د - المنجي الكعبي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5534
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في كلية منوبة.. جامعة تونس الأولى، احتفل جمعٌ فيها بذكرى حادثة العلم المشهورة على أسوارها، عندما تنازع مجموعٌ من الطلبة والطالبات بها على هامش احتجاجات، أمرَ تنزيل علم ورفع علم بداله، في حركة تجسّم غلبة بعضهم على بعض في تلك المطالبات التي كانوا يصطرعون من أجلها أسابيعَ قبلها.
وأساتذة منوبة، وأساتذة الجامعة عموماً أحترمهم ولكني لا أقدّرهم كلهم، لأن فيهم أزلاماً - كما تقول العبارة المتداولة بعد الثورة - من أزلام بن علي اجتهدوا أقصى اجتهادهم في خدمة أغراضه، وأطلق يدهم بمقابل ذلك لمصالحهم ونزواتهم، ونزغاتهم كما يقول ابن خلدون، الى حد لو كشفت الدوائر العلمية المحكّمة عن ملفاتهم، لضاعت مهابتهم التي اصطنعوها على أنقاض إقصائهم زملائهم وظلاماتهم لطلبتهم باللجان والانتدابات والشهائد، واضطرت القائمين على إصلاح ما أفسده دهرُ بن علي الى محاكمة عهد بأكمله داخل أسوار تلك الكلية بالذات، وربما غيرها من الكليات.
وفيهم شرفاء مخلصون صادقون عاملون جادون من أجل تغليب العلم وكف يد الباطل عليه، ولكن أصواتهم لم تكن مسموعة وقاماتهم كانت مخفوضة ظلماً والتهم منهم قريبة بالارهاب ونحوه.
وإلاّ فأين كانوا لما غيّر بن علي العلم بقانون، في سنة 99 تمجيداً لعهده وتمهيداً لرئاسيته الرابعة بعد 87 و 89 و 94. غيّره لا لشيء إلا لمطابقة صورة النجمة فيه لصورتها المقلوبة خطأ في العلم القائم بجانبه يوم تتويجه على عجل بالرئاسة؛ حتى يناسب وضع النجمة وقد تعدلت بقانون وضعَها في الصورة الرسمية له، التي لم يعد بإمكانه تعديلها إلا بذلك التدبير الساذج الأناني، وإلا كان بالإمكان تعديلها بالفوتوشوب لا بقانون دستوري.. ولكن ليطْبَع في النفوس صورته بذلك العلم كأنه التصحيح التاريخي الأمثل لرمز من رموز الوطن في عهده.
فعندما كتبت مقالاً لكشف هذه الخطيئة المقترفة ضد التاريخ وضد العلَم وضد المواضعات للقوانين وغيرها، لم يقبل بنشر مقالي أحدٌ من صحافة رأيه وفكره وأساتذة إعلامه ونفوذه، لأن وراء صدور ذلك القانون دراسات قام أساتذة جامعيون ومكتب دراسات موّلهم، وأيد كثيرة عابثة بالأموال معهم تصطاد الصفقات في طبع الأعلام ونسجها وترويجها بمئات الآلاف من النسخ.
ولما أعجزني الأمر على تبليغ تشهيرى بالقانون و - بالتدقيق - بشرح الأسباب المبررة لإصداره بتلك الصفة وذلك الأسلوب وفي تلك الذكرى - الأربعين - لصدور الدستور، لم أجد سوى الذكرى، التي استخدمت مناسبة لتسوية وضع قيل في شرح الأسباب إنه غائب منذ أربعين عاماً (بمعنى تأخر صدور نص قانوني تطبيقاً لذلك الفصل من الدستور المخصص لوصف العلم الوطني أربعين عاماً!!). فكشفت الأمر في كلمة أتيحت لي بالنقاش العام على منبر جمعية البرلمانيين التونسيين، بمدرج بكلية الحقوق، بمناسبة ندوة حول \"أربعينية\" الدستور بإشراف السيد رئيس مجلس النواب آنذاك الاستاذ فؤاد المبزع. وإذا رئيس الجمعية يقاطعني محتجاً بأني استثرت عدداً من شيوخ المقاومين الحاضرين الذين ساءهم سماع تعديل العلم الى غير ما عهدوه في حياة نضالهم وكفاحهم واستشهاد إخوانهم. ولتطمين أنفسهم أعلن أنه لا تبديل ولا تغيير في العلم ولكنه وهمُ واهم وخطأ تقدير أو سوء فهم من السامع.
وفي عهد رئاسته الوقتية، بادرت بعد الثورة بمكاتبة السيد رئيس الجمهورية الجديد، لعله يتدبر - وهو العليم بالأمر - تصحيح بعض شناعات المخلوع، ويصدر مرسوماً في ذلك، لكي لا يتداول الأمرُ في صورة العلم كما أراده المخلوع أن يدوم كدوام ملكه. ولكنه تجاهل ربما من باب اسلم تسلم، أو دفن الرأس في الرمل حتى تمر زوبعة الثورة ويخرج منها بسلام.
ومرت الفرصة والثورة في أولها ولم أشأ أن أباغت المجتمع بموضوع كان في غنى عن الخوض فيه خارج أطره المؤسسية.
واتصلت أكثر من مرة بعد ذلك بكتابة السيد رئيس المجلس الوطني التأسيسي الدكتور مصطفى بن جعفر لإحاطته بالموضوع، ولكن تقدير المشاغل والاهتمامات ليس واحداً، فتركت الإلحاح لأنه من غير طبعي.
وأرسلت في الأخير مذكرة في الغرض الى السيد رئيس الحكومة السيد حمادي الجبالي، لا أدري إن كانت بلغته في زحمة الأحداث والمشاغل وإن شئت قلت الأولويات.
وليت أساتذتنا في الكلية القائمين على احترام العلَم والتجييش السياسي من أجله، أن يتحركوا للمطالبة معي بكشف ملابسات مكتب الدراسات الذي وضع الدراسة لتأييد تغيير العلم بالصفة التي تعدّل بها في ذلك القانون. فلعل مسعاهم يكون الأقرب للعلم والموضوعية وتصحيح التاريخ منه الى غيره من ملابسات تنزيل علَم، يرمز - رغم جهل أصحابه بتعديله - الى وضْعٍ ظالم ورفع علم إلى جانبه أو في موضعه أكثر تعبيراً عن حريتهم بعد ثورة للحرية والكرامة والعدالة، لم يشكك أحد في تلقائية القائمين بها وهمومهم.
تونس في 8 مارس 2013
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: