د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5569
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الرأي في تشكيل حكومة في ظرف لم يقرأه الدستور لانتخابات متراكبة كالتي نعيشها، تشريعية محسومة نتائجها منذ أسبوع، وأخرى رئاسية غير محسوم دورها الثاني بعد، أوقع الطبقة السياسية والقانونية في جدل لم ينته، بين مناصر لدستوريته ومعترض عليه أو رافض، في غياب مجلس دستوري يحسم في المسألة. لم تقم مؤسسته بعد.
ومثلما اقتضى الحال في أزمات سابقة من هذا النوع، تحركت آلة مؤسسة الحوار الوطني غير الرسمية، ولكن ذات الثقل القوي التحكيمي، الحائز على إجماع تقريباً، لتقول بتأجيل التكليف للحكومة الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الجارية.
وبطبيعة الحال فإن مؤسسة الرئاسة لها الصفة في قراءة الدستور الى حين إحداث المجلس الدستوري قبل عام. وليس الخلل في الوضوح الدستوري ولكن في التزامن الانتخابي الغريب، هذا يأخذ برقبة ذاك، وفي التقديم والتأخير الاعتباطي بين الاستحقاقين على غير هدى من العواقب. ما جعل النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى تأخذ بتلابيب النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية. وهذا وضع لم يكن في التصور. وهو محور الإشكال، لأن السياسي أصبح يتقاطع سلباً أو إيجاباً مع الشرعي لهذا الطرف أو ذاك في حملته الانتخابية الرئاسية، لكلا المنافسين.
وأهل الذكر من رجال القانون وفقهاء الدستور هناك بطبيعة الحال لتغذية النقاش. ولكن آراءهم تبقى اجتهادات جديرة بالاحترام ما دامت علمية ومنطقية ومحايدة. ولا يمكن أن ترقى الى صبغة الالزام طالما لم تصدر عنهم بصفتهم أعضاء في المؤسسات الدستورية المخولة لإبداء رأيها الرسمي في المسألة. ومع ذلك فنحن نعرف عدداً منهم في العهود السابقة كانت ظلال الحاكم وراء أقلامهم.
وعليه فإن جميع المواقف في هذه المسألة محفوظة لأصحابها، وقد لا تعبر في آخر تحليل إلا على اصطفاف أصحابها وراء هذا الطرف أو ذاك، من الأطراف المتنازعة اليوم على السلطة عن طريق صناديق الانتخاب.
ولو كان رئيس الجمهورية المؤقت غير مرشح للرئاسة لما قام إشكال. ولكن بتحصّله الثاني في الترتيب لإعادة الانتخابات مع السيد الباجي قائد السبسي، الذي حكمت نتائج الصناديق بتفوقه الواسع عليه في الترتيب، وبحصول حزبه في الانتخابات قبلها على أعلى مقاعد في المجلس النيابي، فإن الحسم في قضية تكليفه، هو أو من يمثله، بتأليف حكومة أمرٌ متعذر بوجود المجلس الجديد في غير انعقاد، وبكون المشاورات داخله بعد انعقاده غيرها قبل انعقاده، ضرورةَ تحسّس توجهات حزبه - بمفرده أو ضمن ائتلاف - للتقدم بمرشح الى رئيس الجمهورية لتكليفه بتشكيل الحكومة.
وقد يرى من سخرية الأقدار تصور هذا الأمر وافتراضه في الواقع، للنفرة بين الرجلين وفرق ما بينهما في كل ما هو شأن عام في الحكم والسياسة.
فالأوسع والأسلم أن يَترك ذلك رئيسُ الجمهورية السيد محمد المنصف المرزوقي للرئيس القادم، سواء هو أو الأستاذ الباجي قايد السبسي، دون أن يفسد للود قضية، لمستقبل العلاقات بين حزبه أو من يدعمه من الأحزاب في هذه الرئاسية وبين حزب الأستاذ محمد الباحي قايد السبسي في المجلس التشريعي.
فالحكمة ما تحكم به المصلحة، وهو في الموقع الذي لا يُتوقع غيرها منه. فضلاً عن كونه يتساوى في الأخذ بأي قرار يأخذه في هذه الفترة من ترشحه مع أي موظف سام وصاحب مهام في الدولة وهو في حكم المغادر، إذا قضت بذلك نتائج الانتخابات أو تغيير ونحوه.
وإنما جعلت الأحكام الانتقالية في الدستور لمعالجة وضع وقتي قابل للصحة والتعكر. ويبقى المرجع فيها ليس اجتهاد رئيس الجمهورية أو أية مؤسسة أخرى غير رسمية ومخولة، وإنما لإرادة الشعب الممثلة اليوم في مجلس الشعب المنتخب في هذه الانتخابات، الحَرِج توقيتها كما نرى، والتي تولدت عنها منازعات لم تكن في حسبان المشرع أولم يقرأ لها حساباً.
ولذلك لا رأي في مسألة حساسة كهذه، وهي تشكيل الحكومة قبل موفى الانتخابات الرئاسية، إلا الى شرعية غير مقدوح فيها أو متنازع على صلاحياتها، وهي شرعية إرادة الشعب بالنيابة. وبالامكان الرجوع اليها ما دامت بحكم صدور النتائج الرسمية قائمة، والاحتكام اليها في انعقاد استثنائي إذا اقتضى الأمر، وعبر دعوة صادرة من ثلث النواب، لاتخاذ الاجراء المناسب. لأن الوضع ربما يهدد بزعزعة الاستقرار، والأمن الذي بالتضحيات تعافي هذه الأيام، بوجه هذه الانتخابات، وإن شاء الله باستمرار لإنجاز ما اتفقت المجموعة الوطنية على إنجازه قبل موفى هذا العام من وضع الأسس التشريعية والسلطة التنفيذية بطرفيها على سكة العمل والاطمئنان.
وإذا لم تقم المصلحة لدى المشرعين الأصليين بانعقاد المجلس بصفة استثنائية فمعناه عموم الرغبة لديهم بعدم تقدير المصلحة في تعكير صفو الانتخابات الرئاسية بسبب هذا الرأي الذي ربما يتخلى عنه السيد المنصف المرزوقي المترشح، إذا قدر وهو المؤهل لحسن التقدير بأن الوقتي مهما يكن رئيساً أو حكومة شرعيتُه أضعف من شرعية صاحب الولاية المباشرة من الشعب. وليس أقوى من شرعية مجلس الشعب الجديد لحسم الأمر حتى بقلّة نشاطه لاستحثاث نفسه على الانعقاد منعاً لتعقيدات جديدة قد تطرأ وتزيد الطين بلة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: