(287) تقارير الخبراء عن حصاد الثورات العربية وتأثيراتها فى الستة أشهر الأولى لاندلاعها
د - أحمد إبراهيم خضر - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7619
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تعتبر هذه المقالة تحليلا لحال الثورات العربية بعد ستة أشهر فقط من اندلاعها، ويمكن للباحث المدقق أن يقارن بين التوقعات المستقبلية لهذه الثورات وقتها، وبين ما وصلت إليه الأمور الآن ليقارن بين الحالين ويفهم ما وراء ذلك.
من المعروف أن الكتاب الغربيين هم الذين أطلقوا على الثورات التى اندلعت فى العالم العربى منذ شهر ديسمبر من عام 2010مصطلح "الربيع العربى. ويقصدون بهذا المصطلح :" هذه الموجة المستمرة من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التى نجح بعضها فى الإطاحة برؤوس بعض الأنظمة – كما فى تونس ومصر- واندلعت فى بعضها الآخر حروب أهلية كما فى ليبيا، واشتعلت انتفاضات فى دول مثل سوريا، واليمن، والبحرين. وخرجت احتجاجات قوية فى دول أخرى كالجزائر، والعراق، والأردن، والمغرب، وعمان، بالإضافة إلى احتجاجات محدودة فى العديد من دول منطقة ما يسمى بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا " ( MENA).
اهتمت بعض التقارير بمحاولة تحديد الوضع الحالى للثورات وفترة بدايتها ونهايتها كما حاولت إحصاء ضحايا هذه الثورات وذلك على النحو التالى :
وتنظر تقارير أخرى إلى هذه التظاهرات والاحتجاجات من عدة زوايا مختلفة أهمها :
(1) أنها تمثل نقطة تحول لتغيرات لا رجعة فيها سواء على مستوى المنطقة و على مستوى الفضاء السياسى العالمى.
(2) أن التغيير الأهم الذى أحدثته هذه الثورات والاحتجاجات هى أنها غيرت طبيعة العقد الاجتماعى الذى يحكم العلاقة بين الحكام العرب وشعوبهم. صحيح أن الصدع كان قد بدأ يدب فى أوصال هذه العلاقة منذ عقود مضت، لكن هذه الثورات والاحتجاجات أدت إلى تمكين جذرى للقاعدة الشعبية فى العالم العربى.
(3) لم تمتد هذه التظاهرات والاحتجاجات خارج العالم العربى على الرغم من أن هناك أجزاء أخرى من العالم تواجه مشاكل هائلة بسبب الركود الاقتصادى،والفساد، والزيادة السكانية، وهذا يعنى أن المنطقة العربية تتمتع بحركية إقليمية قوية قد ترجع إلى الوحدة الثقافية التى تجمع بين شعوبها، وتشعر بها هذه الشعوب بقوة.
تابع الخبراء والمحللون والمعلقون حصاد وتأثيرات هذه الثورات على مختلف الأصعدة، ووضعوا تصوراتهم على النحو التالى :
أولا : على المستوى السياسى
(1) اختلف تأثير هذه الثورات على دول المنطقة بفعل التنوع الهام الذى يميزها عن غيرها من بلاد العالم. الذى حدث فى تونس ومصر لم يتكرر بسهولة فى ليبيا واليمن وسوريا والبحرين. وفى حين تقوم القوات الدولية بمساعدة الثوار فى ليبيا، فإن قوات درع الخليج قامت بمساعدة البحرين على قمع التظاهرات، وذلك على عكس ما يجرى فى سوريا وليبيا واليمن، فلا تزال الأنظمة فيها صامدة فى مواجهة هذه الثورات.
(2) اهتمت العديد من الأدبيات التى كتبت عن الثورات العربية بالآفاق المستقبلية لهذه الثورات، ومدى انتشارها أو توقفها، وكانت أهم استشرافات المعلقين لمستقبلها على النحو التالى :
أ- أن سقوط الأنظمة فى ليبيا وسوريا واليمن حتمى على المدى الطويل.
ب- أن الدول الخليجية الأكثر غنى ستنجح فى مقاومة التغير السياسى وفقا لسياسة الجزر والعصا.
ج- أن مصير الانتفاضات العربية لا يزال معلقا فى الميزان، وأن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لهذه الانتفاضات :
السيناريو الأول : حدوث تغيرات ديموقراطية هزيلة ( تصل نسبة هذا الاحتمال إلى ستين فى المائة). قد تنجح بعض الدول العربية التى حدثت فيها هذه الثورات فى إحداث إصلاحات ديموقراطية، لكنها عبارة عن هجين بين الديموقراطية والاستبدادية، بحيث يفشل التغير السياسى فى تحقيق محاسبة حقيقية للحكومة أو مشاركة شعبية حقيقية فى صنع القرار.
السيناريو الثانى : بقاء الأنظمة المستبدة ( وتصل نسبته إلى عشرين فى المائة ). تخرج فى هذا السيناريو الجهود المبذولة لبناء مؤسسات ديموقراطية عن خطها الأساس بسبب التناقضات الداخلية بين الثوار، وبسبب القوى المعارضة للثورة أو مايسمى بالثورة المضادة، وهنا يظل الحكم التسلطى هو المعيار القائم.
السيناريو الثالث : الاختراق الديموقراطى ( وتصل نسبته إلى عشرين فى المائة أيضا). يحدث هنا تحول ناجح لأنظمة ديموقراطية فعالة. تعطى مصر وتونس مثالين لذلك. وهناك أنظمة أخرى قد تفشل أو تجبر على إجراء إصلاحات بفعل الضغط الشعبى. فتكون هناك ديموقراطية ممثلة ولكن مع ضعف واضح فى بنيتها.
هناك بعض البلدان العربية ذات الخبرة فى المؤسسات الديموقراطية مثل الكويت والعراق ولبنان والأراضى الفلسطينية، لكنها تعكس فى الحقيقة مأزق الديموقراطية المتصدعة فى العالم العربى، بحيث نجد مايسمى بالملاكمات الحزبية التى تؤدى فى النهاية إلى طريق سياسى مسدود.
ثانيا : على مستوى علاقات القوى الإقليمية
أثرت الثورات العربية على الاستقرار السياسى فى العديد من بلدان المنطقة، لكنها فشلت فى إحداث تغيير أساسى فى أبنية القوى الإقليمية، وقد يرجع ذلك الفشل إلى :
1- استمرار الإمداد الآمن بالنفط،
2- استمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى العربية
3- وجود عدة طرق بديلة تمكن الولايات المتحدة والدول الأوربية من أن تجعل سياسات حكومات المنطقة متناغمة مع المصالح الغربية بحيث تكون أفضل من الوضع الذى كانت تساند فيه حكومات ما قبل الثورات.
وقد حدد الخبراء تصوراتهم لعلاقات القوة الاقليمية بعد الثورات على النحو التالى :
أ- احتمال عودة ظهور مصر كقوة إقليمية رائدة : يرى المعلقون أن تطورات الأحداث فى مصر قد يكون لها انعكاسات قوية على المنطقة بأسرها، فإما أن تنجح عملية التحول الديموقراطى فى مصر فتصبح خارطة طريق لشعوب المنطقة، وإما أن تفشل هذه العملية فيقوى موقف المعارضين للتحول الديموقراطى.
ب- تأثير الثورات على دول الخليج
يرى المراقبون أن تأثير الثورات العربية على الأوضاع الداخلية لدول الخليج سيظل محدودا نسبيا، وذلك لقدرة هذه الدول على استخدام ثروتها النفطية وأجهزتها الأمنية فى تحقيق التوازن الداخلى، لكنهم يفرقون بين الدول عالية الثروة، وقليلة الثروة كالبحرين واليمن، وهما الدولتان اللتان اشتعلت فيهما حركات الاحتجاج.
ويرى المراقبون أيضا أن فقد دول الخليج لحليفها القوى فى مصر، قد يجعل الكارت الطائفى عاملا هاما فى مواجهة النفوذ الإيرانى. كما يتطلب الأمر سياسة أكثر براجماتية فى التفاعل مع الأزمة اليمنية، خاصة وأن استقرار الأوضاع فى المنطقة هو الشغل الشاغل لدول الخليج.
ج- من غير المحتمل أن يمتد تأثير الثورات العربية إلى إيران: يرى الخبراء أن إيران الآن تعيش مرحلة ما بعد الثورة وليس قبلها، لكن الثورات العربية من جانب آخر صعدت من حدة التنافس الخليجى- الإيرانى خاصة بعد التمرد الشيعى فى كل من اليمن والبحرين، واتجاه مجلس التعاون الخليجى إلى دعوة المغرب والأردن إلى الانضمام إليه، ورأى الخبراء فى هذه الخطوة محاولة للحد من النفوذ الإيرانى.
ج- بروز أهمية الدور التركى فى مرحلة ما بعد الثورات : تعطى تركيا نموذجا واضحا لعملية التحول الديموقراطى لدول المنطقة. لكنه فى الوقت الذى تعلو فيه نغمة تأييد التغيير فى سوريا، فإن الأتراك يخشون من اشتعال الحرب الطائفية فيها.
د- تذبذب فاعلية جامعة الدول العربية : يرى المراقبون أن فاعلية جامعة الدول العربية قد ازدادت بعدما اتخذت قرارا بعزل ليبيا وتأييدها لقرار الأمم المتحدة بالحظر الجوى على سماء ليبيا، وتهديها بإيقاف سوريا، لكنها كانت تتهم بترددها كثيرا فى اتخاذ موقف من الثورات العربية، كما يرون كذلك أن الجامعة العربية تعرضت للاهتزاز بسبب الفاعلية المتزايدة لمجلس دول التعاون الخليجى.
ثالثا : على مستوى دور الغرب فى المنطقة :
حلل الخبراء دور الغرب فى ثورات المنطقة على النحو التالى :
1- قد يكون للتدخل الغربى فى ليبيا تأثيرا هاما على المنطقة برمتها، فإذا انتهت مشكلة الحرب الأهلية فى ليبيا على وجه السرعة، وكان هناك دور للإتحاد الأفريقى، فإن الأضرار على مصداقية الغرب فى المنطقة لن تكون كبيرة، أما إذا كان الأمر على خلاف ذلك فإن هذا الضرر سيكون كبيرا.
2- سيظل الاستقرار فى المنطقة هدفا أساسيا للسياسة الغربية، لكن موقف الغرب من انتفاضات اليمن والبحرين سيظل موضع اختبار خاصة بعد تدخله فى ليبيا تحت دعوى حماية المدنيين. ( ومن المعروف أن الصراع بين الغرب والشيعة ممثلا فى إيران هو صراع مصالح وليس صراع مبادئ فهم متفقان فى عدائهما لأهل السنة ). والظاهر حتى الآن هو أنه لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوربى يؤيدان تماما هذه الانتفاضات، وفى نفس الوقت يصعب على هذه الحركات أن تبقى على المدى الطويل بدون تأييد خارجى.
رابعا : على مستوى التنظيمات الإسلامية :
يرى الخبراء أن قراءة العلاقة بين الثورات والتنظيمات الإسلامية تبين ما يلى :
1- أنه على الرغم من لحاق التنظيمات الإسلامية كتنظيم الإخوان فى مصر والنهضة فى تونس بالثورات العربية، فإن المؤكد هو أن هذه الثورات قد تجاوزت الخط الإسلامى، فقد كان من الواضح أن الإيقاع الدينى غائب تماما حتى فى هتافات المتظاهرين.
2- أنه على الرغم من أن هذه الثورات قد همشت منذ بدايتها الحركات الإسلامية، فإن معظم المراقبين يرون أنه من المحتمل أن تكون هذه الحركات وخاصة صاحبة التنظيم العالى لا عبا رئيسا فى الفضاء السياسى لمرحلة ما بعد الثورات.
3- ظهر جليا أن الحركات الإسلامية التى تشكلت فى عهود الأنظمة التسلطية تواجه الآن تحديات وتوترات بداخلها من قبل النشطين من الشباب، الذين يؤيد الكثيرون منهم فكرة الانفتاح والتعددية.
4- ظهر أيضا بصورة جلية أن التنظيمات الإسلامية تنتهج الآن فى أجنداتها نهجا توفيقيا لمواجهة مطالبة الجماهير بالحرية والديموقراطية، ومن هنا فهى تحاول الآن عقد تصالح مع الديموقراطية العلمانية.
5- من المحتمل أن تعقد التنظيمات الإسلامية تحالفات مع الأحزاب الأخرى، وأن توجد لها نفوذا محدودا فى الحكومة، ولهذا فهى قد تقبل بحقائب وزارية معينة فيها كالصحة والعدل وتتجنب الحقائب الحساسة كالخارجية والدفاع.
6- يحتمل أيضا أنه ما أن تعزز التنظيمات الإسلامية أوضاعها حتى تتحدث بوضوح عن طموحاتها الإقليمية فتكون أقل تسامحا فى قضايا مساندة الولايات المتحدة لإسرائيل، وعملية السلام.
7- أن نجاحات تنظيم الإخوان فى مصر سوف يؤثر على مشهد التنظيمات الإخوانية الأخرى فى الأردن والمغرب، وربما فى تونس والسودان.
8- بروز دور الاتجاهات السلفية : ناقشت أوراق المخابرات الأمريكية بروز دور الاتجاهات السلفية، وكشفت عن التناقضات التى أبرزتها الثورة، بين أجندة الليبراليين وخاصة فيما يتعلق بدور المرأة فى مرحلة ما بعد الثورة، وأجندة السلفيين المحافظة، واعتبرت هذه الأوراق أن دور الانترنت فى طرح مسألة مشاركة المرأة فى السياسة قد بدد المكاسب السابقة التى بذلت من أجل حقوق المرأة .
خامسا : على مستوى دور الشباب والمجتمع المدنى.
توصل المراقبون لعلاقة الثورات العربية بدورالشباب والمجتمع المدنى إلى التصور الآتى :
1- أنه على الرغم من براعة الشباب فى استخدام وسائل الاتصال الاجتماعى فى تعبئة وقيادة التظاهرات فى معظم دول المنطقة، فإنه من غير المحتمل أن يكون دورهم فى التحول السياسى فى بلدانهم بنفس الدرجة فى حشد وقيادة التظاهرات. تفتقد حركات الشباب إلى القيادة و إلى الأرضية السياسية التى تمكنها من تنفيذ أجندتها. وصحيح أن المجتمع المدنى والسياسى لعب دورا محدودا فى هذه التظاهرات، لكن دوره فى اللعبة السياسية سيكون بعيد المدى. نجح الشباب باستخدامه وسائل الاتصال الاجتماعى فى حضور الاجتماعات السياسية والاجتماعية المتنوعة، لكن الطبيعة غير المتبلورة لجماعات الشباب تعنى أنهم لم يتمكنوا من مواصلة دورهم.
تحتاج حركات الشباب إلى الوصول إلى القطاعات المحافظة من الجماهير فى المناطق الريفية الذين يشكلون غالبية المقترعين فى الانتخابات فى العديد من دول المنطقة، وهذا أمر ليس بالسهل. ويعنى أن فرصة حركات الشباب فى القدرة على تشكيل أحزاب سياسية فعالة تنافسية فى الانتخابات القادمة فرصة محدودة.
وتقدم "دانييلا بليد " تحليلا تطبيقيا لذلك فى مصر فتقول :" لا يزال الكثير من الناس يعتصمون فى ميدان التحرير بالقاهرة، ولكن الأمر الآن هو مصر ليست هى القاهرة وميدان التحرير فقط....... إن النظام السابق كان قد ضبط كل إيقاعات الحياة فى البلاد جميعها، ومن هنا فإنه يجب على الثوار أن ينقلوا الثورة إلى كافة المؤسسات المحلية كالمصانع والجامعات، والمحليات...........ومن ناحية أخرى فإن أهل القرى والأرياف لهم مظالمهم الخاصة بهم، ولهم متطلبات أيضا. إنهم ذوو فهم سياسى أفضل من فهم الصفوة المصرية فى العاصمة...... لقد تأثرت جدا فى لقاءاتى مع الفلاحين والعمال المصريين بوعيهم العالى بقضايا مصر، وبهذه المعلومات المتوافرة لديهم إذا ما قورنوا بشعوب الدول الديموقراطية الكبيرة التى تنفق أموالا كبيرة على التعليم....... وإنى أعتقد أن هناك إدراكا متناميا بين النشطين لما هو مطلوب الآن فالأمر لا ينحصر فى التركيز على إلقاء دروس ومحاضرات على الناس عن المواطنة وأهمية الدولة المدنية، إن الناس فى حاجة إلى الاستماع إلى مطالبهم، والمشاكل التى تواجههم ويرغبون فى حلها.. إن السياسة يجب أن تتحرك فى اتجاهات متعددة وأن تكون خارج المدن الكبرى". (1)
2- أن مصر وتونس سوف تركزان على بناء مؤسسات سياسية ( الدستور والأحزاب السياسية والأنظمة الانتخابية) أما فى ليبيا مثلا فإن الأمر يحتاج إلى بناء مجتمع مدنى من الصفر.
سادسا : على مستوى الصراع العربى الإسرائيلى.
يرى المراقبون أن تأثير الثورات العربية على الصراع العربى الإسرائيلى كان على النحو التالى :
1- أطلقت هذه الثورات شرارات تظاهرات ضخمة على حدود إسرائيل الشمالية فى غزة والضفة الغربية.
2- شجعت هذه التظاهرات أكبرأطراف النزاع من الفلسطينيين على عقد اتفاق مصالحة بينهما، وهذا من شأنه أن يعزز موقف الفلسطينيين فى محادثاتهم مع إسرائيل، وفى سعيهم لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، بالرغم من قرار إسرائيل الحاسم بعدم التفاوض مع أية حكومة تضم حماس.
3- ساعدت هذه التظاهرات على فتح الحكومة المصرية الجديدة الحدود مع غزة مع التزامها بقرار مرور اربعمائة مسافر فقط.
سابعا : فى مسألة دور الجيش وقوات الأمن :
كانت تصورات المراقبين لعلاقة الجيش وقوات أمن النظام من جهة والثورات من جهة أخرى على النحو التالى :
1- أن علاقة الحكومة مع الجيش تمثل عاملا هاما فى تحديد إمكانية إبقاء أو عدم إبقاء النظام على التظاهرات الشعبية.
2- أثبتت قوات الأمن وحرس النظام فى بلدان مثل اليمن وسوريا وليبيا أنها أقوى تسليحا من قوات الجيش الرئيسة، وذلك لارتباطها القوى بالنظام وشدة إحكام قبضة الرئيس وعائلته القريبة عليها، واستعداها الذى لا يلين للحرب من أجل الدفاع عن وجودها.
3- تقول " دانييلا بيليد " فى تحليلها لموقف الجيش فى مصر :" عبر الجنرالات الذين يديرون شئون البلاد فى مصر صراحة عن استيائهم عما تسير عليه أمور الثورة، وعن المطالب التى لا تنتهى للثوار. فالناس جميعا تشكو من كل أنواع الظلم السياسى والاقتصادى والقانونى. والواقع أنه إذا كانت حسابات الجنرالات الرئيسة هى ببساطة إزاحة الرئيس وتعديل بعض مواد الدستور والتخلص من بعض الوزراء الذين يحظون بكراهية الشعب، فإن كل ذلك قد تحقق، ولكن الذى يبدو الآن هو أنه كلما طال بقاء الجيش فى السلطة كلما قلت فرصة سلامته من الأضرار التى تلحق بصورته التى كان عليها كبطل للثورة تسجل له كتب التاريخ موقفه المشرف منها ". وأكبر دليل على ذلك هو انتقاد الجيش فى مصر لحركة السادس من أبريل واتهامه إياها بتلقى تمويل من الخارج، ورد الحركة برفع دعوى قضائية على الجيش رافضة هذا الاتهام " (2)
ثامنا: فى المسألة الطائفية
يرى المراقبون أن انهيار الدكتاتوريات يؤدى إلى ظهور الصراعات الطائفية على السطح بعد أن كان النظام يقمعها. وتلوح هذه الصراعات فى الأفق خاصة فى البلدان التى تحكمها أقليات عرقية.
وأعطى المراقبون تقويما لهذه الصراعات فى دول المنطقة. فاعتبروا أن مخاطر هذه الصراعات عالية جدا فى اليمن وليبيا والبحرين، وعالية فى العراق ولبنان ومصر والأراضى الفلسطينية والكويت وتونس.
تاسعا : فى مسألة الجهاديين وتنظيم القاعدة :
توصل المراقبون فى مسألة الجهاديين وتنظيم القاعدة إلى الآتى :
1- عدم فاعلية تنظيم القاعدة كعامل أساس فى التغير السياسى، وقد ظهر ذلك بوضوح فى الدوافع التى حركت شباب الثورتين التونسية والمصرية. كانت حركة الشباب فى كل من البلدين سلمية ومطالبة بالحرية، ولم تكن تنادى بتحرير أرض المسلمين من العدوان الغربى.
2- كان يمكن أن يكون للقاعدة مكانا فى هذه الثورات فى حالة فشل الاحتجاجات والتظاهرات بسبب الإحباط الذى يمكن أن ينتج من هذا الفشل.
3- أن العديد من الجهاديين تمكنوا من الفرار من السجون فى فترة عدم الاستقرار فى مصر بعد الثورة.
4- أن فرص الجهاديين فى الظهور تكون فى حالة اشتعال الحرب الأهلية كما فى اليمن، والتدخل الأجنبى كما فى ليبيا.
5- يلاحظ أنه فى البلاد التى يكون فيها الاستبداد قائما، تكون اهتمامات قوات الأمن منصبة على الإمساك بالمعارضة الداعية إلى الديموقراطية، وتعطى حيزا أقل للقبض على الجهاديين.
عاشرا : فى مسألة الاقتصاد والتنمية
توصل الخبراء فى مسألة تأثيرات الثورات العربية على الاقتصاد والتنمية إلى الآتى :
1- على المدى القصير :
أ- ستكون الآثار الاقتصادية للثورات لصالح البلاد المنتجة للنفط التى تعيش حالة عدم استقرار محدودة.
ب - بالرغم من النجاحات الحالية والمحتملة للثورات على المستوى السياسى، فإن تأثيراتها على المستوى الاقتصادى سلبى بدرجة كبيرة. فقد أدت الثورة فى مصر على سبيل المثال إلى ركود عام فى الأوضاع الاقتصادية، الأمر الذي انعكس على وجوه متعددة للنشاط الاقصادي. ارتفع العجز فى الموازنة العامة للدولة بسبب عدم تناسب إيرادات الحكومة مع معدل الإنفاق، وارتفعت معدلات التضخم . انهار قطاع السياحة، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية وارتفعت الأسعار، وأغلقت العديد من شركات الإنتاج أبوابها، وتفاقت البطالة بسبب عودة العمالة المصرية من الدول العربية، وتسريح عدد من الموظفين من أماكن عملهم.
ب- تحتاج مصر وتونس إلى دعم خارجى لمواجهة العجز فى الميزانية وميزان المدفوعات بسبب الانخفاض الحاد فى الانتاج والتجارة والخدمات وفقدانهما لعائدات السياحة والمصالح المرتبطة بها، ويسرى هذا الأمر جزئيا على بلدان أخرى كالأردن والمغرب ولبنان. وقد قامت الدول الغنية المعنية بتشجيع الاتجاهات الديموقراطية فى المنطقة كدول الثمانى، وبعض دول الخليج بتقديم هبات وقروض إلى دول المنطقة. والمشكلة هنا هى أن خبرات الماضى تكشف أن الأنظمة كانت تستخدم هذه الهبات والقروض فى تدعيم بقائها فى السلطة، وأن الأمر قد يتطلب تأجيل هذه الهبات والقروض إلى مرحلة ما بعد الانتخابات.
ج- تعانى دول أخرى من انخفاض حاد فى الاستثمار الأجنبى مثل ليبيا وسوريا والبحرين.
2- على المدى الطويل :
أ- ترى مراكز المخابرات الاقتصادية والبنك الدولى أن اتجاه دول المنطقة إلى الديموقراطية قد يحقق لها فوائد اقتصادية، وأن هذا من شأنه أن يقلل الهوة بينها وبين الدول الأخرى فى متوسط الدخل القومى.
ب- أن مشاكل الفساد، ومحاولة تحقيق مطالب المواطنين بالتوصل إلى سياسة اقتصادية تصل إلى الطبقات المحرومة، واحتمالات هروب رأس المال إلى الخارج ستظل قائمة وستكون من أهم التحديات التى تواجه المنطقة فى مرحلة ما بعد الثورات.
ج- أن عدم وجود إصلاحات اقتصادية كالحال فى مصر قد يهدد التغيرات السياسية، وأن هذا قد يؤدى إلى ثورة ثانية ذات مطالب اقتصادية.
هذه هى خلاصة حصاد وتأثيرات الثورات العربية على المستوى المحلى والدولى بعد ستة أشهر من اندلاعها. ومن المهم هنا أن نوضح بعد متابعة آخر التطورات على الساحة ما يلى:
1- تقول " بيليد" : "أنه ليست هناك من جماعة منفردة يمكن أن تدعى أنها تتحدث بأسماء جميع المتظاهرين أو بإسم الشعب ككل، بل إن الاتجاه العام للتظاهر يسير فى اتجاه مختلف تماما، إنه الاتجاه نحو التشرزم. وفى مصر على سبيل المثال نجد أن التحالفات والائتلافات الثورية التى تدعى أنها تتحدث بإسم الثوار انقسمت إلى جماعات متعددة. وليست هناك واحدة منها تستطيع أن تقول بأنها تتحدث بإسم الجميع. ويعتقد بعض الشباب أن هذا الانقسام بين المتظاهرين وكونهم يتحدثون عن أنفسهم فقط شيئ طيب، لكنهم – كما يقولون- سوف يستمرون فى الضغط على السياسيين حتى إذا لم يشكلوا هم لأنفسهم أحزابا سياسية أو يدخلون فى معترك السياسة. لكن الواقع هو أنهم يستنفذون طاقاتهم بمحاولتهم دخول دهاليز السياسة والسلطة وهو أمر صعب للغاية. خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار أن عددا هائلا من جماهير الشعب غير راضين عما تؤول إليه الأمور فى الشارع".
3- لا تستطيع الأحزاب المتعددة التى ظهرت بعد نشوب هذه الثورات أن تقيم دليلا واحد مقنعا إذا ادعت بأنها تتحدث بإسم المتظاهرين الذين خرجوا فى الأيام الأولى للثورة، أو أنها تتحدث بإسم الملايين من أفراد الشعب.
4- لا زالت نتائج الصدام بين الجيش والثوار – كما حدث فى انتقاد الجيش فى مصر لحركة السادس من أبريل بأنها تتلقى تمويلا من الخارج – كما أشرنا سابقا – لم تظهر بعد، وهذا ما سوف تكشفه الستة أشهر القادمة.
...............................................................
(1) الكاتبة " دانييلا بيليد " تكتب دائما عن إسرائيل وفلسطين فى صحيفتى هآرتز الإسرائيلية والجارديان البريطانية، ولها موقع خاص تكتب فيه عن الثورات العربية بعنوان " الربيع العربى "وهى أيضا محررة بـ "معهد الحرب والسلام لتدريب الصحفيين في مناطق الصراع"، وكانت محررة فى " كرونيكل اليهودية" ومن المهم الإشارة إلى أن تحليلاتها لأحداث الثورة المصرية كانت من واقع حضورها إلى مصر ودخولها ميدان التحرير وتنقلها فى مدن مصر المختلفة ومقابلاتها مع العمال والفلاحين المصريين، ولا يمكن لمدقق أن يفهم ما تكتبه على أنه مجرد كتابات صحفية، بريئة من التحليلات والاستنتاجات التى تخدم أعمال المخابرات.
(2) انظر تأكيدات "مايكل شوسودوفسكى " على تلقى حركة السادس من أبريل وحركة كفاية وحركات المعارضة دعما وتمويلا من الولايات المتحدة فى مقالتنا : " الطاغية الحقيقى لم يسقط بعد. رسالة اقتصادى كندى للشعب المصرى " ( شبكة الألوكة وموقع بوابتى)
المصادر :
1-Aidan Prinsloo The rise of Salafism in post-revolution Egypt: Women, the Internet and progressive ideals vs. conservatism,
www.consultancyafrica.com/index.php?...salafism...revolution-egyp.
2-Daniella Peled , Egyptians Frustrated Over Direction of Revolution signs that many doubt the protest movement will achieve its demands of sweeping reforms.
wpr.net/report-news/egyptians-frustrated-over-direction-revolution
3-Helpdesk Rsearch Report : Effects of The Arab Spring on the Middle East and North Africa
www.gsdrc.org/docs/open/HD774.pdf
4- James Reinl,Arab Spring for region economics says UN Report
www.thenational.ae/.../arab-spring-bad-for-regions-economies-says-...
5- Jaochim Paul , Effects of Arab Spring, Palestinian Kids in front of the wall between Ramallah and Jerusalem
www.boell.org/web/132-782.html
6-The Arab spring death toll. The price of protest ,so far jul 14th 2011, The Economist
www.economist.com/blogs/dailychart/2011/.../arab-spring-death-toll
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: