لماذا لا توجه "الدولة الإسلامية" أسلحتها وطاقاتها ضد آل سعود ؟
فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6858
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تملك الجماعات الجهادية طاقات كبيرة أوهنت بها أمريكا وسوريا والعراق رغم الإمكانيات العسكرية والبشرية الكبيرة لتلك الدول.
لو قررت "الدولة الإسلامية" أو "القاعدة" تركيز مجهودها ضد آل سعود لتم إسقاط ذلك السرطان منذ مدة، ولكن ذلك لم يتم، والأرجح انه لن يتم، وهذا ما يجعلني لا أفرح كثيرا بانتصارات الجماعات الجهادية مبدئيا، إلا أن يقع التغيير في الأسس النظرية لها وهذا مستبعد.
السبب في عدم التركيز على آل سعود وعدم فهم خطورتهم على حقها، ليس تواطؤا من هذه الجماعات ولكنه أمر يرجع للأسس النظرية والفهم السائد لدى جماعات الإسلام السني عموما.
إنه الفهم المبني على فرضيات تم نحتها منذ العهود الأولى المؤسسة لعلوم الإسلام، هو الذي يملي الأولويات ويتجاوز عن أمور أخرى مهمة، وتمضي الأمور واقعا بالطريقة التالية:
- تتأثر الجماعات الجهادية بشيوخ يحملون قناعات بصحة الرأي الفقهي المصاغ زمن بني أمية وبني العباس الذي يقول بوجوب عدم الخروج عن الحاكم، هذا الرأي ذو الخلفيات السياسية الذي صيّر رأيا شرعيا إسلاميا بزعمهم لم يراجع عبر التاريخ، ولا تقوم الجماعات الجهادية نفسها برفض ذلك القول وإنما تعمل على تبرير أن الحكام موضوع المحاربة لا تنطبق عليهم صفات الحاكم المسلم.
أي أن الجماعات السلامية لا ترفض ذلك القول في أسسه، وهذا ما يدخل البلبلة في أفهماهم ويعيق تحركاتهم ويجعل أي شبهة محاربة نظام يزعم العمل للإسلام سببا لتأجيل العمل ضده، وهو ما يقع مع آل سعود لأنه توجد آلة دعائية كاملة تشوش أفهام الناس من خلال القول انه نظام يعمل لنصرة الإسلام، وهو ما ينطلي على الكثير من المجاهدين أنفسهم، وينتهي الحال بتأجيل العمل ضد آل سعود أو جعله غير فعال إن وجد لعدم إتفاق الكل حوله.
- تنطلق الجماعات الجهادية في حربها ضد المخالف العقدي من تصورات مجتزئة وقاصرة، كمفاهيم الطاغوت والخلط بين العلم وحامله، ولما كانت المفاهيم قاصرة، فإن الفعل سيكون باللزوم قاصرا من أن ينال الحقيقة.
فمفهوم الطاغوت لسبب ما، وقع تصويره قديما على أنه الحاكم وأختزل الأمر في القوة العسكرية، وتأتي الجماعات الجهادية الآن فتأخذ المفهوم بنفس التعريفات وبنفس الحصر المفهومي القديم ولا تغادره، وتختزل العدو في القوات العسكرية والأمنية فقط، ولكن الواقع حاليا خلق مجالات أخرى لعمل العدو أشد خطرا من الآلة العسكرية وعلى رأسها مجالات مستحدثة وهي المجال الإعلامي والمجال الثقافي والمجال السياسي ومجال العمل المدني، فكل نشاط في هذه المجالات ينتج قوة يستعملها الحاكم / العدو في إنتاج الباطل، تعادل أو تجاوز القوة العسكرية.
ولو نظرنا لمنظومة الطاغوت التي يمكن أن نسميها منظومة الباطل لوجدنا أنها ذات طبقات ثلاث: تصميم وإنتاج الباطل وتوزيع الباطل واستهلاك الباطل، ثم إن القوة العسكرية والعمل السياسي يوجدان في المستوى الثاني من الباطل أي التوزيع، أما التعليم والإعلام والثقافة وشيوخ الدين وما يسمى فنانين فهم يمثلون المستوى الأخطر لأنه هو الذي يصمم الباطل وينتج مفاهيمه، فهو قاعدته أي المستوى الأول.
حينما تأتي الجماعات الجهادية وتركز عملها ضد القوات الأمنية والعسكرية فقط، فإنها لن تغير الكثير، لأنها لا تعمل إلا على تدمير أدوات توزيع المنظومة، سرعان ما يقع تعويضها مادامت منظومة الباطل سليمة بسلامة أساسها وهو المستوى الأول.
فتبين إذن أن قصور الفهم والتشبث بمفاهيم قديمة هو الذي يعيق فهم العدو، وهو الأمر الذي يجعل الجماعات الجهادية رغم قوتها وإخلاص أفرادها تراوح مكانها منذ سنوات طويلة، لأنها تخوض حروبا عبثية لن تغير الكثير مادامت لا تفهم طبيعة منظومة الباطل.
سبب كل ذلك يرجع لكون الجماعات الإسلامية تنطلق من فرضيات تقول بعدم مراجعة أراء أوائل الفقهاء، والإبقاء على مفاهيمهم وحقول عملها.
علاقة هذا الفهم القاصر بآل سعود، أن قوة ذلك النظام تكمن في منظومة إنتاج الباطل لديه التي تحوز على إمبراطورية إعلامية مترامية الأطراف في كل العالم تعمل على تشكيل الأذهان، كما أن لديها جهاز دعائي ديني يعمل به عدد كبير من مرتزقة الدين، فضلا على شخصيات ليبرالية تدعم آل سعود بكل العالم الإسلامي، فكل هؤلاء هم من يمثل جهاز تصميم وإنتاج الباطل، وهذا الجهاز هو الذي يعمل على تشويش الفهم وبث الإحباط لدى الجماعات الجهادية نفسها من خلال خلط الشبهات في أعمالهم، وما لم يقع العمل على ضرب منظومة تشكيل الأذهان تلك، فستبقى المجموعات الجهادية غير ذات جدوى، وعرضة للانقسامات وسهام التشكيك.
ولكن الجماعات الجهادية لا تستطيع ضرب منظومة إنتاج الباطل، أولا لعدم استيعابها الأمر كما وضحته، ثم على إفتراض فهم الأمر على أنه منظومة باطل ذات مستويات ثلاث، فانه لا يمكنها ضرب تلك المنظومة في جانبها المتعلق ظاهرا بالدين، أي ضرب إنتاج الباطل في مستوى مرتزقة الدين من شيوخ ودعاة، لأنه تعترضهم شبهة أن أولئك مسلمون محرمة دمائهم حافظون للقرآن، والحال أن تلك النقطة وقع تجاوزها حينما تعلق الأمر بالتصدي للقوات الأمنية.
- كما أن هناك إعاقة أخرى تمنع استهداف إنتاج الباطل في جانبه المتعلق بمرتزقة الدين، وهي الانطلاق من افتراض فاسد يقول أن كل متحدث بالدين هو آليا عامل به، وينتهي هذا الافتراض بإجلال كل حافظ للقرآن على إطلاقه رغم ما قد يأتيه من أمور خطيرة كخدمته للحكام وتبريره للواقع الفاسد، وتقدير كل متحدث بالإسلام على إطلاقه رغم كونه قد يكون محاربا للإسلام عاملا مع أعدائه، وهذا تصور فاسد انتهي عبر التاريخ لتكوين الصنميات الشخصية، ومنع من أن يقع الانتباه مبكرا للعديد ممن صوروا كقدوات والحال أنهم كانوا مجرد مرتزقة لدى الحكام بدءا من بني أمية مرورا ببني العباس وصولا للحكام المعاصرين، بل خادما لدى الأجنبي مثلما فعل القرضاوي في خدمته للغرب وأمريكا تحديدا.
لو وقع التأمل مليا، لوجدنا أن هذا الافتراض الذي يخلط بين العلم وحامله، مبني على مصادرة منطقية تقول بان حمل الشيء يلزم منه العمل والتمكن منه، أي أن حامل العلم الشرعي أو حافظ القرآن هو آليا عامل به، ولما كان هذا الافتراض خاطئ (يراجع في إثبات ذلك مقالات كتبتها من قبل)، كان معنى ذلك أن لزومياته تلك فاسدة، وثبت بالتالي أن مرتزقة الدين هم أناس عاديون لا قدسية واجبة لهم.
إذن ما لم تراجع الجماعات الجهادية هذه الافتراضات، فإنها لن تقوى على مواجهة آلة إنتاج الباطل لدى آل سعود.
ولما كان الواقع يقول أن الجماعات الجهادية تتحدث من افتراضات تقول بصحة أسس علوم الإسلام وتنزيه الفقهاء الأوائل على إطلاقهم، ثبت بالتالي أن الجماعات الجهادية تلك لن تقوى على آل سعود.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: