البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

القوميون العرب... حصاد الجرائم

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 3251



لم تُصب ثورات الربيع العربي فصيلا سياسيا وفكريا في المقتل مثلما أصابت من صار يصطلح عليهم اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي خاصة "القومجيون العرب". المصطلح يشمل كل الفصائل الفكرية التي تتحلق حول فكرة القومية والوحدة والعروبة والتقدمية... وغيرها من الأوعية الجوفاء التي بان خواؤها وزيفها مع الانفجار الكبير الذي ضرب المنطقة العربية ولا يزال.

فمن الناصريين إلى القوميين التقدميين إلى البعثيين إلى مختلف التلوينات الحزبية والفكرية التي اتخذت من المقولات القومية أسسا فكريا لقراءتها، جاء الربيع العربي لينسف كل الإدعاءات وليكشف زيفها وزيف حامليها. أصاب ربيع الشعوب القوميين في المقتل دون غيرهم من الألوان الفكرية والأحزاب الإيديولوجية في المنطقة العربية لأسباب عدة يمكن رصدها في مستويات كثيرة.

لقد حكم القوميون العرب في أكثر من قطر عربي بعد أن وصلوا إلى السلطة حيث حكموا مصر خاصة في فترة حكم عبد الناصر وحكموا ليبيا في فترة القذافي وحكموا العراق مع صدام حسين وحكموا سوريا مع آل الأسد. ففي كل هذه التجارب التي تختلف في الزمان والمكان والسياق لم يترك "القومجيون" وراءهم غير أطلال الخراب والدمار والحروب الأهلية وأشرس الأنظمة الدموية في التاريخ العربي.

فقد أخرج عبد الناصر بعد الانقلاب على الملكية والإطاحة بمحمد نجيب مصرَ من المعادلة الاقليمية والدولية ووضع الأسس الصلبة لدولة العسكر الدامية التي ستغرق مصر في الفقر والموت والجوع والهزائم، بعد أن سلم سيناء والسودان وغزة وباع مصر خلال مرحلة حاسمة في مصير الأمة من أجل أن ينحت ذاته المنتفخة حدّ التورم في ذهن عبيد الأصنام ومرتزقة الأوهام والأكاذيب والشعارات الجوفاء. نكّل عبد الناصر بكل معارضيه من الإخوان والشيوعيين والمستقلين والليبراليين تنكيلا شديدا وأدخل مصر في نفق الهزائم التي لا تكاد تفيق منها بعد خطابات رنانة بإلقاء اسرائيل في البحر وإحراق تل أبيب.

أما تلميذه القذافي فقد حوّل ليبيا إلى مزرعة عائلية، وحكمها بالحديد والنار عقودا أربعا حرمت ليبيا من كل المرافق الاجتماعية والصحية والثقافية التي تقع خارج إطار كتابه الأخضر ولجانه الثورية الدامية في وقت حققت فيد دول أخرى قفزات علمية وتكنولوجية بإمكانيات لا تصل إلى ربع ما تملكه ليبيا من ثروات.

أما بعث العراق فرغم ما حققه من تطور علمي واقتصادي ومعرفي، ورغم وطنية قيادته مقارنة ببقية زعماء العرب، إلا أن طابع الاستبداد قد أوصل النظام العراقي إلى نفس النهاية التي لا بد لكل نظام استبدادي أن يبلغها، بسبب مغامراته الطائشة التي أخرجت العراق من دائرة الدولة وأوقعته في دائرة الموت والاحتلال والاقتتال الطائفي.

لكن أكثر الأدلة نصاعة على جرائم النظام القومي العربي فإنما تتجلى اليوم في النظام السوري وما ارتكبه من جرائم بشعة تفوق كل صور التوحش عبر التاريخ، حيث لم يكتف النظام الطائفي هناك بقتل شعبه بل استقدم كل فرق الموت من أجل البقاء وكيلا استعماريا للمشروع الفارسي من جهة وللمشروع الروسي من جهة أخرى، وحارسا لحدود الكيان الصهيوني على جبهة الجولان.

اليوم لا تزال بقايا النخب القومجية تتحرك مرتكبة جريمة أخرى لا تنفصل عن الجرائم السابقة بشاعة وعنفا، حيث استبسلت نخب العروبة المزورة في الدفاع عن النظام العسكري الدامي في مصر وهو يحرق المتظاهرين في الشوارع، وفي ليبيا وهو يُحمّل المرتزقة بالطائرات لاغتصاب النساء والتنكيل بالثوار، وفي سوريا وهو يجلب فرق الموت الايرانية لذبح الأطفال.

هكذا حكمت الايديولوجيا المعطِّلة للعقل وللوعي على القوميين العرب بالموت البطيء، بدءا بمجازر النظام القومي العربي، وصولا إلى خيانة النخب القومجية لتطلعات الشعوب في الحرية والكرامة والعدالة والتحرر من ربقة الاستبداد والموت. بل الأدهى والأمرّ هو أن يتحول مَن رفع عقودا شعار معاداة الصهيونية ومناصرة فلسطين إلى حارس وضيع لحدود الكيان الغاصب، إلى درجة وُصف فيها النظام المصري والسوري بأنهما جزء من الأمن القومي للصهيونية.

اليوم أيضا يستبسل القوميون العرب في إنكار أنهم كانوا جزءا أصيلا من المشروع الاستبدادي العربي، وأنهم ارتكبوا أبشع الجرائم في حق الأمة وفي حق تاريخها عندما وقفوا في وجه الثورات وخوّنوها، وعندما صنعوا أصنام النظام العسكري المجرم في أكثر من بلد عربي.

إن تعرية جرائم المشروع القومي العربي الذي تحالف مع كل أعداء العرب من الفرس والروس والصهاينة هي في نظرنا أعظم إنجازات ربيع الشعوب الذي لا يزال يحقق كل يوم على مستوى الوعي والإدراك فتوحات لا تنتهي. هذه الفتوحات هي التي ستحفر أسس الوعي العربي الناشئ الذي سيكون متخلصا من كل أدران الايديولوجيات والأحزاب والتجمعات التي لم تورث الأمة غير الموت أو القابلية للموت.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

القومية، القوميون العرب، العروبيون،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 23-02-2017   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد شمام ، محرر "بوابتي"، صفاء العربي، المولدي اليوسفي، طارق خفاجي، محمد عمر غرس الله، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، كريم السليتي، منجي باكير، فوزي مسعود ، خالد الجاف ، أبو سمية، د - شاكر الحوكي ، محمد الطرابلسي، محمد علي العقربي، سعود السبعاني، أحمد بوادي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد النعيمي، الناصر الرقيق، يزيد بن الحسين، د - محمد بن موسى الشريف ، مجدى داود، د - صالح المازقي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - الضاوي خوالدية، ماهر عدنان قنديل، عزيز العرباوي، علي الكاش، عمار غيلوفي، جاسم الرصيف، د - محمد بنيعيش، الهادي المثلوثي، د. صلاح عودة الله ، طلال قسومي، د- محمد رحال، محمد اسعد بيوض التميمي، العادل السمعلي، ضحى عبد الرحمن، وائل بنجدو، عمر غازي، خبَّاب بن مروان الحمد، سلوى المغربي، محمود فاروق سيد شعبان، د. مصطفى يوسف اللداوي، أحمد الحباسي، مصطفي زهران، فتحي الزغل، تونسي، يحيي البوليني، د - عادل رضا، رمضان حينوني، محمد العيادي، أ.د. مصطفى رجب، د - مصطفى فهمي، رافع القارصي، إياد محمود حسين ، صلاح الحريري، حميدة الطيلوش، المولدي الفرجاني، فتحي العابد، حسن عثمان، رشيد السيد أحمد، د- جابر قميحة، رضا الدبّابي، سامح لطف الله، رافد العزاوي، صلاح المختار، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صفاء العراقي، سفيان عبد الكافي، أنس الشابي، ياسين أحمد، بيلسان قيصر، محمد يحي، عواطف منصور، سليمان أحمد أبو ستة، د. طارق عبد الحليم، د.محمد فتحي عبد العال، حسن الطرابلسي، عبد الغني مزوز، مراد قميزة، سلام الشماع، فهمي شراب، محمود سلطان، حاتم الصولي، د. عبد الآله المالكي، صباح الموسوي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. أحمد بشير، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد ملحم، محمد الياسين، إيمى الأشقر، عبد الله زيدان، د. خالد الطراولي ، عبد الله الفقير، فتحـي قاره بيبـان، د. أحمد محمد سليمان، عبد العزيز كحيل، سامر أبو رمان ، علي عبد العال، عبد الرزاق قيراط ، الهيثم زعفان، د. عادل محمد عايش الأسطل، نادية سعد، إسراء أبو رمان، محمود طرشوبي، محمد أحمد عزوز، أشرف إبراهيم حجاج، د- محمود علي عريقات، د- هاني ابوالفتوح، د. كاظم عبد الحسين عباس ، مصطفى منيغ، كريم فارق، د - المنجي الكعبي، سيد السباعي، صالح النعامي ، عراق المطيري،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز