البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس.. اليد على الولاّعة

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 3965



ولاّعة شهيد تونس محمد البوعزيزي الذي حرّر البلاد والعباد من ربقة الطاغية الهارب بن علي هي رمز من رموز ثورة تونس العظيمة وهي رمز من رموز ربيع العرب وثورات شعوبه السلمية من أجل الحرية والعدالة. ولاعة البوعزيزي هي ولاعة الغضب المشتعل بسبب الفقر والظلم وخاصة خاصة بسبب احتقار النظام للإنسان وإهانة كرامته.

ولاعة البوعزيزي هي ولاعة العرب جميعا خاصة من الذين تسحقهم كل يوم آلة الموت الاجتماعي في مزارع الفقر والتهميش والبطالة في بلاد الثروات العربية الهائلة. ولاعة البوعزيزي أحرقت الثوب الشفاف الذي يغطي عورات نخب العار العربية ونخب الإعلام الفاسد ممن أثخنوا جسد الأمة العليل وزيفوا وعي شعوبها عقودا من عمر الاستبداد.

ولاعة البوعزيزي هي رمز للسلمية التي تميز العرب والمسلمين عن غيرهم من الأمم فقد خير فقراؤنا الموت على حمل السلاح. ولاعة البوعزيزي أحرقت جسده العليل بفعل الفقر والتهميش واحتقار الدولة المجرمة له لكنها لم تحرق الممتلكات العامة ولا قصور الأغنياء من أبناء العملاء وأحفاد العصابات والتجار الأوطان ونخاسي حقوق الانسان.

ولاعة البوعزيزي رمز الغضب ورمز حدود الصبر التي لن يكون ما بعدها كحال ما قبلها.

اليوم وبعد كل التضحيات وبعد كل القروض والهبات وبعد غياب القصاص والمحاسبة يعود المشهد التونسي إلى نقطة البدء وكأنه ينبئ بولاعة جديدة.

فكل القطاعات مشلولة أو تكاد من صحة وتعليم وعدالة واقتصاد ومواصلات ... وفي قلب المشهد تتصارع العصابات فيما بينها من أجل الاستحقاقات الانتخابية القادمة بعد أن أُخرجت الثورة التونسية عن مسارها وصار الرضى بالقليل النادر مكسبا ثوريا.

نجحت النخب التونسية وخاصة السياسية منها في تبديد المسار الانتقالي وفي إهدار الفرص التاريخية التي أتيحت لها من أجل استئصال المنظومة القديمة التي ارتكز عليها النظام الاستبدادي زمن بن علي. بل إن تنافس حلفاء الأمس على المشهد السياسي هو الذي مكّن للمنظومة القديمة من العودة إلى المشهد بل وإلى تصدره اليوم حيث يقيم في قصر قرطاج رجال الدولة العميقة جميعهم.

رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وغالبية مجلس الشعب صارت بيد النظام القديم الذي لم يبذل من الجهد غير تغيير الاسم من "حزب التجمع الدستوري الديمقراطي " إلى "حزب نداء تونس". أما المشهد الرمزي في الإعلام والثقافة والاقتصاد ... فهي جميعها بيد النظام القديم بسبب تغلغل الدولة العميقة في عمق مفاصل الدولة التي لم تغادرها خاصة وأن المسار الانتقالي لم يحاسب فردا واحدا من الفاسدين أو المجرمين أو ناهبي المال العام أو حتى القناصة الذين قتلوا التونسيين إبان الثورة.

أما حضور الاسلاميين من حركة النهضة في قلب المشهد فذلك لب الحكاية نفسها. فلولاهم لما استطاعت الدولة العميقة العودة إلى المشهد من جديد ولا الانقلاب على مطالب الثوار وإعادة عصابة اللصوص التي ثار ضدها الشعب إلى سدة الحكم من جديد.

لقد عقد الإسلاميون منذ لقاء باريس الشهير بين راشد الغنوشي والباجي قايد السبسي صفقة العمر مع الدولة العميقة التي تركها بن علي ومع سادتها الكبار من القوى الاستعمارية القديمة والجديدة وهي الصفقة التي ضمنت بقاءهم في السلطة شرط القبول بكل الشروط التي سيفرضها وكلاء الاستعمار في الداخل.

من أهم هاته الشروط عدم المس بكل الاتفاقيات والمعاهدات التي تعود إلى فترة الاستعمار المباشر لتونس والتي تضع كل ثروات البلاد التونسية من نفط وغاز وملح وفسفاط وموارد فلاحية وبشرية تحت سلطة المستعمر السابق وشركاته التي تمثل الحاكم الفعلي للبلاد.

اليوم نجح ما سمي زورا بالحوار الوطني في إجهاض الثورة التونسية مستفيدا من حالة الفوضى الكبيرة التي تعاني منها منوالات ثورية أخرى وخاصة في الجوار الليبي الذي يلقي بظلاله الكثيفة على المشهد التونسي. الحوار الوطني كان في الحقيقة اختبارا للقوى الفاعلة في الساحة بعيدا عن الطبقات الفقيرة التي قامت بالثورة ودفعت من أجلها الشهداء تلو الشهداء قبل أن يتسلق المتسلقون إلى المشهد من جديد.

نجح الاتحاد العام التونسي للشغل مثلا في إشعال الحرائق الاجتماعية وفي تدمية المسار الانتقالي عبر تركيع الاقتصاد والدفع إلى الاضرابات والاعتصامات التي شلت الحركة الاقتصادية ورهنت البلاد لصالح المقرضين من صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الاستعمارية المالية الدولية.

أما نقابات الأعراف فحافظت على امتيازات العصابات من رجال الأعمال الذي راكموا ثرواتهم خلال فترة الاستبداد السوداء ولم يحاسب واحد منهم بفضل الوعد الذي قطعه حزب حركة النهضة على العراب الدولي من أجل حمايتهم وتعطيل كل القوانين أو مشاريع القوانين التي تطالب بالمحاسبة.

في المقابل يزداد الفقراء فقرا ويبلغ الاحتقان الاجتماعي اليوم معدلات مخيفة لم تعد فزاعة الإرهاب الصناعي الذي تمارسه الدولة العميقة وخلاياها الاستخباراتية لتنزل بمعدلاته المخيفة وهو ما ينذر بالأسوأ في قادم الأيام.

فباستثناء الساحل الغني حيث الخدمات الصحية والتعليم وباستثناء بعض الأحياء المرفهة في العاصمة فإن أغلب ولايات البلاد تسبح في الفقر والتهميش والبطالة فترتفع معدلات الجريمة والمخدرات والانتحار وكل الأمراض الاجتماعية التي تترتب عن انعدام التنمية واستشراء الفساد والنهب.

ففي جنوب البلاد ووسطها وشمالها الغربي يئن الشعب الفقير في صمت تحت ضربات الفقر وفشل خطط التنمية وانتشار عصابات النهب والفساد المهيكل الذي تشرف عليه الدولة نفسها عبر موظفيها المحليين. فلا خدمات صحية دنيا ولا تعليم لائقا ولا بنية تحتية ولا خدمات إدارية إلا حضور الحرس والعسكر والشرطة والعسس في كل مكان.

ولاعة البوعزيزي مرّت ذات يوم من هناك وتونس لا تزال ترزح تحت نفس العبء الذي تركه بن علي وإن كان الساسة اليوم يتنافسون في دكاكينهم على منصب هنا أو كرسي هناك فإن اليد الحقيقية في تونس لا تزال تمسك بالولاعة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة، بقايا فرنسا، حركة النهضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 16-03-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
صفاء العربي، سلام الشماع، د. كاظم عبد الحسين عباس ، وائل بنجدو، أحمد ملحم، د - محمد بنيعيش، عبد الله الفقير، عمر غازي، كريم السليتي، إيمى الأشقر، سامر أبو رمان ، د- جابر قميحة، محمود سلطان، د. طارق عبد الحليم، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، طارق خفاجي، أشرف إبراهيم حجاج، عراق المطيري، محمد العيادي، فوزي مسعود ، سفيان عبد الكافي، خبَّاب بن مروان الحمد، المولدي الفرجاني، رمضان حينوني، صالح النعامي ، منجي باكير، د. أحمد بشير، د - المنجي الكعبي، رافد العزاوي، أحمد الحباسي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حسني إبراهيم عبد العظيم، حسن عثمان، فتحي الزغل، جاسم الرصيف، العادل السمعلي، صفاء العراقي، مصطفى منيغ، سليمان أحمد أبو ستة، د- هاني ابوالفتوح، كريم فارق، صلاح الحريري، المولدي اليوسفي، د. عبد الآله المالكي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د- محمد رحال، عزيز العرباوي، طلال قسومي، أنس الشابي، محمد يحي، مصطفي زهران، محمد علي العقربي، حاتم الصولي، يزيد بن الحسين، بيلسان قيصر، د - مصطفى فهمي، د - شاكر الحوكي ، مراد قميزة، عبد الرزاق قيراط ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد اسعد بيوض التميمي، محمود فاروق سيد شعبان، الهيثم زعفان، علي عبد العال، سامح لطف الله، رضا الدبّابي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - صالح المازقي، مجدى داود، أحمد بوادي، محمد الياسين، رافع القارصي، سيد السباعي، صلاح المختار، فتحي العابد، د. صلاح عودة الله ، د. عادل محمد عايش الأسطل، ماهر عدنان قنديل، د - عادل رضا، إياد محمود حسين ، علي الكاش، محمد شمام ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، الناصر الرقيق، د. أحمد محمد سليمان، الهادي المثلوثي، صباح الموسوي ، نادية سعد، ياسين أحمد، محمود طرشوبي، أبو سمية، عواطف منصور، ضحى عبد الرحمن، سلوى المغربي، د - الضاوي خوالدية، عمار غيلوفي، عبد الغني مزوز، فهمي شراب، خالد الجاف ، محمد أحمد عزوز، تونسي، د. خالد الطراولي ، محمد الطرابلسي، د - محمد بن موسى الشريف ، أحمد النعيمي، عبد العزيز كحيل، فتحـي قاره بيبـان، إسراء أبو رمان، عبد الله زيدان، د- محمود علي عريقات، أ.د. مصطفى رجب، محرر "بوابتي"، يحيي البوليني، محمد عمر غرس الله، د.محمد فتحي عبد العال، رشيد السيد أحمد، حميدة الطيلوش، سعود السبعاني، حسن الطرابلسي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز