البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الثورات المضادة.. بداية النهاية

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 4221



الانقلاب التركي وفشله الذريع يساوي حسب هذه القراءة اللحظة التي أشعل فيها شهيد تونس العظيم "محمد البوعزيزي" ولاعته العجيبة ليعلن بداية الموجة الأولى للربيع العربي. اللحظتان تدشّنان مرحلتين فارقتين في تاريخ الأمة الأولى داخلية والثانية خارجية وتعلنان عن بداية مرحة جديدة في تاريخ المشرق العربي وجواره الإقليمي.

لحظة تونس لحظة غضب لا واعية ما كان لأكبر المحللين أن يتوقع تبعاتها القريبة ولا البعيدة لكنها اليوم وبعد أكثر من نصف عقد من الزمان تعتبر اللحظة التاريخية الأضخم في تاريخ العرب الحديث.

لحظة تركيا لحظة واعية أحبط فيها الشعب التركي العظيم وقواه الحية أكبر المخططات الجهنمية من أجل إرجاع تركيا إلى مزارع الموت العسكرية، وهي لحظة لقّن فيها أحفادُ العثمانيين ضباعَ الموت العالمية درسا في إرادة الحياة عند الشعوب الشرقية.

اللحظتان عنوان لمرحلتين أو لموجتين تاريخيتين حيث كانت قدّاحة البوعزيزي إعلان بداية الموجة الثورية الأولى التي انتهى مداها عند إعلان العسكر الانقلابَ على الرئيس المنتخب محمد مرسي في صائفة 2013. مع هذه اللحظة انكسرت الموجة الثورية وصعدت موجة الثورة المضادة متوجّة بدماء الشهداء في "رابعة" واشتداد عود الانقلابيين في ليبيا مع تدفق المال الخليجي الفاسد وتوغّل فرق الموت الإيرانية في الجسد السوري الجريح.

حققت الدولة العربية العميقة مسنودة بأذرعها الدولية.. الإيرانية والروسية والأمريكية والصهيونية والأوروبية.. نجاحات كبيرة على جبهتين أساسيتين.

تتمثل الجبهة الأولى في تحويل الواقع الثوري الزاخر بالأحلام والرؤى والآمال إلى مستنقع للدماء حيث نشرت الدولة العربية العميقة كل أشكال الفوضى من الإضرابات والاعتصامات والصراعات الطائفية المسلحة التي كان أبرز نماذجها الناجحة تنظيم "داعش" الإرهابي. فتحوّل الصراع على الأرض من محاربة للطغاة وللاستبداد إلى محاربة للتنظيمات الإرهابية، وتحولت الحرب على الإرهاب إلى أوْلى أولويات النظام الرسمي العربي التي تُلغي مطالب التنمية والإصلاح ومحاربة الفساد وإهدار المال العام.

هذه الجبهة الأولى حرصت القوى الاستعمارية العالمية على تذكيتها لأنها تمثل الضامن الوحيد لبقاء أنظمة الوكالة الحارسة لشركات النهب العالمية والمانعة لتحرر الأمة ونهضتها.

أما الجبهة الثانية وهي الجبهة الأخطر فتتمثل في قدرة الدولة العربية العميقة بأذرعها الإعلامية ومنصاتها الإخبارية على اختراق الوعي القاعدي للجماهير العربية وتحويل دفّة هذا الوعي من الأمل بالتغيير إلى القناعة باستحالته. فقد حرصت قوى الثورة المضادة على ضخ المليارات من الأموال لقصف الوعي العربي الناشئ بعد الموجة الثورية الأولى بقذيفة واحدة مضمونها أنّ النظام العربي في شكله الاستبدادي هو أفضل الخيارات وأن كل محاولة للتغيير فإن مصيرها الفوضى والموت والخراب والدمار.

الوكيل الاستعماري العالمي حريص على الجبهة الثانية لأنها في الحقيقة هي المنتج والمولّد للموجة الثورية وهي المفعّل لسنَامها الانفجاري الذي أطاح برؤوس الاستبداد خلال التجربة الفجائية الأولى.

لكنّ بداية نهاية الموجة الانقلابية على الثورة العربية وعلى الوعي المصاحب لها بدأ مبكرا مع بوادر فشل الانقلاب المصري وخاصة بوادر الانهيار الاقتصادي المصري رغم كل المليارات التي ضُخّت فيه ثم صمود الثورتين الليبية والسورية رغم كل المجازر المرتكبة والمؤامرات المتتالية.

ولتعزيز الموجة الانقلابية بشكل كبير خطط النظام الاستعماري العالمي بقيادة الولايات المتحدة ـ كما أثبتت ذلك الصحافة التركية ـ للانقلاب على التجربة التركية بما هي واحد من أهم خطوط إمداد الثورات العربية في المنطقة ماديا ومعنويا. لكنّ الانقلاب فشلَ.

هذا الفشل يؤشر على بلوغ الموجة الانقلابية سقفَها الأعلى أي أن الدولة العربية العميقة المتحالفة مع النظام الاستعماري العالمي ومع الأطماع الامبراطوريات المتمددة في المشرق العربي وعلى رأسها إيران والكيان الصهيوني لا يمكنها أن تحقق أكثر مما حققته في ذبح الثورة العربية الشعبية السلمية.

هكذا تحدّد مجال الثورة المضادة وسُطّرت زواياه النهائية بمجموع الانجازات التي حققتها دولة الأعماق ولا يمكن له أن يذهب إلى أبعد من ذلك بل إن حركته ستأخذ ـ بحكم قوانين التغيرات الاجتماعية والحضارية ـ في الانمكاش والانغلاق. اللهم إلا إذا نجح انقلاب ثان في تركيا وهو أمر مستبعد تحليليا لكنه يبقى احتمالا ممكنا ما لم تُنهي الحكومة التركية الشرعية استئصال الدولة العميقة واجتثاث الكيان الموازي بكل تفريعاته الداخلية والخارجية استئصالا تاما.

إنّ ما يُطرح على منظّري الثورة المضادة اليوم هو المحافظة على مكاسبهم التي حققوها أي إنجاح "المسار الانتقالي الانقلابي"، وذلك بالمحافظة على المشهد وتسويقه إعلاميا بأنه وضع قابل للديمومة وللتطبيع. هذا الخيار يعتبر الخيار الوحيد لأن الخيار الثاني وهو استعادة مشهد ما قبل الثورات من هيمنة الدولة القمعية يمثل ضربا من المستحيل بسبب انهيار حاجز الخوف السميك الذي كان يحصّن الاستبداد. لكن المشكلة التي تواجه وكلاء الثورة المضادة هو أن الخياريْن صارا غير قابليْن للتحقق لأن المحافظة على المشهد الانقلابي مستحيلة اجرائيا بسبب تأسسها على خلل بنوي مركزيّ وهو "انعدام الشرعية الشعبية".

بناء عليه وبحسب المؤشرات العامة ـ وخاصة تلك القادمة من مركز الموجة الانقلابية العربية مصرـ فإن الحركة الانقلابية بصدد الانحسار وهي تتجه في صالح المطالب الثورية بسبب عجز الانقلاب ومموّليه من دول الخليج خاصة عن تلبية شروط الانقلاب التي لا تنتهي.

بقي الشرط النهائي لتصحيح الوضع لفائدة الشعوب المسحوقة التي اغتصبت ثورتها وهو تفعيل الشرارة الثورية القادرة على تحريك موجة الغضب الثانية مدفوعة بنجاح الفعل الشعبي التركي وخاصة بانكشاف خيانة النخب العربية لمطالب الجماهير.

اللحظة اليوم هي لحظة مصيرية في حياة الأمة العربية التي تقف عند مفترق الطرق بين ثورة موءودة بالانقلابات على أرضها وبين انقلاب موءود بالحراك الشعبي على أرض الغير، وهي تدرك في وعيها وفي لا وعيها أنه لا خيار لها للانعتاق من ربقة الاستبداد إلا بتجديد شروط الثورة وتفعيل شرارتها حتى تُتمّ ما لم تُتّمه خلال الموجة الثورية الأولى ويحقق الإنسان العربي إرادة الحياة التي طال انتظارها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الثورات العربية، الثورة المضادة، محاولة الإنقلاب بتركيا، مصر، تونس، سوريا، ليبيا، تركيا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-07-2016   عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
العادل السمعلي، محمد شمام ، محرر "بوابتي"، عبد الله زيدان، رافع القارصي، منجي باكير، د - صالح المازقي، خبَّاب بن مروان الحمد، مصطفي زهران، جاسم الرصيف، محمد أحمد عزوز، محمد الطرابلسي، أ.د. مصطفى رجب، طلال قسومي، د - الضاوي خوالدية، د. خالد الطراولي ، د. أحمد محمد سليمان، يحيي البوليني، د. عبد الآله المالكي، سامر أبو رمان ، سلوى المغربي، د - المنجي الكعبي، فتحي العابد، أحمد النعيمي، عبد الرزاق قيراط ، د - عادل رضا، صلاح الحريري، سيد السباعي، أحمد بوادي، حميدة الطيلوش، إيمى الأشقر، د. مصطفى يوسف اللداوي، مراد قميزة، د - محمد بنيعيش، يزيد بن الحسين، عبد الله الفقير، فوزي مسعود ، وائل بنجدو، حسن الطرابلسي، د- محمود علي عريقات، حسن عثمان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. صلاح عودة الله ، سفيان عبد الكافي، محمود طرشوبي، عبد العزيز كحيل، كريم فارق، فتحـي قاره بيبـان، بيلسان قيصر، رافد العزاوي، د - مصطفى فهمي، ضحى عبد الرحمن، تونسي، صباح الموسوي ، د- جابر قميحة، إياد محمود حسين ، طارق خفاجي، أحمد الحباسي، أشرف إبراهيم حجاج، أبو سمية، د- هاني ابوالفتوح، عواطف منصور، حسني إبراهيم عبد العظيم، صفاء العربي، الهيثم زعفان، فتحي الزغل، رمضان حينوني، ياسين أحمد، محمد علي العقربي، عمار غيلوفي، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمود سلطان، كريم السليتي، رضا الدبّابي، عراق المطيري، محمد الياسين، سليمان أحمد أبو ستة، محمد العيادي، فهمي شراب، د. أحمد بشير، عمر غازي، د. طارق عبد الحليم، عزيز العرباوي، أحمد ملحم، سامح لطف الله، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، علي عبد العال، د - شاكر الحوكي ، محمد يحي، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد عمر غرس الله، رشيد السيد أحمد، الهادي المثلوثي، مجدى داود، د - محمد بن موسى الشريف ، خالد الجاف ، صفاء العراقي، صلاح المختار، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د- محمد رحال، صالح النعامي ، محمود فاروق سيد شعبان، الناصر الرقيق، أحمد بن عبد المحسن العساف ، نادية سعد، د. عادل محمد عايش الأسطل، المولدي اليوسفي، إسراء أبو رمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سعود السبعاني، ماهر عدنان قنديل، أنس الشابي، سلام الشماع، حاتم الصولي، عبد الغني مزوز، مصطفى منيغ، المولدي الفرجاني، علي الكاش، د.محمد فتحي عبد العال،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة

سياسة الخصوصية
سياسة استعمال الكعكات / كوكيز