فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7473
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كان الحجاب الإسلامي لفترة طويلة ممثلا للمرأة الرسالية وريثة الأنبياء حيث الوعي الوقّاد منتج الفاعلية والفرد الإيجابي، وكانت مرتديته ينظر إليها بحق على أنها كتلة مبادئ متحركة بالواقع مع ما يمثله ذلك من خطر محدق بأصحاب الطرح العقدي الإلحاقي بالغرب وهم عموم بقايا فرنسا وعلى رأسهم سيئ الذكر ومشروعه الإقتلاعي التغريبي.
وقد فهم هذا الأخير دلالات ارتداء الحجاب الإسلامي، ولذلك تصدى له، واستعمل للغرض أدوات الدولة على عادته في تمرير مشروعه الهجين المفروض قسرا على التونسيين، فكان أن استصدر ما يشبه القانون يحارب من خلاله الرساليات.
كانت مرتديات الحجاب الإسلامي في الثمانينات والتسعينات نماذج للمرأة المسلمة صاحبة الرسالة الهادفة لتغيير الواقع على أسس الإسلام وتصوره الخاص، تعتز بنفسها وبدينها وتعتبره منظومة متكاملة جديرة أن تغالب كل المنظومات البشرية، فضلا على أن تكون متماهية مع الواقع المحلي متزلفة للمتحكمين فيه طالبة رضاهم.
ثم كان أن تبدلت الأحوال، واضمحلت مفاهيم الإسلام الرسالي القاصد تغيير الواقع حسب منظومته الشاملة عبر منهج الأنبياء، لأسباب يطول شرحها.
ثم حدث أن برزت بعدها بكثافة أدوات تشكيل أذهان من تلك التي تغذيها مفاهيم تدور حول استعمال الإسلام كأداة تأبيد للواقع، وصْلا لعادة قديمة أبتدعها بنو أمية، تقوم على إيجاد فيلق من مرتزقة يحوزون على ثلاث خصلات وهي الكفاءة في علوم الدين والكفاءة في خدمة الحكام والكفاءة في تبرير الواقع من خلال الدين.
وكما كان لبني أمية ولبني العباس مرتزقة دين يسكتون عن الحق ويشرعون الواقع ضمنيا من خلال سكوتهم أو تبريرهم، من مثل مالك بن انس وأبي هريرة وغيره العشرات من أولئك الذين يحملون ألقاب الصحابي والتابعي، كان لآل سعود مرتزقة من مثل العثيمين وابن باز وآل الشيخ وغيرهم ممن يدور في فلكهم.
أنتجت أدوات تشكيل الأذهان الحديثة وخاصة التلفزات مفاهيم لإسلام حسب الطلب، إسلام وظيفي يخدم مصلحة السلطة التي تزعم شرعية دينية، إنتهى لتأبيد الواقع والإقناع بصوابيته ووجوب عدم مراجعته.
يتمحور الإسلام الوظيفي الذي تتقن إنتاجه آلة الدعاية التابعة لآل سعود، حول تضخيم التعبد الفردي وتغييب شبه تام للجانب الاجتماعي والجماعي.
أسرفت أدوات دعاية آل سعود في نشر مفهومها ذلك للإسلام الذي زينته بتسمية السلفية ومنهج أهل السنة والجماعة، وزاد البعض في تمييزه بان وسمه باسم السلفية العلمية، واسميه أنا سلفية ولاة الأمور و أخرى الإسلام الوظيفي.
تكاثرت تكاثر الفطر قنوات تروج لشيوخ يتحدثون في الدين يقولون حقا ولكنه حق ناقص، إذ أغرقوا الناس في الجانب التعبدي الفردي من صلاة وطهارة ومشتقاتهما، وغيبوا عنهم حقيقة كون الإسلام في أصله رسالة تغيير للواقع لن يتم من دون جوانب أخرى غير التعبد الفردي، وان الواقع لن يتغير ولو أنفقت عمرك كله بالصلاة والطهارة فقط.
غيبوا عنهم أن الإسلام لا يصح أن يكون أداة تبرير للواقع الفاسد، وأن الإسلام لا يمكنه أن ينتج إمعات يقادون كالأنعام، وأن الإسلام إنما جاء لتنشئة طاقات من الأحرار وليس عبيدا غايتهم أن يتخذوا الغير أربابا من دون الله، وأن الإسلام دين التحرر من كل العبوديات وعلى رأسها عبودية البشر للبشر وأخصها عبودية الناس للحكام والزعماء والشيوخ.
غيبوا عنهم أن الإسلام لا يمكن أن يكون مناطا للتقرب مع من يحاربك، وأنسوهم حقيقة أن العبادات هي أساسا أدوات للمهمة الرسالية الأصلية وان دورها تنشئة الفرد الرسالي المعد لتأدية المهمة الأكبر، ولكنهم غالطوهم، أن جعلوا الوسيلة هي الغاية بعدما غيبوا الغاية الأصيلة.
غالطوهم بعدما ضخموا الجانب الفردي التعبدي وقزموا الجانب الاجتماعي، فكان معنى ذلك أننا بإزاء مخادعين يستعملون أدوات الإسلام لتضليل الناس، فصح عليهم أنهم مرتزقة وعلماء سوء.
تنامي انتشار هذا التدين الوظيفي المشوه، ولما كان تدينا مشوها، فإن نتائجه لن تكون إلا مشوهة.
ثم إن من نتائج القصف الذهني الذي عملت أدوات آل سعود على رعايته، القول بوجوب لبس الحجاب باعتباره رمزا للعفة والتدين النسوي هكذا في المطلق من دون حديث عن تكوين شخصية إسلامية متكامة صاحبة تصور رسالي شامل يتناول كل الواقع يرفض أن يكون إمعة مستكينا طالبا رضاء الغير العقدي، وكيف لآل سعود أن يبنوا تلك الشخصية وهم أصلا يخشون أمثالها، فهم لن يعملوا إلا على بناء نماذج مشوهة، فاختزلوا التدين في لبس غطاء الرأس، اختزلوا التدين في الشكل، أعطوا تصورا مجتزئا عن التدين على عادتهم في تجزئة الإسلام.
لم تستتبع دعوات تغطية الرأس بدعوات لبناء شخصية المرأة المتكاملة التي تقوم على تقوى الله في السر والعلن وأنها لا تتميز بلباسها فقط وإنما هو الجانب الظاهر من حقيقة كونها صاحبة أمر خطير داخل مجتمع يناصبها العداء لوعيها بدورها التغييري، وأنها متميزة لأنها حاملة للواء منظومة تستهدف التغيير على خطى الأنبياء حيث لا قدسية لشيء إلا ما أمر به خالق الكون، وأنها منبوذة لأنها صاحبة موقف ترفض التبعية للغير وترفض القبول بالواقع، وأنه يوم يرحب بها فذلك الدليل على أنها أصبحت فردا من قطيع سلبي لا فرق بينها وبين الآخرين.
ولما أن كان انتشار ذلك الحجاب الشكلي إنما تمّ من طرف أدوات آل سعود، فهو الدليل على انه تدين شكلي وظيفي يخدم مفاهيم أولئك للدين وللإسلام خصوصا وللتدين بالأخص ويكرسه واقعا، وهو بعد ذلك حجاب يشترك في ظاهرة اللباس من ذلك الذي يسمى موضة، في أمرين:
أولا، أنه لباس يخضع لمقاييس التقييمات الموضوعية الواقعية من زينة وقبول ورفض، فهو بهذا المعنى لا قيمة للدين فيه.
ثانيا، هو يؤشر على شخصية سلبية متأثرة بالواقع حد الخضوع، إمعة، مجرد فرد من قطيع يقبل أن يقع التقرير له ما يلبس وما لا يلبس.
ولما كان هذا التدين الوظيفي لا يحمل من الدين إلا الشكل، فهو تدين حري أن يجابه ويسفه، و لن يتم ذلك إلا بتبيين أسسه المغالطة، وهي أن التدين الوظيفي على نمط بني أمية وآل سعود، تدين فاسد لا ينتج إلا مسلمين شكليين بعيدون من أن يكونوا مسلمين رساليين أصحاب هدف وسعْي تغييري بالواقع.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: