البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

اقتسام الدم أَدْرأ للفتنة

كاتب المقال د - المنجي الكعبي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7522


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


صعبٌ في برد الحزن أن يجد المرء حرارة الكلمة التي تذهب الى العقول. فأن يسقط طود شامخ أمامك ليصبح كالقشة على قدره ليس بالأمر الهين على الاحتمال.
فالذي كان بالأمس يملأ بالرعب خصومه ويدفع في أنصاره كل طاقة بالفداء، ليس بالقتيل الذي دمه لا يُطلّ كما يقول الشاعر القديم.
ولكن ما الحكمة من الجزع أمام القضاء والقدر؟ لا حكمة، إلا (حكمة) الضلالة والفتنة والعياذ بالله.

والاغتيال السياسي قتل لا محالة وجناية لا محالة من جانب الفعل المادي، ولكنه قتل ذو طبيعة خاصة سياسية، يمكن أن ترد في جميع الأحوال الى الصراع على الحكم.
وقد طبع الله في البشر حب السلطة أو طلب السلطة غريزة، لانتظام الكون على نحو من العبودية للمعبود والربوبية للمربوب والمرؤوسية للرئيس وهكذا.. فكان عليها التنازع من قديم الكون ولا خصيصة لها بالعرب.
فكلنا أصبحنا طالب سلطة بعد الثورة، لأن مسالكها لم تكن متاحة لكل مؤهل لها أو ذي كفاءة لتوليها..

ولم يكن الفقيد بأهوننا في المطالبة بها، بالاستحقاق الذي يراه لنفسه ويراه له حزبه لاقتداره ونضاله وقوة جأشه وبأسه وعناده بالقول والفعل. فصنعت الثورة أمامه نهراً من الحرية لا يردّ جريه، فهرهر وأزبد كأنما يعوّض على كبت الماضي وينفّس عن صدر المغلول. ولكنه كان في كل مرة يتوقف، ولكن لا ليرتد وإنما ليقوى أكثر على تخطي العراقيل ومقارعة الخصوم. وأصبح هاجسه الأقوى ألا تقع فتنة بالقول أو الفعل بسببه ولا بسبب غيره. لأن الثورة كانت أعز عليه من أن تنتهك ويجري تيارها لغير طريقه.. ولم تكن الفتنة حاضرة في ذهنه حضورها في ذهن أحد أكثر منه. لماذا؟ لأنه كان بحكم ذلك كله وبطبيعته الأخوف من وقوعها بيده حتى لا تقع بيد غيره، كالفعل ورده. وكذلك كان الاغتيال السياسي، حاضراً على لسانه، يحذر منه ويعود ليحذر منه كأنما يراه لتوه ماثلاً أمامه.

ووقع المحذور، وتلك بلية ابتلى الله بها عباده في الاسلام وقبله، ربما لتنصلح الحياة بعد ارتطامها بكل منعرج وآخر..
واليوم، بعد بضع وثلاثين شهراً من الثورة تقوم قيامة التونسيين على وقع رصاصات في رأس وقلب شكري بلعيد وهو موثوق الى كرسي سيارته بحزام النجاة - في تقديره - ولكن القدر أرداه بإحدى تلك الرصاصات رحمه الله وأجزل الصبر عليه.. على المصيبة به في كبد الثورة. ويا له من اغتيال، سيبقى جرحاً كأعمق الجروح على جبين الثورة التونسية.. السلمية.
أجل السلمية. وينبغي أن تبقى كذلك كما كان يريدها ويناضل من أجل أن تبقى كذلك الى آخر نفس من أنفاسه بعد ساعات على ظهوره بين أحضاننا على شاشات بيوتنا وكأنه واحد منا.
فما العمل بعده لإحياء ذكراه بيننا؟ هل بالفتنة التي كان يحذر منها أم باقتسام دمه درءاً للفتنة، بذلك الدم العزيز الذي أريق بغير حق، وتذهب المطالبة كالمطالبة بغير حدود الله.
كلا، إن الثورة من حدود الله، لأنها إنما قامت على الظلم. وقديماً قال الإمام علي رضي الله عنه: لا بد للناس من إمارة برة أو فاجرة، فقيل: يا أمير المؤمنين، هذه البرة عرفناها فما بال الفاجرة؟ فقال: تقام بها الحدود وتأمن بها السبل.
فإذا كان دمه أريق للفتنة به بين أنصارها أو بين الخصوم والخصوم داخل الثورة، فلا نجعل دمه يذهب لمن أراد به الفتنة، ونسقط كل مخطط للاقتتال بين أبناء الثورة الواحدة. لأنه هو بالضبط ما كان يخشاه. فلو كانت له رسالة وهو في تأبين غيره بالاغتيال، لما قال غير ما كان يقوله ويردده: «لا تغتالوا بعد اغتيال أحدنا، وكونوا كما لا يريدكم أعداؤكم أقوياء على الألم، أشداء على طلاب الفتنة أن يغلبوا عليكم». فكم من اغتيال سياسي انقلبت نتائجه بناء مرصوصاً في صفوف الأمة، ليخلد دمه كالإسمنت، أو كالعهد الوثيق الذي لا رابط أقوى للأرواح منه، دونه رابط الابدان.
فالثورة أعظم من الاغتيال، فلا تغتالوها بدم الشهيد شكري بلعيد أبداً، بل إحييوها من أجله. وسوف نتعالى الى معنى قوله تعالى: {الفٍتْنَةُ أَشَدُّ مٍنَ الْقَتْلٍ}، لنقول إن الفتنة في الثورة أقوى من الاغتيال. فهل سالت دماء قليلة قبلها أم سوف لا تسيل دماء كثيرة بعدها، ولنقف على قول شوقي:
ففي القتلى لأَجـــــــيالٍ حياةٌ
وفي الأَسْرَى فِدًى لهمُ وعِتْقُ
وللحريةِ الحمــــــــــــراءِ بابٌ
بكلِّ يَدٍ مُضَــــــــــــرَّجَةٍ يُدَقُّ
ولقد أصاب رئيس الحكومة حين وصف الاغتيال السياسي في هذه المرحلة باغتيال الثورة، لتعظم به المطالبة باسم المجتمع ولا ينفرد بها مَن دونه مِن ولي الدم كالقتل الذي يقبل فيه الصلح أو السقوط أو المعارضة.

تونس في 6 فيفري 2013


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، إغتيال شكري بلعيد، اليسار التونسي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 7-02-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  ‏حرب يتحمل تبعاتها الطرف المتسبب
  ‏لا خيار أمام ترامب غير خيار الحق
  لابن خلدون نظر وتحقيق
  ‌في ذكرى انبعاث الطوفان لحمل العدو وآلته العسكرية إلى حيث مصيره
  قتل بحجم النصر لقضية ‏المتوفى
  الإسلاموية في فرنسا
  حبر الانتخاب أو بيعة الرضوان
  ‌قدس يسوى أغلى من حسن وهنية
  ‏لينعم السيد حسن نصر الله باستشهاده
  ‌‏بقتل سيد المقاومة اللبنانية تخسر ‏ إسرائيل
  الرمز يُعلى بالإستشهاد ولا يسقط بالموت
  اللائكية كدين يستقلع الأديان ليحل محلها
  الحرب سجال والإنتصار قتال
  قليل من قلة الذوق ‏والشعارات الفارغة
  عملية أللنبي الأخيرة
  جامعة وكلية وقانون‏ ونفوس معقدة من مخلفات الاستعمار ومقبلات الاستقلال
  المستقبل السعيد
  ونقول للمحسن أحسنت
  ‌الرد المستور أقوى من الرد المكشوف الظهر
  ‌الحرب من أجل أمريكا والعالم
  ويذيق بعضكم بأس بعض
  ‌‏الرد الممدود
  ‌نُصرت بالرعب
  سفرة ناتنياهو إلى واشنطن استئذان بايدن على قتل هنية
  ‌إسرائيل أخطأت بقتل هنية بناتنياهو أي وهي تريد ناتنياه
  تناقل أقوال تشومسكي عضو بيت الحكمة في تونس
  مخطوط قيرواني نادر الوجود في بيت آل الكعبي
  وثائق زيتونية شابية عن إحالة الأستاذ الدكتور المنجي الكعبي على مجلس التأديب بتاريخ 25/03/1991
  تحلّ المشاكل بالأقوياء لأنها تنشأ بالضعفاء
  حادث بمثقال ‏الحادي عشر من سبتمبر

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - الضاوي خوالدية، محمد العيادي، الهادي المثلوثي، د- هاني ابوالفتوح، أ.د. مصطفى رجب، د - محمد بنيعيش، د. أحمد بشير، سفيان عبد الكافي، نادية سعد، سعود السبعاني، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. خالد الطراولي ، حسن الطرابلسي، عزيز العرباوي، د- جابر قميحة، إياد محمود حسين ، محمد عمر غرس الله، رافد العزاوي، سلام الشماع، د - عادل رضا، ضحى عبد الرحمن، حسن عثمان، رحاب اسعد بيوض التميمي، عمار غيلوفي، رمضان حينوني، عبد الله الفقير، المولدي اليوسفي، مراد قميزة، الهيثم زعفان، بيلسان قيصر، أبو سمية، سامر أبو رمان ، إسراء أبو رمان، د. أحمد محمد سليمان، محمود سلطان، ياسين أحمد، مجدى داود، يزيد بن الحسين، أحمد النعيمي، مصطفى منيغ، رافع القارصي، عبد العزيز كحيل، كريم فارق، محمد الطرابلسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد أحمد عزوز، صفاء العراقي، وائل بنجدو، محمد علي العقربي، المولدي الفرجاني، جاسم الرصيف، د. صلاح عودة الله ، خالد الجاف ، علي عبد العال، عمر غازي، محمود فاروق سيد شعبان، سليمان أحمد أبو ستة، علي الكاش، د. طارق عبد الحليم، عبد الله زيدان، د- محمود علي عريقات، فتحي العابد، رضا الدبّابي، د- محمد رحال، عواطف منصور، مصطفي زهران، د. عبد الآله المالكي، ماهر عدنان قنديل، د - المنجي الكعبي، أحمد بوادي، صالح النعامي ، د - محمد بن موسى الشريف ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، طلال قسومي، د - شاكر الحوكي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فتحي الزغل، حميدة الطيلوش، فوزي مسعود ، أحمد الحباسي، صفاء العربي، محمود طرشوبي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد اسعد بيوض التميمي، حاتم الصولي، صلاح الحريري، العادل السمعلي، د. عادل محمد عايش الأسطل، عراق المطيري، فهمي شراب، د - مصطفى فهمي، سامح لطف الله، د.محمد فتحي عبد العال، سيد السباعي، تونسي، فتحـي قاره بيبـان، أشرف إبراهيم حجاج، إيمى الأشقر، يحيي البوليني، حسني إبراهيم عبد العظيم، أنس الشابي، عبد الغني مزوز، محمد يحي، صباح الموسوي ، طارق خفاجي، الناصر الرقيق، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد الياسين، محمد شمام ، أحمد ملحم، رشيد السيد أحمد، د - صالح المازقي، محرر "بوابتي"، عبد الرزاق قيراط ، صلاح المختار، كريم السليتي، منجي باكير، سلوى المغربي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة