  الصراع الأمريكي الإسرائيلي
  ‏تركيا وإيران ومصر
  حل الدولة الواحدة
  التهور مزلة والإقدام عن تبصر مأمون
  الموقف التونسي
  ‌على أنفاس غزة
  لمحات شابية
  نيتشه الموت والحياة

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - الضاوي خوالدية، أحمد بوادي، الهادي المثلوثي، د - محمد بنيعيش، عمار غيلوفي، د - صالح المازقي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. عبد الآله المالكي، خالد الجاف ، كريم فارق، سليمان أحمد أبو ستة، إسراء أبو رمان، فتحي العابد، فتحـي قاره بيبـان، أحمد الحباسي، أنس الشابي، حسن الطرابلسي، وائل بنجدو، محمود سلطان، سامر أبو رمان ، د - المنجي الكعبي، د. خالد الطراولي ، عراق المطيري، د. أحمد بشير، نادية سعد، رافع القارصي، سيد السباعي، د.محمد فتحي عبد العال، المولدي الفرجاني، سلام الشماع، د - محمد بن موسى الشريف ، محرر "بوابتي"، سامح لطف الله، رضا الدبّابي، مصطفي زهران، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد شمام ، رشيد السيد أحمد، فهمي شراب، كريم السليتي، صلاح الحريري، سفيان عبد الكافي، مصطفى منيغ، أبو سمية، طلال قسومي، حسن عثمان، د- محمود علي عريقات، محمود فاروق سيد شعبان، رمضان حينوني، سعود السبعاني، علي عبد العال، صلاح المختار، محمد أحمد عزوز، سلوى المغربي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عواطف منصور، د. ضرغام عبد الله الدباغ، فتحي الزغل، إياد محمود حسين ، رحاب اسعد بيوض التميمي، الهيثم زعفان، منجي باكير، خبَّاب بن مروان الحمد، د - عادل رضا، الناصر الرقيق، محمد اسعد بيوض التميمي، د - مصطفى فهمي، صباح الموسوي ، د- محمد رحال، أ.د. مصطفى رجب، د - شاكر الحوكي ، ياسين أحمد، العادل السمعلي، محمد يحي، محمد عمر غرس الله، عبد الرزاق قيراط ، محمود طرشوبي، يحيي البوليني، عبد الله الفقير، صفاء العربي، رافد العزاوي، إيمى الأشقر، د- جابر قميحة، أحمد النعيمي، مراد قميزة، علي الكاش، محمد الطرابلسي، حاتم الصولي، عزيز العرباوي، جاسم الرصيف، ضحى عبد الرحمن، حميدة الطيلوش، أحمد ملحم، د. طارق عبد الحليم، أشرف إبراهيم حجاج، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صالح النعامي ، صفاء العراقي، فوزي مسعود ، محمد العيادي، د. صلاح عودة الله ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد الله زيدان، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الغني مزوز، تونسي، د- هاني ابوالفتوح، محمد الياسين، د. أحمد محمد سليمان، عمر غازي، يزيد بن الحسين، ماهر عدنان قنديل، حسني إبراهيم عبد العظيم، مجدى داود،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة