البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الزطلة أفيون قائد السبسي ودواؤه الوهمي لمأزقه في الحكم

كاتب المقال طارق الكحلاوي - تونس   
 المشاهدات: 4244



ليكن واضحا من البداية ليس هناك شكا في ضرورة تغيير احد القوانين الزجرية البائسة لنظام بن علي "القانون عدد 52 لسنة 1992 الذي يتعلق بالمخدرات" والذي تسبب في استسهال الزج بالاف الشباب التونسيين (6600 حسب وزير العدل) في السجون بسبب استهلاك المخدرات حتى الاقل تأثيرا. لكن مستوى الشعبوية والسطحية الصادرة من الرئيس قائد السبسي وانصاره في الاسبوعين الاخيرين وخاصة تصريحه حول مبادرة رئاسية لـ"طرح تعليق تطبيق القانون على جلسة قادمة لمجلس الامن القومي" يتناقض كليا مع صلاحياته هذا عدا عن تناقضه مع مبدأ دولة القانون والمؤسسات. كان علينا ان نستمع على سبيل المثال لمستشارين للرئيس وقياديين في البرلمان من انصاره وبعضهم محامين يطلقون تبريرات من نوع أن للامن مسائل اخرى يحتاج التركيز عليها عوض "الزطلة" (التسمية التونسية للقنب الهندي او الماريخوانا) وذكروا للتدليل على ذلك ضرورة تركيز الامن على "التجارة الموازية" عوض "الزطلة"، على اساس ان مسالك تجارة الزطلة تتبع التجارة الرسمية المقننة.

الحقيقة انه لم يعد للرئيس ما يقدمه امام تواصل المؤشرات السلبية في كل المجالات الا لعبة الالهاء واللعب على وتر شعبوي يمس عددا من العائلات التونسية. ولو ان حسابات الرئيس وحاشيته هذه المرة خاطئة بما أن عددا من استطلاعات الرأي الجدية غير المنشورة التي تمت في الاسبوعين الاخيرين تشير بشكل واضح الى ان اغلبية واضحة في الرأي العام غير راضية على التقنين المؤقت لاستهلاك الزطلة، في الوقت الذي يمكن فيه للرئيس او الحكومة تقديم مبادرة تشريعية سريعة لتنقيح القانون الحالي بما يمنح للقاضي مجالا للاجتهاد، في انتظار اصدار القانون الجديد للمخدرات الذي من الواضح أنه يحتاج نقاشا اوسع واعمق.

وصادف ان نشر "المعهد الوطني للاحصاء" هذا الاسبوع اخر المؤشرات الاقتصادية وخاصة حصيلة نسب النمو والبطالة لسنة 2016. ومثلما نقلت افتتاحية احد الصحف: "أصدر يوم أمس المعهد الوطني للإحصاء نشريتين ينتظرهما الجميع بفارغ الصبر: النموّ الاقتصادي للثلاثي الرابع لسنة 2016 ومؤشرات التشغيل والبطالة لنفس الفترة .. والنتيجة أسوأ بكثير من المتوقع إذ لم ينم الناتج المحلي الإجمالي (PIB) على امتداد كامل سنة 2016 إلا بـ %1 فقط مقابل توقعات منذ أسابيع قليلة بـ%1.3.. وللتذكير فان قانون المالية للسنة الفارطة قد بني على فرضية نمو بـ %2.5 ثم تمت مراجعتها في مناسبات عدة إلى أن استقرت في النهاية على انجاز %40فقط من الفرضية الأولية." (جريدة "المغرب" 21 فيفري 2017).

أمام ذلك ذكرنا أسوأ مستشاري السبسي على الاطلاق، المتعلقة به على سبيل الذكر لا الحصر قضايا فبركة، في سياق تبريره لتصريحات الرئيس بما يلي: "لا يجب ان ننسى ان اجدادنا كانوا يستهلكون الزطلة في شهر رمضان." وبعكس سيل الاكاذيب التي تعود على قولها، منها اخيرا نفيه وجود بطاقات جلب للجلاد السابق الحبيب عمار رغم نشر وثائق بطاقات الجلب في الشبكات الاجتماعية، فإنه توجد بعض الحقيقة في ذلك. اذ كان فعلا الشعب التونسي تحت الاستعمار الفرنسي يتعرض الى حملة منظمة من السلطات الاستعمارية لاغراقه في استهلاك الزطلة. بمعنى اخر في ان هذه الذكرات التاريخية تدفعنا على العكس الى نبذ استسهال استهلاك المواد المخدرة حتى الاقل تأثيرا نظرا للتجربة التاريخية السلبية للشعب التونسي في هذا السياق.

وقد ذكرنا المؤرخ والصحفي عادل القادري هذا الاسبوع بنبذات من هذا التاريخ السلبي لاستهلاك "الزطلة" تحت وبتسهيل من الاحتلال الفرنسي. إذ اشار الى ما يلي: "شارك قادة الحركة الوطنية ،مثل الدكتور محمود الماطري، في الدعوات والحملات الصحفية من أجل مكافحة جدّية لترويح المخدرات وتعاطيها، متهمين سلطات الحماية الفرنسية وأعوانها بتخدير الشعب وتغييب وعيه وإضعاف إرادته. كما تطرّق محي الدين القليبي، في مقال له بجريدة "الإرادة" سنة 1937، إلى إحدى القضايا التي تورّط فيها أعوان من الشرطة في الاتجار بالمخدرات وإخفاء أمر مروّجيها مستغربا المآل الذي انتهت إليه القضية محمّلا الحكومة "مسؤولية إهمال الرقابة الذي نشأ عنه مثل هذا الإجرام، ومسؤولية عدم التطهير من بعد، عندما اتضحت معالم الجريمة" واستنكر عزم الحكومة آنذاك إغلاق ملف القضية بما فيها، مبرزا بدوره مخاطر انتشار المخدرات "وما نشأ عنه من فساد في الأخلاق وانحلال في الصحة وخبال في العقول...". واستفحل إدمان المخدرات في تونس خلال فترة الثلاثينات مع تفاقم الأزمة الاجتماعية، حتى في صفوف بعض المثقفين والفنانين (من جماعة "تحت السور")، ربما هروبا من الواقع الأليم. و رغم صدور أمر 23 أفريل 1953 لم يتم اتخاذ القرار النهائي لمنع زراعة التكروري واستهلاكه والاتجار به إلا في أكتوبر 1955 أي إثر تحقيق تونس استقلالها الداخلي".

"التكروري" جد "الزطلة" ولا يمكن ان لا نقارن بين تساهل سلطة استعمارية مع استهلاكه وترويجه تتناقض مصلحتها مع اي استفاقة جدية للشعب التونسي والسلطة الحالية المورطة في حالة فشل مستديم وغياب لاي مقاربات وحلول جدية تهرب على اثره الى ترويج نجاحات زائفة مثل التقنين المؤقت لاستهلاك الحشيش.

اقول تقنينا مؤقتا لأن تصريح السبسي ادى فعليا لانتشار اعتقاد واسع بين الشباب التونسيين بذلك الى درجة ان بعضهم اقدم على الاستهلاك بشكل علني في احد الساحات العمومية وسط العاصمة، وعندما القى عليهم الامن القبض قاوموا ذلك بالصراخ ان "السبسي سمح بذلك". وصابح انصار قرار السبسي يركزون على التقليل من اثار استهلاك الماريخوانا.

رغم أن مضارها اقل من انواع اخرى من المخدرات "القوية" مثل الهيروين والكوكايين، فإن مضار "الزطلة" امر واضح بدراسات علمية لمؤسسات بحثية كبيرة (امريكية وكندية وسويدية وبريطانية) ولا يمكن التقليل منها تحت تسمية المخدرات "الخفيفة". ونقل على سبيل الذكر لا الحصر مقال في جريدة "الغارديان" (وهي صحيفة غير محافظة) في شهر جانفي الماضي تلخيصا لاهم هذه الدراسات مع روابط لها لخص اهم الاضرار منها: على المدى القصير ان مستهلكي الماريخوانا هم اكثر عرضة بالضعف لحوادث السيارات من بقية الناس (دراسة لمستهلكين في انتاريو الكندية)، ان استهلاك الحشيش من الاسباب الاساسية اضافة الى الكحول والسجائر لحالات لادمان في غالبية الدول الغربية، على المدى الطويل اثبتت دراسة سويدية واخرى للمعهد الملكي البريطاني ان استهلاك الماريخوانا يسبب عبر السنين امراضا نفسية مستديمة مثل السكيزوفرينيا والبسيكوز.

وهنا يجب طرح موضوع اخر يهم السياق التونسي تحديدا وهو علاقة استهلاك المخدرات عموما والزطلة تحديدا بالارهاب والامراض النفسية ايضا. ومن المعروف الان ان عناصر التنظيمات الارهابية مثل "داعش" يستهلكون انواعا من المخدرات عند القيام بعمليات انتحارية او "انغماسية" ومن الحالات المعروفة في تونس ثبوت استهلاك سيف الدين الرزقي الذي قام بعملية سوسة الارهابية لحبوب مخدرة قبل العملية. كذلك اثبتت الدراسة التي قام بها سنة 2014 المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية عند ادارتي له حول "السلفية الجهادية في تونس الواقع والافاق" (منشورة على الانترنت) في عينة خاصة توجد في احد المصحات النفسية عن رواج استهلاك المخدرات بين الفئات التي يتم استقطابها من قبل التنظيمات الارهابية، وعلاقة ذلك بالامراض النفسية مثل البسيكوز. هذا اضافة الى ان مسالك تهريب "الزطلة" خاصة عبر الحدود الجزائرية التونسية مترابطة بالضرورة بمسالك تهريب مختلف المواد الخطرة وعلى رأسها السلاح والاهم متقاطعة مع مسالك تسلل الارهابيين.

التقنين المؤقت للمخدرات عبر تصريح طائش للرئيس وحملة التبريرات السطحية من قبل مناصريه هو بمثابة سكب الزيت على النار في موضوع فعلا يندرج تحت "الامن القومي" ولا يمكن فيه اللعب بالنار. وهو سلوك غير مسؤول يعكس الازمة السياسية للسلطة الحالية، التي لم يبق لها من مجال للايهام بتحقيق اي انجازات سوى المشاركة في ترويج المخدرات على امل تنويم التونسيين وخاصة شبابهم، مثلما تفعل اي سلطة استعمارية.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الباجي قائد السبسي، قانون المخدرات، الزطلة، حركة نداء تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-02-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد النعيمي، فتحـي قاره بيبـان، نادية سعد، رشيد السيد أحمد، د- محمود علي عريقات، د.محمد فتحي عبد العال، الهادي المثلوثي، حسني إبراهيم عبد العظيم، مصطفى منيغ، عواطف منصور، محمد عمر غرس الله، فتحي الزغل، سلام الشماع، أحمد ملحم، د- هاني ابوالفتوح، محمود فاروق سيد شعبان، د. أحمد بشير، د - صالح المازقي، حسن عثمان، العادل السمعلي، أنس الشابي، تونسي، عبد الغني مزوز، د. صلاح عودة الله ، د - المنجي الكعبي، صفاء العربي، صلاح المختار، د. أحمد محمد سليمان، خبَّاب بن مروان الحمد، رافد العزاوي، كريم فارق، سعود السبعاني، صفاء العراقي، رافع القارصي، مجدى داود، محمد العيادي، فوزي مسعود ، د - مصطفى فهمي، الناصر الرقيق، حميدة الطيلوش، إسراء أبو رمان، علي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، د - محمد بنيعيش، عبد الله زيدان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د- جابر قميحة، د. عبد الآله المالكي، عمر غازي، د - عادل رضا، سلوى المغربي، ماهر عدنان قنديل، رحاب اسعد بيوض التميمي، عراق المطيري، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سامح لطف الله، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عزيز العرباوي، عبد الله الفقير، محمد الياسين، د. مصطفى يوسف اللداوي، رمضان حينوني، محمد شمام ، عمار غيلوفي، د - شاكر الحوكي ، جاسم الرصيف، د - محمد بن موسى الشريف ، د - الضاوي خوالدية، عبد الرزاق قيراط ، محمد اسعد بيوض التميمي، محرر "بوابتي"، ياسين أحمد، مصطفي زهران، سفيان عبد الكافي، أبو سمية، وائل بنجدو، أحمد الحباسي، الهيثم زعفان، مراد قميزة، كريم السليتي، د. طارق عبد الحليم، علي الكاش، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، إياد محمود حسين ، محمود طرشوبي، فهمي شراب، المولدي الفرجاني، طلال قسومي، محمد الطرابلسي، إيمى الأشقر، خالد الجاف ، محمد أحمد عزوز، د. عادل محمد عايش الأسطل، صالح النعامي ، ضحى عبد الرحمن، محمد يحي، يحيي البوليني، رضا الدبّابي، صباح الموسوي ، د- محمد رحال، سيد السباعي، سامر أبو رمان ، فتحي العابد، منجي باكير، يزيد بن الحسين، حسن الطرابلسي، صلاح الحريري، محمود سلطان، د. خالد الطراولي ، أشرف إبراهيم حجاج، أحمد بوادي، حاتم الصولي، أ.د. مصطفى رجب،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة