اليسار حاج بكري - تركيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4812
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تحولت المرأة السورية منذ بدء الثورة من مربية الأطفال إلى صانعة الأبطال، فكم من أم فقدت أبناءها دفاعاً عن الوطن، وأصرت على مواصلة نضالها وعطائها، ولقبت بالخنساء.. لقد جاد الزمن علينا بخنساوات كثر قدمن تضحيات كبيرة وأثبتن للعالم أجمع أن حب الوطن أكبر من كل الآلام.
تتعدد معاناة المرأة السورية يوما بعد يوم مع تعدد مسؤولياتها بداية من نزولها الى الشارع للتظاهر مثلها مثل أي رجل سوري ومرورا بتعرضها للقتل والتعذيب ووصولا لتحملها مسؤولياتها كزوجة وام وبنت في غياب رجالهن في المعتقلات او استشهادهم .
ست سنوات كفيلة بتغيير ومحاصرة حياة المرأة السورية أصبحت مضطرة لتحمل أعباء عدة فقط لتوفير لقمة العيش بعد ما فقدت معيلها أو تبيت على الحدود أو على أبواب السفارات العربية والأجنبية في دول الجوار تنتظر الحصول على فيزا أو اللجوء .
ولعل من اسوء ما تعرضت له المرأة السورية هو تشويه سمعتها من خلال نشر أخبار عن زواج لاجئات سوريات من خلال ما يسمى " زواج الصفقة " ويعني تدني الوضع الاقتصادي للأسر والفقر الذي تعيشه ومن خلال هذا يقومون بتزويج الفتيات برجال اثرياء أكبر منهم سنا وتتراوح مدة الزواج بين أسبوع وشهر وبدأ تظهر صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لزواج اللاجئات السوريات واذا كان هذا موجود فهو على نطاق ضيق جدا وجرى تضخيمه للاساءة الى السوريات
حسب التقارير بأن هناك ما لا يقل عن 13000 امرأة سورية مازلن قيد الاحتجاز حتى هذه اللحظة بينهن عدد كبير في عداد المختفيات بينما تنكر الجهات الاسدية احتجازهن لديها .
يقال ان " المرأة نصف المجتمع " وفي سوريا طبقت هذه المقولة بأبهى صورها فالنساء السوريات كن نصف ثورة بلادهن و شاركن بفعالية بكافة نشاطات الثورة من خلال الحراك الثوري السلمي المتمثل بالخروج في المظاهرات المناهضة لنظام بشار الاسد بالإضافة للتعريف بالثورة مرورا بالدعم اللوجستي ونقل الطعام والسلاح الى القتال في الجبهات الامامية وخدمتها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وعند إشتداد وتيرة القتل والدمار لم تقف المرأة عاجزة أمام كل ذلك بل أثرت على الاندماج مع متطلبات الثورة فوجدناها ضمن إطار الطب والإسعاف مقبلة غير مدبرة تتحدى الصعاب في سبيل تحقيق النصر
هناك نماذج من النساء التي قدمن التضحيات من بينهن من خاضت غمار السياسة والثورة غير أبهة بما سيعرضها من اعتقال و تعذيب وقتل ومنهن من دفعن أولادهن للخوض في غمار الحرب من أجل الحرية والعدالة ومن بينهن أيضا زوجات وأخوات الشهداء ممن خسرن في هذه الثورة سندهن في الحياة
أن نظام الأسد الاستبدادي البربري ساوى بين الرجل والمرأة في عنفه ووحشيته، ولذا فإذا كانت قضايا المرأة عامة لا تُناقش إلا من خلال وضع اجتماعي عام يشترك فيه المرأة والرجل، إلا أن قضايا المرأة السورية في الثورة وما بعدها لا تناقش إلا من خلال أهداف الثورة في الحرية والكرامة وبناء المجتمع الديموقراطي الذي يُحقق العدالة والمواطنة لأفراده جميعًا.
المشاركة السياسية للمرأة السورية:
مشاركة المرأة في المجال السياسي وصنع القرار كانت محدودة جداً في أوساط الهيئات السياسية المُعارضة كالائتلاف والمجالس المحلية رغم اعتبارها المؤسسات الاكثر تقدماً في أوساط المعارضة، ويكاد يكون تمثيلاً شكلياً او نوعاً من الديكور لاظهار الإئتلاف بوجه “حضاري” امام الجهات الداعمة
ما يمكن استنتاجه من مسيرة الحراك النسائي السوري أن المرأة لن تحصل على حقوقها إلاّ في ظل نظام ديمقراطي يقطع الطريق على كل من لا يتوافق مع العصر ومع المسيرة الانسانية الحضارية.
الثورة لا تكون ثورة فعلاً إن اقتصرت على اسقاط نظام ليليه آخر يُعيد التضييق على الحريات وبشكل خاص حرية المراة التي يقاس بها مدى تقدم البلدان والشعوب. لن تكون ثورة إن لم تسن قوانين تقدمية، وهي موجودة في الشرع الإسلامي اصلا تناقش وبخاصة قانون عصري للاحوال الشخصية يعتمد كمرجعية الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهود والاتفاقيات الدولية المتممة له، والخطوة الاولى في هذا المجال تشكيل منظمات نسائية لا تتبع النظام او المعارضة او اية جهة سياسية، تمثل المرأة وتعمل من اجل حقوقها ومساواتها بالرجل.
الخروج إلى الشارع
لم تكن مشاركة النساء في الثورة مشاركة نخبوية من خلال النساء المنخرطات أصلاً في العمل المدني والسياسي والمعارضات لحكم البعث، ولكن شهدت الثورة انخراط المرأة الريفية في المناطق النائية في الحراك الثوري، وكان لها دور كبير في المظاهرات السلمية والحراك الثوري السري والعلني، فكانت تقف إلى جانب الرجال في الثورة تصرخ منادية بالحرية وتحلم بمستقبل أفضل لبلدها ولأبنائها
لا تتشابه نساء الثورة السورية إلا في حميتهن وشجاعتهن في الانخراط بهذه الثورة. من داخل منازلهن كن يسمعن دبيب الأقدام وهتافات الرجال الذين خرجوا للتظاهر في شوارع مدنهم وقراهم، ولم يترددن في الالتحاق بهم على الرغم من ان خروج النساء من منازلهن لمواجهة بطش النظام الأعلى، كان يفرض عليهن بداية ان يهدمن جدران الخوف والعزلة
فالعدو الذي اتخذن القرار بمجابهته، ليس سهلاً، بل هو «نظام لا يخاف الله». تلك المقولة التي كان الرجال القريبون من تلك النساء يشهرونها في وجوههن، في محاولة أخيرة لإقناعهن بالابتعاد عن الشارع والانكفاء داخل بيوتهن خشية تعرضهن للإعتقال.
تتعدد نماذج نساء الثورة السورية. بعض النساء محافظات وبعضهن أكثر انفتاحاً أو «علمانيات» كما يصفن أنفسهن، لم يشاركن في الثورة طمعاً بنجومية أو شهرة أو لاحتلال الشاشات، وانما شاركن، بحسب شهادتهن، لإكمال ثغرة ما في إنسانيتهن المنقوصة. كن يسمعن أصواتهن للمرة الأولى كأنها تجرح الهواء، كأن طريق الثورة السورية كانت بالنسبة اليهن ذلك الممر الالزامي ليكتشفن ذواتهن بعد عقود من الصمت واللامبالاة.
النساء السوريات بعد الثورة أصبحن فضوليات لمعرفة الأوضاع السياسية، وتكوين رأي حول ما يجري حولهن من خلال تحليل الأخبار، وساهمت الثورة بفتح أفق جديد للنساء السوريات وأصبحن أكثر حبا للتعلم واكتساب مهارات جديدة
ماذا قدمت الثورة للمرأة ؟
تتفق كل الناشطات على ان الثورة بمرحلتها السليمة أعطت المرأة مساحة لرفع صوتها ومطالبها فقبل الثورة لم يكن في سوريا نشاط نسائي يمكن الاعتماد عليه بسبب العقلية الأمنية ومنع التشكيلات الموجودة من العمل في المجتمع بشكل مستقل وذو فاعلية لتجد مع بداية الثورة مساحة من الحرية في الثورة لم تجده في أي حقبة في حياتها العامة والشخصية في إعلاء صوتها وطلبها للحرية في شوارع دمشق وغيرها وهذه الحرية لا تزال موجودة كشرعية لا مساومة حولها
وتقول (رزان غزاوي ) حيث كان للنساء منذ بداية الحراك وعلى اختلاف انتماءاتهن الفكرية والاجتماعية دور واضح في الاحتياجات ضد النظام سواء بشكل مباشر او عبر تقديم الدعم اللوجستي للثورة ان المساحة التي منحتها الثورة للمرأة في مرحلتها السلمية أعطتها المرأة أيضا للثورة، إذ منحتها وجها مشرقا ومدنيا من خلال مشاركتها الفعّالة وصوتها الهادر في التظاهرات.
التزام ثوري بقضية المرأة :
أبدت الصحف التزامًا مبدئيًا بدعم حقوق المرأة وقضاياها، وهو ما نجده في افتتاحة العدد 1 من مجلة سيدة سوريا، “من هنا أرادت “سيدة سوريا”، بناء منبر إعلامي يحشد رأي النساء، ليستطعن من خلاله تشكيل رأي عام، والتعبير عن أنفسهن، محققات حضورًا في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي السوري”. كما يتضح من شعار مجلة مزايا، وهي مجلة صادرة عن نساء كفرنبل،”لم أعد عبئًا… أصبحت سندًا”، وهو ذات المعنى الذي يذهب مقال في العدد 16 في جريدة طلعنا عالحرية إليه، “في سوريا لا تخرج المرأة من ضلع الرجال، بل تسقط من رحم السماء، كل نساء الكون رائحة المطر، أما نساء سوريا لهن رائحة التضحية بلا حدود ورائحة الانتماء”،.
مجلة ياسمين سوريا، كانت مشروعًا لصبايا جامعة حلب، ممن شاركن بالحراك الثوري، وأشعلن الجامعة لعدة شهور، وكن سباقات وصاحبات بصمة، حاولن من خلال إصدار هذه المجلة أن يؤكدن حضور المرأة في المشهد، كما يؤكد حسين برو رئيس تحرير المجلة. ويقول عمار زيادة، مدير تحرير جريدة عنب بلدي إن نصف مؤسسي الجريدة وكادر التحرير هم من النساء، “وهو ما جعل التزامنا شديدًا بقضية المرأة”.
ماذا قدمت المرأة للثورة السورية ؟
أن جهود المرأة كانت محركاً أساسياً وعاملاً مهماً في نجاح “الثورة السورية”، وإنها عامل مهم في استمرارها وامتدادها إلى المحافظات؛ أخبرني بهذا جمع من العاملين في الثورة ممن التقيتهم مباشرة، وأكدت لي هذه الحقيقة أخواتي في الداخل السوري، بل سردت علي الفتيات مغامراتهن والأخطار التي تعرضن لها، ومنهن عرفت عظمة ورفعة الدور الذي تقوم به النساء في هذه الثورة المباركة بالاضافة الى تجربتي الشخصية
لقد خرجت النساء تهتف مع المتظاهرين، وتشيع جنازات الضحايا وتساعد في كتابة الشعارات المناهضة لنظام الأسد على الجدران. وكان لها دور رئيسي في الدفاع عن المتظاهرين الشباب (وإن اختلف دور المرأة في النشاط الثوري من محافظة إلى أخرى)، ولكن النساء ساهمن في كافة نشاطات الحراك السّلمي كالاعتصام وتوزيع المنشورات وتنظيم الحملات. وتمحور الدور النسائي في جمع التبرعات وشراء الاحتياجات وتوزيعها وإيصالها إلى المتضررين في المناطق المحررة. وساهمت بعض الفتيات في تهريب الناشطين إلى خارج البلاد من خلال مرافقتهن لهم حتى الحدود لتسهيل مرورهم عبر الحواجز وعدم كشف أمرهم من قبل القوات النظامية.
واتجهت الكثيرات إلى تكثيف أنشطتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة فيسبوك والمدونات الالكترونية، كمنبر يتحدثن من خلاله بحرية ضد القمع والظلم. كما يقمن بتحميل مقاطع الفيديو التي يفضحن من خلالها الاعتداءات التي يتعرضن لها أو يؤكدن على مطالبهن التي غُيّبت عن الشارع بسبب تصاعد الأحداث.
وإن سوء الأحوال جعل بعض الفتيات يتركن الدراسة والتحصيل والجامعات، وينذرن حياتهن للثورة، لقد تركن الحياة وراء ظهورهن وهن شابات صغيرات، وأصبح كل ما يخص “الثورة”مبلغ علمهن واهتمامهن، فتعلمن على النت الفضائي والأجهزة المطورة البعيدة عن أعين الرقباء، وأصبح مبلغ سعادتهن إغاثة جريح أو إيواء جندي أو مسح رأس يتيم… أهدافهن نبيلة ورائعة، وهذا أصبح واقع بعض الفتيات السوريات.
وإن لحماس المرأة وقوة مشاركتها- أسباباً وجيهة منها العام ومنها ما يخص طبيعة الأنثى:
1- فالمرأة كانت شريكاً للرجل في كل ما تعرض له من ظلم واضطهاد وتهميش على يد العصابات الأسدية طيلة العقود الماضية، والحياة أصبحت شاقة عليها في سوريا
2- وحين أصبحت المرأة أماً وصل الظلم لأبنائها، والمرأة قد تصبر على ظلمها وتهميشها ولكن إذا نال أولادها أي شيء من هذا كانت له بالمرصاد واستعدت للموت في سبيل الدفاع عن صغارها.
3- البيت سكن المرأة وعالمها، فلما أخرجوها من دارها قسراً ودمروا مملكتها العريقة وعشها الهانئ الهادئ، ودمروا ذكرياتها، وأذاقوها مرارة التشرد والحرمان وهي العزيزة الرقيقة… ما عاد عندها ما تخاف عليه، فصار شعارها “الموت أو النصر”.
4- ولما رأت المرأة ما حل بالمهاجرات من الوطن من سوء المعاملة في المخيمات، ومن اضطهاد وإذلال حرصت على البقاء في الوطن والذود عنه. وحق لها ذلك ومن مات دون ماله فهو شهيد.
5- الثورة أججت الإيمان وأحييت القلوب، وأصبحت الشهادة حلم المرأة أيضاً، تسعى إليها بكل جهدها، والثورة طريقها إلى هذا، فصار حرصها على المساهمة فيها أعظم وأكبر.
6- ولا تنسوا أن العطاء والعمل الخيري أمر تميل إليه النفوس البشرية السوية، وهو شعار الإنسانية، فكيف تتوقف المرأة عن مسيرة الجهاد والكل ينادي هلم على الفلاح، وإن عاطفة المرأة الجميلة تأبى عليها –زيادة عن الرجل- خذلان المحتاجين والمنكوبين.
إن دور المرأة كبير في الثورة وسوف يصبح أكبر، وأشد أثراً، أتعرفون لماذا؟
لأن النظام أفرغ المدن من الرجال وأخرجهم إلى المعتقلات فبقيت المسؤولية الأساسية بيد المرأة، وكثرت وتراكمت عليها الواجبات، وأصبحت مشاركة المرأة في الثورة ضرورة ملحة، وواجب وطني وديني، وأصبح دعم الثورة بالأبطال والمال والطعام والأمان… مهمتها الأولى التي تعمل عليها ليل نهار.
قدرنا أن نكون من الجيل الذي يناضل لإعلاء كلمة الله. ستأتينا أيام صعبة وسيتأزم الوضع، وسيزداد دور النساء أهمية، فاستعدي أيتها المرأة لكل شيء، وكوني قوية، صامدة، تبثين الشجاعة وتحسنين التصرف.
يجب أن يؤكد الدستور القادم في سوريا الجديدة، ومجموعة القوانين الديمقراطية التي ستنبثق عنه، على حرية المرأة واحترام خصوصيتها واحترام جسدها وعقلها وعواطفها، وتضمينها في القوانين والتشريعات كافة، وتمكين نفاذها عن طريق تفعيل الأدوات والمؤسسات الموازية وإنشاء الروادع القانونية والعقابية لكل من يستمر في الاعتداء على هذه الحقوق تحت أي مبرّر.
كما يجب أن ينص الدستور القادم على حق المرأة في العمل السياسي، والشراكة في مواقع القرار العليا بالترشّح لشغل أي منصب في الدولة بما فيها منصب الرئاسة والوزارات السيادية وكذا المناصب القضائية في القضاء المدني والقضاء الدستوري، فضلاً عن ضمان مشاركة المرأة في كل التجمّعات الدولية، وفي لجان التفاوض ، وكذا في لجان تأسيس وكتابة الدستور.
يمكنك أن تستخف بأي شيء، ويمكنك أن تقف قليلاً قبل أن تصدق بطولات الثورة السورية، ولكن نساء سوريا وفتياتها أو حرائرها - كما يحب أن يسميهن الثوار - خارج خارطة الاستخفاف، وإذا كان الشاب يتظاهر ويعتقل وقد يقتل، فإن الفتاة تتظاهر وتعتقل وقد تقتل، ولكنها قبل كل ذلك تفجع بابنها وزوجها.
تستطيع المرأة السورية وبجدارة مشهود لها فيها أن تساهم في بناء سوريا الديموقراطية المتعددة والموحدة، وهي لا تحتاج لأصواتٍ غربية أو شرقية تزاود باسمها على مجتمعها ودولتها، إنها تحتاج فقط لتحقيق أهداف الثورة السورية العظيمة في الحرية والكرامة الإنسانية.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: